Tuesday, February 24, 2015

تعليق على كتاب - قتل الإسلام و تقديس الجناة


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… في العادة لا أحب أن أكتب في هذه الأشياء و لكني رأيته أنه من الواجب أن أكتب هذه المرة و إلا أكون غاشا لنفسي و للمسلمين. قرأت كتاب “قتل الإسلام و تقديس الجناة” للكاتب وضّاح صائب. محتوى هذا الكتاب للأسف مأخوذ من كتب أخرى و كتابات لبعض الذين كتبوا في نظرية المؤامرة على الإسلام و الذين كتبوا في موضوع تدوين السنة و ما إلى ذلك كمحمود أبو رية و غيره، ولكن للكاتب أيضا إضافات من عنده. و الكتاب في الحقيقة ليس له وزن علمي إن جعلناه تحت منظار التحقيق، إنما هو تكرار لما سبق و فيه من الكذب و التدليس ما لا يخفى على أي باحث و لا أدري إن كان الكاتب يتعمد الخطأ و الكذب أم لم يتعمده. في هذه المشاركة سأعطيكم مثالا واحدا على تدليس هذا الكاتب، كي لا يغتر الناس بكل ما يُكتب في هذا المجال، أقصد انتقاد الصحابة و السنة و الأحداث التاريخية.

يُحزنني أن أرى بعض المسلمين اليوم كلما وجدوا رجلا ينتقد أبو هريرة و غيره ممن يعدون من الصحابة عند أهل السنة أو ينتقد الرواة و السنة بشكل عام يُطبّلون له و كأنه خير من جميع علماء المسلمين من السلف، بغض النظر إن كان الإنتقاد علميا أو غير علمي. للأمانة العلمية و بحكم قراءتي، لا مجال للمقارنة بين ما كتبه وضّاح صائب في هذا الكتاب و علماء السلف (طبعا أقصد من الناحية العلمية) ، أما من الناحية الإيمانية فالله أعلم بذلك. لا داعي لمثل هذه المقدمات، إليكم مثالا واحدا فقط من أمثلة تدليس المؤلف هداه الله. طبعة الكتاب التي أملكها هي طبعة “مؤسسة الانتشار العربي” الطبعة الأولى من الكتاب، قال المؤلف في الإضاءة الرابعة: جناية الرواة الصفحة ١٣٥:

“و ربما تكون شهادة عائشة ذات معنى في هذا المجال، حسب رواية البخاري، إذ قالت لأبي هريرة: إنك تحدّث عن رسول الله بأحاديث ما سمعناها منه، فردّ عليها ساخراً: إنه كان يشغلك عن رسول الله بأحاديث ما سمعناها منه، فردّ عليها ساخرا: “إنه كان يشغلك عن رسول الله المرآة و المكحلة. فأجابته عائشة: إنما أنت الذي شغلك عن رسول الله بطنك، و ألهاك نهمك عنه، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات، تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك، فينفرون منك ويهربون، ثم ينتهي الأمر بك أن تصرع مغشيا عليك من الجوع أمام حجرتي، فيحسب الناس أنك مجنون، فيطأون عنقك بأرجلهم…” 

أولا الحديث لم يرويه البخاري! فمن أين أتى المؤلف: “حسب رواية البخاري” إنما الرواية مخرجة في كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم و في الطبقات الكبرى لابن سعد و في تاريخ دمشق لابن عساكر و في المحدث الفاصل بين الراوي و الواعي للرامهرمزي. بمعنى أن الحديث لم يخرّجه البخاري بل لم يخرجه أصحاب الكتب الستة و لم يخرّجه الإمام مالك. فقوله: “حسب رواية البخاري” غير صحيح، ثم إنكم تعلمون ما الأثر الذي سيجده القارئ عندما يقرأ: “حسب رواية البخاري”. ألا يعتبر ما فعله جناية على الرواة و تدليس؟ اللهم نعم! لا يهمني إن فعله بقصد أو بغير قصد لكن المهم اثبات الخطأ الشنيع و التدليس الفظيع. و المتن المخرّج في الكتب المذكورة كالتالي: “عن عائشة : أنها دعت أبا هريرة ، فقالت له : يا أبا هريرة ، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي، هل سمعت إلاّ ما سمعنا ؟ وهل رأيت إلاّ ما رأينا ؟ قال : يا أماه ، إنه كان يشغلك ، عن رسول الله المرآة والمكحلة ، والتصنع لرسول الله ، وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء”  كما عند الحاكم و أما عند ابن سعد فالمتن كالتالي: “قالت عائشة لأبي هريرة : إنك لتحدث عن النبي حديثاًًً ما سمعته منه قال : شغلك عنه يا أمه المرآة والمكحلة وما كان يشغلني عنه شئ” و نفس الشيء عند ابن عساكر و الرامهرمزي. هذا يعني أن المؤلف أدرج في الحديث ما ليس منه ابتداء من إجابة عائشة. 

الإدراج في المتن: “فأجابته عائشة: إنما أنت الذي شغلك عن رسول الله بطنك، و ألهاك نهمك عنه، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات، تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك، فينفرون منك ويهربون، ثم ينتهي الأمر بك أن تصرع مغشيا عليك من الجوع أمام حجرتي، فيحسب الناس أنك مجنون، فيطأون عنقك بأرجلهم” و هذا ليس كلام عائشة رضي الله عنها، بل قائل هذه الكلمات صاحب كتاب: “أضواء على السنة” و كتاب “أبو هريرة شيخ المضيرة” محمود أبو رية. فكيف صار كلام محمود ردا من عائشة على أبي هريرة؟ 

قال محمود أبو رية في كتابه: “أبو هريرة شيخ المضيرة” معلقا على الحديث في الصفحة ١٣٥ من كتابه المذكور: “ولقد كان لأم المؤمنين أن ترد عليه قلة أدبه فتجبهه بقولها : إنما انت الذي شغلك بطنك ، وألهاك نهمك عن رسول الله ، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك ، فينفرون منك ويهربون ثم ينتهي بك الأمر الى أن تـُصرع مغشياً عليك من الجوع أمام حجرتي ، فيحسب الناس أنك مجنون فيطأون عنقك بأرجلهم“ بالله عليكم، هل يقبل مثل هذا؟ إن كان أخطأ بغير عمد بمثل هذا الخطأ فمصيبة، و إن كان متعمدا فالمصيبة أعظم. مثل هذا الخطأ عند السلف كان يعتبر جرحا في الراوي فما بالكم أن تجد هذا التدليس يتكرر أكثر من مرة. لو بحث باحث اليوم و اكتشف أن أحدا من المحدثين دلّس فلربما اتهم جميع الرواة بالكذب و التدليس و عدم الأمانة، و صدقوني رأيت في مقالات البعض مثل ذلك. كل هذا من جرّاء ما يحملون في قلوبهم عليهم و إنا لله و إنا إليه راجعون. 


في الكتاب أمثلة غير هذا و إخفاء للمصادر لا يخفى على القارئ الباحث و فيه من التدليس ما يعرفه كل باحث كما قلت سابقا. للأسف الكاتب يتّهم غيره من الكتّاب بتزييف التاريخ ولكنه يقع في أعظم مما يتهم غيره من الناس والله المستعان. الذي أريد أن أقوله لإخواني الباحثين عن الحق، أن لا يتعجلوا بل يأخذوا حذرهم، فإني كما قلت سابقا بعض هؤلاء يقلّد بعضهم بعضا و يدلسون لنشر الخطأ و بالتالي يجعلون عامة المسلمين يبغضون من هم (أي بعض النقّاد) يُبغضون. الباحث عن الحق عليه أن يحقق بنفسه، ولا يقبل كل ما يقرأ أو يسمع كأنه مسلّم به وأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه!. اطلبوا من الله أن يهديكم إلى الحق بصدق و أن ينزع من قلوبكم أي غل بغير حق، فإنما نحن محاسبون و سيأتي اليوم الذي يجمعنا ربنا فردا فردا. اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 

Monday, February 23, 2015

حجية الإجماع


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… كثيرا ما أكتب أشياء فيأتيني طالب علم أو إنسان من عوام المسلمين فيقول أنت تخالف اجماع المسلمين. و عندما أطرح بعض الأفكار التي تخالف المألوف أو السائد عند الناس، إما أن يقولوا: “أنت تخالف الإجماع” و إما أن يقولوا: “قولك يشبه قول أصحاب الأهواء و البدع” و إما أن يقولوا: “قولك لم يُسبق إليه وليس عندك سلف من إمام و بهذا كلامك مردود وغير مقبول”. و هذا الذي أعاني منه، يعاني منه كثير من المسلمين اليوم، ما إن يجتهدوا و يحاولوا إخراج معنى جديد أو ملاحظة جديدة في مسألة شرعية معينة قالوا له: “أجمع المسلمون” “أجمع العلماء” “أجمع الصحابة” “أجمع الأئمة”…الخ و قد بحثت مسألة حجية السنة و تعريف السنة من قبل في المدونة و اكتشفت بأن المسألة أعمق مما يتصوره طلاب العلم اليوم، و قد كتب فيه العلماء المتقدمين الكثير. وفي هذه المشاركة أحاول أن أبحث في حقيقة “حجية الإجماع” و ليس ثبوت الإجماع ولكن حجية الإجماع كأصل تشريعي من أصول الدين و خاصة أنه عندي ملاحظات لم أجد أحد ذكرها في معرض مناقشته لمسألة حجية الإجماع.

أما حجية الإجماع فأكثر العلماء على أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع، و لكن بعض المعتزلة أنكروا حجية الإجماع مثل إبراهيم النظّام و أبو عمر القاشاني و كذلك أنكر بعض المتقدمين من الشيعة و الروافض و الخوارج حجية الإجماع. ولكن أغلب الخوارج على أنهم يعتبرون حجية إجماع الصحابة قبل زمن الفتنة والله أعلم. و للأسف بعض العلماء و كأنه يربط الحق بالرجال، فعندما يذكرون بأن النظّام أنكر حجية الإجماع ذكروا من تهمته بالزندقة و أنه من المبتدعة و المعتزلة أو غير ذلك، و هذا عند الباحث الحقيقي لا شيء لأن الحق لا يعرف بالرجال و الباحث عن الحق يهمه الدليل ولا يهمه من القائل. أما المعاصرون فكثيرون هم الذين ينكرون حجية الإجماع، ليس فقط خارج أهل السنة، بل حتى بعض الباحثين ينكرون حجية الإجماع.

أولا أحب أن أقول لكي يصبح الإجماع مصدرا من مصادر الشريعة و أصلا من أصوله فلابد على ثبوت الإجماع كمصدر شرعي قطعي مستقل لا يجوز انكاره دليل قطعي الثبوت و قطعي الدلالة. معنى ذلك لا يصح أن تأتي بدليل قطعي ثبوت ظني الدلالة لتُثبت حجية الإجماع و لا يصح أن تأتي بدليل ظني الثبوت قطعي الدلالة لتُثبت حجية الإجماع. و كذلك لا يصح أن تُثبت حجية الإجماع بدعوى الإجماع مثل قولك: “أجمع المسلمون على حجية الإجماع” لأن اثبات للشيء بنفسه لا يصح و سيؤدي إلى الدور. لابد أن يكون الإثبات من خارج هذا الشيء الذي تريد أن تثبته، و هذه مقدمة منطقية لا يخالفها أي عاقل يدري ما يخرج من رأسه. فلم يبقى عند الطرف الآخر إلا أن يستدل بدليل قطعي الثبوت و قطعي الدلالة، و هذا يعني أن مُستند أدلة الطرف الآخر إما أن يكون من القرآن أو السنة أو العقل. 

