السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته... هذه المشاركة هي تكملة للمشاركة السابقة والتي كانت بعنوان: "سلسلة
تصحيح مفاهيم – عدالة الصحابة". بناء على المشاركة السابقة تبين لكم بأني
أرجح فكرة أن ليس كل الصحابة (على حسب التعريف الأوسع للصحابة) هم عدول, بل منهم
أهل للثقة ولا داعي للتنقيب عن أحواله ومنهم من نحن بحاجة إلى دراسة مروياتهم ومن
ثم مقارنتها ببقية الصحابة وأن نُفعّل الجرح والتعديل. بما أن غالب علماء أهل
السنة تبنوا عقيدة "الصحابة كلهم عدول" لم يُفعّلوا آليات ومعايير الجرح
والتعديل عليهم وذلك لأنهم كلهم عدول, وبذلك لم يهتموا كثيرا بدراسة الأحاديث
المرسلة من قبل الصحابة وذلك لأن الصحابة كلهم عدول ولا يضر أن يسقط بين الصحابي
والنبي صلى الله عليه وسلم أحد من الصحابة. وقد بيّنت أن هذا التفكير لعله غير
سليم وذلك في مشاركة سابقة لي بعنوان: "سلسلة تصحيح
مفاهيم – مرسل الصحابي".
الذي أطلبه من طلاب العلم
والعلماء, أن يُفعّلوا الجرح والتعديل, فمثلا إن وجدوا بأن أحد من الصحابة يرسل
كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم, أن نضع علامة استفهام حوله, ثم ندرس سيرة
الصحابي وأحواله كما يفعلون بالرواة دون الصحابة. لابد أن نفهم لماذا يرسل هذا
الصحابي ولماذا يحذف اسم الصحابي الذي سمع منه, ولماذا يكثر من هذا الارسال؟ وما
هي مواضيع مروياته...الخ ومن ثم نقارن بالمروي ونرى هل هو الوحيد الذي روى هذه
الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أم هناك غيره؟ فإن كان الوحيد لابد أن نتساءل
خاصة إن كان الحديث في مسائل فيها بأن هذا أو ذاك حرام, خاصة أن هذه الأمور تهم
المسلمين جميعا. وأرى نفسي مضطرا لأن أصرّح بأني لا أريد أن ألمز الصحابة أو
أنتقصهم أو شيء من هذا القبيل والعياذ بالله, بل أقول إني والله أرجو الله أن أكون
من الذين يحبون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه
وأن لا يقبضني إليه إلا وأنا أحمل هذا الحب والاحترام لهم, أما إن كان الله قد سخط
على أحد منهم أرجو أن لا يجعل قلبي يركن إلى المغضوب عليهم و لا الضالين.
وقد استقريت أحاديث
الصحابة رضوان الله عليهم, فلاحظت عدة ملاحظات لابد أن نقف عندها, مثلا أبو هريرة,
أكثر صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم, لابد إذا أن ندرس هذا الصحابي
ونتساءل لماذا هو أكثر صحابي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يرافقه أكثر
من 3 سنوات؟ بالرغم من أن هناك من رافق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروي ولا حتى
5% مقارنة بمرويات أبو هريرة. طبعا لاشك أن هناك أسباب, منها مثلا حفظ أبو هريرة
أو انشغال الصحابة الذين رافقوا النبي لسنوات عديدة, وما إلى ذلك. الذي أريده من
طلاب العلم والعلماء اليوم أن لا يقتنعوا بهذه الأسباب فقط, بل يتعمقوا في البحث,
أرى أنه لابد من دراسة المرويات التي تقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له
بالحفظ أو ما شابه ذلك, فربما اعذارنا مبنية على مرويات ضعيفة في الأساس, أو ربما
صحيحة, لابد أن ندرس حال الصحابي الآخر وهل فعلا كان مشغولا كما قال عنه أبو هريرة
أم لا؟ وهذا من باب الإنصاف للسماع الطرفين وليس لطرف واحد فقط وهذا من باب انصاف
الصحابة. كما أننا نحترم الذين يكثرون الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكذلك
لابد احترام الآخرين الذين لم يروا هذا الكم الهائل وندرس الأسباب بجدية وتعمق
وتحليل.
