السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته, منذ سنوات وأنا أبحث في المواضيع التي لها علاقة بالدين, ومن تقريبا
سنة أنا في حيرة من موضوع الإيمان. أقصد بالحيرة, ما الإيمان وما المطلوب منا؟ وأنا
أتأمل بعض آيات القرآن الكريم توصلت إلى نتيجة أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون مصيبا,
ولكن ما توصلت إليه يخالفني فيه جمع كبير من الناس ولن يعجبهم ما سأقول, لكن علي أن
أبدي ما في جعبتي فربما أكون مصيبا فيستفيد مني الناس أو أستفيد من انتقاداته, فما
كان من صواب فمن الله, وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان.
أولا كلمة الإيمان
في اللغة: "التصديق" كما يقوله أكثر أهل العلم و يحسن بي أن أنقل
ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه: "شرح العقيدة الواسطية".
قال الشيخ: "فأكثر أهل العلم يقولون: إنَّ الإيمان في اللغة: التصديق، ولكن في
هذا نظر؛ لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة، فإنَّها تتعدَّى بتعديتها، ومعلوم أنَّ
التصديق يتعدَّى بنفسه، والإيمان لا يتعدى بنفسه، فنقول مثلاً: صدقته، ولا نقول: آمنته،
بل نقول: آمنت به، أو آمنت له، فلا يُمكن أن نفسر فعلاً لازمًا لا يتعدَّى إلا بحرف
الجر بفعل مُتعدٍّ ينصب المفعول به بنفسه، ثم لأنَّ كلمة (صدقت) لا تعطي معنى كلمة
(آمنت)، فإنَّ (آمنت) تدُلُّ على طمأنينة بخبره أكثر من (صدقت)، ولهذا لو فسر الإيمان
بالإقرار، لكان أجود، فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار إلا بتصديق، فنقول: أقرَّ
به كما نقول: آمن به، وأقرَّ له كما نقول: آمن له" انتهى كلام الشيخ وأظن أن الشيخ
قد وُفّق في هذا التفصيل, فكلمة الإيمان قد تكون مشتقة من أمن, اطمأن فالمؤمن الحق
من اطمأن لكلام الله سبحانه وتعالى. لا أريد أن أدخل تفاصيل الإيمان ومقتضيات ولوازم
الإيمان, فقد كتبت ذلك من قبل في مشاركات سابقة, ولكني هنا أحاول فهم من هو المؤمن.
بعيدا عن المعنى
الشرعي للمؤمن كما عرّفه بعض العلماء, وبعد تأملي لبعض آيات القرآن الكريم, وجدت أن
المؤمن هو الذي يطمئن لما غاب عنه, أو يصدق الغيب الذي لا باستطاعته أن يثبته حسيا
سواء اثباتا علميا أو بتجربة أو مشاهدة. أقصد بذلك بأنه لن يستطيع أن يثبت وجود الملائكة
بالأجهزة مهما تطورت هذه الأجهزة, ولكن يستطيع أن يستدل على وجود الملائكة, وكذلك لن
نستطيع أن نرى الله سبحانه وتعالى جهرة مهما حصل ولكن نستطيع أن نثبت وجوده استنادا
على آياته في الكون أو بالطرق الفلسفية والعقلية. بل حتى لو بحثنا في الإعجاز العلمي
واكتشفنا مئات الآيات التي تدل على الاعجاز العلمي فكلها مجرد استدلالات على وجود الله
وهناك فرق بين الاستدلال بالآية وبين وجود الشيء حقيقة ولا أريد أن أدخل في موضوع فلسفي
عميق لبيان الفرق. إن بحثت في جميع آيات القرآن الكريم, لوجدت بأنه إن كان هناك أمر
بالتصديق أو الاطمئنان بشيء غيبي لا يقول الله سبحانه وتعالى صدقوا ولكن آمنوا. فمثلا
قول الله سبحانه وتعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) فالله سبحانه وتعالى غيب, و الملائكة من الغيب, وكتب الله
من الغيب, والرسل من الغيب و قوله سبحانه: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ
وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ
إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) لم يقل صدّق
بالله ولكن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين. وهكذا ابحث في جميع
آيات القرآن التي ذكر فيها الإيمان لوجدت أن هناك أمر غيبي لا يمكنك اثباته حسيا.
قد تقول لي ولكن
القرآن أثبتناه علميا بنقله إلينا بالتواتر وكذلك التوراة والإنجيل موجود اليوم عند
اليهود و النصارى ويسمى "بالكتاب المقدس" و الرسول صلى الله عليه وسلم قبره
موجود اليوم, فنستطيع اثبات وجوده وهذه الأمور اليوم فلماذا ذكر الإيمان بمعرض ذكره
لها. أقول والله أعلم, بأن الإثبات العلمي بالتواتر وغير ذلك غير ممكن, أقصد حادثة
نسخ ونقل القرآن إلينا أو نسخه والأحداث التي وقعت, مثلها مثل الأحاديث النبوية, لا
يمكن اثبات ما ينسبونه للنبي صلى الله عليه وسلم بنسبة 100% علميا عن طريق النقل لأن
في النفس البشرية جانب لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى فلابد من وجود مجال للشك. وكذلك
الكتب الموجودة اليوم عند اليهود والنصارى, لا يمكنهم باعترافهم هم بأنها نقلت 100%
كما أنزل على موسى أو عيسى عليهما الصلاة والسلام. ويكفي دحض مزاعمهم ما ذكره الله
من التحريف في القرآن الكريم.