أما الكتاب العزيز، فاستدل العلماء بآيات لإثبات حجية الإجماع كمصدر للتشريع، الدليل الأشهر عند القوم و الأقوى ما استدل به الإمام الشافعي: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)) و كذلك استدلوا بقول الله سبحانه و تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) و قوله: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) و استدلوا أيضا بقوله: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)) و استدلوا أيضا بقول الله سبحانه: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)) و قوله: ((وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)) و قوله: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) وغيرها من الآيات. 

قبل الخوض في دراسة الآيات أهي آيات قطعية الدلالة أم لا (ولا أراني بحاجة إلى فعل ذلك) لابد من بعض الأسئلة. من يدخل في الأمة؟ هل فقط يدخل فيه أهل السنة و الجماعة أم يدخل فيه أهل السنة و الجماعة و الشيعة و الخوارج و الإباضية و الزيدية و المعتزلة و الأشاعرة و الروافض و غيرهم؟ و هل يدخل فيه اليهود و النصارى و غيرهم من الإنس و الجن أم لا؟ قالوا إن الأمة منقسمة قسمين، أمة التبليغ و يدخل فيهم اليهود و النصارى و غيرهم من غير المسلمين. و أما القسم الثاني فأمة الإستجابة و يدخل فيه كل من آمن بالله وملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر. سؤال آخر، أمة الإستجابة يدخل فيها أهل السنة و الجماعة و الشيعة و الزيدية و الإباضية و الخوارج و غيرها من فرق المسلمين أم لا؟ هنا عليهم أن يثبتوا جميع الآيات التي فيها ذكر الأمة أنها مخصوصة بأهل السنة و الجماعة ولا سبيل إلى ذلك بدليل قطعي. حتى إن سلمنا بحجية الإجماع أقول لهم بما أن أمة الإستجابة لم يجمعوا على حجية الإجماع فيما أعلم إذا حجية الإجماع كمصدر تشريعي غير ثابت و هذا أنهم أجمعوا على وجود الخلاف في المسألة فلا يصح خلاف الإجماع على حسب منطقهم، و إن تأملت في كلامي جيدا ستدرك بأننا انتهينا من المسألة و الحمدلله. 

و لكن تنزّلا معهم دعني أقول بأن حجية الإجماع ثابتة على حسب كلامكم، ما الشيء الذي أجمع عليه أمة الإسلام أو أمة الإستجابة وليس مذكور في القرآن كدليل قطعي الدلالة! لا علم مسألة من المسائل التي أجمع عليها الأمة الإسلامية و ليس في القرآن أصله بدلالة قطعية؟ لا يوجد فيما أعلم، فإن كان عندكم مسألة آتوني بها. فإن كان ما كتبته حقا و هو حق إن شاء الله إذا معنى ذلك أن الإجماع لا يعتبر مصدرا تشريعيا مستقلا و هذا يعني لا معنى قول الطرف الآخر: “أجمع المسلمون” كان يكفيه أن يقول: “قال الله سبحانه و تعالى في كتابه كذا و كذا” و انتهينا. و أيضا قول الله سبحانه و تعالى: ((غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)) من هم المؤمنين في الآية؟ هل هم المسلمون و المؤمنين من أهل الكتاب الذين آمنوا بالله و اعترفوا برسوله ولكنهم بقوا على شرائعهم، أم فقط المسلمون؟ فإن كان الآخر، فمن يدخل في الأمة الإسلامية، أيدخل فيه فقط أهل السنة و الجماعة (أو أهل الحديث أو السلفية) أم يدخل فيه أهل السنة و الجماعة و الفرق المتفرقة منها كأهل الحديث و الأشاعرة و المعتزلة و الماتريدية و الشيعة و ما يتفرع منها و الخوارج و الإباضية و الزيدية و غيرهم؟ فإن كان فقط أهل السنة و الجماعة فما الدليل القطعي على ذلك؟ و إن كان فقط الصحابة فما الدليل القطعي على ذلك؟ و كذلك أقول في قول الله سبحانه و تعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)) و قوله: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)) و قوله: ((وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)) و قوله: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) من الذين يخاطبهم الله في هذه الآيات؟

فإن عرفت هذا عرفت بأن جميع ما يستدلون به من آيات القرآن الكريم لا تصلح لتكون دليلا قطعيا على ما يذهب إليه بعض العلماء. ثم من قال بأن هذه الآيات التي استدلوا بها هي آيات اعترف بها جميع علماء أهل السنة و الجماعة بأنها آيات فيها دلالة قطعية على حجية الإجماع؟ غير صحيح فعلماء أهل السنة اختلفوا في ذلك، وبما أن العلماء اختلفوا فكيف يدعون بأن القرآن الكريم أثبت حجية الإجماع بدلالة قطعية؟ ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه “المستصفى من علم الأصول” نفس الآيات التي ذكرتها و التي يعتمد عليها البعض كدليل قاطع على حجية الإجماع، لم يوافق على الاستدلال بها و قال: "فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض، بل لا تدل أيضاً دلالة الظواهر”. و من المعاصرين قال الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه: “أصول الفقه الإسلامي” بعد أن عرض الآيات التي يستدل بها البعض في إثبات حجية الإجماع: “هذه الآيات فيها احتمالات تخرجها عن أن تكون نصا في اتفاق المجتهدين على الأحكام، و مع الاحتمال لا يتم الاستدلال”.

لنأخذ أشهر آية يستدلون بها على حجية الإجماع و أقواها كما ذكر أبو حامد الغزالي و هي: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)). قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: " (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ) يقول: ويتبع طريقاً غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجاً غير منهاجهم، وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم." قال الجويني رحمه الله: “وهذا عندنا ليس على رتبة الظاهر فضلاً عن ادعاء منصب النص فيها.” و في كتابه “البرهان في أصول الفقه” : “أوجه سؤالا واحدا يسقط الاستدلال بالآية فأقول إن الرب تعالى أراد بذلك من أراد الكفر وتكذيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والحيد عن سنن الحق وترتيب المعنى ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين المقتدين به نوله ما تولى فإن سلم ظهور ذلك فذلك وإلا فهو وجه في التأويل لائح ومسلك في الإمكان واضح فلا يبقى للمتمسك بالآية إلا ظاهر معرض للتأويل ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القطع وليس على المعترض إلا أن يظهر وجها في الإمكان ولا يقوم للمحصل عن هذا جواب إن أنصف”. قال أبو حامد الغزالي: “فإن ذلك يوجب اتباع سبيل المؤمنين وهذا ما تمسك به الشافعي وقد أطنبنا في كتاب تهذيب الأصول في توجيه الأسئلة على الآية ودفعها والذي نراه أن الآية ليست نصا في الغرض بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته ودفع الأعداء عنه نوله ما تولى فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنضم إليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه والانقياد له فيما يأمر وينهي وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم فإن لم يكن ظاهرا فهو محتمل ولو فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم الآية بذلك لقبل ولم يجعل ذلك رفعا للنص كما لو فسر المشاقة بالموافقة واتباع سبيل المؤمنين بالعدول عن سبيلهم”.

قال الفخر الرازي رحمه الله: “قوله: ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ)) يعني غير دين الموحدين” و في كتابه: “المحصول في علم أصول الفقه” في معرض مناقشته الآية: “عندنا أن هذه المسألة ظنية”. قال الآلوسي رحمه الله: “وبالجملة لا يكاد يسلم هذا الاستدلال من قيل وقال وليست حجية الإجماع موقوفة على ذلك كما لا يخفى”. قال الشوكاني رحمه الله: "ولا حجة في ذلك عندي؛ لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو: هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره" وقال الشنقيطي صاحب تفسير أضواء البيان: "وفي الاستدلال عليه بهذه الآية بحوث ومناقشات" أي على الاجماع. و في تفسير الجلالين: “ (ومن يُشاقق) يخالف (الرسول) فيما جاء به من الحق (من بعد ما تبين له الهدى) ظهر له الحق بالمعجزات (ويتَّبع) طريقا (غير سبيل المؤمنين) أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر (نولِّه ما تولَّى) نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا (ونصله) ندخله في الآخرة (جهنم) فيحترق فيها (وساءت مصيرا) مرجعا هي.” و أما بقية الآيات فهي أضعف دلالة على حجية الإجماع و هناك رد لكل من استدل بها في اثبات حجية الإجماع و لكن ذلك يطول. 

ثم إن قصة استدلال الشافعي بهذه الآية فيها ما فيها. وإليكم الحكاية كما في كتاب أحكام القرآن للشافعي: "كنا يوماً عند الشافعي إذ جاء شيخ فقال: اسْأَلُ؟ قال الشافعي: سَلْ. قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله . قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: ومن أين قلتَ اتفاق الأمة، من كتاب الله؟ فتدبر الشافعي ساعةً. فقال الشيخ: أَجَّلْتُكَ ثلاثة أيام. فتغيَّرَ وجهُ الشافعي، ثم إنه ذهب فلم يخرج أياماً. قال: فخرج من البيت في اليوم الثالث، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلَّم فجلس فقال: حاجتي؟ فقال الشافعي : نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله : ((وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً)) ، لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض. قال: فقال: صدقتَ. وقام وذهب. قال الشافعي: قرأتُ القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه” قال ابن السبكي رحمه الله في “طبقات الشافعية” في اثبات هذه الحكاية: “وسند هذه الحكاية صحيح لا غبار عليه” فإن صحّت هذه الحكاية فعندي ملاحظات أحب أن أعرضها عليكم. 

الملاحظة الأولى، أن في زمن الشافعي هناك شيخ لم يكن يعرف الدليل على حجية الإجماع، وإن كان حجية الإجماع ثابت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة فالمتوقع أنه يكون معروفا عند العامة. و أما إن كان هذا الشيخ من طلبة العلم أو العلماء فغريب جدا أن لا يعرف حجية الإجماع! أو على الأقل لم يعرف حجية الإجماع من القرآن و هذا بحد ذاته غريب وخاصة كما درج على لسان بعض أهل العلم عندنا: “عوام السلف يساوون طلاب العلم اليوم!”. الملاحظة الثانية أن هذا الشيخ كان يعرف لإثبات مصدر تشريعي لابد من دليل من القرآن الكريم و إلا ما سبب قوله: “ومن أين قلت اتفاق الأمة من كتاب الله؟”. الملاحظة الثالثة، لنعتبر هذا الشيخ عامي جاهل بأبسط الأمور، فما بال الشافعي و هو إمام في العلم احتاج أن يقرأ القرآن في كل يوم و ليلة ثلاث مرات حتى يقف على الدليل! بل احتاج في كل يون و ليلة أن يقرأ ثلاث مرات! تخيلوا كل هذه المشقة و الصعوبة لاستخراج دليل! فإن كان كما يقولون بأن حجية الإجماع دلالة قطعية ظاهرة فما بال إمام من أئمة المذاهب الأربعة وجد هذه المشقة! الملاحظة الرابعة، أن الشافعي لم يسمع من أحد من العلماء و المحدثين و الفقهاء من يستدل على الإجماع بآية من كتاب الله، و إلا لما كان ليغفل عن الإجابة مباشرة فيقول كما نفعل اليوم: “استدل فلان كذا و استدل الآخر بكذا”، لنفترض لعارض ما لم يستطع أن يتذكر، فهل يعقل أنه لم يتذكر قول أي عالم من العلماء استدل بكتاب الله على الإجماع خلال قراءته ثلاث مرات في اليوم و الليلة؟ فهذا يدل أنه الشامعي لم يسمع من أحدا من العلماء استدل على الإجماع من القرآن و إما أن يدل أن الشافعي به غفلة عظيمة و أحلاهما مر عندكم، و قد يدل على أشياء أخرى!