والملاحظة الأخرى التي
لاحظتها, وجدت بأن كثيرا من أحاديث أبو هريرة تتعلق بالغيبيات, لم يروها أحد من
الصحابة غيره. لا شك أن هناك أحاديث قد رواها غيره من الصحابة عن الغيبيات إلا أنه
الأكثر فلابد أن نتساءل, لماذا هو بالذات؟ وخاصة هذه الأمور الغريبة محل اهتمام
عند العرب والرواة من بعده فلماذا لا نجد عندهم كذلك. والصحابي جابر بن عبدالله,
وجدته يروي أحاديث معجزات النبي صلى الله عليه وسلم أو الخوارق للعادة, فلماذا وهو
من أكثر الصحابة رواية لأحاديث الأحكام؟ وكذلك أنس بن مالك يكثر من أحاديث خصائص
النبي صلى الله عليه وسلم, وابن عمر السنن وأحاديث الخلافة و أبو سعيد الخدري من
الأخبار وهكذا. طبعا سيقولون أن لكل واحد تخصص ولعل في هذا القول من الحق الشيء
الكثير, ولكن من المعلوم لدينا أيضا بأن الصحابة كانوا حريصين على نشر العلم وقد
نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" و "ألا ليبلغ
الشاهد منكم الغائب" ولا أظن أحدا كان أحرص على ذلك من الصحابة رضوان الله
عليهم. فأنا هنا لا أتّهم الصحابة وإنما أقول لابد من الدراسة ولنفهم هذه الأمور
فلعلنا نكتشف أن هناك من الرواة من يروون الأحاديث وينسبونها للصحابة وهي في حقيقة
الأمر كذب على الصحابة.
وهكذا ينبغي أن نفعل
بالتابعين وأتباع التابعين, ومن ثم إن تبيّن لنا أن فلانا من الرواة قد كثرت عليه
الشبهات فما الأولى؟ أن نأخذ أحاديثه و ننسبها للنبي صلى الله عليه وسلم؟ أم نحتاط
ونفعل كما فعل أبوبكر وعمر رضي الله عنهما بالإقلال عن الرواية عن النبي صلى الله
عليه وسلم؟ ومثلا إن وجدنا صحابيا اتهموه جماعة من الصحابة لابد أن نتوقف في
أحاديث من اُتهم وندرسها, لأن الصحابة أعلم بعضهم ببعض وحكمهم أدق وذلك لأن أغلب
الظن (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) بأن حكمهم على إخوانهم من الصحابة لن يكون
نابعا من اتباع للهوى أو العصبية المذهبية أو ما شابه ذلك وأنهم عاصروا بعضهم بعضا.
ونحن بهذه الطريقة أولا إن كان الصحابي صادقا في نقله نبعد الشبهات عن الصحابي, إن
كان هناك شبهات حوله وإما إن كان مخطئا أو كاذبا والعياذ بالله فإننا نحفظ سنة
النبي صلى الله عليه وسلم, وفي كل خير إن صلحت النية. ولكن للأسف الناس اليوم
صاروا يقدسون الصحابة بسبب عقيدة اخترعوها لأنفسهم ثم تبنوها ويجبرون الآخرين على
تبنيتها وإلا كفر! وليس لهم من الله برهان. إنما آيات أو أحاديث تحتمل هذا أو ذاك,
وهذا لا يعتبر برهانا عند الدارس. يقولون هم بشر غير معصومين لكن أفعالهم تثبت
خلاف ذلك. لنفترض أن محدثا من المحدثين زعم أنه لو يودع في كتابه إلا الصحيح ثم
وجدنا على حسب الأصول المتعارفة لدى المتشاغلين في هذا العلم أن في الكتاب أكثر من
20 حديثا ضعيفا من بين 500 حديث, فهل ينبغي لنا أن نثق بالمحدث أو نثق بأحكامه سواء
في الرجال أو المرويات؟ لابد من مثل هذه الأسئلة باستمرار, وأنا أنصح طلاب العلم
والعلماء أن يحذروا عند دراسة الأحاديث فإنما ينسبون أقوالا إلى الرسول صلى الله
عليه وسلم, والأولى أن يأخذ العالم كل حديث ويدرسه دراسة فردية من جميع الجوانب
ويكون إنهاء دراسة الحديث بشكل كامل كإنهاء لمشروع معين. أعرف أن هذا سيطول ولكن
الدكتور محمد عمراني يقوم بهذا العمل فجزاه الله خيرا, ولكن كما يقولون: "يد
واحدة لا تصفق" وبالإضافة إلى ذلك فالدكتور ترك تفعيل الجرح والتعديل على جيل
الصحابة, وأنا متأكد إن هو فعّلها لاكتشفت أمورا كثيرة وربما سيختلف حكمه على
المرويات. والله أعلم وأسأل الله أن يلهمنا التوفيق والسداد.
No comments:
Post a Comment