Monday, October 26, 2020

اسمه يحيى

بسم الله الرحمن الرحيم ((كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) ))


إن سألت الناس اليوم ما أكثر شيء تذكره عن يحيى بن زكريا فلعلهم يقولون لك قصة قتله، حتى أنا فعندما كنت صغيرا كان بعض من أهلي يتداولون قصة قتله و تلك الصورة البشعة لتقديم رأس يحيى عليه السلام للبغي لم تفارق مخيّلتي كلما تذكرت هذا النبي الذي لم يجعل الله له من قبل سميا. فإن لم تكن تعرف ما قصة قتله أنقل إليك قصة قتله من كتاب البداية و النهاية لابن كثير. 


قال ابن كثير: وذكروا في قتله أسبابا من أشهرها: أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق، كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه، أو من لا يحل له تزويجها، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فبقي في نفسها منه، فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها، استوهبت منه دم يحيى فوهبه لها، فبعثت إليه من قتله، وجاء برأسه ودمه في طشت إلى عندها، فيقال: إنها هلكت من فورها وساعتها. وقيل: بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها الملك، ثم أجابها إلى ذلك، فبعث من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طشت.  


وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه المبتدأ حيث قال: أنبأنا يعقوب الكوفي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن ابن عباس أن رسول الله ليلة أسري به رأى زكريا في السماء، فسلم عليه وقال له: يا أبا يحيى خبرني عن قتلك كيف كان، ولم قتلك بنو إسرائيل؟  قال: يا محمد أخبرك أن يحيى كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجها، وكان كما قال الله تعالى {وَسَيِّدا وَحَصُورا} وكان لا يحتاج إلى النساء، فهوته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها، فأجمعت على قتل يحيى، ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب.  قال: فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجبا، ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما سألتني شيئا إلا أعطيتك، قالت: أريد دم يحيى بن زكريا، قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك. قال: هو لك.  قال: فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي، قال: فذبح في طشت وحمل رأسه ودمه إليها.  


قال: فقال رسول الله : « فما بلغ من صبرك».  قال: ما انفتلت من صلاتي.  قال: فلما حمل رأسه إليها، فوضع بين يديها، فلما أمسوا خسف الله بالملك، وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا.  قال: فخرجوا في طلبي ليقتلوني، وجاءني النذير فهربت منهم، وإبليس أمامهم يدلهم علي، فلما تخوفت أن لا أعجزهم، عرضت لي شجرة فنادتني وقالت: إليّ إليّ، وانصدعت لي ودخلت فيها.  


قال: وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره، فقالوا: نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس: شقوه بالمنشار شقا. قال: فشققت مع الشجرة بالمنشار، قال له النبي :  «هل وجدت له مسا أو وجعا».  قال: لا، إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها.  


هذا سياق غريب جدا، وحديث عجيب، ورفعه منكر، وفيه ما ينكر على كل حال، ولم ير في شيء من أحاديث الإسراء ذكر زكريا عليه السلام إلا في هذا الحديث. وإنما المحفوظ في بعض ألفاظ الصحيح في حديث الإسراء: فمررت بابني الخالة يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة.  فجاء على قول الجمهور كما هو ظاهر الحديث، فإن أم يحيى أشياع بنت عمران، أخت مريم بنت عمران. وقيل: بل أشياع وهي امرأة زكريا أم يحيى، هي أخت حنة امرأة عمران أم مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم، فالله أعلم.  ثم اختلف في مقتل يحيى بن زكريا، هل كان في المسجد الأقصى أم بغيره على قولين؟ فقال الثوري، عن الأعمش، عن شمر بن عطية قال: قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا، منهم يحيى بن زكريا عليه السلام.  وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام، حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قدم بخت نصر دمشق، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فسأل عنه فأخبروه، فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن. وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب، وهو يقتضي أنه قتل بدمشق، وإن قصة بخت نصر كانت بعد المسيح، كما قاله عطاء، والحسن البصري، فالله أعلم.  


وروى الحافظ ابن عساكر، من طريق الوليد بن مسلم، عن زيد بن واقد قال: رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلي المحراب مما يلي الشرق، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير، وفي رواية كأنما قتل الساعة، وذكر في بناء مسجد دمشق، أنه جعل تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة فالله أعلم.  