أما استدلالهم بالسنة النبوية، فأولا يجب أن نحدد معنى السنة. فهل السنة كل ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه فقط التواتر العملي أم أن السنة كما عرفتها أنا في مشاركة سابقة في المدونة؟ يروى عن البعض أنهم أنكروا حجية السنة كمصدر تشريع و الظاهر أنهم يقصدون المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم لا نفس حجية السنة. بحيث إن كان أمام الرسول صلى الله عليه وسلم يرد أمره، فهذا لا أعلم مسلما من المتقدمين من قال بذلك. ولكن بعض الطوائف أنكروا الأخذ بالأخبار كمصدر للتشريع و ذلك لعدم ثبوتها و لهذا نجد في كتاب “الأم” للشافعي فصلا عنوانه: “باب حكاية أقوال الطائفة التي ردت الأخبار كلها”. و الشيعة فيما أعلمه يردون كثيرا من الأحاديث بسبب أن يرويها بعض الصحابة الذين لا يعتبرون مرضيين عندهم، و بعض الناس رد جميع الأخبار ما لم يثبت بالتواتر، و هناك من قبل الآحاد و لكنهم اختلفوا في شروط قبول الأخبار و هذا موضوع كبير جدا و عميق و يترتب عليه أحكام كثيرة. من أقرّ الخلاف و اعتبره فالأخبار في السنة لا تكون دليلا على حجية الإجماع عند من رد الأخبار، و كذلك لا يكون دليلا إن كانت الأخبار لم تصل إلى درجة التواتر عند من رد الآحاد و هكذا. 

لنفترض بأننا من الذين يقبلون الأخبار و إن كانت آحادا، فكيف يمكننا إثبات حجية الإجماع؟ كما ذكرت في البداية، لإثبات حجية الإجماع نحن بحاجة إلى دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، و في أخبار الآحاد فالدليل ظني الثبوت، إذا لا يصح أن تثبت حجية الإجماع بها. أما من ادّعى أن الأخبار تواترت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمته لا تجتمع على ضلالة تواترا معنويا فعليه أن يثبت ذلك، لأن بحسب ما بين أيدينا من مرويات فلا يصح ادعاء ذلك! بل إن كثير من المرويات في هذا المعنى ضعيفة. و من أكثر الأحاديث التي يستدل بها علماء الأصول: “لا تجتمع أمتي على ضلالة” و هذا الحديث ضعفه جمهور أهل الحديث و هذا معروف بينهم و رواية: “لا تجتمع أمتي على خطإ” قال عنها الحافظ العراقي: “فيه نظر” و رواية: “إنَّ أمتي لا تجتمعُ على ضلالةٍ فإذا رأيتُم الاختلافَ فعليكم بالسوادِ الأعظمِ يعني الحقَّ وأهلَه” ضعفه علماء الحديث. و رواية أبو ذر: “اثنانِ خيرٌ من واحدٍ وثلاثةٌ خيرٌ من اثنينِ وأربعةٌ خيرٌ من ثلاثةٍ فعليكم بالجماعةِ فإن اللهَ عزَّ وجلَّ لم يكنْ ليجمعَ أمتي إلا على هدًى” أيضا ضعيفة كما قال الهيثمي المحدث كما في مجمع الزوائد. و حديث: “ اتَّبعوا السَّوادَ الأعظمَ فإنَّهُ من شذَّ شذَّ في النَّارِ” قال ابن حجر: “روي من وجوه لا يخلو شيء منها من مقال. و لعل أقوى حديث عندهم في هذا الباب حديث: “لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ علَى الحقِّ ، لا يضرُّهم مَن خذلَهُم ، حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّه” و هذا الحديث يصححونه و لكن برأيي الشخصي بحاجة إلى تحقيق و دراسة متعمقة.

إن اعتبرنا حديث “لا تزال طائفة من أمتي” فإنه لا يكفي لاثبات التواتر المعنوي، بل حتى لو افترضنا بعض الأحاديث التي ذكرتها صحيحة فإنها لا تكفي لاثبات التواتر المعنوي. ولكن لا بأس سأجاريهم و أقول بأن الحديث متواتر تواترا معنويا. فهل هذا يكفي على حجية الأجماع؟ لا! و ذلك لأن مدلولات هذه المرويات له معان مختلفة و محتملة فحتى إن قلت بأن الأخبار متواترة ينبغي أن تكون كل رواية فيها دليل قطعي على حجية الإجماع. ثم إن هذه المرويات ينطبق عليها ما قلت عند مناقشتي لاستدلالهم بالقرآن الكريم. من الذين قصدهم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث، أهل السنة و الجماعة فقط أم يدخل فيه المسلمون من الشيعة و الخوارج و غيرهم من فرق المسلمين! فإن خصصوا فقط بأن المقصود أهل السنة و الجماعة فعليهم اثبات ذلك بدليل قطعي غير محتمل… هيهات هيهات… و بهذا انتهيت على عجل من استدلالهم بالسنة على حجية الإجماع.

لم يبقى عندهم إلا الدليل العقلي القطعي، و ذلك لأن الدليل العقلي الظني لا يفي بالمطلوب. أما حجية الدليل العقلي استقلالا فلعله فيه خلاف بين الناس و لكن لا حاجة إلى التفاصيل لأنه بشكل عام المسلمين و غير المسلمين يعتبرون حجية دليل العقل. لنعتبر أن الدليل العقلي القطعي له استقلالية اختصارا للموضوع، فأما الدليل الأول الذي يعولون عليه: “اتفاق العلماء من المتقدمين على مسألة لا يكون إلا لدلالة أو أمارة” و هذا الدليل لا يعتبر من الأدلة العقلية القطعية إنما الظنية و ذلك لأن العلماء قد يتفقون على المسألة ليس بسبب دلالة أو أمارة بل لشبهة، و هذا يحصل في العالم و نراه و نعرفه من أقوام كاليهود و النصارى. 

الدليل العقلي الثاني قولهم: “لا يمكن للحق أن يضيع في زمن من الأزمان” أولا أقول ما الحق الذي تقصدونه، الحق الذي بدونه يضيع الدين؟ أو يفسد بضياعه العالم أو الدين فسادا عظيما؟ أو يضيع ركن أو أساس من أساسيات الدين؟ أم تعممونه في كل شيء حتى في المسائل الفرعية أو الدنيوية و ما شابه ذلك؟ فإن كان الأول، فلسنا بحاجة إلى الإجماع لما قررته في مناقشتي أدلتهم بالكتاب لأن لقائل أن يقول مستند هذا القول القرآن الكريم و كونه الحق الذي لا يضيع في زمن من الأزمان. و أما إن كان الأخير فما الدليل على قولكم، فإن مثل هذا القول بحاجة إلى وحي من الله سبحانه و تعالى. و أين تجد في القرآن الكريم بأن الله توعد بأن يحفظ الحق في هذه المسائل الفرعية؟ و أين تجد ذلك من السنة النبوية المتواترة؟ لا بأس، دعني أفترض و أقول بأن الحق حتى في المسائل الفرعية محفوظ، لكن ما الدليل على أنه لابد أن يجتمع عليه المسلمون؟ بل ما الدليل أن يحصل على هذا الحق مسلم؟ فما الذي يمنع إن حصل على هذا الحق في المسألة الفرعية إنسان غير مسلم؟ و إن افترضنا إن الله سيحفظ هذا القول بين المسلمين فما الدليل أن هذا القول سينتشر؟ ألستم توردون الخلاف في قول الله سبحانه و تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ)) و تدعمون قول من يقول بأن بعض آيات القرآن لا يعلم تفسيرها إلا الله بروايات عن صحابي أو تابعي؟ و قد تقول بأن الله يحفظ الحق الذي ينفع الناس أما الذي لا يحتاجون إليه فلم يتكفل بحفظه، و كل هذه أقوال لا تصلح أن تكون حجة عقلية قطعية. كل هذه الأمور بحاجة إلى أدلة قطعية ولا يصح معها الإحتمالات و الظنون. 

و من الأدلة التي يستدل بها البعض: “إن الله يضمن حفظ أقوال العلماء التي هي حق” و هذا أيضا تحكم و أخشى أن يكون تقوّلا على الله سبحانه و تعالى بلا علم. و متى قال الله سبحانه و تعالى في كتابه شيء من ذلك؟ كل الآيات التي تستدلون بها آيات ظنية الدلالة فكيف تدّعون مثل هذا؟ فإن قلتم بأن الله يضمن ذلك لأن الله لن يجعل الحق في زمن من الأزمان أن يكون ضائعا و مخفيا عن الناس، أقول رجعنا إلى الدليل السابق. القرآن محفوظ إلى ما شاء الله و هو ينطق بالحق فليس عندكم دليل قاطع من القرآن بأن الله ضمن أن يحفظ شيئا غير القرآن، بل حتى دعوى الحفاظ على الأحاديث مختلف فيها كما هو معلوم عند أهل العلم. و بعد هذا الذي ذكرت فإن الأدلة العقلية التي استدلوا بها و اعتبروها أدلة عقلية قطعية لا تعتبر قطعية فإن دلّت هذه الأدلة على شيء فإنها تدل على حفظ الحق و ليس فيها دلالة قطعية على حجية الإجماع و هذا ظاهر و الحمدلله. 

و بهذا انتهيت من عرض أهم الأدلة التي يستدلون بها على حجية الإجماع من القرآن و السنة و العقل و يترجح عندي والله أعلم بأن ليس عندهم فيما أعلم دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة على حجية الإجماع. و لم أتعرّض للأدلة التي ممكن أن أستدل بها ضد الإجماع سواء بآيات قرآنية أو أحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم فإنها كثيرة و النقاش حولها سيطول جدا ولا أرى بأني بحاجة إلى فعل ذلك و قد حصل الغرض من المشاركة إن شاء الله. و لكن يكفي أن أقول بأنه ليس في القرآن آية يقول الله فيها بأن الإجماع مصدر من مصادر التشريع وينبغي التحاكم إليه واتباعه عند الإختلاف. أحب أن أقتبس كلاما للفخر الرازي من كتابه الرائع: “المحصول في علم أصول الفقه” و هو يستنكر صنيع بعض الفقهاء، قال الرازي: “والعجب من الفقهاء أنهم أثبتوا الإجماع بعمومات الآيات و الأخبار، و أجمعوا على أن المنكر لما تدلُّ عليه هذه العمومات لا يكّفر ولا يفسّق إذا كان ذلك الإنكار لتأويل، ثم يقولون: الحكم الذي دل عليه الإجماع مقطوع به، و مخالفه كافر أو فاسق؛ فكأنهم قد جعلوا الفرع أقوى من الأصل، و ذلك غفلة عظيمة”.

أخيرا أحب أن أقول بأني بهذه المشاركة لا أقول بأنه ليس للإجماع (إن ثبت) في مسألة فرعية ليس لها وزن، ليس هذا ما أقصده! له وزن و لكن لا يكون حجة قاطعة يمنع الإجتهاد على الطرف الآخر إنما فيه نوع اطمئنان و استئناس و ما شابه ذلك. و بعد مسألة حجية الإجماع لابد من مناقشتهم حول وقوع الإجماع هل هو ممكن أو غير ممكن و تصور الإطلاع على الإجماع، و متى يعتبر الإجماع إجماعا و متى يكون حجة لمن نُقل إليه الإجماع. و أركان الإجماع، و من يدخل في المجمعون و ما موانع ثبوت الإجماع و ما الخلاف المعتبر. و من ثم مسألة إجماع الصحابة و هل هو معتبر أو غير معتبر، و إجماع أهل عصر من العصور و ما يترتب على هذا الإجماع و الإجماع بعد الخلاف و الإجماع السكوتي و الفرق بين الأجماع و الاتفاق وهل يكون مستند الإجماع الاجتهاد وغيرها الكثير من المسائل المتعلقة بالإجماع و لا يكاد يخلو مسألة من اختلاف بين المسلمين هذا والله أعلم. و ما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمن نفسي. والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته. 

