ذكر الفرقان في عدة مواضع من القرآن، في سورة البقرة: (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) و أيضا في سورة البقرة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) و في سورة آل عمران: (من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) و في سورة الأنفال: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير) و في سورة الأنبياء: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) و أخيرا في سورة الفرقان: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
قبل الخوض في الكلام عن معنى الفرقان، سأعطيكم نبذة عما قيل في معنى الفرقان بحسب السياق، فقديما قالوا إنه اسم آخر للقرآن، و قالوا أيضا هو اسم لكل كتاب أ نزله الله و قالوا التوراة ذلك لأن الله آتى الفرقان لنبيه موسى، و يوم الفرقان أي غزوة بدر هذا ما كان عليه الناس. و قالوا في تسميته الفرقان لأن الله يفرّق في كتبه بين الحق و الباطل، و قالوا لأن فيها الحلال و الحرام و قالوا لأن الله يفرّق بين جمع المسلمين و جمع الكفار، هؤلاء حاولوا لحظ المعنى اللساني. و من المعاصرين و بالتحديد الدكتور شحرور رحمه الله قال الفرقان الوصايا العشر المذكورة في كتب الله من التوراة و الإنجيل و القرآن لذا فرقها الله لوحدها فسميت “الفرقان”. التعاليم المشتركة في اليهودية و النصرانية و الإسلام هي الفرقان و تبعه على هذا أكثر المحسوبين على أهل التنوير فيما أعلم إلا نفر يسير ممن لقوله وزن مثل الدكتور عدنان الذي اختار قول المتقدمين. ما ذكرت أشهر ما قيل في معنى الفرقان.
و الآن ماذا أقول أنا؟ من قرأ سلسلتي و نظريتي، سيستخلص أني سأقول أن الفرقان له علاقة بالغيب و الجن (بالمعنى العام اللساني للجن) و هذا ما سأثبته إن شاء الله.
أول ملاحظة أن اسم الفرقان قريب من اسم القرآن، و لفهم معنى القرآن، أدعوك لقراءة هذه السلسلة بدلا من التكرار
https://twitter.com/AbdulAziz_Mohd/status/1541721926204284928?s=20&t=KuNEd9LqKKYPNG8an0hWJQ
و هناك معلومة مهمة موجودة في القرآن، و هي أن الفرقان نزّله الله على الرسول صلى الله عليه و سلم و آتاه لموسى عليه السلام. إذن هناك أمر مشترك بين الرسول و موسى. و في هذا من الفوائد الشيء العظيم بشكل سريع و من اراد الاستزادة فليطلبه في كتاب النظرية الكبير. الفائدة هي باختصار أن الله أنزل الفرقان على محمد و موسى، و لم يذكر أنّه أنزل الفرقان على عيسى أو إبراهيم. و لأن الفرقان مختص في القرآن بموسى و محمد عليهما الصلاة و السلام، لذلك نجد ذكرا لهم مع الجن! أعرف أن هذا قد صدمك ربّما لكن اصبر علي.
ماذا قالت الجن عندما سمعت القرآن؟ بداية سورة الجن: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) لكن هذا ليس كل ما قالوه، إذ نجد في سورة الأحقاف: (قَالُواْ يَٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِىٓ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ) هذه الآية مهمة جدا و عجيبة لأنها تخبرنا أن الجن سمعت عن القرآن و كذلك كتاب موسى. ولكنها لم تذكر الإنجيل؟ بمعنى أن الجن لم تقل إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد عيسى، لماذا؟ ذكر المفسرون عدة أسباب إلا أنها ليست قوية عند التحقيق، فقالوا الإنجيل كان تكملة لكتاب موسى فلم يكن هناك داع. و قالوا لأن الجن كانت تدين باليهودية و لم تكن تدين بالنصرانية. و قالوا لأنهم كانوا يعرفون أن موسى بشّر بمحمد و قالوا لأن التوراة آخر كتب الشرائع و بعدها القرآن الذي فيها شريعة مستقلة و قالوا السبب أنّهم لم يصلهم خبر الإنجيل؟ (وهذا أقوى الأوجه الذي قالوه عندي). كما ترى و كأن هناك سر لم يقفوا عليه، و أنا أزعم أن هذا السر هو الفرقان.