وقد روى الحافظ ابن عساكر في المستقصى في فضائل الأقصى من طريق العباس بن صبح، عن مروان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن قاسم مولى معاوية قال: كان ملك هذه المدينة - يعني دمشق - هداد بن هداد وكان قد زوجه ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا، وقد كان من جملة أملاكها سوق الملوك بدمشق، وهو الصاغة العتيقة.  قال: وكان قد حلف بطلاقها ثلاثا، ثم أنه أراد مراجعتها، فاستفتى يحيى بن زكريا فقال: لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، فحقدت عليه وسألت من الملك رأس يحيى بن زكريا، وذلك بإشارة أمها، فأبى عليها ثم أجابها إلى ذلك، وبعث إليه وهو قائم يصلي بمسجد جيرون من أتاه برأسه في صينية، فجعل الرأس يقول له: لا تحل له، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.  فأخذت المرأة الطبق فحملته على رأسها، وأتت به أمها وهو يقول كذلك، فلما تمثلت بين يدي أمها خسف بها إلى قدميها، ثم إلى حقويها، وجعلت أمها تولول والجواري يصرخن، ويلطمن وجوههن، ثم خسف بها إلى منكبيها، فأمرت أمها السياف أن يضرب عنقها، لتتسلى برأسها ففعل، فلفظت الأرض جثتها عند ذلك، ووقعوا في الذل والفناء.  ولم يزل دم يحيى يفور، حتى قدم بخت نصر فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا.  قال سعيد بن عبد العزيز: وهي دم كل نبي، ولم يزل يفور حتى وقف عنده أرميا عليه السلام فقال: أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله، فسكن فرفع السيف وهرب من هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس، فتبعهم إليها فقتل خلقا كثيرا لا يحصون كثرة، وسبا منهم، ثم رجع عنهم. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.


أقول أنا صاحب هذا الكتاب، عند التحقيق جميع تلك الروايات لا تصح و الصحيح أيضا أن يحيى عليه السلام لم يُقتل، و هذا هو السبب الرئيس الذي من أجله خصصت هذا الفصل للحديث عن يحيى عليه السلام، لأثبت لك أن يحيى لم يُقتل و إليك الأدلة.


قال الله عز و جل عن يحيى عليه السلام ((وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)) و ليس بعد هذا القول من دليل على أنه لم يقتل، و ذلك لأنه لو قُتل يحيى حقا لما قال (و يوم يموت) و ذلك لأنه في القرآن و في اللغة القتل غير الموت، و إليك الأدلة: قال الله في سورة آل عمران: ((وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) و كذلك في نفس السورة: ((وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ)) و أيضا في سورة آل عمران: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) و أيضا في سورة النساء: ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا )) و في سورة الأحزاب: ((قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا )) إذن الله سبحانه و تعالى يُفرّق بين القتل و الموت و ذلك لأنه لو كان الموت و القتل واحدا لم يكن ليعطف عليه و يستخدم كلمة أخرى. 


أقول إن القتل شيء مخصوص و الموت شيء عام، كل مقتول هو ميّت (في لغتنا اليوم) و لكن ليس كل من مات كان مقتولا، و ذلك لأن الموت قد يكون سببه المرض أو موت طبيعي كما نقول اليوم. و كل نفس ذائقة الموت و ليس كل نفس ذائقة القتل، لعموم الموت و مخصوصية القتل. القتل سببه تدخل خارجي، أعني أن هناك سببا خارجيا أتلف البدن و تسبب في ازهاق النفس، سواء كان من عدو أو الانتحار (من قتل الإنسان نفسه) و سواء كان بقصد أو بغير قصد، أما الموت فليس هناك سبب خارجي من قتل عدو و ما شابه ذلك إنما الموت الطبيعي. 


فإذا فهمت هذا عرفت وجه الدليل في الآية: ((وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)) و في هذا الكفاية في مطلوبنا من اثبات أن يحيى لم يُقتل. 


و المطلوب الثاني هو مسألة حياة يحيى، هل هو حي أم ميت الآن؟ لاحظ أن الله قال عنه (و يوم يموت) و الذي يظهر أنه لم يكن ميتا وقت نزول الآية، أليس كذلك؟ لأنه لو كان ميتا قال: وسلام عليه يوم ولد و يوم مات) و لكنه قال (ويوم يموت) استخدم إحدى صيغ المستقبل. أي أن الموت لم يذقه يحيى بعد و هذه هي إحدى الدقائق التي ينبغي أن نقف عندها و ندرسها. و لكن لقائل أن يقول أن هذا الخطاب كان لزكريا بعد أن ولد له يحيى، و لكن هذا ينقصه الدليل، و ذلك لأننا نجد في سياق سورة مريم التالي: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) )) لاحظ أنه خاطب يحيى بعد مخاطبته لزكريا! و لم يذكر بعد مخاطبته ليحيى أنه كان يخاطب أحدا بل قال: ((وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15))) و كأن الله يخبر عنه كما أخبر في نفس السورة عن عيسى بن مريم بعد أن انتهى من حكايته: ((ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34))) 


و لاحظ أن عيسى عليه السلام قال عن نفسه: ((وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) )) في حين أن الله قال عن يحيى: ((وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15))) فإن كان عيسى بن مريم حيا إلى اليوم ما الذي جعلنا نقول أن يحيى مات و خاصة أن الخبر عن يحيى من الله (يوم يموت) و ليس كلام يحيى عن نفسه. لكن هنا أنا لي رأي آخر و هو أن عيسى لما قال ذلك صحيح أنه كان خطاب منه، إلا أنه أوحي إليه ذلك و إنه نبي لم يكن ليتقوّل على الله ما لا يعلم. و الفرق أن عيسى قال عن نفسه: والسلام علي و في يحيى وسلام عليه و السلام بالألف و اللام فغير مُسلّم أن يُقال أن القول عن يحيى هو آكد و مقدّم على ما قاله عيسى عن نفسه والله أعلم. 