Saturday, February 21, 2015

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب هذه المشاركة الخفيفة بسبب استغرابي من بعض المسلمين، الذين ليس لهم هم سوى سب علماء السلف و السخرية من أهل الحديث و اتهامهم و التزهيد في علمهم و هو لم يقرأ لهم إلا القليل. وهذا الصنف من الناس منتشر في التوجهات الفكرية المختلفة كالليبرالية و العلمانية و و التنويرية و الإصلاحية و التوجه القرآني و غيرهم. أقول لهم، مهلا أيها الإخوة! إنكم تنهون من ينتسبون إلى أهل السنة من التقليد و تذمون المقلد و لكن كثيرا منكم يقلد بعضكم بعضا أشد تقليدا من تقليد أهل علماء السنة لبعضهم البعض. و ينطبق عليكم قول الله سبحانه و تعالى: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) بنسبة كبيرة.

بيان ذلك، أني قرأت الكثير فيمن ينتقد منهج أهل الحديث و علماء السلف بشكل عام، من الذين قرأت لهم: طه حسين، محمود أبو رية، محمد شحرور، جمال البنا، يحيى محمد, عدنان الرفاعي، عمرو الشاعر، حسن فرحان المالكي، عدنان إبراهيم، محمد المسعري، حسن السقاف، أحمد صبحي منصور، أحمد خيري العمري، محمد عمراني حنشي، و القانبانجي، و غيرهم الكثير من الذين لم يشتهروا بين الناس. 

لكي أكون صادقا مع نفسي و معكم، فإن بعض هؤلاء لهم كتابات مميزة جدا و رائعة و تحقيق علمي و أبحاث قيمة لا تكاد تجدها عند غيرهم واستفدت منها كثيرا. و لكن أيضا كثير من كتابات البعض منهم و أتباعهم نسخ و تقليد لبعضهم البعض أو لمن سبقوهم من المستشرقين أو الشيعة، لا أقول فقط بالمعنى لكن حرفيا. فأكثر المعاصرين اليوم الذين ينتقدون العلماء و يجعلونهم موضع سخرية و يحملونهم سبب تخلّف المسلمين بنسبة تكاد تصل إلى ١٠٠٪ تجد أكثر كتاباتهم مأخوذة من كتاب “أضواء في السنة النبوية” لمحمود أبو رية و ما عليك إلا أن تزور موقع أهل القرآن لتتأكد من صحة كلامي، و هذا الأخير (محمود أبو رية) كثير من الروايات التي يستدل بها مأخوذة من كتب ليس لها وزن من ناحية الإسناد مثل كتب التاريخ و كتب الوعظ و كتب الشيعة و كتب المستشرقين من قبله و ما إلى ذلك بحيث أنك لا تجد أحيانا أصلا سند للمرويات التي ينقلونها. و كذلك كتابات يحيى محمد للأسف معظم ما يستدل به في انتقاداته معتمدة على روايات يذكرها بعض علماء السنة في كتاباتهم غير محققة علميا، إنما نقل فيكون ما ينقله ليس له وزن عند التحقيق العلمي و هذا المسلك تجده عند كثير من كتاب اليوم للأسف، كما قيل: “مؤلفون لا مفكرون”

فالإنسان إن أراد أن ينتقد أهل الحديث من أهل السنة لا يصلح أن يأخذ من كتب الشيعة ليستدل عليهم فإن لأهل الشيعة منهج في تصحيح و تضعيف نقولاتهم و لهم رجالهم ولأهل السنة رجالهم و هكذا. و كذلك إن أراد أهل السنة أن ينتقدوا الشيعة لا يصلح أن يردوا عليهم بكتب أهل السنة و ينقلون قول الرازي في الشيعة أو قول ابن تيمية في الشيعة وما إلى ذلك إن كان الانتقاد مبني على مرويات منقولة عن العلماء أما إن كان الإنتقاد مبني على آيات القرآن الكريم و العقل فمسألة أخرى. كذلك السلفية لا يصلح أن ينتقدو الأشاعرة اعتمادا على نقولات ابن تيمية أو ابن القيم عن الأشاعرة، لابد أن يقرؤوا ما كتبه علماء الأشاعرة  في كتابهم و ذلك احترازا من النقل الخاطئ و من ثم و يحاول أن يرد عليهم من كتبهم هم و كذلك الأشاعرة إن أرادوا أن ينتقدوا السلفية فعليهم أن يستدلوا بكتب السلفية. و إلا فكل يظن بأنه على الحق و من يخالف فهو على الباطل. 

لذلك أقول، إن أنت أردت أن تنتقد أهل الحديث، عليك أن تتعلم أولا علم الحديث و تعرف مناهج المحدثين ومن ثم تعتمد للرد عليهم باستخدام أقوالهم و اصطلاحاتهم و ما هم يعترفون بصحته من المرويات. أما أن تنتقدهم اعتمادا على مرويات هم يعترفون بأنها ضعيفة لتثبت صحة رأيك وخطأهم فإنك في الحقيقة لم تفعل شيئا سوى عرض جهلك و جعلت من نفسك موضع سخرية للعقلاء. ألم يؤلف ابن تيمية كتابه “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح” بعد قراءة كتب النصارى و ما يعتمدون عليها لإثبات عقائدهم؟ ألم يتعلّم أبو حامد الغزالي الفلسفة و صار علما من أعلام الفلسفة و أتقنها ثم ألف كتابه “تهافت الفلاسفة” أم أنه كان فقيرا من علم الفلسفة و خاض غمارها ولا يفقه شيئ عن مصطلحات و أقوال الفلاسفة؟ 

لا يا أخي، إن أردت أن تنتقد أهل الحديث فاقرأ كتبهم في علم الحديث، اقرأ في علوم مصطلح الحديث، اقرأ في مقدمات الجرح و التعديل، و قواعد و مناهج المحدثين و ما إلى ذلك. ولا أريدك أن تتخص ولكن ليكن عندك فكرة عامة و اقرأ المقدمات. قد تقول بهذه الطريقة أنت تناقض نفسك! ألم تكتب سابقا في مدونتك بأن الإنسان غير مضطر أن يتخصص في اللغة و الفقه و الحديث و التفسير لاختيار القول الذي يريد أو شيء بهذا المعنى. نعم قلت ذلك ولكن قيدته! فقلت إن أنت أردت أن تبحث في مسألة الرسم و تختار قولا، فلست مضطر أن تقرأ ما كُتب في أحكام المرأة و الحدود و الردة و ما إلى ذلك لكي تختار، إنما عليك عرض الأقوال التي قيلت في الرسم ثم تختار لنفسك، و أما إن كنت منتقدا فلابد أن تفهم وجه دليل هذا و وجه دليل الآخر و هكذا و الفرق كبير جدا. 

فأنا مثلا إن أردت أن أنتقد علم الحديث بأكمله أو أبيّن جهل علماء الحديث، فإني لابد أن أقرأ في هذا العلم، أما أني لم أقرأ في هذا العلم أي شيء و من ثم آتي و أسخر منهم و أحمّلهم تخلف المسلمين و ما إلى ذلك فهذاظلم لنفسي و لهم و قد وقعت فيما نهاني الله عنه: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) قل لي بربك، أيصلح أن ينتقد القرآن من لم يقرأ القرآن؟ لا يصلح أبدا وانتقاده غير معتبر. وهكذا لا يصلح أن تنتقد كتاب البخاري و أنت لم تقرأ منهج البخاري في التصحيح و التضعيف، و لم تقرأ منهجه في تعديل و تجريح الرجال، و لم تقرأ في شرطه و ما إلى ذلك بل ربما لم تقرأ كتابه فكيف تنتقده! هذا يذكرني بما يفعله بعض المنتسبين لأهل السنة و الجماعة ينتقدون الدكتور عدنان إبراهيم و حسن فرحان المالكي وهم لم يستمعوا إليهم ولا مرة! ولكنهم سمعوا أن بعض الناس ينتقدونهم فهم ينتقدونهم كذلك! وإنا لله و إنا إليه راجعون. 

ثم إن كثيرا من أتباع هؤلاء ليس فقط يقلدون بعضهم البعض، و لكنهم يوردون نفس الشبهات و الملاحظات التي ألف فيها أهل الحديث و علماء السنة كتبا في الرد عليها و لكنهم يكررونها من جديد بعد أن ظهر عوار انتقاداتهم ولا حتى على الأقل يعرضون رد أهل السنة و يأتون برد جديد عليهم! بل يكتفون بتكرار ما قيل و كأن واحد منهم أشبه بطائر الببغاء. و بعض هؤلاء يُخطؤون في النقل، فلا أدري يفعلونها عمدا لنقص الأمانة فيهم، أو مجرد نسخ ولصق من كتابات غيرهم أو جهلا أو بغير قصد الله أعلم بما في أنفسهم. تجد البعض منهم ينقل كلاما لعالم من علماء السلف و هذا العالم ينقل في كتابه “الأقوال التي قيلت في مسألة معينة” أو يعرض أقوال “المخالفين” فيأتي هذا المعاصر و يقرأ في كتاب العالم فيأخذ نقل “العالم عمن يخالفه” و ينسبه للعالم! و من ثم يظهر في كتاباته للناس بأن عالمك الفلاني قد يقول مثل قولي أو يخالفكم! بل يفعلون ذلك حتى مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، سأعطيكم مثالا ليتضح لكم ما أقصده. 

في كتاب “مشكلة الحديث السني و الشيعي” للكاتب يحيى محمد وفقه الله، ينقل رواية منسوبة لعمر بن الخطاب بأنه يثبت أن بعض الأحكام الشرعية أصلها موجود في القرآن و هذه الرواية مأخوذة من صحيح مسلم. عن عمر بن الخطاب أنه قال و هو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها و وعيناها و عقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم و رجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، و إن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل و الاعتراف” ثم قال الكاتب يحيى محمد: “وجاءت هذه الرواية على خلاف ما روى عن عبيدالله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي قال: “لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله تبعناه” هكذا أورد يحيى محمد الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم غير كاملا، فإن الحديث هذا معروف بين الناس و خاصة أهل السنة، و المتن المعروف: “ألا إني أوتيت الكتاب ، ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه” و في رواية عند الإمام أحمد: “يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله” و في رواية عند المروزي: “ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه” وروايات غيرها كلها في نفس المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحرم أشياء ليست في القرآن وللأسف أخونا الكاتب لم يبين ذلك، و هذا الحديث في واقع الأمر يؤيد قول عمر بن الخطاب، ولكن يحيى محمد أورده ليثبت العكس و كأن الحديث يعارض قول عمر! فلا أدري فعل ذلك عمدا أو بغير عمد، فأما إن كان بغير عمد فخطأ و إن فعل ذلك عمدا فالخطأ أعظم. ونقلي لهذا الكلام لا يعني اقراري بأن المرويات التي نقلتها صحيحة (رواية عمر أو أوتيت القرآن و مثله معه) لم أقل ذلك فلا يُفهم مني أني أصحح هذه الأحاديث بل إني كتبت بحثا في حديث المقدام بن معد يكرب ولكني إلى الآن لم أبحث في حديث عمر بن الخطاب. ومثل عمل يحيى محمد تجده في كتب كثيرة . و الغريب أن بعض هؤلاء يعتبرون أنفسهم مفكرين ويتبعون المنهج العلمي الصارم، وأما أنا فلا أجد من صنيعهم إلا الاستغراب.

