Monday, January 13, 2014

إجابة سؤال




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كعادتي كنت أتصفح صفحتي على موقع الأسئلة العامة فوجدت سؤالا كالتالي: "من الطبيعي أن نحترم أشخاصا من تغريداتهم الراقية و الجميلة و الهادفة أو ما يشابه ذلك في بقية مواقع التواصل الاجتماعي لكن يا ترى لماذا قد يكره هؤلاء الذين نالوا احترامنا لنفس السبب من قبل فئة أخرى؟ أتمنى أن أجد تفسيرا مناسبا واتوقع أن الكثير منكم استلم رسائل الكره عبر هذا الموقع !" ‏وقلت بما أن السؤال قد يراود عددا ليس بالقليل من الناس ولعل الاجابة تنفعهم فقررت أن أضع إجابتي في المدونة.


أولا أحب أن أقول بأنه لا يوجد شيء في هذا العالم لم يتعرض للذم, من أحقر المخلوقات إلى رب الأرباب والمخلوقات وهو الله سبحانه وتعالى. في الحديث القدسي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيدعي أن لي صاحبة وولدا وما اتخذت صاحبة ولا ولداً، وأما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء" فاليوم أكثر من بليون إنسان يسب الله ليل نهار وربما لا يشعر بذلك! وأيضا هناك فئة من الملحدين يسبون الله وينتقصونه بألفاظ وصور يستحي المرء أن يذكرها. فإذا كان هناك من يعامل الله بهذه الطريقة, فكيف بمن دونه؟ فأن يحصل الإنسان الراقي صاحب الأهداف والأخلاق النبيلة سخرية أو تشويها لسمعة أمر طبيعي جدا. ومن تأمل التاريخ لوجد أن معظم الناجحين سواء من المسلمين أو غير المسلمين كلهم ذاقوا طعم سخرية الآخرين أو تم تشويه سمعتهم, ولا يكاد ينجو منهم أحد! يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله بأنه قال: "فلم أر فيما ساءني غير شامت... ولم أر فيما سرني غير حاسد"


أما عن سبب الكره فالغالب أنه الحسد, فالإنسان عندما يجد الطرف الآخر يملك أمورا لا يملكها, أو نجح في أمور تمنى لو هو نجح فيها لشعر بالحسد. والشعور بالحسد ثمرة من ثمرات الغضب والغضب بحد ذاته هو من أحد ثمار الكبر, والكبر ناتج عن الجهل. فإن الإنسان عندما يكون أنانيا ويتكبر على خلق الله يظن بأنه خير من غيره في جميع الأمور, فلا يجد كمالا في هذا العالم إلا ويريد أن ينسبه لنفسه, ولا يوجد نقص في هذا العالم إلا ويريد أن يبتعد عنه ويتخلص منه. فإن وجد إنسانا عنده نوع من الكمال وخاصة في الأمور المشتركة بينهما يبدأ بالشعور بالغضب, فإما أن يغضب بإساءة الظن بالله فيشعر بالحسد ولا يؤمن بأن الله هو المدبر وهو الذي يعطي ويمنع, وفي قرارة نفسه يظن أن ما حصل عليه الطرف الآخر من كمال بغير حق (حال ابليس والعياذ بالله) وقال الشاعر: "ألا قل لمن كان لي حاسدا... أتدري على من أسأت الأدب...  أسأت على الله في فضله... إذا أنت لم تدر ما قد وهب..." أو ربما يشعر بالغضب لأنه لا يستطيع أن يدرك هذا الكمال بسبب عجز من نفسه فلا يريد أن يحصل أحد غيره على هذا الكمال, لأنه يحب أن يكون المتفرد بالكمالات وكأنه رب! وإن كان لا يعترف بذلك بلسانه ولكن حاله يثبت ذلك.