و إن المتدبّر للقرآن سينتبه للتشابه العظيم بين قصة يحيى و عيسى عليهما السلام


من حيث الولادة

يحيى: ولادته لم تكن كالعادة، فالأب كان شيخا و الأم كانت عاقرة

عيسى: ولادته لم تكن كالعادة، إذ ولدته أمّه من دون أن يمسها بشر


من حيث البشارة

يحيى: ((فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ))

عيسى: (( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)) 


من حيث مصدر البشارة

يحيى: (إن الله يبشركَ…) 

عيسى: (إن الله يبشركِ…)


من حيث مبلّغ البشارة

يحيى: ((فنادته الملائكة…))

عيسى: ((إذ قالت الملائكة…))


التسمية كانت وحيا

يحيى: ((يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا))

عيسى: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)) 


التعجّب من البشارة: 

يحيى: قال زكريا: ((قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ…)) و في الموضع الاخر أيضا: ((قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ…)) 

عيسى: قالت مريم: ((قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ…)) و في الموضع الآخر: ((قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ…))


سبب التعجّب

يحيى: ((وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ…)) ((((وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا…))

عيسى: ((وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ…)) ((وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا…))


الرد على التعجّب من البشارة

يحيى: ((قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ…))

عيسى: ((قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ…))


الامتناع عن الكلام

يحيى: ((قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ))

عيسى: ((فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا))


الرمز و الإشارة

يحيى: ((قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)

مريم: ((فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا))


الحنان و الرحمة

يحيى: ((وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا))

عيسى: ((وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا))


النبوة في الصغر

يحيى: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة ٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا))

عيسى: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا))


العلاقة بالكتاب

يحيى: ((إنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَة من اللّهِ)) و ((يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا))

عيسى: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ)) و ((وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ))


البر

يحيى: ((وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا))

عيسى: ((وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا))


الفضائل

يحيى: ((فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)) مصدق بكلمة من الله، سيد، حصور، نبي، من الصالحين

عيسى: ((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) ))  كلمة من الله، وجيه في الدنيا و الآخرة، من المقربين، يكلم الناس في المهد و كهلا، من الصالحين)


السلام في الأطوار الثلاثة

يحيى: ((وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا))

عيسى: ((وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا))


أما في الكتب السابقة و الأخبار و المرويات فأيضا هناك تشابه:


القرابة بين يحيى و عيسى

يحيى: أمه كانت أخت أم عيسى 

عيسى: أمه كانت أخت أم يحيى


الزواج

يحيى: لم يتزوّج

عيسى: لم يتزوّج


التعلّق بالدنيا

يحيى: زاهد في الدنيا 

عيسى: زاهد في الدنيا


الأمثال

يحيى: يستخدم الأمثال لإيصال كثير من الرسائل

عيسى: يستخدم الأمثال لإيصال كثير من الرسائل


النبوة

يحيى: نبي من بني إسرائيل

عيسى: رسول إلى بني إسرائيل


التأييد

يحيى: مؤيد بروح القدس

عيسى: مؤيد بروح القدس


النهاية الأولى

يحيى: مات و هو شاب أو رفع و هو شاب

عيسى: رفع و هو شاب


مكانه في السماوات في قصة المعراج

يحيى: السماء الثانية

عيسى: السماء الثانية


فإذن كما ترى هناك تشابه عظيم بين يحيى و عيسى، و لهذا أرجّح أيضا أن حالتهما اليوم متشابهة، من ترجيحي أنه حي مع عيسى. 


و لاحظ في القرآن كله ستجد أن (ويوم) لا يأتي بعدها فعل مضارع إلا و يدل على المستقبل، مثل قوله: ((وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَیَوۡمَ یَقُولُ كُن فَیَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ)) و ((وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ جَمِیعا یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِیَاۤؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡض وَبَلَغۡنَاۤ أَجَلَنَا ٱلَّذِیۤ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیم)) و ((وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدا)) و ((وَیَوۡمَ نُسَیِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ بَارِزَة وَحَشَرۡنَـٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدا)) و الأمثلة كثيرة يصعب على الحصر في هذا الفصل. فكذلك هنا في قوله (ويوم يموت) للمستقبل. 