ثم بعض هؤلاء يدعون إلى التمسك بالقرآن و ترك السنة و لكنهم هم أنفسهم لا يتمسكون بالقرآن ولا يعملون بتعاليم القرآن، بل كثير من أهل الحديث من العلماء تجدهم يتمسكون بتعاليم القرآن أكثر من هذا! فهذا الرجل يكاد لا يترك عالما من علماء الحديث إلا و دخل في نيته وأنه عدو لله يكيد الإسلام والمسلمين! و ادخل موقع: “أهل القرآن” لترى أمثلة كثيرة. و كثير منهم يتربصون علماء أهل السنة قديما (من خلال قراءة كتبهم) أو الآن بتتبع أقوالهم و كتاباتهم فإن أخطأ مرة هوّل من هذا الخطأ و شطب على العالم و كأنه أجهل خلق الله ولا يُنتفع شيء من علمه! فتجد بعض هؤلاء لم يقرأ لأبي حامد الغزالي إلا فتوى منقولة في احدى هذه الكتب فينشر بين الناس جهل الغزالي لأنه يظن أخطأ في فتوى أو في مسألة فقهية! وأبو حامد الغزالي قد دوّن أكثر من ألف صفحة و هو لم يقرأ شيء منها ويتهمه بالجهل. و هكذا تجدهم يفعلون مع البخاري و أحمد بن حنبل و النووي ابن تيمية و ابن القيم و الذهبي و ابن كثير والألباني و غيرهم. و متى قال أهل السنة بأن العلماء لا يخطؤون؟ و متى أثبتوا العصمة لهم! أليس هذا هو الظلم؟ ماذا فعلتم بآيات القرآن التي تدعون بأنكم بها مستمسكون و ادعاءكم بأن علماء السلف هجروا القرآن! و إنا لله و إنا إليه راجعون. ألم تقرأ في سير كثير من العلماء المعروفين كم مرة يقرؤون القرآن في الشهر أو الأسبوع، ألم تقرأ “جواهر القرآن” للغزالي أو تفاسير “ابن تيمية و ابن القيم”، ألم تقرأ “كتاب التفسير” في صحيح البخاري؟ القرآن أمرنا بالعدل، فيا أيها الإخوة لنعدل… 


كما قلت سابقا أنا لا أنتقد جميع هؤلاء ولكن بعضهم يقع في أخطاء منطقية و أخلاقية لا يختلف عليها عاقل، و كثير من أتباع هؤلاء كذلك. و لكن كما قلت بين هؤلاء أناس عندما ينتقدون فينتقدون بعلم و عن بحث و من أمثال هؤلاء أحمد خيري العمري و محمد عمراني و حسن فرحان المالكي و حسن السقاف و الدكتور عدنان إبراهيم مؤخرا و محمد المسعري. هؤلاء الذين ذكرت عندما ينتقدون تجدهم ينتقدون بأدلة لها وزنها والله أعلم وهذا لا يعني أن البقية ليست لهم أبحاث و ملاحظات، لا عندهم أبحاث و ملاحظات جيدة ولكن عندما ينتقدون أهل الحديث فإنهم في الغالب لا يستندون على نقولات لها وزن علمي. فأرجو من الله أن يصلحنا و يصلحهم و يهدينا و يهديهم و أن يوفقهم أن ينتقدوا لوجه الله لا للشهرة أو انتقاما أو استشفاء و ما شابه ذلك. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… 

Friday, February 20, 2015

تعريف السنة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، هذه مشاركة خفيفة في إبداء رأيي الشخصي بتعريف السنة. اختلف الناس في تعريف السنة قديما و حديثا، و لعل عندي تعريف جديد لا أدري إن سبقت إليه أم لا ولكني لم أقرأ فيما قرأته أحدا قاله قبلي والله المستعان لما سأسمعه من الناس. لكن قبل إبداء رأيي أحب أن أنقل لكم بعض ما قيل في تعريف السنة.  أما السنة لغة فهي الطريقة أو السيرة. قال ابن الأثير في “النهاية في غريب الحديث”السنة وما تصرف منها: الأصل فيها الطريقة والسيرة”

و أما في الشرع، فالسنة قال ابن الأثير رحمه الله: “إذا أطلقت السنة في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة ، أي القرآن والحديث” و وقال الشاطبي رحمه الله: “يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن النبي عليه السلام على الخصوص مما لا ينص عليه في الكتاب العزيز .ويطلق أيضا في مقابلة البدعة فيقال فلان على سنته إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم”. و قال الآمدي: “السنة في الشرع: قد تطلق على ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تطلق على ما صدر من الرسول عليه السلام من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو ولا هو معجز ولا داخل في المعجز ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام وأفعاله وتقاريره” منقول من مجلة البحوث الإسلامية. 

و قد وجدت تفصيلا جميلا لأحد الإخوة في ملتقى أهل الحديث و اسمه أبو عمر الحسيني، أنقله كما كتب: 

السنة في اللغة: هي السيرة المتبعة،والطريقة المسلوكة،وهي الأنموذج الذي يحتذى والمثال الذي يقتدى. وتطلق هذه الكلمة أيضابمعنى البيان حيث يقال سن الأمر أي بينه، وأيضابمعنى ابتداء الأمر.

السنة في الاصطلاح: عندالمحدثين: كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أوفعل أو تقرير أو سيرة أوصفة خلقية أوخلقية، سواء أكان ذالك قبل البعثة أم بعدها.

عندالأصوليين: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

عندالفقهاء: مادل عليه الشرع من افتراض ولا وجوب أو مايثاب فاعله و لايعاقب تاركه.

عندعلماء العقيدة: تطلق السنة عند علماء العقيدة على هدي النبي صلى الله عليه في أصول الدين، وماكان عيه من العلم والعمل والهدى، وماشرعه أو أقره مقابل البدع والمحدثات في الدين وقد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله”

وهذه التعريفات جيدة و لكن هناك ما هو أحسن منها، يذكرها بعض المعاصرون، فمن تلكم الأقوال قول الأستاذ سليمان الندوي فيما نقله الأستاذ أبو إلياس سويد في كتيبه: “إسلام ما قبل المذاهب” نقلا عن مجلة المنار، قال الأستاذ سليمان الندوي: “السنة فهي في الحقيقة اسم للعمل المتواتر - أعني كيفية عمل الرسول عليه السلام - المنقولة إلينا بالعمل المتواتر، بأن عمله النبي عليه السلام ثم من بعده الصحابة، و من بعدهم التابعون و هلم جرا، و لا يشترط تواترها بالرواية اللفظية، فطريقة العمل المتواترة هي المسماة بالسنة، و هي المقرونة في قوله عليه السلام: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله و سنة رسوله” و هي التي لا يجوز لأحد من المسلمين كائنا من كان تركها أو مخالفتها وإلا فلا حظ له في الإسلام” (مجلة المنار: ٣٠/٦٧٣) 

و من نفس المصدر، ميز الأستاذ الفرق بين الحديث و السنة، فعرف الحديث بأنه: “كل واقعة نسبت إلى النبي عليه السلام و لو كان فعلها مرة واحدة في حياته الشريفة، و لو رواها عنه شخص واحد” و أقول هذا التعريف للسنة ذكره غير واحد من المعاصرين و قد ذكرت تعريفا للحديث النبوي في المدونة قبل سنتين بأنه كل خبر منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم”. وبهذا أتفق مع المعاصرين كأمثال الأستاذ سليمان الندوي في تعريفهم للحديث. 

أما تعريفهم للسنة سواء المتقدمين و المعاصرين فإني في الحقيقة أرى بأنه ناقص نوعا ما مع اعترافي بأن قول الأستاذ سليمان الندوي قريب جدا مما سأقوله و قريب جدا من المعنى اللغوي. السنة بنظري: “الطريقة الثابتة” فالطريقة مأخوذ من اللغة و الثابتة أي غير متغيرة بنفس الشكل أو النمط و يدخل في الثابتة “الطريقة المتكررة” يعني مرة بعد مرة فإن أردت قل “الطريقة الثابتة” و إن أردت قل: “الطريقة الثابتة المتكررة”. و هذا المعنى مفهوم من الآيات القرآنية مثل: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) و قوله سبحانه: ((سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً))  نفهم لسنتنا تحويلا الطريقة الثابتة التي لا تتحول، أي نفس النمط و نفس الطريقة و لعل المعنى في هذه الآية أظهر: ((فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) قال ابن جرير رحمه الله: “وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه فِي خَلْقه تَبْدِيلًا ; يَقُول : لَنْ يُغَيِّر ذَلِكَ , وَلَا يُبَدِّلهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَرَدّ لِقَضَائِهِ”. و قال الله سبحانه و تعالى: ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)) فالسنة في القرآن كما أفهمه الشيء أو الطريقة الثابتة التي لا تتغير و تتكرر إن وجد شرط تكراره. 

فقول أن السنة هي “الطريقة” فقط فهذا غير كاف، لأنه يدل على وجود طريقة ولكن لا يدل على الثبوت و التكرار عند وجود الشرط، و إن قلت بأن: “السنة” اسم للعمل المتواتر فأيضا غير كاف، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل عملا في حياته و لكن تواتر عنه هذا العمل، مثلا قضى حاجته واقفا، فقد يتواتر عنه بأنه قضى حاجته واقفا، و ربما في يوم يقضي حاجته و هو جالس و قد يتواتر عنه أنه قضى حاجته و هو جالس كذلك، فتواتر عندنا أكثر من شيء في نفس المسألة فهل هذه هي السنة التي يؤثم من لم يتبعها؟ بنظري الشخصي لا والله أعلم. هذا بخلاف الصلوات الخمسة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأتي وقت الفجر فبطريقة ثابتة و غير متغيرة كان يصلي و باستمرار و تكرار كلما جاء وقت الفجر كان يصلي، و نفس الشيء لصلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء. فكل هذه الأوقات كان للرسول صلى الله عليه وسلم طريقة ثابتة غير متغيرة و متكررة، فإن كان الإنسان المسلم مطالبا باتباع سنة ما، فإنه يغلب على ظني بأن السنة المقصودة هي ما ذكرته، الطريقة الثابتة المتكررة بتكرر ما يوجب تكرار الطريقة الثابتة. 

و لذلك أنا لا أتفق مع تعريف السنة عند المحدثين و لا الفقهاء والأصوليين و علماء الكلام أو علام العقيدة. فمثلا إن وجدنا في حديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد من الصحابة، لا تغضب أو فعل في موقف معين أمرا ما أو أقره فهل هذا يعني أنه من السنة أو أنه أمر طارئ يُفرض على الصحابة طاعته؟ أرى أنه الثاني، فالرسول صلى الله عليه وسلم من حقه أن يُطاع في أمور الدين وأما الأمور الدنيوية فالمسألة معروفة. بعض المعاصرين ينقل عن عمر بن الخطاب و بعض الأئمة ما يثبت أن السنة غير الحديث ولكن معظم هذه المرويات في أسانيدها مقال ولكن المعنى صحيح، فالسنة غير الحديث. 

ومما يُنقل عن عمر بن الخطاب من طريق عروة بن الزبير: “أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ أرادَ أن يَكْتُبَ السُّننَ فاستَفتى أصحابَ النَّبيِّ علَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في ذلِكَ فأشاروا علَيهِ بأن يَكْتبَها فطفقَ عمرُ يستخيرُ اللَّهَ فيها شَهْرًا . ثمَّ أصبحَ يومًا وقد عزمَ اللَّهُ لهُ فقالَ : إنِّي كنتُ أريدُ أن أَكْتبَ السُّننَ وإنِّي ذَكَرتُ قومًا كانوا قبلَكُم كتَبوا كتُبًا فأَكَبُّوا علَيها وترَكوا كتابَ اللَّهِ وإنِّي واللَّهِ لا أشوبُ وفي روايةٍ: لا أُنسي كتابَ اللَّهِ بشَيءٍ أبدًا” و لكن الخبر منقطه كما قال الألباني رحمه الله. و في كتاب: أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي قال: "الناس على وجوه: فمنهم من هو إمام في السنة، إمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث ليس بإمام في السنة، فأما من هو إمام في السنة وإمام في الحديث فسفيان الثوري.” فهذا إن صح عن عبدالرحمن بن مهدي فصريح بأن السنة غير الأحاديث. 

