من استقرأ القرآن يعرف جيدا أنه لا توجد آية واحدة أو حتى جزء من آية فيها أنّ الأرض كروية، بل لا توجد حتى كلمة قريبة من الكرة تخصّ الأرض. في المقابل نجد كلمات كثيرة تقوي فكرة أنّ الأرض مسطّحة مثل: (فراشا) ، (مهدناها) ، (بساطا) ، (سُطحت) ، (مدّت) ، (طحاها) ، (هامدة) ، (خاشعة) وغيرها من الكلمات التي توحي من قريب و بعيد إلى أنّ الأرض مسطّحة، لا تدور ولا تتحرك.
ابحث في جميع الآيات المذكورة فيها (الأرض) لن تجد فيها كلمة قريبة توحي أنّها مكورة أو كروية أو أنها تدور. فإن قالوا: ”إنّ الكلمات موضوعة في القرآن لمراعاة عقول الناس و بالأخص عقول أولئك الذين عاصروا نزول القرآن، وإنّهم لا يطيقون فكرة أنّ الأرض غير مسطّحة“ أقول أولا هذا قول ضعيف بل أشبه أن يكون افتراء على الله العليم الحكيم، اللطيف الخبير، وذلك لأن الله -سبحانه وتعالى- فرض في كتابه الإيمان بأمور هي أكبر من مسألتنا بخصوص شكل الأرض. ثانيا أقول لازم كلامهم أنّ الدليل على كروية الأرض لابدّ أن يأتي من طرف من يزعمون أنّ الأرض كروية، وليس من طرف الذين يؤمنون بأرض مسطّحة.
كل الأدلة التي يتسدل بها الناس على أن الأرض الكروية قابلة للردّ العقلي و المنطقي، ردّ عقلي لا ردّ إنسان به سخافة وعناد ثمّ قد يكون متعنّتا فوق ذلك! وكما أنّ بعض الحداثيين لا يُشنّعون على من خالف القرآن والسنة كون أنّ هناك وجها قد يحتمله الدليل، فما بالهم يُشنّعون قول القائلين إنّ الأرض مسطّحة، وأكثر الأدلة العقلية والمنطقية والنقلية في صفّ القائلين بسطحية الأرض؟ و اليوم ليس كالسابق، فإن الأدلة البصرية متوفرة عند الفريقين، و كذلك التجارب العلمية. وهذا ما يجعلني لا أعتمد عليها كدليل، فبإمكان كلّ طرف أن يُكذّب الآخر، ويطعن في النيات و مدخلات هذه التجارب و البصريات و مخرجاتها.
أقول و أنا في كامل وعيي و أعي ما أقول جيدا و كلي ثقة، أنّ القرآن من سورة الفاتحة إلى سورة الناس هو كتاب يُثبت أنّ الأرض ممدودة مفروشة مبسوطة مسطّحة. وقبل أن أتوقف عند بعض آيات القرآن، أحب أن آخذ من وقتك بعض الشيء، ما رأيك؟ أتمنى أن لا تمانع لأنه قد يفيدك.
تخيّل معي أحجية تتكون من إطار مساحته ٣ x ٣ من قطع خشبية مكتوب عليها الأرقام التالية بهذا الترتيب:
هذه الأحجية إن قمت بجمع أيّ صف منها، أو أيّ عمود منها من أيّ اتجاه ستجد النتيجة ١٥. فمثلا الصف الأول المكون من الرقم: ٤ و٩ و٢ مجموعها ماذا؟ المجموع ١٥، كذلك لو جمعت العمود الشمالي المكون من العدد ٢ و٧ و٦ فإن جمعتها كانت النتيجة ١٥. كذلك إن قمت برسم علامة x وأخذت الأرقام ٤ و٥ و٦ وجمعتها ستجد النتيجة ١٥ كذلك إن فعلت مع الطرف الآخر وجمعت ٢ و٥ و٨ ستجد النتيجة ١٥.
حاول أن تستبدل العدد ٥ بأيّ عدد من الواحد إلى التسعة بشرط ألا تستخدم العدد ٥ وأن تأتيني بالنتيجة ١٥، ماذا سيحدث؟ لن تنجح في ذلك، أليس كذلك؟ قبل أن تستبدل الخمسة كان باستطاعتك أن تجد ثماني طرق للحصول على النتيجة ١٥، لكن الآن بعد أن استبدلت العدد خمسة صار بإمكانك فقط أربع طرق للحصول على النتيجة ١٥، نصف النتيجة السابقة! هل لاحظت ما فعله استبدال عدد في الأحجية؟ أفسدت النظام البديع، فلم تترك إلا نصفها. كذلك -عزيزي القارئ- من يُحاول أن يلوي آيات القرآن ويُحرّفها عن ظاهرها لتتوافق مع هواه.
إنّ القرآن الكريم كتاب فيه نظام عظيم بديع أنزله بديع السماوات و الأرض، إن أخذناه بقوة من غير تغيير معاني الآيات عمدا وبغير عمد فإننا سنفهم الكثير من الأشياء، هي في حقيقتها سهلة الفهم، لكن إن قمنا بتحريف معاني بعض الآيات لموافقة مخرجات العلم الحديث فإننا نقع في ورطة و قد تُغلق علينا كثير من المسائل فلا نستطيع فهمها من بعدُ. قد نستطيع أن نُحرّف معنى آية لإثبات أنّ الأرض كروية، لكن ماذا عن الآيات الأخرى؟ كيف ستكون ردّة فعل الإنسان العامي الذي يفهم من بعض آيات القرآن ما يدلّ على أنها مسطّحة، و يفهم من بعضها ما يدلّ على أنها كروية؟ وما حاله وهو يرى أنّ الآيات والكلمات العربية التي فيها لم تعد تعني المعنى الظاهر والمعروف في اللسان العربي لكن معنى آخر؟ ألن يشعر بأنّ هناك من يحتال لإثبات أنّ هذا الكتاب يتوافق مع مخرجات العلم الحديث؟
لهذا -عزيزي القارئ- حتى إن حاول البعض إثبات أنّ القرآن يدلّ على أنّ الأرض كروية في بعض الآيات فقل له: ”توقّف من فضلك، اقرأ و افهم منظومة القرآن، و افهم سياق الآيات“. و أنت كذلك أيها القارئ لهذه الكلمات، حاول أن تفهم ما يقوله القرآن عن هذا الوجود، ستكتشف أنّ هناك خللا في تفاسيرهم التي جاؤوا بها، تفاسير و معاني دخيلة على كتاب الله يريدون حملها على القرآن لتتوافق آياته مع النظريات العلمية الحديثة، فمن فعل ذلك منهم (أنا مأسوف عليه) كمن استبدل الرقم ٥ في الأحجية السابقة الذكر، فاختلّ أجزاء من النظام البديع. وإنا لله، وإنا إليه راجعون و لا حول و لا قوة إلا بالله.
قال ربنا عالم الغيب و الشهادة، المهيمن العزيز الجبار المتكبّر في سورة البقرة: ((وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) ))
عبدالعزيز النظري
No comments:
Post a Comment