و لاحظ اسم هذا النبي… يحيى… اسمه يدل على أنه يحيى، فيه من معاني الحياة ما فيه، و ليس فيه أي شيء فيه يدل على القتل و ما إلى ذلك. بل اسمه قد يشير إلى أنه قد يكون حيا حتى اليوم. فإن كان عيسى بن مريم هو حي اليوم أظن والله أعلم أن يحيى كذلك هو حي اليوم، و إن كان عيسى بن مريم ميتا اليوم، فقد يكون يحيى كذلك ميتا و ذلك للتقارب من دلالات هذه الآيات. و لقائل أن يقول أن هناك عدة أدلة على بقاء عيسى بن مريم حيا و لا دليل هناك على يحيى غير هذه الآية التي أنت تستدل بها، و هذا صحيح و لا يمكن نفيه و ذلك لأنه لا يمكن الاستدلال أن جميع الأنبياء أحياء فقط لأنه لم يذكر لنا الله خبر موتهم في القرآن و الله أعلم.


و في حديث الإسراء و المعراج هناك إشارة أن عيسى مع يحيى عليهما السلام، إذ وجدهما النبي في السماء الثانية و في بعض الروايات الثالثة، فإن كان هذا صحيحا فالذي يظهر لي أن حالتهما واحدة إلا أن يُقال أن حادثة الإسراء و المعراج من الأمور الخارقة للعادة و لا يمكن الاستدلال بها على مثل هذه المواضيع التي نحن نتحدّث عنها و هذا قد يكون صحيحا، على كل هذه الروايات بحاجة إلى تحقيق من ناحية السند.


و أما من استدل برواية الزهري التي رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق و التي فيها: أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خرج على أصحابه يوما وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قائل موسى كلم الله تكليما وقائل يقول عيسى روح الله وكلمته وقائل يقول إبراهيم خليل الله فخرج النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهم يذكرون ذلك فقال أين الشهيد أين الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب و يقولون أن الشهيد يلبس الوبر هو يحيى، أقول هذا الحديث مرسل و لا يصح رفعه إلى الرسول صلى الله عليه و سلم. و في كتاب قصص الأنبياء لابن كثير نجد هذه الرواية عن الزهري أيضا: قال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يوماً وهم يتذاكرون فضل الأنبياء. فقال قائل: موسى كليم الله. وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته. وقائل يقول: إبراهيم خليل الله. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون ذلك، فقال: أين الشهيد؟ أين الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب؟ قال ابن وهب: يريد يحيى بن زكريا. أقول و هذا أيضا مرسل و ذلك لأن الزهري (ابن شهاب) لم يذكر سنده إلى الرسول صلى الله عليه و سلم.


في قول زكريا: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)) دلالة أن يحيى سيرث زكريا، و لكن في التفاسير يحيى مات قبل زكريا، ولا حول و لا قوة إلا بالله. و الظاهر من هذه الآية أن زكريا كان يريد من يرثه و يرث من آل يعقوب، بمعنى أن هذا سيكون له شأن خاص، فإن مات و انقطع نسله ما الذي ورثه عن أبيه زكريا؟ و لاحظ عندما جاءته الإجابة: ((يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)) فكأنه استجاب له و خصصه بأمر اضافي و هو (لم نجعل له من قبل سميا) اختلف المفسرون في معنى (لم نجعل له من قبل سميا) فقالوا أي لم تلد مثله العواقر بمعنى لم نجعل له مثلاً ولا نظيراً و قالوا بمعنى أنه لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً و قالوا أيضا: أي لم يسم قبله باسمه أحد و هذا الأخير الذي عليه كثير من المفسرين و لكني أرجّح القول الأول و ذلك لأنه لو كان الإسم فقط ما المميز إن كان هذا الولد أول من تسمى بهذا الإسم؟ و لماذا لم يكن لآدم هذه الميزة أليس هو أول إنسان؟ و كم اليوم من البشر من اسمه يحيى. الظاهر أن هناك ميزة تميّز بها يحيى عن غيره.


لاحظ أن هذه الكلمة (سميا) وردت مرتان في القرآن، و المرتان في سورة مريم، مرة في آية يحيى و المرة الثاني في هذه الآية: ((رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)) و كذلك في معنى سميا هنا اختلف المفسرون فقول المعنى مِثْلاً وشبيهاً، قاله ابن عباس ومجاهد و قالوا المعنى أنه لا أحد يُسمى الله غيره و قالوا أنه لا يستحق أحد أن يسمى إلهاً غيره و قالوا أي هل تعلم له من ولد و كذلك في هذه الأقوال أقرب الأقوال إلى الصواب قول ابن عباس. و أستبعد أن يكون المعنى أنه لا أحد يُسمى الله غيره، و ذلك لأنه حتى في عصرنا هذا نجد المعاندين من يسمي بنته الله أو ولده الله أليس كذلك، و قرأنا أخبارا كثيرة أنا و غيري مثل هذا. 


