Saturday, July 2, 2022

معنى القرآن

 


هل تفكّرت يوماً في معنى "القرآن"؟ كثيرون كتبوا في معنى القرآن، فقالوا: سمي القرآن قرآناً لأنه يجمع الآيات والسور ويضم بعضها إلى بعض. قال الفراء: "هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضًا، ويشابه بعضها بعضًا وهي قرائن" ومنهم رأى أن الكلمة مشتقة من القرائن، جمع قرينة، لأن القرآن يصدق بعضه بعضاً، ومنهم من جعله مشتقاً ومصدر لقرأ كالغفران مصدر لغفر، والشكران مصدر لشكر، وهكذا. ويُنسب للشافعي أنه قال: "القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسم لكتاب الله". وقال الطبرسي، العالم الشيعي المعروف في تفسيره مجمع البيان: "القرآن: معناه القراءة في الأصل، وهو مصدرُ قرأتُ، أي تَلَوْتُ، وهو المَرْوِي عن ابن عباس، وقيل: هو مصدرُ قرأتُ الشيء، أي جَمَعْتُ بعضهُ إلى بعض"، ومنهم من قال: إنّها كلمة سريانية أصلها قرياناً أو قرين والتي تعني الدرس أو قراءة الكتاب وهكذا


لكن إن أنت أخذت بنظريتي، سيكون المعنى واضحاً، سمي القرآن بهذا الاسم لأن فيه أموراً وأخباراً غيبية، عن الماضي والحاضر والمستقبل، والجنة والنار وأمور تتعلق بالله سبحانه وتعالى وعن الملأ الأعلى إلى غير ذلك. قال الرحمن الرحيم في سورة آل عمران: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)، وقال أيضاً في سورة آل عمران: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، وقال اللطيف الخبير في سورة يوسف: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)، وقال العزيز الحكيم في سورة البقرة: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وقال الذي لا إله إلا هو في سورة النجم: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). 


فهناك عدد من الآيات التي تثبت أن هذا القرآن يحتوي على أخبار غيبية وأمور خفية غير ظاهرة لعامة الناس. نجد في سورة آل عمران هذه الآية العظيمة: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، ومنذ القدم، الناس يقولون: إن لهذا القرآن ظاهراً و باطناً


يُروى عن ابن مسعود: "إن هذا القرآن ليس منه حرف إلا له حد ولكل حد مطلع"، ويُروى عن ابن عباس: "إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون". قال التفتازاني: "وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان". وقال ابن النقيب: "إن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق، ومعنى قوله: ولكل حرف حد أي منتهى فيما أراد الله من معناه". 


وقال ابن عطاء الله السكندري في كتابه لطائف المنن: "علم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني العربية ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية، والحديث لمن فتح الله قلبه، وقد جاء في الحديث: لكل آية ظهر وبطن فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: وهذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا وهم لم يقولوا ذلك بل يقرؤون الظواهر على ظواهرها مراداً بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم". يمكنك مراجعة هذه الأقوال وزيادة في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي


ومن يدري، لعل هذا القرآن فيه معاني باطنة إضافة إلى المعاني الظاهرة، ولا تتعارض معه، لا يستطيع فهمها إلا فئة من الناس هداهم الله إلى معرفتها، أو أن الجن قد يفهمون من باطنها معاني ليست في مقدور البشر، أعني الكلمات التي لا نفهمها نحن البشر واختلف عليها الناس قديماً وحديثاً، قد تكون كلمات ميسّرة للفهم للجن


ماذا عن الحروف المقطّعة في بداية بعض السور؟ اختلف الناس في تحديد المعنى المراد منها، أو حتى فهمها على أقوال كثيرة، أما المتقدمون فاختلفوا في معناها على ثمانية أقوال على الأقل. فمنهم من قال: هي أسماء القرآن، ومنهم من قال: بل أسماء السور، وآخرون قالوا: إنها أسماء الله الحسنى، وقالوا: قَسَم، وقالوا: حروف مقطعة من أسماء وأفعال، وقالوا: مختصرات أو رموز كانت تستخدمها العرب مثال ذلك هل تا؟ يعني هل تأتي. ومنهم من قال: إنّها حروف من حساب الجُمّل، وإنها من حروف الهجاء أعلم الله بها الناس أن القرآن مؤلف منها، إلى غيرها من الأقوال. وأحسن ما قالوا في هذا الباب: أنّها من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله عز وجل