فالسنة النبوية الطريقة الثابتة المتكررة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل ما نُقل عنه من قول أو عمل أو تقرير، و ليس شرطا أن يكون متواترا عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواترا عمليا ولكن ما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواترا عمليا في الغالب أنه شيء ثابت استمر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتغير. فحتى ما يقال عنها التواتر العملي فإنه عقليا قابل للتغيير، مثل الصلاة و غير الصلاة ولذلك عندنا روايات عن بعض الصحابة أنه حتى الصلاة تغيرت في عهد قريب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالصلاة تواتر عمليا عند بلدة معينة بطريقة و في بلدة أخرى بطريقة أخرى ولهذا الاختلاف في الصلاة بين المسلمين ولهذا العالم بالسنة له مكانته، الذي يعلم ما الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم عليه و ثبت عليه و كرره و لهذا في قصة بداية صلاة التراويح قال عمر: “نعم البدعة” كما في البخاري. ففي اليوم والليلة للرسول صلى الله عليه وسلم طريقة، وللرسول صلى الله عليه وسلم في إيتاءالزكاة طريقة، و في الدعاء طريقة و في الغزو طريقة لأنه هذه الأشياء عرضت عليه أكثر من مرة، فالذي ثبت عليه و كرره السنة. فصلاة المغرب ٣ ركعات سنة، و قيام الليل سنة، وهكذا. 

سأعطيكم مثالا لأوضح الصورة ومتى الأمر يكون سنة ومتى لا يكون سنة. فوقت الفجر كان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، صلى ركعتين، و في جميع أيام السنة كلما جاء وقت الفجر كرر صلاة ركعتين. و كان أحيانا يقرأ آيات من سورة البقرة أو آل عمران و أحيانا يقرأ آيات من آيات القرآن غير ما في سورة البقرة و آل عمران. فالسنة في هذا المثال صلاة ركعتين، و السنة قراءة القرآن في الصلاة، و لكن لا نقول للناس أن السنة قراءة آيات من سورة البقرة في الصلاة لأنه لم يثبت و يستمر عليها. لكن الذي ثبت و استمر أنه يقرأ القرآن في الصلاة. ولهذا تجد الخلاف بين طوائف المسلمين في بعض أفعال الصلاة، و اختلف التواتر العملي فعند البعض تواتر عندهم قراءة معينة و عند الآخرين طريقة أخرى، ولكنهم توافقوا جميعا في السنة صلاة ركعتين وقت الفجر وهكذا. و حاول أن تطبق ذلك على المسائل الخلافية و التي لكل فريق عندهم حديث مرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم فيما يذهبون إليه ستجد أن ما يختلفون فيه ليس من السنة إنما عمل لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوته واستمراره عليه، والله أعلم. 


فإن فهمت ذلك ستفهم لماذا لا نجد دلالة صريحة و قطعية في القرآن الكريم على اتباع السنة إنما دلالة قطعية على طاعته و أنه أسوة حسنة و لذلك تفهم سبب عدم وجود عدد الركعات أو مقادير الزكاة في القرآن والله أعلم. ولهذا أقول و أنا مطمئن أغلب المرويات عن الرسول صلى الله عليه وسلم في اتباع سنته أغلبها لا تصح إلا اليسير منها. و هذا اليسير لا يخالف ما ذهبت إليه والحمدلله. أضافتي لتعريف السنة قد ترونها إضافة كلمة أو كلمتان ولكنها إضافة إن شاء الله دقيقة و يوضح كثيرا من الأمور التي كانت مبهمة على المسلمين في وسط هذا الخلاف الذي نعيشه اليوم حول هذه المصطلحات و الحمدلله أن القرآن يحتمله و اللغة تسعها والله أعلم. و ما كان من صواب فمن الله و ما كان خطأ فمني. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

Wednesday, February 18, 2015

دراسة حديث - الخوارج كلاب النار - الجزء الثاني


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… هذا هو الجزء الثاني من دراسة لحديث: “الخوارج كلاب النار” و في الجزء الأول تعرضت لطريق عبدالله بن أبي أوفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، و في هذا الجزء سأتعرض لحديث أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و حديث أبو أمامة مروي لنا من عدة طرق، الطريق الأشهر طريق أبو غالب سعيد بن الحروز. و هذا الطريق مخرّج في عدة كتب في مرويات كثيرة و طرق عن أبي غالب البصري، منها: سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مصنف عبدالرزاق الصنعاني، مصنف ابن أبي شيبة، مسند الحميدي، مسند الطيالسي، مسند الروياني، تفسير مجاهد، تفسير ابن أبي حاتم، السنة لعبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل، السنة لابن أبي عاصم، السنة للمروزي، أمالي المحاملي، الشريعة للآجري، المعجم الصغير للطبراني، المعجم الأوسط للطبراني، المعجم الكبير للطبراني، مسند الشاميين للطبراني، طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني، أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني، معجم ابن المقرئ، مشكل الآثار للطحاوي، المطالب العالية لابن حجر العسقلاني، شرح أصول الإعتقد لللالكائي، السنن الواردة في الفتن للداني، السنن الكبرى للبيهقي، معرفة السنن و الآثار للبيهقي. 

و أما المتن فأنقل لكم متنا واحدا يعكس لنا الحكاية و طبعا المتون مختلفة ففي بعض المرويات القصة مختصرة و بعضها مطولة، و هذا الذي ستقرؤونه من مسند الإمام أحمد بن حنبل. - سمعت أبا غالب يقول : لما أتي برءوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق ، جاء أبو أمامة فلما رآهم دمعت عيناه فقال : " كلاب النار ، ثلاث مرات ، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء ، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء". قال : فقلت : فما شأنك دمعت عيناك ؟ قال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام . قال : قلنا : أبرأيك قلت : هؤلاء كلاب النار ، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لجريء بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث قال : فعد مرارا”

لا أظن أني بحاجة لتفصيل ما سبق و ذكر رجال كل رواية من الروايات لأن مدارها على أبو غالب البصري، و يظهر لي والله أعلم بأن الرواية ثابتة عن أبو غالب. أما أبو غالب فقد قال عنه أبو حاتم الرازي: “ليس بالقوي” و قال عنه ابن عدي: “لم أر في أحاديثه حديثا منكرا جدا، و أرجو أنه لا بأس به” و قال عنه النسائي: “ضعيف” و في ميزان الإعتدال للذهبي: “فيه شيء” و قال عنه محمد بن سعد: “منكر الحديث” و قال أبو داود عن يحيى بن معين بأن شعبة وصفه: “تغير عقله” و اختلف البعض فيه مثل الدارقطني: “لا يعتبر به” و مرة يقول: “ثقة”  ولعله قصد أن البعض لا يعتبر به و هو يراه ثقة والله أعلم. قال عنه ابن حبان: “منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج”. و هذا الرجل لم يخرج له البخاري و لا مسلم و لا الإمام مالك وهذه المعلومة فيها من الدلالة ما فيها. فمثل هذا الرجل لا يصح عندي حديثه بما توفر عندي من معلومات و من ثم إن في كثير من المرويات عنه في أسانيدها مقال ثم إن المتن فيه ما فيه من المشاكل و يكفي أن في الرواية أن أبو أمامة سمعه عدة مرات و في البعض الروايات أوصلها إلى سبع مرات فما بال الصحابة لا يروون مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم هو الوحيد الذي حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصّه بهذا الحديث من بين الصحابة! لا يستقيم هذا عند كل دارس للسيرة النبوية والله أعلم. 

الطريق الثاني عن أبي أمامة الباهلي فهو مخرّج أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبو سعيد مولى بني هاشم و هو عبدالرحمن بن عبدالله بن عبيد البصري الملقب بـ”جردقة” عن عبدالله بن بجير بن حمران التميمي (أبو حمران) عن سيار القرشي الأموي عن أبي أمامة الباهلي. أما سيار القرشي الأموي فهو يكاد يكون مجهول الحال ليس له إلا أحاديث يسيرة غريبة عن أبي أمامة و لم يروي عنه هذا الحديث إلا عبدالله بن بجير ثم سيار هذا لم أجد أحدا ينص بأنه سمع من أبي أمامة والله أعلم. و سيار هذا لم يخرج له البخاري ولا مسلم و لا الإمام مالك أيضا فيما أعلم و هو غير سيار بن أبي سيار أبو الحكم العنزي الواسطي الذي أخرج له البخاري. ثم إن سيار هذا فيما قرأت مولى من خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان و هذا يضيف عليه شبهة أيضا. 

أما الطريق الثالث فأيضا مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أنس بن عياض عن صفوان بن سليم عن أبو أمامة الباهلي. مشكلة هذا الطريق صفوان بن سليم، الذي قال عنه أبو داود السجستاني: “لم ير أحدا من الصحابة إلا أبا أمامة و عبد الله بن بسر” و المعروف أنه لم يسمع من الصحابة وكلام أبو داود يفيد المعاصرة لا السماع و هو في رواية الإمام أحمد بن حنبل لم يصرح بالسماع فالحديث إن صح كلامي فهو منقطع من هذا الطريق لا يصح. 

الطريق الرابع مخرّج في “المعجم الكبير” للطبراني عن أحمد بن إبراهيم بن عنبر البصري  و محمد بن الربيع بن شاهين عن أبو الوليد الطيالسي عن بأبو عزة الدباغ و هو الحكم بن طهمان عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي. و هذه الرواية فيه أبو عزة الدباغ و عندنا روايات مختلفة قيلت فيه فمرة ينقل أن ابن معين ضعفه و مرة يقوي أمره. ثم هو تفرد بهذا الحديث عن شهر بن حوشب و من ملاحظة بعض مروياته وجدته أكثر من مرة يتفرد، فهو تفرد في حديث الحجامة عن أبي يزيد المديني و حديث سجود المرأة للرجل و هو جزء من الحديث السابق تفرد به عن أبي يزيد المديني و حديث النهي عن قرب المصلى لمن أكل الثوم فقد تفرد عن معقل بن يسار. ثم إن أصحاب الكتب الستة لم يخرجوا له! و حتى الإمام أحمد بن حنبل قد أخرج له في مسنده ولكنه تجنب أن يخرج هذه الرواية عنه!

الطريق الخامس مخرّج في كتاب “المستدرك” للحاكم عن أبو الحسين بن موسى الحُنيني عن أبو حذيفة النهدي عن عكرمة بن عمار عن شداد بن عبدالله أبي عمار عن أبي أمامة الباهلي. ففي هذه الرواية أبو حذيفة النهدي و هو موسى بن مسعود النهدي. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: “سمعت أبي وذكر قبيصة ، وأبا حذيفة ، فقال : قبيصة أثبت منه حديثا في حديث سفيان ، أبو حذيفة شبه لا شيء ، وقد كتبت عنهما جميعا” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق سيء الحفظ و كان يصحف” و قال ابن حبان: “يخطئ” و قال الترمذي: “يضعف في الحديث” و قال بندار: “ضعيف في الحديث، كتبت عنه كثيرا ثم تركته” و لكن يحيى بن معين يقول عنه هو خير من بندار ومن ملء الأرض مثله كما يروي أحمد بن محمد بن القاسم. و سُئل يحيى بن معين عنه: “لم يكن من أهل الكذب” و كأن في كلامه إشارة أن فيه ضعف ولكنه ليس من أهل الكذب ومثل هذا أيضا عن أحمد بن حنبل سئل عنه أهو من أهل الصدق فقال: “نعم، أما من أهل الصدق فنعم” وكأنه يريد يقول هو من أهل الصدق وليس من أهل الحديث والله أعلم وهذه مجرد ظنون مني لا أستطيع أجزم بذلك. قال الذهبي في الكاشف: “صدوق يصحف”. 

