السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, كما كتبت في عنوان هذه المشاركة؟ ما الذي
عابوا على الإمام ابن حزم رحمه الله؟ سأدع ابن حزم يجيب بنفسه, اتمنى أن تقرؤوها
بتمعن خاصة أن ما عابوا على ابن حزم هو ما يعيبه البعض على طلاب العلم و علماء
المسلمين اليوم من الذين خرجوا عن المألوف أو السائد وفارقوا القطيع. بعد قراءة
إجابة ابن حزم رحمه الله, أريدكم أن تتفكروا, هل فعلا يستحق أن يُعاب ابن حزم في
الأمور التي عابوا عليها كما ذكر؟ ولعل هذه المشاركة تعطي فرصة لمراجعة أنفسنا
ونحاول أن نلتمس أعذارا لمن عابوا عليه الناس بغير علم.
قال ابن حزم رحمه الله: "وأما الذي يعيبني به جهال أعدائي من أني لا أبالي
فيما أعتقده حقاً عن مخالفة من خالفته ولو أنهم جميع من على ظهر الأرض وإني لا أبالي
موافقة أهل بلادي في كثير من زيهم الذي قد تعودوه لغير معنى فهذه الخصلة عندي من أكبر
فضائلي التي لا مثيل لها ولعمري لو لم تكن في وأعوذ بالله لكانت من أعظم متمنياتي وطلباتي
عند خالقي عز وجل وأنا أوصي بذلك كل من يبلغه كلامي فلن ينفعه اتباعه الناس في الباطل
والفضول إذا أسخط ربه تعالى وغبن عقله أو آلم نفسه وجسده وتكلف مؤونة لا فائدة فيها
.
وقد عابني أيضاً بعض من غاب عن معرفة الحقائق أني لا آلم لنيل من نال مني وأني
أتعدى ذلك من نفسي إلى إخواني فلا أمتعض لهم إذا نيل منهم بحضرتي وأنا أقول إن من وصفني
بذلك فقد أجمل الكلام ولم يفسره والكلام إذا أجمل أندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن.
ألا ترى لو أن قائلاً قال: إن فلاناً يطأ أخته لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا
فسر فقال: هي أخته في الإسلام ظهر فحش هذا الإجمال وقبحه , وأما أنا فإني إن قلت لا
آلم لنيل من نال مني لم أصدق فالألم في ذلك مطبوع مجبول في البشر كلهم لكني قد قصرت
نفسي على أن لا أظهر لذلك غضباً ولا تخبطاً ولا تهيجاً فإن تيسر لي الإمساك عن المقارضة
جملة بأن أتأهب لذلك فهو الذي أعتمد عليه بحول الله تعالى وقوته وإن بادرني الأمر لم
أقارض إلا بكلام مؤلم غير فاحش أتحرى فيه الصدق ولا أخرجه مخرج الغضب ولا الجهل وبالجملة
فإني كاره لهذا إلا لضرورة داعية إليه مما أرجو به قمع المستشري في النيل مني أو قدع
الناقل إلي إذ أكثر الناس محبون لإسماع المكروه من يسمعونه إياه عن ألسنة غيرهم ولا
شيء أقدع لهم من هذا الوجه فإنهم يكفون به عن نقلهم المكاره على ألسنة الناس إلى الناس
وهذا شيء لا يفيد إلا إفساد الضمائر وإدخال التمائم فقط.
ثم بعد هذا فإن النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون كاذباً وإما أن يكون صادقاً. فإن كان كاذباً فلقد عجل الله لي الإنتصار منه على لسان نفسه بأن
حصل في جملة أهل الكذب وبأن نبه على فضلي بأن نسب إلي ما أنا منه بريء العرض وما يعلم
أكثر السامعين له كذبه إما في وقته ذلك وإما بعد بحثهم عما قال . وإن كان صادقاً
فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه :إما أن أكون شاركته في أمر
استرحت إليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة وأمانة فهذا أسوأ الناس حالة وكفى به
سقوطاً وضعة .وإما أن يكون عابني بما
يظن أنه عيب وليس عيباً فقد كفاني جهله شأنه وهو المعيب لا من عاب
.وأما أن يكون عابني بعيب هو في على الحقيقة وعلم مني نقصاً أطلق به لسانه فإن
كان صادقاً فنفسي أحق بأن ألوم منه وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني
بالحق .
وأما أمر إخواني فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم لكني أمتعض إمتعاضاً رقيقاً
لا أزيد فيه أن أندم القائل منهم بحضرتي وأجعله يتذمم ويعتذر ويخجل ويتنصل وذلك بأن
أسلك به طريق ذم من نال من الناس وأن نظر المرء في أمر نفسه والتهمّم بإصلاحها أولى
به من تتبع عثرات الناس وبأن أذكر فضل صديقي فأبكته على اقتصاره على ذكر العيب دون
ذكر الفضيلة وأن أقول إنه لا يرضى بذلك فيك فهو أولى بالكرم منك فلا ترض لنفسك بهذا
أو نحو هذا من القول .وأما أن أهارش القائل فأحميه
وأهيج طباعه وأستثير غضبه فينبعث منه في صديقي أضعاف ما أكره فأنا الجاني حينئذ على
صديقي والمعرض له بقبيح السب وتكراره فيه وإسماعه من لم يسمعه والإغراء به وربما كنت
أيضاً في ذلك جانياً على نفسي ما لا ينبغي لصديقي أن يرضاه لي من إسماعي الجفاء والمكروه
وأنا لا أريد من صديقي أن يذب عني بأكثر من الوجه الذي حددت فإن تعدى ذلك إلى أن يساب
النائل مني حتى يولد بذلك أن يتضاعف النيل وأن يتعدى أيضاً إليه بقبيح المواجهة وربما
إلى أبويّ وأبويه على قدر سفه النائل ومنزلته من البذاءة وربما كانت منازعة بالأيدي
فأنا مستنقص لفعله في ذلك زارٍ عليه متظلم منه غير شاكر له. لكني ألومه على ذلك أشد
اللوم وبالله تعالى التوفيق .
وذمني أيضاً بعض من تعسف الأمور دون تحقيق بأني أضيع مالي وهذه جملة بيانها
: أني لا أضيع منه إلا ما كان في حفظه نقص ديني أو إخلاق عرضي أو إتعاب نفسي فإني أرى
الذي أحفظ من هذه الثلاثة وإن قلَّ أجلّ في العوض مما يضيع من مالي ولو أنه كل ما ذرت
عليه الشمس.
No comments:
Post a Comment