Sunday, July 18, 2021

ستة أيام

 


(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) {سورة الأعراف ٥٤} كذلك في سورة يونس قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) {سورة يونس ٣} وفي سورة الفرقان: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) {سورة الفرقان  ٥٩}


هنا عدة مسائل، أولا مسألة الأيام، أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام!


إنّ النظريات العلمية الحديثة ترفض تمامًا خلق السماوات والأرض في ستة أيام بشرية، بل إنّ المدّة المستغرقة لخلق السماوات والأرض تعدّت مليارات السنين، وقول خلق السماوات والأرض في ستّة أيام قول مرفوض تماما عند المؤمنين بالعلم الحديث. ومن أجل إرضاء المجتمع العلميّ، كثير من العلماء والمفكرين والدعاة والمثقفين المعاصرين يحاولون تفسير الأيام على أنّها ليست الأيام التي يعرفها البشر، إنما أيام من أيام الله عزّ وجلّ. فيقولون: لا أحد يعرف ما هذه الأيام إلا هو سبحانه، ولعلّها تتساوى مع مليارات السنين؟ الله أعلم بالتأكيد، دعوني أُذكركم ببعض الأمور، قال الله سبحانه وتعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) وقال في موضع آخر: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) سواء أخذت الألف سنة أو الخمسين ألف سنة، فإنها لا تتوافق مع الأرقام الخيالية التي أتى بها العلم الحديث عبر نظرياتهم، فالمسألة عندهم محلّ سخرية أو مستحيل إن قلت لهم إنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات في المدة الزمنية المذكورة آنفا، لكنّه منطقيّ جدًّا عند المؤمنين بأنّ الأرض شكلها كما قال الله عنها، وأنّ الأيام هي ستة أيام بشرية.


ليس هذا فقط بل إنك لو تتبعت الآيات التي فيها أنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام مذكورة عدّة مرات، وبعض تلك الآيات سبق نزولها نزول الآيات التي فيها أنّ يوما كألف سنة أو كخمسين ألف سنة. وهذا لا مفرّ منه عند الذين يحدّدون بعض السور والآيات على أنّها مكية أو مدنية، فلو أخذنا ما تعارفوا عليه من السور والآيات المكية لوجدت أنّ الله ذكر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام.


ما أريد أن أقوله إن كان كما يقول المعاصرون اليوم إنّ الأيام هي أيام أخرى، وليست الأيام المعهودة عند البشر، هل كان الله سيوحي إلى نبيه أياما، ويكرّرها في أكثر من موضع من دون أن يفهم الناس أيّ أيام يقصد؟ ثمّ لماذا لا نجد المشركين أو أهل الكتاب أو غيرهم سألوا: ما مقدار تلك الأيام؟ أليس لأنّ الأمر واضح، وأنّ المقصود بالأيام الأيام المعروفة عند البشر؟


حتى لو أخذنا برأي أنّ القرآن نزل جملة واحدة، أو على الأقل نزوله كان على حسب الترتيب الحالي للمصحف، أي سورة الفاتحة أولها نزولا ثمّ البقرة ثمّ آل عمران إلى آخر سورة، أقول لو حتى أخذنا بهذا الرأي فإنّ هناك كثيرًا من الآيات سبقت الآيات التي فيها ذكر أنّ اليوم هو كألف سنة أو كخمسين ألف سنة. حتى إن أنت قمت بجمع الآيات في الموضوع الواحد، أو اتبعت التفسير الموضوعي أو التفسير الترتيلي كما يحبّ أن يسميه بعض المعاصرين، فإنك أيها القارئ ستتأكد بأنّ الآيات التي فيها ذكر اليوم كألف سنة أو كخمسين ألف سنة ليست في موضوع خلق السماوات والأرض، والسياق هناك في تلك الآيتين مختلف عن موضوع خلق السماوات والأرض. 


دعنا نقرأ آية أخرى، قال الله عزّ وجلّ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) {سورة السجدة ٤} 


مرة أخرى قال ستة أيام، ولو قالوا هي أيام الله مختلفة عن أيامنا فالسؤال الذي يطرح نفسه: أيّ الآيات نزلت أولا؟ ألا تقولون: إنّ القرآن نزل مُنجمّا (بمعنى على فترات)، فإذا كان كذلك فالآية التي تقول ألف سنة مما تعدون بعد بعض هذه الآيات، فمن المفترض أنّ المعنى مفهوم وقت النزول، و إلا لقالت اليهود: لا هذا خطأ بل ستة آلاف يوم، لكن لم تسجل كتب الحديث ذلك!