أما عكرمة بن عمار فمعروف الخلاف فيه بين أهل الحديث بين معدل و مجرح. قال أبو حاتم الرازي: “كان صدوقًا ، وربما وهم في حديثه ، وربما دلس” و هو في هذا الحديث عنعنه عن شداد بن عبدالله و لم يصرّح بالسماع. قال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري: “كان كثير الغلط” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق يغلط”. قال صالح بن محمد الأسدي: “كان ينفرد بأحاديث طوال ولم يشركه فيها أحد” و قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش: “كان صدوقا و في حديثه نكرة” و نقل علي بن المديني قول يحيى بن سعيد القطان: “كان يحيى يضعف رواية أهل اليمامة مثل عكرمة بن عمار و ضربه” و البخاري كذلك تجنبه! ثم إن هذا الحديث بهذا المتن تفرد به عكرمة عن شداد بن عبدالله عن أبي أمامة و إنما الحديث معروف عن أبي غالب ولعله سمعه منه و لكن أخطأ في السند والله أعلم. 

أما الطريق السادس و الأخير فيما أعلم ففي تاريخ دمشق لابن عساكر عن الوليد بن مسلم عمن أخبره عن تميم بن مرداس مولى أنيس بن أبي مرثد الغنوي عن أبي أمامة الباهلي. و إليكم النص كما في تاريخ دمشق: “تميم بن مرداس الغنوي مولى أنيس بن أبي مرثد من أهل حمص قيل أنه دخل دمشق وحدث عن أبي أمامة الباهلي روى عنه شيخ للوليد بن مسلم لم يسمه ذكر أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي أخبرنا أحمد بن عمير حدثنا أبو عامر موسى بن عامر حدثنا الوليد قال واخبرني من سمع شيخا من أهل حمص يقال له تميم بن مرداس مولى أنيس بن أبي مرثد الغنوي قال: “جئ برؤوس ناس من الحرورية فنصبت على باب حمص أو دمشق الذي يحدثني يشك قال فرآها أبو أمامة فبكى فقيل له ما يبكيك فقال رحمة لهؤلاء الأشقياء ثم قال شر قبلي تحت ظل السماء كلاب النار لهم مخبثة من أصابها أضلوه ومن أخطأها قتلوه من قتلوه دخل الجنة ومن قتلهم فاز” قال تميم بن مرداس أنا سمعته من أبي أمامة”

آفة هذه الرواية ظاهرة و هو شيخ الوليد بن مسلم و هو مجهول و لم يسمه، ثم إضافة إلى ذلك تميم بن مرداس لم أجد له أية رواية إلا هذه الرواية و لم أجد من يوثقه فهو مجهول الحال. ثم إن هذه الرواية كما ترون لم يثبت فيها أبو أمامة أنه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم! و لكن إن افترضنا بأنه لن يقول مثل هذه الأقوال من غير سماع من النبي صلى الله عليه وسلم فعندنا مشكلة السند. و لا يصح هذا السند لوجود مجهول و مجهول الحال والله أعلم. 


وبهذا أكون انتهيت من عرض جميع المرويات المنسوبة لأبي أمامة الباهلي عن الرسول صلى الله عليه وسلم و قد تبين لكم والله أعلم بأنه لا يصح أي طريق من هذه الطرق. لا طريق أبو أمامة الباهلي و لا طريق عبدالله بن أبي أوفى. أما ما سبب تصحيح بعض المشايخ للحديث فالغالب أنهم صححوا الحديث بسبب المنهجية التي يتبعونها في تصحيح الحديث بالضعيف و يعتبرونه كشاهد والله أعلم، ولعل عندهم علم في الموضوع لم أطلع عليه. فالذي أريد أن أقوله، فيما بين يدي من معلومات لا أرى بأن هذا الحديث يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم، و ما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمن نفسي. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

دراسة حديث - الخوارج كلاب النار - الجزء الأول


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أخصص هذه المشاركة لإبداء بعض ملاحظاتي على الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم: “الخوارج كلاب النار” كثيرا ما أجد الدعاة يستدلون بهذا الحديث لتكفير الخوارج و تكفير كل من وقعت عليه شبهة بأنه خارجي وما إلى ذلك. و أكثر من أجدهم يروون هذا الحديث في مجالسهم و منتدياتهم و مواقعهم هم أولئك المشايخ و طلبة العلم الذين يكررون صباح مساء وليس لهم شغل سوى مدح ولاة الأمر سواء بالحق أو الباطل. و قد ذكرت سابقا بأنك تجد مدحهم لولاة الأمر يفوق ثناؤهم على الله سبحانه و تعالى بل ذكرهم أكثر من ذكر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يليق بأهل العلم و الديانة، طبعا سيقولون لكم بأننا نذكر الله في أنفسنا أو في بيوتنا. ثم إن هؤلاء الذين يُقال عنهم “علماء السلاطين” أو “الجامية” أو ما شابه ذلك، تجدهم ينشرون من سماحة الإسلام و رحمانية الإسلام و أنهم أبعد الناس عن التكفير و أحقنهم لدماء المسلمين، تجد الواحد منهم يتحول إلى وحش أو شيطان ولكن في هيأة إنسان! فما إن يجدون مسلما لم يعجبه أمر ما في موطنه أو في تعامله مع موظف حكومي أو ما شابه ذلك  فاستنكر ذلك إلا و يبدؤون بنغزه و لمزه واتهامه بالباطل أو يسردون أحاديث الطاعة و أحاديث الخوارج و أقوال العلماء في تكفير الخوارج و قتلهم و خاصة إن كان الطرف الآخر من الذين يحسدونهم. و الفتاوى التي خرجت من بعض البلدان العربية في قتل الخوارج و ما إلى ذلك معروفة لديكم و كثير منهم يستدلون بمثل هذا الحديث في الفتوى و تكفير المسلمين. 

أولا أحب أن أقول بأني والله لا أحب السياسة ولا أحب أن أخوض فيها، فإنها تجعل الحليم حيران، و إني والله أظن أن الأمن من أعظم نعم الله علينا فلا ينبغي كفران هذه النعمة لمن كان يتمتع بها، و الحمدلله أني أعيش في دولة مستقرة و آمنة أسأل الله أن يديم الأمن و الآمان في بلادنا و جميع بلاد المسلمين. و ثانيا أنا من الذين لا يؤيدون فكر الخوارج سواء ثبت حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يثبت فإن مفسدة زعزعة الأمن عظيمة و معروفة لدى الناس. لكن في الوقت نفسه أنا إنسان يحب الإنصاف و أسأل الله أن يجعلني منصفا دائما و أبدا فعندما أجد بعض من يُقال لهم الجامية اليوم (لا يقولون عن أنفسهم ذلك و لكن الذين أقصدهم أصحاب توجه فكري معروف) يستغلون الآيات القرآنية و الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم للرد على خصومهم و اشباع رغباتهم من غير مبالاة و تحقيق لما ينقلون، فإني وجدت بعضهم يحاول أن يضعف أي حديث لا يوافق هوى في نفسه و إن كان صحيحا و يصحح أي حديث و إن كان ضعيفا إن وافق الهوى وأسأل الله رب العرش العظيم أن لا يجعلني من هؤلاء و إنا لله و إنا إليه راجعون. 

أما حديث “الخوارج كلاب النار” فإني لا أخفيكم بأني منذ البداية و أشعر بأني أشم من هذا الحديث رائحة السياسة. و “كلاب أهل النار” هذا الوصف لا أدري ما أقول… لا أشعر بأنها لفظة نبوية (مجرد رأي شخصي)، لا أدري لماذا لا أستطيع أن أقبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها (قبولي أو عدم قبولي لا يغير من حقيقة الأمر شيء). يغلب على ظني بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتفوه بحديث فيه دلالة على تكفير من يشهد لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و من يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة، فهذا شيء أستبعده حقيقة ولكن عندنا مرويات تقول خلاف ذلك و ليس عندي سوى التسليم مع حرج في صدري و دعاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلني راضيا بما قضاه الله و رسوله فإني لم أبحث عنها بعد كي أثبت على موقف معين. و للأمانة سألت بعض أهل العلم عن هذا الحديث أكثر من مرة و لكني لا أجد منهم إجابات و إن وجدت من البعض فإنهم ينقلون حكم أهل الحديث من غير تحقيق. فقلت في نفسي لماذا لا أبحث بنفسي في الموضوع… و بعد هذه المقدمات أبدأ بالموضوع الأساسي، سأحاول التركيز على رواية من الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم و هي رواية الصحابي عبدالله ابن أبي أوفى و إن لم أكسل بعد هذا لعلي أبدأ بالبحث عن بقية الطرق. 

أما حديث - “الخوارج كلاب النار” أو “الخوارج كلاب أهل النار” من طريق الصحابي عبدالله بن أبي أوفى فهو مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل و مسند الطيالسي و مصنف ابن أبي شيبه و في السنة لإبن أبي عاصم و السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل و في مسند ابن أبي أوفى ليحيى بن محمد بن صاعد و المستدرك على الصحيحين. و أيضا مخرّج في آمالي المحاملي و معجم ابن الأعرابي و الشريعة للآجري و في شرح أصول الإعتقاد للإمام اللالكائي و في حلية الأولياء و في الأحاديث المختارة للضياء المقدسي. 

لن أسرد أسماء الرجال بالتفصيل فإن هذا يطول ولا أرى حاجة إلى ذلك، و السبب أن جميع هذه المرويات عن عبدالله بن أبي أوفى مروي من طريقين. الطريق الأول من طريق الأعمش عن عبدالله بن أبي أوفى و الطريق الثاني عن حشرج بن نباتة العبسي عن سعيد بن جهمان عن عبدالله بن أبي أوفى. عند اللالكائي صاحب “شرح أصول الإعتقاد” رواية شاذة عن محمد بن عبدالرحمن بن العباس عن عبدالله بن محمد بن عبدالله البغوي عن قطن بن نسير عن عبدالوارث بن سعيد بن ذكوان عن سعيد بن جمهان عن عبدالله بن أبي أوفى. 

الطريق الأول الآفة الأساسية في هذه المرويات رواية الأعمش عن عبدالله بن أبي أوفى، و ذلك لأن المعروف عند العلماء إلا قليل منهم بأن الأعمش لم يسمع من الصحابي عبدالله بن أبي أوفى. قال الإمام أحمد بن حنبل: “لم يسمعه الأعمش من ابن أبي أوفى” و قال أبو حاتم الرازي: “الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى” و قال ابن عدي: “وليس للأعمش عن ابن أبي أوفى إلا حديث الخوارج، رواه إسحاق الأزرق عن الأعمش” قال العراقي: “مرسل” و قال الإمام الخليلي في كتاب الإرشاد: “روى عن ابن ابي اوفى حديثا واحدا قال ابن معين سألت يحيى بن سعيد عنه فكتب عليه إرسال” و في سير أعلام النبلاء للذهبي: “قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه وروى عنه ، وعن عبد الله بن أبي أوفى على معنى التدليس” و من المعاصرين قال الشيخ الألباني: “الأعمش لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى ، وهو إلى ذلك مدلس” و قال الوادعي: “الصحيح أن الأعمش لم يسمع من أبي أوفى” إذا هذا الطريق لا يصح عندي.

الطريق الثاني، عن حشرج بن نباتة العبسي عن سعيد بن جهمان عن عبدالله بن أبي أوفى فلي وقفة كذلك. أولا سعيد بن جهمان، قال عنه أبو حاتم الرازي: “يكتب حديثه ولا يحتج به” و قال أبو داود: “هو ثقة إن شاء الله و قوم يضعفونه” قال البخاري: “في أحاديثه عجائب” و قال الذهبي في الكاشف: “صدوق وسط” و قال الساجي: “لا يتابع على حديثه” و قال النسائي: “ليس به بأس” و لم يخرج له البخاري في صحيحه شيئا فيما أعلم. إضافة إلى وجود سعيد بن جهمان فإن في السند أيضا حشرج بن نباتة و هو أيضا كالذي قبله مختلف فيه، قال البخاري: “لا يتابع على حديثه” و قال أبو حاتم الرازي: “يكتب حديثه و لا يحتج به” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق يهم” و قال أبو زرعة: “واسطي لا بأس به” و قال النسائي: “ليس بالقوي” و قال ابن حبان: “كان قليل الحديث، منكر الرواية فيما يرويه، لا يجوز الإحتجاج بخبره إذا انفرد” و قد انفرد حشرج بروايته عن سعيد بن جهمان! ظلمات بعضها فوق بعض! 