أما عن سبب تسميته بيحيى فقالوا سمي يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان والنبوة وقال آخرون سمّي بذلك لأن الله تعالى أحيا به الناس بالهدى و قالوا أيضا اشتق اسمه من اسم الله تعالى الحي فسمّي ييحيى وقيل أيضا لأنه أحيا به رحـم أمه. فكما تلاحظ حاول الناس فهم معنى الإسم و هذا جيد. عليك أن تعلم أن أسماء الأنبياء فيما علمت من استقرائي للقرآن يدل على معنى خاص من معاني النبي المسمى، فاسم يحيى لابد أنه يدل عليه، فالإسم يحيى فيه من معاني الحياة ما فيه، ما الذي تفرّد به يحيى عن غيره من البشر؟ إن قلنا إنه نجى من الذنوب و صار حيّا بسبب تركه الذنوب فمحتمل و هناك رواية ضعيفة تشهد لهذا و لكن ليس الذي أرجّحه، و قد يكون أنه نجى من القتل فيحيى و هذا محتمل و لكن هناك كثيرون غيره نجوا من الموت، فإن قيل أنه يحيى في الآخرة فكثيرون كذلك. لكن إن قلنا إنه مات في الدنيا و سيحيى مجددا في الدنيا فهنا يكون يحيى متفرّدا إلا ما ذكر الله من ذكر بعثهم بعد الموت أعني الذين كانوا مع موسى أو كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها. و إن قلنا إنه لم يمت وهو حي إلى اليوم فهذا أيضا تفرّد خاص به. فإن سألت وماذا عن عيسى بن مريم؟ أليس هو حي الآن؟ أقول عيسى شأنه مختلف إذ هو كلمة من الله و روح منه و قد فصلت في هذا في الفصل السابق. 


هذا الرأي، أعني أن يحيى لم يُقتل بعد و أنه قد يكون حيا أو رُفع إلى السماء ليس رأي تفردت به بل هناك من قاله قبلي كالشيخ بسام الجرار صاحب كتاب سياحة فكر و كذلك أتباع النبي يحيى من الصابئة يؤمنون بأنه رفع إلى السماء يمكنك مراجعة ذلك في كتابهم المقدّس المسمى الكنزا ربا.


وفي ختام هذا الفصل أحب أن أقدّم فرضية جديدة و إضافة كما عوّدت قرائي أن أضيف إليهم قيمة. و أقول ماذا لو كانت آية يحيى أنه يحيى (يعيش) لا يموت، أو أنه يُقتل ثم يحيى؟ و ماذا لو كان يحيى هو نفسه المسيح المذكور في الأناجيل المتداولة اليوم، و الذي صُلب و عاد إلى الحياة بعد ثلاثة أيام و لكن شبّه لهم ذلك و خلطوا و ضلوا؟ هل يمكن أن النصارى خلطوا بين المسيح عيسى بن مريم و يحيى؟ ألم يقل هيرودوس عندما سمع بأفعال المسيح عيسى بن مريم كما في إنجيل متى في الإصحاح الرابع عشر: ((1 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ، 2 فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ»)) فخلط هيروس يحيى بالمسيح و لاحظ الكلمة التي قالها: قام من الأموات يحيى! هناك أدلة كثيرة تجعلني أقول أن هناك خلط وقع عند النصارى بين يحيى و عيسى بن مريم لكن ذلك سيطول جدا و ليس غرضي في هذا الكتاب التعرّض لتلك المسألة إنما الإشارة أن المسيح المصلوب عندهم قد يكون يحيى الذي لم يمت بالصلب أو مات ثم عاد إلى الحياة يعيش لأن آيته يحيى…



عبدالعزيز النظري

تويتر

انستغرام


Saturday, October 3, 2020

من العبد الذي أسري به؟

 ما يهمني في هذا الفصل الحديث عن أول آية و التي هي: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) و معروف منذ صغرنا و حتى اليوم عند جميع المسلمين قصة الإسراء و المعراج و أن هذه الآية دليل عليها. لست بصدد البحث و التحقيق في أحاديث الإسراء فهي كثيرة و تحتاج إلى كتاب منفرد و سيشق علي ذلك، لكني في هذا الفصل أحب أن أركّز على عبده المذكور في هذه الآية. من هو المقصود بعبده؟


الذي يتبادر إلى الذهن أنه رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم و ذلك استنادا على الأحاديث و كتب التفاسير و كتب أسباب النزول. و لكن كعادة الأفكار التي تجول في خاطري فإنها تقترح على إجابات أخرى، لست أدري أهي وساوس أم ماذا بالضبط، و لكن كما وعدتكم في بداية هذا الكتاب، إني سأكتب ما يجول في خاطري و حتى و إن كان غريبا أو منكرا فلعله في أحد الأيام يأتي أحدهم فيجد أن بعض الأفكار التي كانت عندي ربما هي أصوب و أصح مما في الكتب السابقة فيبني عليها و يصل الناس إلى الحق و ربما إن كان خطأ يدرك الناس كيف أن الوساوس تأخذ الإنسان بعيدا. 


