السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته... مشاركة جديدة ومحاولة لتصحيح بعض المفاهيم, ولعل
المشاركة فيها جانب سياسي نوعا ما ولهذا سأحاول فقط أن أركز على بعض الجوانب من
المسألة التي سأتعرض لها, لأني لا أحب أن أتطرق إلى الأمور السياسية, فالسياسية
لها أهلها. وبما أني لا أحب أن أرى استغلال الدين وآيات الله للوصول إلى أغراض
شخصية وسياسية, إضافة إلى ذلك, لم أقرأ من طلاب العلم والعلماء من يصحح هذه المفاهيم
التي سأتطرق إليها في هذه المشاركة, قلت أكتب مشاركة لعل الله ينفع بها. أما هذه
المشاركة تدول حول ما يردده بعض المنتسبين للأحزاب المنتمية إلى الإسلام (من غير
ذكر أسماء) : "هذه الحكومة لا تحكم بما أنزل الله, فهي حكومة كافرة لابد
من الخروج عليها وتبديل الحكومة وإقامة حكومة شرعية إسلامية تحكم بما أنزل الله"
وذلك لقوله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْكَافِرُونَ)) ولهذا يحرضون أتباعهم بالخروج على الحكام وبما أن
الأتباع كثر فقد يتأثر بأقوالهم عامة الشعب فيثورون مع أعضاء الجماعة ويرددون
أقوالهم وبهذا تنتشر الفتن في البلاد ويعم الفساد والسبب فهم غير صحيح للآية والله
المستعان.
بيان
ما سبق, أقول إن الله سبحانه وتعالى ذكر آيات تدور حول الموضوع, أقصد الحكم بغير
ما أنزل الله وذلك في سورة المائدة فقال سبحانه وتعالى مرة: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) و قال في موضع آخر:
((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))
وفي الأخيرة قال سبحانه: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ)) فمرة وصفهم بأنهم الكافرون ومرة وصفهم بأنهم الظالمون
ومرة بأنهم الفاسقون, فما السر في ذلك؟ أقوال العلماء كثيرة في بيان السر ولكن
سأختصرها لكم. الذي يحكم بغير ما أنزل الله له ثلاثة أحوال: الحالة الأولى:
أن يعتقد أن حكم الله لا يصلح، وأن حكم غيره هو الذي يصلح للناس. الحالة
الثانية: أن يحكم الحاكم بخلاف ما أنزل الله ولكنه يعتقد أن حكم الله أولى
وأنفعل لكن خالفه بقصد إيصال الضرر للمحكوم أو طلب نفع للمحكوم له. الحالة
الثالثة: أن يحكم الحاكم بخلاف ما أنزل الله ولكنه يعتقد أن حكم الله أولى
ولكنه اتبع هواه لمصلحة تعود إلى نفسه. وبين الحالة الثانية والثالثة مقاربة وشبه
ومن أراد تفصيل هذه المسألة فليرجع إلى كتب الفقه. العلماء رحمهم الله (لا أقصد
الكل) قالوا عن الحاكم في الحالة الأولى بأنه كافر, وفي الثانية بأنه ظالم
وفي الثالثة بأنه فاسق.
بناء
على ما سبق, أقول للمنتسبين لهذه الجماعات المنتسبة للإسلام, أين تجدون حاكم دولة
إسلامية يدعي أن حكم الله لا يصلح وحكم غيره هو الذي يصلح؟ بمعنى أنه يكذب ((أليس
الله بأحكم الحاكمين)) والعياذ بالله؟ عن نفسي لا أكاد أجد حكومة في دولة
إسلامية تدعي ذلك, سواء في الخليج أو خارج الخليج! بل إن كثيرا منها (أي الحكومات)
تعترف بأن الدستور الأول للمسلمين هو القرآن الكريم, كما قال صاحب السمو الشيخ
محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء
حاكم دبي حفظه الله وورعاه في لقاء معه: "دستورنا هو القرآن"
وكذلك معظم حكام الخليج تجدهم يقولون بمثل قوله, ولم نسمع عن أحد منهم يزعمون بأن
ما أنزل الله لا يصلح ولا يُعترف به!؟ فكيف ساغ لكم أيها القوم (الذين ينتسبون
لهذه الفرقة السياسية) بتكفير الحكام ومن ثم تحريض الناس بالخروج عليهم؟ ألا يعتبر
ما فعلتم حكما من غير برهان, فبذلك حكمتم بغير ما أنزل الله! ثم من قال بأنه إن
قالت الحكومة كلمة ظاهرها الكفر بأن الحكومة كافرة؟ هذا غير صحيح, تكون كافرة إن
