السلام عليكم ورحمة الله و بركاته, كنت أقرأ
بعض كتب ابن قيم الجوزية رحمه الله, ومما وقعت عليه هذه الكلمات الرائعة والمفيدة
عن القرآن الكريم, فقلت أنقلها لكم يا أحبتي لعلنا نشعر بعظمة القرآن ونستفيد من
كلمات هذا الإمام رحمة الله عليه. قال ابن القيم رحمه الله: "بسم الله الرحمن
الرحيم, وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, الحمد لله رب العالمين،
والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له رب العالمين، وإله المرسلين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
المبعوث بالكتاب المبين,...
الفارق بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والشك
واليقين، أنزله لنقرأه تدبرا، ونتأمله تبصرا، ونسعد به تذكرا، ونحمله على أحسن وجوهه
ومعانيه، ونصدق به ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتني ثمار علومه النافعة الموصلة
إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحين الحكم من بين رياضه وأزهاره، فهو كتابه الدال عليه
لمن أراد معرفته، وطريقه الموصلة لسالكها إليه، ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات،
ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت
الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول، فلا يغلق إذا غلقت الأبواب، وهو الصراط المستقيم
الذي لا تميل به الآراء، والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنزل الكريم الذي
لا يشبع منه العلماء، لا تفنى عجائبه، ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف
دلالاته، كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا، زادها هداية وتبصيرا، وكلما بجست
معينه فجر لها ينابيع الحكمة تفجيرا، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصدور من أدوائها
وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، ورياض القلوب، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح،
والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح، حي على الفلاح، نادى منادي الإيمان على رأس
الصراط المستقيم ((يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم
من عذاب أليم)) [الأحقاف: 31].
سمع والله لو صادف آذانا واعية، وبصر لو صادف
قلوبا من الفساد خالية، لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها، وتمكنت منها
آراء الرجال فأغلقت أبوابها وأضاعت مفاتيحها، وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن
إليها منفذا، وتحكمت فيها أسقام الجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل. وا عجبا لها! كيف جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع،
ولم تقبل الاغتذاء بكلام رب العالمين، ونصوص حديث نبيه المرفوع، أم كيف اهتدت في ظلم
الآراء إلى التمييز بين الخطأ والصواب، وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السنة والكتاب؟ واعجبا! كيف ميزت بين صحيح الآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها،
وراجحها ومرجوحها، وأقرت على أنفسها بالعجز عن تلقي الهدى والعلم من كلام من كلامه
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكفيل بإيضاح الحق مع غاية البيان وكلام
من أوتي جوامع الكلم، واستولى كلامه على الأقصى من البيان؟ كلا، بل هي والله فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها،
وحيرت العقول عن طرائق قصدها، يربى فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير.
وظنت خفافيش البصائر أنها الغاية التي يتسابق
إليها المتسابقون، والنهاية التي تنافس فيها المنافسون، وتزاحموا عليها، وهيهات، أين
السهى من شمس الضحى؟ وأين الثرى من كواكب الجوزاء؟ وأين الكلام الذي لم تضمن لنا عصمة
قائله بدليل معلوم، من النقل المصدق عن القائل المعصوم؟ وأين الأقوال التي أعلا درجاتها
أن تكون سائغة الاتباع، من النصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها والتحاكم إليها
في محل النزاع؟ وأين الآراء التي نهى قائلها عن تقليده فيها وحذر، من النصوص التي فرض
على كل عبد أن يهتدي بها ويتبصر؟ وأين المذاهب التي إذا مات أربابها فهي من جملة الأموات،
من النصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسماوات؟
No comments:
Post a Comment