لعل ما ذكرته من أسرار قول الله سبحانه وتعالى: ((إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)) فمهما تجبر الإنسان وأراد أن يكون الواحد المتميز صاحب الكمالات وغير ذلك لن يدركه, لأن المتفرد بصفات الكمال والجلال ومنزه عن النقائص هو الله سبحانه وتعالى, أتمنى أن تعطي هذه الآية حقها من التأمل لعل الله يفتح عليك أبوابا من العلوم كانت غائبة عنك. أظن أن ما كتبت في هذه المشاركة يصعب استيعابها لمن ليس لديه فكرة عن علم النفس وفلسفة النفس كما يسميه البعض, والحقيقة أنا حاولت أن أوضح ولكن يصعب علي ذلك لأن فالموضوع أعمق من ما ذكرت ولكن لا أريد أن أحول هذه المشاركة إلى مشاركة فلسفية دقيقة. لكن أعطيك مفتاحا تفهم سبب معظم الصفات القبيحة فأقول: تأمل معظم الصفات الغير مرغوبة تجد من أصولها الجهل والكبر وحب الذات.


وبعد ما ذكرت, أحب أن أنبه على أمر مهم, وهو أني أظن (وأرجو أن أكون مخطئا) أن الأصل اليوم في الناس الخداع والمكر والكذب بخلاف السابق وذلك لإشباع رغبات نفسية. نجد اليوم أحدهم يتقنع بشكل انسان راقي يترفع عن سفاسف الأمور وملتزم بتعاليم دينه, يزعم بأنه لم يكذب في حياته قط ولا يحب من يستغل مشاعر الآخرين بالكذب. يفعل ذلك لأنه وجد أن المرأة اليوم تنجذب لصاحب الخلق الكريم أكثر من مظهر الرجل. فلا يكاد يحصل على مرغوبه إلا أن يتمثّل وكأنه أحد هؤلاء ذوي الصفات الكريمة. لكن إن كان أخبث من الذي سبقه وله تمرس في الخداع ولبس الأقنعة أو كما أصفه  (ذئبا من ذئاب البشر) لوجدته قال: "أكره الذين يمثّلون بأنهم يكرهون الكذب ليجذب النساء" ! وهكذا تجدهم درجات في الخداع, فمن شخص لا تكاد تكشف عواره وخدعته ومنهم من تكشفه في أول لحظة. والإنسان إن جعل الله له فرقانا ونورا يكاد يكشف أمثال هؤلاء بسهولة وكأنه يرى أنفسهم القبيحة بالرغم من كل هذه الأقنعة التي يرتدونها فلذلك ربما تجد أمثال هذا الإنسان الذي جعل الله له نورا وفرقانا, لا يحب أن يمدح من ظهر للناس بأنه صاحب خلق كريم, ولكن لا يعني أن يقوم هذا بهتك سترهم ويبين للناس عوار   أخلاقهم ونفوسهم مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكيف تعامل مع المنافقين.


أذكر في ما مضى لم أكن مختلفا عن الذين وصفتهم, كنت أجيد التحكم بمشاعر الآخرين وأجيد اخفاء نواياي بسهولة لا يكاد يكشفني أحد بحكم الخبرة في هذه الأمور والتجارب إلى أن (أظن) هداني الله وأسأله أن يزيدني هدى ورشدا, علمت أن ما أفعله قبيح جدا ولابد أن الله يبتليني بأمر لا يعجبني وبالفعل ذقت أنواع من البلاء وكأن الله أيقظني من غفلتي فالحمدلله. ولهذا بعدها, لم أجبر أحدا من الناس أن يثقوا بي ولم أعد أرتدي تلك الأقنعة التي كنت أرتديها فيما مضى,  بل كنت آمرهم وأقول لهم لا تغتروا بي, فلا أحد منكم يستطيع أن يكشفني وصدقوني بعد أن فعلت ذلك رزقني الله من فهم نفسي وفهم الناس من حولي الشيء الكثير. أجد أناسا يرفعوني فوق مقامي فأقول لهم لا تفعلوا ذلك, ففي كل منا ذئب, يكاد يسطو بفريسته إن لم يوفقه الله بكبح جماحه والله المستعان. فإحسان الظن مطلوب ولكن مع ظروف اليوم فالحذر أيضا مطلوب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment