السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, هذه المشاركة
تابعة للمشاركة السابقة ولكني فضلت أن أفصّل بينهما ليسهل على القارئ استيعاب الموضوعين,
ولكني هذه المرة سأحاول أن لا أطيل في هذه المشاركة. تحدثت في المشاركة السابقة عن
الحديث المتواتر وبالأخص المتواتر اللفظي, أما في هذه المشاركة فسأتحدث عن التواتر
المعنوي وفي محاولة لتصحيح مفهوم خاطئ بين الناس يقع فيه بعض طلبة العلم عندما يتحدثون
عن التواتر المعنوي, ولكن قبل ذلك أحب أن أوضّح معنى التواتر المعنوي بشيء من التفصيل.
قال المحدث الخطيب البغدادي رحمه الله: "التواتر من طريق المعنى فهو أن
يروي جماعة كثيرون يقع العلم بخبرهم كل واحد منهم حكما غير الذي يرويه صاحبه إلا ان
الجميع يتضمن معني واحدا فيكون ذلك المعني بمنزلة ما تواتر به الخبر لفظا." أما
عن حجية التواتر المعنوي فمبحث آخر وأكثر أهل العلم بأنه حجة ويفيد العلم والعمل.
قيل أيضا عن التواتر المعنوي: "اختلاف ألفاظ
المخبرين عن خبر رووه واتفقت ألفاظهم على معناه ؛ فإنَّه كثير واسع وعليه مدار غالب
التواتر، ويفيد تواتر القدر المشترك، ومثاله تواترُ شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله
عنه, فإن الأخبار تواترت عن وقائعه في حروبه من أنَّه فعل في بدر كذا وكذا، وفي أُحد
كذا وهزم يوم خيبر كذا ونحو ذلك؛ فإنَّها تدل بالالتزام على تواتر شجاعته" وكذلك
مثل كرم حاتم الطائي وشجاعة عنترة... إلخ. أما بالنسبة عن الخطأ الذي قصدته, تجد أنه
يُروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم خبرا فيه لفظ ومعنى معين, وفي خبر آخر ربما نفس
الاسم واللفظ ولكن المعنى مختلف فيدّعون تواتر المعنيين فقط لاشتراك اللفظ او الاسم.
سأضرب لكم مثالا لأوضح لكم ما أقصده... لنفترض بأني قلت لكم إني رأيت في منامي
"سوبرمان" وكان شديد القوة, وأخبرتكم في يوم آخر وقلت لكم سترون رجلا
يدّعي بأنه "سوبرمان" بعد شهر من اليوم, وقلت لكم في موقف آخر:
"تحدث أخي عبدالله عن مخلوق سمّاه هو (أي أخي) بالسوبرمان" فيأتي
انسان واحد فقط يروي عني هذه الأخبار, فيأتي من بعده من يقول: ثبت عن عبدالعزيز بالتواتر
أنه رأى في منامه سوبرمان, وثبت بالتواتر المعنوي أننا سنرى سوبرمان بعد شهر وثبت بالتواتر
المعنوي بأن الأخ عبدالله تحدث عن سوبرمان! وهذا مع احترامي جهل عظيم, فإن خبر كوني
رأيت سوبرمان خبر ليس له علاقة بخبر أنكم ترون رجلا يدّعي بأنه سوبرمان بعد شهر! لأن
الأول في عالم الاحلام والآخر في الواقع والرواية الثانية لم أصرح بأنه نفسه الذي رأيته
في منامي. أما السوبرمان الذي تحدث عنه أخي عبدالله ليس هو نفس الذي رأيته في منامي
أو لا يقصد الذي سيدّعي بعد شهر بأنه هو السوبرمان. فكيف يقال بأنه ثبت عني بالتواتر
كذا وكذا, أكثر ما يمكن قوله, ثبت بالتواتر المعنوي ذكر اسم السوبرمان!
أظن أن معظم القرّاء تعقدوا من هذا! كنت سأحاول
التفصيل وأعطي أمثلة أخرى ولكن لنضرب مثالا على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. لنفترض
فقط (مجرد افتراض) أنه ثبت حديثا واحدا عن خروج الدجال آخر الزمان و ثبت حديث آخر عنه
بأنه رأى في منامه الدجال يطوف حول الكعبة (مجرد افتراض وحديث واحد فقط) فلا ينبغي
لطالب العلم أو حتى العالم أن يقف أمام الناس ويقول خروج الدجال ثبت بالتواتر المعنوي
ومن أنكره فقد كفر! هذا غير صحيح! لأن عنده حديث واحد فقط عن الرؤيا وحديث واحد فقط
عن خروجه, فهذا يعتبر من الآحاد وكل حديث له معنى آخر. ولكن في أفضل الحالات (إن وجدت
روايات كافية لادعاء التواتر) يمكنه أن يقول مثلا تواتر ذكر الدجال على لسانه.
بعد أن حاولت أن أصحح بعض المفاهيم حول الحديث
المتواتر (سواء لفظيا أو معنويا) أحب أن أنقل لكم كلام ابن الهمام الحنفي رحمه الله:
"دار الأمر في الرواة على اجتهاد العلماء فيهم, وكذا في الشروط, حتى إن من اعتبر
شرطا وألغاه آخر يكون ما رواه الآخر مما ليس فيه ذلك الشرط – عنده – مكافئا لمعارضة
المشتمل على ذلك الشرط, وكذا فيمن ضعّف راويا ووثقه الآخر. نعم, تسكن نفس غير المجتهد
ومن لم يخبر أمر الراوي بنفسه إلى ما اجتمع عليه الأكثر. أما المجتهد في اعتبار الشرط
وعدمه والذي خبر أمر الراوي, فلا يرجع إلا إلى رأي نفسه... فلم لا يجوز في الصحيح السند
أن يُضعّف بالقرينة الدالة على ضعفه في نفس الأمر, والحسن أن يرتفع إلى الصحة بقرينة
أخرى من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلناه, وتركهم لمقتضى ذلك الحديث, وكذا عمل أكابر
السلف" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comments:
Post a Comment