كانت جاحدة لحكم الله عن علم وقالت كلمة الكفر عن علم, فربما الحاكم يقول كلمة
كفرية وهو لا يعرف حكمها, أقصد لا يعلم أن قائلها يكون كافرا, فكيف يسوغ للناس
تكفير الحكام والحكومات جملة واحدة بهذه السهولة قبل أن يتحققوا هل قالها بعلم أم
قالها بغير علم؟ فمسألة التكفير عظيمة جدا وليست بهذا الأمر السهل, ومن ثم حتى لو
ثبت كفر الحاكم أو الحكومة فمن قال لابد من الخروج عليه وقتاله؟ قال الشيخ العلامة
ابن عثيمين رحمه الله: "لا يعني أننا إذا كفرنا أحدا فإنه يجب الخروج عليه
لأن الخروج يترتب عليه مفاسد عظيمة اكبر من السكوت ولا نستطيع الآن أن نضرب أمثالا
فيما وقع في الأمة العربية وغير العربية, و إنما إذا تحققنا جواز الخروج عليه شرعا
فإنه لابد من استعداد وقوة تكون مثل قوة الحاكم أو اعظم. و أما أن يخرج الناس عليه
بالسكاكين والرماح ومعه القنابل والدبابات وما أشبه هذا فأن هذا من السفه بلا شك وهو
مخالف للشريعة."
أحب
أن أضيف وأقول, من قال لكم بأن الآيات الثلاثة التي ذكرتها في المشاركة هي خاصة
بالحكام والحكومات على حسب المفهوم الجديد للحاكم؟ الحقيقة أن كل منا راع وهو
مسؤول عن رعيته كما في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن
رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي
مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول
عن رعيته" رواه البخاري و مسلم. أنت أخي المسلم راع وتكون حاكما في أهلك
وفي الأموال التي تحت يديك وغير ذلك. إن سرقت الأموال فقد حكمت بغير ما أنزل الله,
وإن ظلمت زوجتك فإنك ظالم حكمت بغير ما أنزل الله, وإن اتبعت شهواتك بالزنى ومثل
ذلك فأنت من الفسّاق الذين حكموا بغير ما أنزل الله وإن اغتبت الناس فأنت حكمت
بغير ما أنزل الله. لا يكاد ينجو مسلم اليوم من الحكم بغير ما أنزل الله فهل
ستكفرون المسلمين عامة كما قيل عن بعضهم: "لا أجد اليوم مسلما غيري" ؟
فلماذا تضيقون آيات الله بتخصيصها للحكومات التي لا تحكم بغير ما أنزل الله, لا شك
أنها داخلة في الآية, ولكن كل من يحكم فهو تحت نطاق هذه الآية.
أعلم
أن ما كتبته لن يعجب الذين ينتمون إلى هذه الأحزاب التي يدّعون بأنها إسلامية, وربما
يتهمني البعض بأنني شخص مدفوع له فأكتب هذه المشاركات لأخذل المنتسبين لهذه
المنظمات, وربما يتهمني البعض بأني من الجامية الذين (بزعمهم) يغلون في الحكام
والحكومات وغيرها من الاتهامات, لكني أقول والله لم يرسلني أحد ولا أريد أن أنتصر
لمذهب الجامية أو السلفية أو غيرها من المذاهب الإسلامية بل شخصيا لا أحب الانتماء
لهذه الفرق فليس إمامي الجامي ولا إمامي ابن تيمية أو الألباني, إمامي هو محمد صلى
الله عليه وسلم ويكفيني أن أنتسب إلى الإسلام, قال الله سبحانه وتعالى: (((إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)).
كل ما في الأمر أني أحب أن أقول الحقيقة على حسب ما ظهر لي وقد أمرنا الله سبحانه
وتعالى في كتابه فقال: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو
على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)) هذا ما حاولت أن أحققه في هذه المشاركة.
أخيرا, أقول لهؤلاء الذين ينتسبون للمنظمات والأحزاب, لا تحكموا بغير ما أنزل
الله, فتتهموني ظلما وبهتانا, ولا تحكموا بغير ما أنزل الله فتكفروا عامة المسلمين
من الحكام والحكومات. أولا أيها المسلم, احكم بما أنزل الله في نفسك وأهلك و ولدك
وأقم شرع الله في بيتك, فإن فعلت ذلك لفتح الله عليك ويجعل لك فرقانا فتميز بين
الحق والباطل, أسأل الله أن نكون منهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
No comments:
Post a Comment