المهم الذي كنت أقوله و مؤمن به أن هذه السورة لابد أن فيها ذكرا لإسرائيل إن كانت السورة أيضا تعرف بسورة بني إسرائيل حقا. فبحثت عن العبد و قرأت السياق فوجدت أن بعد الآية الأولى يقول الله سبحانه و تعالى: ((وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلً)) فتساءلت في نفسي لِمَ قال الله رب العالمين و آتينا موسى الكتاب بعد آية الإسراء؟ فإن كان الرسول صلى الله عليه و سلم هو من أُسري به فَلِمَ لَمْ يذكر التفاصيل أو النعم التي أنعم بها على الرسول الكريم؟ و لِمَ بعدها لَمْ يقل (و لقد) آتينا موسى الكتاب أو (و إذ) بل قال (و آتينا) فكأن الآية الثانية تكملة للآية الأولى، و أن العبد المقصود هو موسى عليه السلام. حتى هذه اللحظة أذكر جيّدا وقتها كيف قفّ شعري، لأن هذه الفكرة كانت جديدة بالنسبة لي و تخالف ما كنت أعرفه منذ الصغر، و يحدث لي ذلك عندما تأتيني فكرة أرى فيها احتمالية الصحة. 


فما هي الأمور التي جعلتني وقتها أثناء تدبري أن أقول أن موسى هو المقصود في الآية من سورة الإسراء؟ الأول السياق، فعندما تقرأ الآية الأولى و من بعدها مباشرة (و آتينا موسى الكتاب) تشعر و كأن هناك علاقة قوية بين الآية الأولى و الثانية. 


الأمر الآخر و الأهم هو بحثي في إسراء موسى، فاستقرأت القرآن فوجدت بالفعل أن هناك حدثا مسجلا في القرآن و هو التالي: ((فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)) فهنا نجد أن موسى أسرى بأهله ليلا بدليل أنه قال: (جذوة من النار لعلكم تصطلون) و قد بيّنت لك في فصل سابق أن الإسراء لا يكون إلا ليلا. 


و أيضا نجد موسى مرة أخرى له علاقة بالإسراء و في حادثة أخرى: ((فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ)). فهناك علاقة بين موسى و الإسراء في أكثر من حدث في القرآن و ليس في كتب التاريخ و ما إلى ذلك بل القرآن فانتبه. و لكن أقول والله أعلم أن المقصود بالآية الأولى من سورة الإسراء حادثة الإسراء الأولى لموسى أي عندما سار بأهله و إليكم الأدلة.


الآية الأولى من سورة الإسراء تُحدّثنا أن هذا العبد جاء إلى مكان مبارك، فقررت البحث في تلك الحادثة هل وصل موسى إلى مكان مبارك أم لا؟ و عند الإستقراء نجد الآيات العجيبة التالية في سورة القصص: ((فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) تأمل قول الله سبحانه و تعالى: (في البقعة المباركة) إذن وصل موسى إلى بقعة مباركة، و أيضا هذه البقعة هي مقدسة، نجد في سورة طه: (( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) تأمل (بالواد المقدّس طوى) و أيضا نجد في سورة النازعات ما يلي: (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) تأمل (بالواد المقدّس طوى) فالظاهر من هذه الآيات أن موسى وصل إلى بقعة مباركة و واد مقدّس. 


و عودة إلى الآية الأولى من سورة الإسراء نجد أن الله قال فيها (لنريه من آياتنا)، إذ قال: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) ركّز على قوله (لنريه من آياتنا). فإن قلت هل رأى موسى من الآيات تلك الليلة عندما سار بأهله؟ أقول نعم بل رأى من الآيات الكبرى، دعونا نقرأ الآيات التالية: ((وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (٢٣) )) تأمّل في آخر آية (لنريك من آياتنا الكبرى) و قارنها بقوله في سورة الإسراء: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) عجيب، أليس كذلك؟ أنا أيضا اندهشت عندما انتبهت لذلك. و لا يشك عاقل أن موسى تلك الليلة رأى من آيات الله التي تكرر ذكرها في عدد من الآيات القرآنية.


فتحصّل لدينا مما سبق أن موسى له علاقة قوية بالإسراء، و أن هذا العبد وصل إلى أرض مباركة و كذلك موسى، و هذا العبد المذكور أسرى به الله ليريه من آياته و قد علمنا من القرآن أن موسى أيضا رأى من آيات ربه الكبرى. ثم إن هناك أمرا آخر، لو تأملت الأسماء المذكورة في ختام الآية الأولى لوجدت (السميع البصير)، و إن أنت رجعت إلى قصة موسى ستجد معاني هذه الأسماء تتكرر، فمثلا في سورة طه: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (٣٦) تأمل ما قاله موسى: (إنك كنت بنا بصيرا) و أجابه الله (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) مما يدل أنه يسمع و يجيب. فإذن في هذه الآيات يتبين لنا أن الله هو السميع و البصير. ليس هذا فحسب بل تعال نقرأ معا هذه الآيات: ((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦) الشاهد الذي أريده تجده في الآية الأخيرة و ذلك في قوله (إنني معكما أسمع و أرى). 


فكما ترى الآية الأولى من سورة الإسراء تكاد تتطابق تماما مع ما وقع لموسى بعدما أُسري به، قد تقول يا أخي كيف تقول أُسري به و في الآية سار بأهله (أي موسى)، أقول لك أن هذه الأمور كلها من تقدير الله، ألا ترى أننا نجد هذه الآية في سورة الأنفال: ((فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)))  فإن كان كذلك صحّ أن يُقال أسرى بعبده، و الدليل أيضا قوله سبحانه و تعالى: ((ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ)).


بقي أمر و سؤال، و هو في محله، تقول الآية: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) فهل كان موسى يوما ما في المسجد الحرام؟ و هل وصل إلى المسجد الأقصى؟ لست بصدد بحث الأماكن فإن هذا سيأخذنا إلى موضوع آخر و سأحتاج فصولا لتوضيح بعض الأفكار التي كانت عندي و أنا أتدبّر، لكن يكفينا أن نقول أن هناك انتقالا حدث لموسى من مكان إلى بقعة مباركة. 


فإن طالبتني بالدليل سأقول لك بأن موسى لبث في مدين سنين ثم جاء على قدر الله إلى البقعة المباركة. اقرأ هذه الآيات: ((إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ)) الشاهد (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى) فهناك انتقال، و ليس هذا فحسب بل معروف لدينا جميعا فرار موسى من مصر: ((فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)) بعد حادثة القتل. و أيضا في سورة الكهف: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)) إذن القرآن يثبت لنا مرارا أن موسى انتقل أكثر من مرة. فلا غرابة إذن إن كان يوما ما في المسجد الحرام ثم أسري به إلى المسجد الأقصى. 


و حتى في الروايات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، فيه اثبات أن موسى أتى البيت الحرام، و من أشهرها رواية ابن عباس المذكورة في صحيح مسلم: سِرْنا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ مَكَّةَ والْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنا بوادٍ، فقالَ: أيُّ وادٍ هذا؟ فقالوا: وادِي الأزْرَقِ، فقالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرَ مِن لَوْنِهِ وشَعَرِهِ شيئًا لَمْ يَحْفَظْهُ داوُدُ، واضِعًا إصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ، له جُؤارٌ إلى اللهِ بالتَّلْبِيَةِ، مارًّا بهذا الوادِي قالَ: ثُمَّ سِرْنا حتَّى أتَيْنا علَى ثَنِيَّةٍ، فقالَ: أيُّ ثَنِيَّةٍ هذِه؟ قالوا: هَرْشَى، أوْ لِفْتٌ، فقالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى يُونُسَ علَى ناقَةٍ حَمْراءَ، عليه جُبَّةُ صُوفٍ، خِطامُ ناقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ، مارًّا بهذا الوادِي مُلَبِّيًا. إذن لا إشكالية في تنقّل موسى من مكان إلى مكان. في الحقيقة هو أكثر نبي ذُكر لنا تنقلاته في القرآن.


و تعالوا نقرأ السياق الآن بمنظور جديد، تنزلوا معي قليلا و قولوا أن الآية الأولى المقصود (بعبده) موسى، ماذا قال في الآية التي تليها: ((وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا)) قال بعد حادثة إسراء موسى و آتينا موسى، فإن قيل لَمْ يقل الله (و آتيناه الكتاب و جعلناه هدى) فلماذا ذكّر اسمه؟ أقول لا بأس فإننا نجد في القرآن مرة يتكلّم عن الغائب و في التي تليها يذكر الإسم و هذا معروف يعرفه كل الذين درسوا علوم القرآن. و ليس هذا فحسب، و آتيناه الكتاب وقعت بعد انتهاء قصته مع فرعون. فالترتيب الزمني أن موسى أسري به و رأى من آيات ربّه الكبرى ثم خلّصهم الله من فرعون ثم آتاه الكتاب، هذا الترتيب الصحيح و بما أنه لم يذكر فرعون و ما وقع بينه و بين بني إسرائيل فصار هناك فاصل، و عندما قال و آتينا موسى الكتاب يدل على أن هناك فاصلا بين الآية الأولى من سورة الإسراء و الآية الثانية بفاصل زمني. فإن فهمت هذا تعال نقرأ هذه الآيات من سورة القصص.


السياق الأول قصة اسراء موسى: ((فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥) ))


السياق قصة موسى مع فرعون: ((فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)  ))


و التي بعدها ماذا! تأمل: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) )) سبحان الله، (ولقد آتينا موسى الكتاب) سبحان الله القرآن فيه ترابط و تشابه عجيب جدا، فالآيات من سورة القصص تبيّن لك الآيات من سورة الإسراء و العكس صحيح.