أما المتأخرون فصعب على الحصر، فكثيرون هم الذين كتبوا في معانيها، بل أفردت مؤلفات فقط للكلام عن هذه الأحرف. وأما غير المشهورين فأظنّ أنّه في الأسبوع الواحد يأتي أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي فيجد رأياً جديداً غير مسبوق. وأشهر الأقوال المعاصرة أنّها أحرف سريانية أو آرامية، ومنهم من قال: إنها الهيروغليفية المصرية


بالنسبة لي شخصياً فقدّمت ستة آراء جديدة لم أُسبق إليها، اثنان منها أشرت إليها في روايتي سبعة آلاف عالم من طرف خفي، لأن التفصيل فيها قد يُسبب الحيرة العظيمة عند بعض القرّاء، ولا أريد أن أكون سبباً في جنون القارئ. أما الآراء الأربعة الأخرى فهي أيسر منها، وفي متناول الفهم، سأسردها على وجه السرعة.


الرأي الأول: أنّها قد تكون علامات وآيات الكتاب الكوني المكنون، وبها يتم الكثير من الأمور، لا أحب أن أُفصّل هنا لأن هذا سيطول جداً، والحقيقة قد يحتاج الأمر إلى نفس طويل، ويشقّ علي شرحه الآن.


الرأي الثاني: أنّها الوحي، بمعنى أن الوحي عندما يجيء يكون بأصوات هذه الأحرف، لكن النبي يُترجمه سواء ترجمة ذاتية أو ترجمة عن طريق الروح الأمين أو الرسول المَلَكي، نقرؤها بالصيغة التي نقرؤها اليوم


الرأي الثالث: أنّها علامات تُبيّن السبع المثاني. 


الرأي الرابع: أنّها أحرف يفهمها الجن وهذا الأخير الذي أميل إليه مؤخراً.


وبما أن هذا القرآن فيه خطاب للإنس والجن، وليس الإنس فحسب فلِمَ لا تكون هناك آيات خاصة لهم؟ وإن أنت بحثت في كتب التفسير قديماً وحديثاً، وحتى محاولة بعض الشباب المعاصرين لتدبر القرآن لوجدتهم لا يركزون كثيراً على الجن في القرآن، ولهذا لا يستطيعون فهم كثير من الأمور المذكورة في القرآن، ويستغلق عليهم أشياء كثيرة، والحمد لله بعد أن هُديت إلى هذه النظرية، فإني استطعت فهم كثير من الأمور وقدّمت إجابات لكثير من الأمور التي كانت محل خلاف بين المسلمين منذ البداية وحتى يومنا هذا، من ذلك هوية العبد الذي صاحبه موسى عليه السلام، وذو القرنين ويأجوج ومأجوج وغيرهم، يمكنك قراءة تفاصيل ذلك في كتابي: "بلوغ مجمع البحرين وأسباب ذو القرنين" أو كتاب: "بين الإلهام والوسواس".


والعجيب عندما تقرأ عن أخبار الجن، تجد عدداً لا بأس به من الناس يقولون: إن لغة الجن هي لغة السريان، السريانية وهذا معروف منذ قديم الزمان إلى اليوم، لاحظ وجود الـ(آن) في اسم السريان! وإن لاحظت أن كثيراً من التعويذات والطلاسم والرُّقى فيها كلمات وتعويذات سريانية حتى عند النصارى، وإن كانوا لا يستخدمونها للتحاور فيما بينهم تجدهم يستخدمونها في الرقية. ومن المثير للاهتمام أن المسلمين عبر التاريخ يستخدمون الأحرف المقطعة لمثل هذه الأغراض، أعني التعويذات والرُقى وما إلى ذلك. وعند بعض المتصوفة أن السريانية هي لغة روحانية وعند البعض لغة الملائكة، على أية حال من اللغات التي لها علاقة بالعالم الخفي، ألا تجد وجود (الآن) في لغة السريان مثيراً للاهتمام؟ 


تحدّثنا عن الإنسان والجان، والإيمان والقرآن، فلننطلق للحديث عن أسماء شخصيات مذكورة في القرآن ونُطبّق عليها النظرية، فننظر هل يصحّ كلامي، وأن النظرية جديرة بالاهتمام أم أنها لا تصح ومجرد أوهام توهمتها؟


No comments:

Post a Comment