نعم أيها القارئ، فالله أعطى موسى الفرقان و كذلك الرسول، و لهذا عرفت الجن عن هذه الكتب. و ليس هذا فحسب، فإن الرسول له تجربة معروفة مع الجن، فهل لموسى في القرآن تجربة مع الجن؟ أقول نعم و أي تجربة، اقرأ كتابي (بلوغ مجمع البحرين و أسباب ذي القرنين) إذ فيه تفصيل ذلك و أعدك إن شاء الله سأنشر مختصرا لتجربة موسى مع الجن. و أما في كتب اليهود فحدّث و لا حرج، التجارب عديدة و في الحكايات و الأساطير الشعبية فصعبة على الحصر و كذلك عن الرسول و الفرقان يهدي إلى الحق. هذا هو الفرقان أنّه يهدي إلى الحق و هناك مزيد من التفاصيل و كيف أن موسى أوتي الفرقان مع الكتاب لكن فيما ذكرت الكفاية لمتدبّر القرآن.
و الموضع الثاني أخبرنا الله أنه أنزل القرآن و الفرقان متى؟ في شهر رمضان! سبحان الله مرة أخرى الألف و النون في نهاية رمضان و هذا مقصود بلا شك. و في هذا الشهر نزل القرآن، و يوم الفرقان و فيه ليلة القدر التي أمرها ما فيها > (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)
و المرة الثالثة متى؟ أنت بنفسك ستتعجّب! في سورة آل عمران (نعم أنا أزعم أن عمران من الجن و تفاصيل ذلك في سلسلة أخرى) ليس هذا موضعه. العجيب أنه ذكر التوراة و الإنجيل ثم ذكر الفرقان. و ليس هذا فحسب! بل في هذه السورة بالتحديد فيها هذه الآية العجيبة: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) هل تريدون بعد هذه الآية العظيمة مزيد بيان عن صحة ما أنا ذاهب إليه؟
لنبحث مزيد بحث عن الفرقان، أين ذكر أيضا؟ ذكر الفرقان في سورة الفرقان! سورة اسمها الفرقان! ماذا نجد في الآية: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) ليكون للعالمين نذيرا! كل من في العالمين، من إنس و جن. و في هذه السورة بالتحديد فيها هذه الآية: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) و فيها: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) سبحان الله استوى على العرش الرحمن! فأسأل به (خبيرا) و في نفس السورة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) الملك يومئذ الحق للرحمن، استوى على العرش الرحمن، اسجدوا للرحمن و فيها من أمور الآخرة ما لا يخفى على أي قارئ للقرآن. أليست هذه الأمور تؤكد كلامي؟
حسنا، لنتكلم عن يوم الفرقان، ماذا قال العلماء عن يوم الفرقان؟ قالوا إنه يوم بدر و هذا معروف في السيرة و كتب التاريخ، يسمون يوم بدر يوم الفرقان. في أي شهر كان يوم الفرقان؟ في شهر رمضان! و ماذا حدث في يوم الفرقان، يوم بدر، اقرأ بنفسك > (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى ۚ إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) في هذا اليوم نزلت الملائكة، و في هذا اليوم قال الشيطان: (إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ) سبحان الله شيء عجب! كما وعدتك، بإذن الله بعد فهم هذه الفكرة التي كررتها كثيرا، ستقرأ القرآن قراءة فيها آفاق جديدة غير مسبوقة و فيها تنوير من نوع خاص سيذوق حلاوته من يتدبّر القرآن.
والله هو الهادي إلى الحق و صراط مستقيم و إليه المنتهى.
No comments:
Post a Comment