حتى عند أهل الكتاب ستجد أنّ أكثر المفسّرين عندهم في تفسير التوراة والكتاب المقدّس بشكل عام اعتبروا أنّ الأيام التي خلق الله السماوات والأرض هي ستة أيام معروفة عند الناس بل حتى بعض من تصدّى لتفسير الكتاب المقدّس كجون كالفين ومارتن لوثر وغيرهما أكّدوا ذلك بالرغم من أنّهم كانوا تنويرين بمعنى ما، ويواكبون تطورات العلم. ولو كان هذا الفهم الظاهر خاطئا عندهم في الكتاب المقدّس لربما كان سيردّ عليهم الله سبحانه وتعالى بوضوح في القرآن الكريم، كما ردّ عليهم زعمهم أنّ المسيح ولده، أو أنه استراح في اليوم السابع فقال: (و ما مسنا من لغوب) فتأمّل هذه الدقيقة القرآنية، فإنها عميقة لو أعطيتها حقّها من التأمل.


أُحبّ أن أطرح سؤالا للمثقفين والمتنورين كما يحبون أن يسموا أنفسهم، أو على الأقلّ يوحون لمتابعيهم ذلك أي أنهم متنورون، ألستم تقولون: إنّ القرآن مُيسر، حتى المزارع والعامي يفهمه، ويقرأه بسهولة ويسر، ويفهمه. بالله عليكم، لو أنّ الإنسان العاميّ قرأ القرآن، وقرأ الآيات التي فيها خلق السماوات والأرض في ستة أيام ماذا سيفهم من ظاهر الآيات؟ أليست الأيام المعروفة عنده؟ هل تظنون أنّ الناس بشكل عام سيقومون بتحليل أنّ الأيام قد يعني أياما خاصّة أخرى؟ كلا لن يحدث ذلك! ولا أظنّ أنّ أحدكم سيجيب بغير هذا، فإن كان كذلك فلماذا إذن تُحرفون ظاهر معنى الآية؟ هل فقط من أجل أن تتوافق الآيات مع بعض فرضيات ونظريات المجتمع العلميّ؟ أليس هذا غير مقبول في الشرع، غير جيد أن يتمّ تأويل وتغيير ظاهر معاني آيات القرآن ما لم يقم دليل معتبر من آية تصرف المعنى الظاهر إلى معنى خفيّ آخر، لماذا تقومون بالتحريف والآيات تستقيم تماما مع المنظور الكوني للقرآن الكريم؟


قال الله عزّ وجلّ: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) {سورة فصلت ٩} هذه حقيقة قرآنية كون أنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات في يومين في حين أنّ الأرض في أربعة أيام. هل تساءلتم يوما: لماذا ذلك؟ يقول المجتمع العلميّ المعترف به اليوم: إنّ هناك في المجرة الواحدة ما يقارب مئة ألف مليون نجم، وإنّ عدد المجرات في الكون هو مئة مليار مجرة! في حين أنّ الأرض مقارنة بهذا الكون الشاسع مثل الذرة! سؤالي: لماذا إذن خلق الله السماوات في يومين في حين خلق الأرض في أربعة أيام إن كانت النجوم أكثر من عدد رمال الأرض! نعم أعرف تماما أنّ الله له حكمة في كلّ شيء، وأنه يفعل ما يشاء، لكن هل حاولنا يوما أن نقترب من فهم بعض الحِكَم المبثوثة في الآيات الربانية؟ نجد في القرآن الكريم أنّ الله يقول: (جنة عرضها السماوات والأرض) أين حجم الأرض كما يعرفوننا اليوم عند حجم السماوات!؟ ثمّ ما فائدة مقارنتها بالجنة! هل فقط هذه الآية تتحمل مخاطبة البشر وتحدّثهم بما يعرفون، ونمحو من الآيات كلّ المعاني التي تشير إليها؟ هل وجدت أحدًا يفتخر بسيارته الحديثة، ويقارنها بسيارة أطفال بلاستيكية؟ أوهل وجدت الياباني يقارن سيف الموراماسا مثلا بقطعة خشبية؟ لن تجد ذلك! فلماذا رضوا بهذه المقارنة عند الحديث عن الجنة والأرض! أتمنّى ألا تكون إجابتهم هي: لأنّ لله حِكمة، فإنّ له الحكمة البالغة، وكان ينبغي أن يقولوا ذلك عندما يواجهون الغبار الذي ينثره المجتمع العلميّ. الإنسان الذي يفهم في المقارنات يعرف أنّ حجم الأرض كبير جدًّا ومؤهلة لأن توضع في كفّة، وتوضع في كفّة أخرى السماوات المذكورة في الآية.


No comments:

Post a Comment