إذن تحصّل لدينا مما سبق أن الآية الأولى من سورة الإسراء تتكلم عن موسى عليه السلام، النبي الذي أسري به.


قد تقول أنك بهذا أثبت أن موسى هو المقصود بعبده في الآية الأولى من سورة الإسراء و هذا الظاهر، لكن عن نفسي و لكي أكون صادقا معك عزيزي القارئ، بقيت لي مشكلة وحيدة، صعوبة لم أجد لها حلا. ربما هي ليست صعوبة بالنسبة لك لكن بالنسبة لي هي صعبة، و هي في كلمة (عبده). 


لقد تتبعت القرآن و المواضع التي ذكر فيها عبده، فوجدتها كلها في حديث عن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم إلا إذا اقترن عبده باسم النبي المقصود. فمثلا هذه الآيات من خلال السياق يتبين لنا أن المقصود بعبده هو رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم، اقرأ بداية سورة الفرقان: ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا)) فالآية الأولى و التي فيها ذكر عبده واضح من السياق أن المقصود هو محمد صلى الله عليه و سلم.


و في سورة الزمر أيضا: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) و السياق واضح أن المقصود هو الرسول صلى الله عليه و سلم. و في سورة النجم: ((فأوحى إلى عبده ما أوحى)) الواضح من سياق الآيات أن المقصود هو الرسول صلى الله عليه و سلم. و كذلك في سورة الحديد: ((هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم))


ففي أربعة مواضع نجد ذكر (عبده) و الظاهر من جميع تلك المواضع أن المقصود بعبده هو محمد صلى الله عليه و سلم، و لكن عندما كان يقصد (بعبده) نبيا آخر اقترن اسم النبي، مثال ذلك: ((ذكر رحمة ربك عبده زكريا)) قال هنا عبده لكن أضاف اسمه (زكريا) لكي تستطيع أن تفرّق أن العبد المذكور في باقي الآيات هو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم. و نفس الشيء عندما يقول (عبدنا) بدلا من عبده، إن وجدتها من غير اضافة اسم النبي فالمقصود يكون هو الرسول صلى الله عليه و سلم.


في سورة البقرة: ((وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)) و في سورة الأنفال: ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير)) و في سورة القمر: ((كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)) واضح من سياق هذه الآيات أن المقصود بعبدنا هو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم. و عندما تجد (عبدنا) و يقصد بها الله نبيا غير الرسول فإنه يذكر اسمه تماما كما الحال مع مواضع ذكر (عبده). 


نجد في سورة ص هذه الآية: ((اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب)) تأمل ذكر عبدنا و لكنه أضاف بعده (داوود). و أيضا في سورة ص نجد هذه الآية: ((واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)) تأمل قال (عبدنا) و أضاف (أيوب) لتعرف المقصود. فإذن عندما نجد عبدنا منفردة في القرآن فإن المقصود هو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم، و عندما يريد أن يخبرك عن عبد آخر فإنه يضيف اسم النبي الآخر. 


و لكن إن أنا أتبنى هذا الذي ذكرت فإنه يكون هناك خرق لهذه القاعدة في سورة الإسراء، لأني قلت سابقا أن المقصود بعبده في سورة الإسراء هو موسى عليه السلام بسبب البينات و الدلائل التي لاحت لي، فهل استنتاجي خاطئ أن عبده المقصود في بداية الإسراء هو موسى و أن الصحيح هو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم؟ أو أن استنتاجي خاطئ فيما ذكرت أنك كلما وجدت (عبده) و (عبدنا) في القرآن المقصود به الرسول صلى الله عليه و سلم إن لم يُعرّف و أن العبد في بداية سورة الإسراء المقصود به موسى؟ بصراحة هذا الأمر حيّرني كثيرا و لا أزعم أني أعرف الإجابة و إني أدعو الله أن يهديني إلى الحق لكي أفهم و أتجاوز هذه الصعوبة…


الأمر الذي انتبهت له أن في سورة الإسراء عبده لم تأتي منفردة بدون حرف بل جاءت بحرف الباء (بعبده) و لكن هذا قد لا يكفي. المهم أني أعترف أني لا أفهم هذا، فهل جاءت عبده كاستثناء خاص للرسول موسى عليه السلام في سورة الإسراء؟ أم أن القاعدة التي ذكرت بخصوص (عبده) غير صحيحة، فإن كانت الأخيرة غير صحيحة فلا اشكال البتة، و لكن عن نفسي و في الحقيقة في نفسي شيء من هذا إذ أني أميل أنها صحيحة. على كل حال، احتمالية أن يكون عبده المذكور في سورة الإسراء هو موسى عليه السلام احتمال قوي جدا و كذلك احتمالية كونه الرسول صلى الله عليه و سلم كذلك احتمال قوي. و أسأل الله أن يهديني حتى أهتدي إلى الحق.



عبدالعزيز النظري

تويتر

انستغرام