كذلك وجود الأنبياء,
أقصد موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين. لا يمكن لمؤرّخ اليوم أن يثبت
وجودهم اليوم استنادا على قبر أو شيء من هذا القبيل, بل حتى تاريخ ميلادهم مختلف عند
جميع الطوائف. فإن وجدوا جثة في قبر من القبور, فكيف سيعرفون أن هذا للنبي ولم يتغير,
لا يمكن أبدا, لابد من وجود مجال للشك, أما حديث: "إن الله حرم على الأرض أن
تأكل أجساد الأنبياء" فجمع من العلماء انتقدوا الحديث وضعّفوه. فالذي أريد
أن أقوله, أنك اليوم إن أردت أن تثبت لغير المسلمين عن قطعية النقل أو قطعية وجود النبي
أو غيره من الأنبياء والكتب لن تجد إلى ذلك سبيلا, ولكنك ستستطيع أن تستأنس بأمور ترجح
ما لديك أما الإثبات القطعي فلا وهناك فرق بين الإثبات القطعي وحصول اليقين ولبيان
الفرق مبحث آخر ليس هذا موضعه.
قد تقول بهذه الطريقة,
ستجعل الشك يدخل في قلوب المسلمين, أقول هذا غير صحيح! بل إنا ما أقوله قد ينقذ بعض
المسلمين من الكفر. فمثلا الشخص الذي يعتمد على المرويات المنقولة, ثم يكتشف بعد ألف
سنة أن مرويات فلان كلها ضعيفة, أو نقل فلان غير أمين (كما حصل بين الشيعة وأهل السنة
في مسألة نقل القرآن) لربما كفر! وبالفعل تجد أن كثيرا من المسلمين في الخليج والسعودية
خاصة كفروا والحدوا بسبب تصديقهم بهذه الأمور وعدم وجود الإيمان في قلوبهم. أما إن
كان الإيمان موجودا, فحتى إن عُدمت هذه الأمور لم يكونوا ليكفروا. لنفترض مثلا جاء
أحدهم وحفر قبر النبي صلى الله عليه وسلم, ثم لم يجد فيه أحد, هل لك أن تتخيل حاله
وحال المسلمين! قد يكفر ألوف من المسلمين بسبب أنهم فقط صدقوا بحديث ضعفه العلماء ولكنهم
لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو المطلوب منهم في القرآن الكريم. أما الشخص
المؤمن بالغيب وإن لم يكن لديه ما يثبت ما يؤمن به, فلن يضره وجود جسد النبي الشريف
صلى الله عليه وسلم أو عدمه, ولن يضره (بمعنى أن يكفر) صحة نقل هذه المرويات أو العكس,
فهو مؤمن!
وبما أن القرآن
الكريم يفسر بعضه بعضا, ما عليك إلا أن تفتح أول صفحة في سورة البقرة وتقرأ بداية السورة,
((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)) من هم يا رب؟ ((الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)) ((والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
وبالآخرة هم يوقنون)) هذا أفضل تعريف شرعي للمؤمن. وإن أردت رأيي الشخصي, الإنسان
الذي يصدق بشيء لا يمكنه أن يثبته أعظم تصديقا من الذي يصدق بشيء يستطيع أن يثبته.
وسأعطيك مثالا وانت اختر أيهما أصدقهم لي, إن قلت بأني أستطيع أن أكسر هذه الخشبة,
فقال الأول نعم أنا موقن بأنك تستطيع, وقال الآخر لن أصدق ذلك حتى أرى
فعلا تكسر هذه الخشبة. أيهما أعظم تصديقا لي؟ الأول بالتأكيد, وكذلك المؤمن, الذي يؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله من غير حاجة إلى اثبات علمي, أو تجربة أو مشاهدة, لا شك
بأن إيمانه أعظم من إيمان الشخص الذي يؤمن بالقرآن فقط لأنه وجد اعجازا علميا في القرآن,
أو يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط لتحقق نبوءة من النبوءات. وبهذا الفهم للإيمان
نستطيع أن نحل مشاكل كثيرة, بل إن المسلمين الذين كفروا بعضهم بعضا, قاموا بالتكفير
بسبب عدم ادراكهم لهذه اللطيفة في كتاب الله سبحانه وتعالى... أظن والله أعلم بأنه
سبحانه وتعالى يريد منا أن نثق به ونطمئن ونؤمن به من غير طلب اثبات مشاهدة أو غير
ذلك كما فعلت اليهود من قبل فقالوا: ((أرنا الله جهرة)). الإنسان الذي يدرك ما المطلوب
منه من ناحية الإيمان, أعظم تصديقا و أوسع صدرا وأبعد أفقا من غيره. لك أن تتخيل سعادة
صديقك بثقتك, إن قال لك, ثق بي, سآخذك معي إلى البلد الذي تحبه وأنت تثق به ليس لأنه
أثبت لك بأنه قادر على أخذه معك, لكن فقط لمحض الثقة والتصديق...
