من أصعب الأشياء التي ممكن أن تواجه الإنسان هي الخيانة, فإنها مرّة, ثقيلة وقعتها في النفوس, خاصة إن كنت لا تستحق أن تخان و خاصة إن لم تتوقع منه خيانة, أما من توقعت منه و علمت منه الخيانة قد لا تنزعج منه. و اعلموا أنها ليست مختصة بجنس دون جنس بل كل من الرجل و المرأة عندهم قابلية الخيانة. و الخيانة تتفاوت في دركاتها و قد انتشر في الآونة الأخيرة الحديث عن الخيانة الوطنية فقلت لم لا أكتب موضوعا أبيّن فيه قبح الخيانة الوطنية, لكن قبل ذلك يجب أن نعرف ما هي الخيانة؟ الخيانة يا أعزائي نقض العهد و الغدر و كل معاني الخيانة تندرج تحتهما, ففي الحياة الزوجية تكون الخيانة بغدر أحد الزوجين, و الخيانة الوطنية التآمر على الوطن و اضمار الشر له فهذا أيضا يندرج تحت الغدر. و تكون خيانة الله و رسوله بنقض العهد الذي أخذه الله علينا كمسلمين و عدم صيانته. الخيانة صفة قد تكون في الطبع و قد تكون مكتسبة و من الأسباب المؤدية إلى الخيانة كثير منها: عقدة في النفس, خلل في العلاقات الإجتماعية, الهجرة من مجتمع لآخر فيتأثر المرء بتأثير العوامل الخارجية كالإعلام و مخالطة الشعوب مما قد يؤدي إلى تفكك العلاقة و بالتالي الإقدام على الخيانة, و الجهل بقبح الخيانة و إنعدام الوازع الديني من أقوى الأسباب.
و كما قلت الخيانة لها دركات (لأنها في هبوط و لا يتصور من خلق الخيانة صعود و ارتفاع) و من أقبحها خيانة الله, و بقدر حق الشيء عليك تكون الخيانة قبيحة في حقه. مثال ذلك, عندما يخونك زميلك في العمل لا تكون وقعتها في قلبك كما لو خان صديقك, و خيانة صديقك لك لا تكون قريبة حتى من خيانة إبنك لك, فإنك أحسنت إلى ابنك منذ صغره إلى أن كبر, و بذلت كل مجهود في إرضائه و تعبت و سهرت و عملت من أجله ثم يخونك! هذه وقعتها عظيمة في نفوس الآباء. و هكذا كل من كان حقّه عليك أعظم كانت الخيانة في حقه أقبح, و لهذا نقول أن أقبح خيانة هي خيانة الله, فإن حق الله عظيم ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا)) فلا يعلم مقدار قبح هذه الخيانة إلا الله سبحانه و تعالى.
و من أعظم الخيانات أيضا خيانة الوطن, و ذلك لأن للوطن الصالح علينا حق عظيم, خيانة وطن قد يسّر لنا معيشتنا من مأكل و مشرب و أمن و آمان يعد من أقبح القبيح. ألا نجد في دولتنا الحبيبة الإمارات ما نحتاجه من ضروريات الحياة من مسكن و ملبس و آمان؟ ألا نجد المساجد المشيدة للحفاظ على العبادات المفروضة و لم نمنع منها؟ ألا نجد المدارس الذي بها نرفع عن أنفسنا الجهل؟ ألا نجد المستشفيات التي نسرع إليها إن داهمتنا أزمة صحية؟ ألم تسّهل الإمارات و حكومتها أمورنا الإجتماعية من زواج و مساعدات و غير ذلك و كل ذلك بلا مقابل منّا؟ أليست الإمارات دولة مسلمة قائمة على تعظيم الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم؟ أليست دولة هي السبّاقة في فعل الخيرات و قد اشتهرت بين العالم أنها الأولى في حملات الإغاثة؟ فإن خيانة وطن كالإمارات قبيح و يشهد بقبحه كل إنسان عاقل ذو فطرة سليمة, أما أصحاب الفطر السقيمة و الذين فيهم عقد نفسية فأولئك عن ادراك ذلك مبعدون!
أيضا من قبح خيانة الوطن و آثارها السلبية هو إن خيانة صديقك أو زميلك في العمل لك فأثره على نفسك, أما خيانة الوطن فأثره على الشعب بأكمله فقد تعدّى الضرر فلم يقتصر عليك بل على الشعب. ثم اعلموا أن زعزعة الأمن في البلاد منهي عنه, بل إننا في الشريعة الإسلامية و الحمدلله قد نهينا عن زرع الفتن التي تهز الأمن و الطمأنينة, بل أمرنا أن نصبر و إن كان الحاكم ظالما فما بالكم و نحن حكّامنا ولله الحمد محسنون إلينا و إلى البلاد و لم نعلم عنهم سوء. فخيانة الإمارات ليست منهية عنه من جهة عقلية و عاطفية من الشعب فقط لكن خيانة كما ذكرت منهية عنها في الإسلام, و من كان يدعي أنه مسلم ثم نقض هذا العهد فقد نقض عهد الله و خانه و هبط إلى أقبح الخيانة و هي خيانة الله و من خان الله قد خاب و خسر و حكم على نفسه بالدمار العاجل و الآجل. إخواني و أخواتي, كم نسمع من يقول أن الوطن هو الام والأب والابن والحبيب فإن صدقت المقولة فإن خيانة الوطن كخيانة من يخون أمه و أباه و إبنه و حبيبه, أيها الخائن, هل يرضى إنسان له قلب أن يخون كل هؤلاء؟ لا يرضى بذلك و لا يرضى أن يخونه الناس كذلك.
لا يوجد إنسان لا يحب وطنا يتصف بالصفات التي ذكرتها, بل إن المواطن الذي أدرك قيمة وطنه لم يتردد في الدفاع عنه في أوقات الشدة والتصدي للخونة و الأعداء, فإن الإنسان بطبيعته إن احسن إليه فإنه يقابل الإحسان بالشكر. الشكر يكون بالدفاع عن الوطن و الذب عنه و كل بحسب طاقته, فالأول بالسلاح و الثاني بالقلم و الثالث بالكلام و الرابع بالدعاء...الخ أما من صار من زمرة البهائم و فقد إنسانيته فقد لا يشكر من يحسن إليه و العياذ بالله. سبحان الله! دولة الإمارات تحسن إليه و بدل أن يرد الجميل و أن يكون شاكرا بكل بساطة يخون و يزرع الغل و الحقد في أبناء المواطنين و يفسد في البلاد ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)). بحثت عن أسباب لخيانة هذا البلد الكريم و بصراحة عجزت أن أحصل على سبب سوى خسة في النفس و لؤم, فما نقموا من البلاد إلا أنّهم محسنون! إن كان لهم ضمير لما أقدموا على شيء فيه إساءة للبلاد لكنهم باعوا ضمائرهم و رضوا بالخزي و العار, هؤلاء إن كان لهم عيد فأعيادهم ثلاثة, إثنان يراؤون بها أبناء الوطن (عيد الفطر و الأضحى) و العيد الثالث هو أي يوم يفسد فيه في هذا البلد! هؤلاء إن كان لهم قلب فهو قلب خوّان, مظلم, لو أشعلت ألف ألف شمعة فيها لم تبدد ظلامها, أعوذ بالله من الخذلان.
أعزائي, إن خيانة الوطن جحود و نكران و هي صفة فاقدي الإحساس من أراذل الناس, لا يرضى به العاقل على مر الأزمان, و لا يرضاه الرحمن ففيها نقض عهد و زعزعة الأمن و الآمان و افساد للأركان, ألا يكفي قبحها أنها من خصائص الشيطان و خلق كل ذو وهن خسران! أقول لإخواني و أخواتي الذين أحزنهم ظهور هذه الشرذمة, صحيح أننا ننزعج عند سماع أخبار الخونة و الخيانات و لكن أبشركم أن الله قد فضح الخونة و بيّن أمرهم لعامة الناس و في هذا نفع عظيم للمخلصين. ابشروا لأنها ما ظهرت إلا لتظهر معنى الأمانة و روعتها و الصدق و الإخلاص. ألا ترون كيف ترابط أبناء هذا البلد يدا بيد فقط لسماعهم كلمات مسيئة! فإنهم شموا رائحة الخيانة و رائحة الخيانة يشمها المخلصون فكما أن المؤمن عندما يقابل الفاسق يجد منه اشمئزازا و يجد على وجهه ظلمة فكذلك المخلصون للوطن يشمّون رائحة الخيانة من الذين يضمرون الشر. أعزائي أدعوكم جميعا و نفسي لسقي جذور الإخلاص في قلوبنا فتنبت ثمار الولاء, فإن صلح الأصل صلحت الفروع و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب". أسأل الله أن يحفظ بلادنا من الخونة و الخيانة, و يطهر قلوبنا من النفاق و الرياء و الخيانة, و أن يديم الأمن و الآمان...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
No comments:
Post a Comment