قد تقول إن في هذا
لمخاطرة إذ يمكن لأي انسان أن يؤمن بأي شيء يريده, أقول نعم وهو كذلك, فالله سبحانه
وتعالى لا يريد أن يجبر الناس على أن يؤمنوا به, أعطاهم حرية الاختيار (بخلاف ما يقوله
بعض من يدعون العلم) فهذه الحياة الدنيا عبارة عن ابتلاء والابتلاء هو الاختيار, كل
ما عليك هو أن تختار, في كل لحظة, في كل أمور حياتك ستجد نفسك في حالة اختيار ولكن
تفصيل وبيان ذلك في مشاركة أخرى إن شاء الله... فأنت تختار ما تؤمن به, أنت تختار أين
تضع ثقتك, أنت تختار المعايير وغير ذلك. ((فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ)) أنا كمسلم قرأت القرآن الكريم وقرأت كتب الهندوس وقرأت كتب اليهود
وقرأت كتب النصارى وقررت أن أضع إيماني في كتاب الله لأسباب كثيرة ولكن فوق كل هذه
الأسباب الإيمان بأن هذا الكتاب وما يحتويه من كلمات لا يمكن أن يكون إلا من عند الله
سبحانه وتعالى, هذا والله أعلم... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ReplyDeleteللأمانه قرأت الموضوع مرتان ، لأن في المرة الأولى تشتت أفكاري
لا لعدم التناسق ، بالعكس الأفكار متناسقه و واضحه جداً ، لكن ربما مدارك تفكيرنا قاصره
أن تستوعب ما كتب في الأعلى ،،
ولا أعلم لماذا هذا المقال أخذني بعيداً حيث قصة إبراهيم عليه السلام ،
خصوصا عندما ختمت المقال بفكرة الإختيار ، وأن الإنسان مخير في إختيار دينه
لكن ذلك الإختيار لابد أن يبنى على حقائق و تدبر لا تقليداً للآباء والأجداد
دون التفكر ، فالعقل المدرك من المحال أن يعبد صنماً لا حول له ولا قوة
وأن يتقرب له بأثمن القربات ، وهكذا بدأت قصة إبراهيم حين بحث عن ربه
وفقه الله ، حيث نظر للنجوم والقمر والشمس .. باحثا عن الإله الحق
وأقتبس من قصة إبراهيم ، أن الله أعطانا قدرات تفوق الكثير من خلقه ليس عبثاً
بل لنستخدمها بالتفكر والتدبر والتساؤل بالطرائق الصحيحه
لا بالتقليد أو الإصرار أو حتى بالجهل ، فالجاهل يتعلم ..
وتذكرت أيضا قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقليل من يعرف كيف كان يبحث عن الدين الحق
والنبي المذكور في الكتب السابقه ، حتى وفقه الله تعالى بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول من صدق به
فمن يؤمن بنقسه ، سيعلم أن لنفسه خالق واحد لا يشبهه أحد ، وسيبارك الله له وسيهديه إلى أقوم السبل .. ولا ضرر من التساؤل والبحث
والشيطان ذكي في إغواء الإنسان وإبعاده عن ربه سبحانه وتعالى لذلك لابد من التريث قبل الحكم النهائي
والله سبحانه وتعالى حث على البحث والتساؤل والمعرفه وإكتشاف الحقائق ودليل
على ذلك ، قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
فكلما عرف الإنسان ربه أكثر ، إطمئن قلبه أكثر ، سيتغير نمط تفكيره تلقائياً وبالتالي ستتغير عبادته
من جميع نواحيها ، المشكله أن الدين أصبح عاده لا عباده ، فالأغلب لا يعلم ما معنى سبحان الله
على سبيل المثال ، فعند أبسط مشكله تجده يضع اللوم على ربه بالرغم أنه لم يكلف نفسه بمعرفة ربه ، وكأن يمن على ربه بعبادته
وعند أول مشكله يلحد و يجزع .. والأنبياء هم الأقرب إلى الله ، ولكنهم الأكثر إبتلاء .. وبالرغم
من ذلك أسعد الخلق .. لأنهم علموا أن الله هو الخير كله ،
ختاما أنصح بمشاهدة برنامج بالقرآن إهتديت ، يبين كيف بعض المسلمين الجدد إنتقل من دين إلى دين باحثا عن الدين الحق
حتى وفقه الله تعالى إلى دين الحق .. بآيه ، أو موقف بسيط مذكور في القرآن الكريم ،
ومنهم من كان ذا منصب مرموق ، أو نصراني متشدد لكنه تخلى عن كل ذلك لأنه وجد الحقيقه التي تناسب فطرته
أسأل الله تعالى أن يبارك لك في علمك النافع ، مقالاتك لها منهج خاص ، وفكره مختلفه
لكنها في الوقت نفسه تلامس الواقع من كل جوانبه أسأل الله أن يهدينا لما هو خير لنا.
أختك
شمسه النيادي