أما الطريق الثالث و الأخير، فكما قلت طريق شاذ و هو عن محمد بن عبدالرحمن بن العباس عن عبدالله بن محمد بن عبدالله البغوي عن قطن بن نسير عن عبدالوارث بن سعيد بن ذكوان عن سعيد بن جمهان عن عبدالله بن أبي أوفى، ففيه قطن بن نسير الذي قال عنه ابن عدي “كان يسرق الحديث و يوصله” و كان يحمل عليه أبو زرعة و قال عنه ابن حجر: “صدوق يخطئ” وبهذا انتهيت من عرض طرق الحديث عن عبدالله بن أبي أوفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن ندعي بأن الحديث صحيح من طريق هذا الصحابي. بقية لنا دراسة مرويات بقية الصحابة لهذا الحديث ولعلي أفعل ذلك في مشاركة قادمة. هذا والله أعلم و أسأل الله لي ولكم التوفيق و السداد، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته….

Tuesday, February 17, 2015

مرويات أبو هريرة - الجزء الثاني


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… قمت من قبل ببحث متواضع عن مرويات أبو هريرة و ذلك اعتمادي على كتاب “بلوغ المرام” للحافظ ابن حجر رحمه الله. و في هذه المشاركة بحث عن مرويات أبو هريرة لكني اعتمدت على كتاب “اللؤلؤ و المرجان فيما اتفق عليه الشيخان” للشيخ محمد فؤاد عبدالباقي رحمه الله. سبب اختياري هذا الكتاب لأنه يعتبر من أصح الكتب عند أهل السنة و الجماعة و السبب أن المؤلف جمع فيه الأحاديث المتفق عليها من قبل إمامي الحديث، الإمام البخاري و الإمام مسلم رحمهما الله. فالكتاب مجموع فيه الأحاديث التي هي في أعلى درجة من درجات الصحة على حسب المتعارف عند أهل الحديث. طبعة الكتاب التي اعتمدت عليها الطبعة الأولى ٢٠٠٤ من طبعة “دار السلام - دار الفيحاء” و عدد الأحاديث في الكتاب ١٩٠٦. 

عملي في هذا البحث هو دراسة الكتاب و إحصاء عدد الأحاديث المستغربة و الأحاديث التي عليها شبهات من خلال منظوري، و هذا لا يعني بأن هذه الشبهات أو الغرابة قد تظهر عند الآخرين فالناس متفاوتون في عقولهم فبالتالي يتفاوتون في الفهم و القبول. ولكن إن كان في الحديث شبهة ما عندي فلا أستبعد أن تكون الشبهة ذاتها عند غيري من المسلمين و غير المسلمين. و لا أدّعي بأن هذه الشبهات ليس عليها ردود بل هناك ردود و يمكن التأويل ولكن أردت أن أختبر نظريتي المذكورة في البحث السابق عن مرويات أبو هريرة. 

كما ذكرت سابقا، عدد أحاديث الكتاب ١٩٠٦ حديث، و عدد الأحاديث التي استغربتها ٥٠٢ حديث. و هذا يعني بأن ٢٦٪ من أحاديث كتاب “اللؤلؤ و المرجان” استغربتها أو فيها شبهة من منظوري الشخصي. و أما تفصيل الـ٥٠٢ حديث فأحاديث الصحابة من غير أبو هريرة ٢٩٨ حديث مستغرب، و أما أحاديث أبو هريرة فـ٢٠٤ حديث مستغرب. فنسبة الأحاديث المستغربة من الصحابة ١٥٪ و نسبة أحاديث أبو هريرة المستغربة ١٠٪ من الكتاب و الحمدلله. و بحسبة بسيطة يتبين لنا بأن نسبة أحاديث أبو هريرة المستغربة من مجموع الأحاديث المستغربة هو ٤٠٪ و هذه النسبة ليست قليلة. و الأغرب من ذلك أن الأحاديث المستغربة التي انفرد بها أبو هريرة فحوالي ١٦٦ حديث و هذا الرقم يمثل ٨١٪ من مرويات أبو هريرة! و هذا أيضا عجيب! 

قد تقول ما الغريب في ذلك؟ بما أن أبو هريرة هو أكثر من روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم و هو حافظ الصحابة فأحاديثه أكثر من الصحابة أمر طبيعي و النسبة بينه و بين نسبة الأحاديث المستغربة من الصحابة نسبة منطقية. نعم اتفق معك في ذلك، و لكن عندما تعلم بأن الأحاديث المستغربة من مجموع الصحابة كثير منها أحاديث في نفس الموضوع هنا الغرابة! فمثلا موضوع الصور، روى الحديث أبو هريرة و لكن أربعة أو خمسة غيره رووا أحاديث الصور أيضا و كذلك حديث اتخاذ الكلب و غيرها من الأحاديث، فهذه الأحاديث لن يتفرد بها أبو هريرة و لكن رواه أربعة من الصحابة أقل أو أكثر. ثم إن الأحاديث المستغربة من الصحابة قليل منها تفرد بها الصحابة، بل هي أحاديث قالها أبو هريرة و شارك في رواية الحديث صحابي غيره. الذي أريد أن أقوله أن كثير من الأحاديث المستغربة من الصحابة شارك في روايتها أبو هريرة، و احتمال أن الصحابة سمعوا الحديث من أبو هريرة كبير جدا، فمنهم من اشتهر عنه بأنه كان يسمع لأبي هريرة. فكون الأحاديث المستغربة ٥٠٢ حديث تفرد بها أبو هريرة بـ١٦٦ حديث أمر غريب جدا! ثم إن هناك أمر آخر، الأحاديث التي استغربتها من الصحابة أحاديث يسهل تأويلها و أحاديث لا تثير الغرابة مقارنة بمرويات أبو هريرة و أي حديث شعرت بأن للسياسة دور اعتبرته و لم أفعل ذلك مع مرويات أبو هريرة، فقد اعتبرت فقط الأحاديث المستغربة و التي يستغربها المسلمون و غيرهم. و من خلال هذا البحث وجدت بأن معظم أحاديث أبو هريرة التي انفرد بها أحاديث غريبة فيها أمور فوق الطبيعة أو كما يُقال باللغة الإنجليزية Super Natural التي سميتها في بحثي السابق بالـ”غيبيات” أو أمور لا يمكن أن تُعرف من غير وحي. 

سأسرد لكم بعض الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة و ستجدون بأن نظريتي السابقة لها اعتبار، عندما أقول انفرد بها أبو هريرة فإني أقصد في كتاب اللؤلؤ و المرجان ولا أقصد في جميع كتب السنة. فقد تجد حديثا من الأحاديث التالية منسوبة لصحابي آخر لكن في كتاب آخر لا في البخاري ولا في مسلم. و الحقيقة بنظرة سريعة وجدت بأن معظم الأحاديث التالية التي نسبت لصحابة آخرين في كتب الحديث لا يخلو أسانيدها من مقال، على كل إليكم بعض الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة و النبيه سيفطن لنمط معين:

“والذي نفسي بيدِه ، ليُوشِكن أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حكمًا مقسطا ، فيكسرَ الصليبَ ، ويقتلَ الخنزيرَ ، ويضعَ الجزيةَ ، ويَفيضَ المالُ حتى لا يقبلَه أحدٌ”

“كيف أنتم إذا نزل ابنُ مريمَ فيكم، وإمامُكم منكم؟”

“إذا استيقظ أحدُكم من منامِه فتوضأَ فليستنشق ثلاثَ مراتٍ فإنَّ الشيطانَ يبيتُ على خيشومِه”

“إنَّ أُمتي يُدعونَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحجَّلينَ من آثارِ الوضوءِ، فمنِ استطاع منكُم أن يُطيلَ غُرَّتهُ فلْيفعل”

“كانتْ بنو إسرائيلَ يَغتَسِلونَ عُراةً ، يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ ، وكان موسى يَغتَسِلُ وحدَه ، فقالوا : واللهِ ما يَمنَعُ موسى أن يَغتَسِلَ معَنا إلا أنه آدَرُ ، فذهَب مرةً يغتسِلُ ، فوضَع ثوبَه على حجَرٍ ، ففَرَّ الحجَرُ بثوبِه ، فخرَج موسى في إثرِه ، يقولُ : ثوبي يا حجَرُ ، حتى نظرَتْ بنو إسرائيلَ إلى موسى ، فقالوا : واللهِ ما بموسى من بأسٍ ، وأخَذ ثوبَه ، فطفِق بالحجَرِ ضربًا”

“ذا نوديَ للصلاةِ ، أدبرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ ، حتى لا يَسمعَ التأذينَ ، فإذا قُضِيَ النداءُ أقبلَ ، حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاةِ أدبرَ ، حتى إذا قُضِيَ التَّثْويبُ أقبلَ ، حتى يَخطِرَ بين المرءِ ونفسهِ يقولُ : اذكُرْ كذا ، اذكُرْ كذا لِما لم يكن يذكُرُ حتى يَظَلَّ الرجلُ لا يدري كمْ صلى”

“كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام الى الصلاةِ ، يُكبِّرُ حين يقومُ ، ثم يُكبِّرُ حين يركعُ ، ثم يقولُ: سَمِعَ اللهُ لمن حمدَه. حين يرفعُ صُلبَه من الركعةِ ، ثم يقولُ وهو قائمٌ: ربنا ولك الحمدُ . قال عبدُ اللهِ: ولك الحمدُ. ثم يُكبِّرُ حين يَهْوي، ثم يُكبِّرُ حين يرفعُ رأسَه ، ثم يُكبِّرُ حين يسجدُ ، ثم يُكبِّرُ حين يرفعُ رأسَه ، ثم يفعلُ ذلك في الصلاةِ كلِّها حتى يَقضيها ، ويُكبِّرُ حين يقومُ من الثنتين بعدَ الجلوسِ”

“إذا قال الإمامُ : سمع اللهُ لمن حمدَه، فقولوا : ربَّنا لك الحمدُ، فإنه من وافق قولُه قولَ الملائكةِ، غُفر له ما تقدم من ذنبهِ”

“إذا قال الإمامُ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين، فإنه من وافقَ قولُه قولَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه.”

“أمَا يخشَى أحدُكُم ، أو ألا يخشَى أحَدُكُم ، إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ”

“إن عفريتًا من الجنِّ تفلَّت البارحةَ ليقطعَ عليَّ صلاتي ، فأمكنني اللهُ منه فأخذتُه ، فأردتُ أن أربطَه على ساريةٍ من سواري المسجدِ حتى تنظروا إليه كلُّكم ، فذكرت دعوةَ أخي سليمانَ : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي } . فرددتُه خاسئًا”

“يَتَعاقَبونَ فيكُم: ملائِكَةٌ بالليلِ وملائِكةٌ بالنهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، ثم يَعْرُجُ الذينَ باتوا فيكُم، فيَسألُهُم وهو أعلَمُ بِهِم: كيفَ تَرَكتُم عِبادي ؟ فيقولون : تَرَكْناهُم وهُم يُصلونَ، وأتَيناهُم وهُم يُصلونَ”

“يَنْزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا ، حينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ ، يقولُ : من يَدعوني فأَستجيبُ لهُ ، من يَسْأَلُنِي فأُعْطِيهِ ، من يَستغفرني فأَغْفِرُ لهُ”

“مَن قامَ رمضانَ إيمَانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”

“يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”

“من اغتسلَ يومَ الجمعةِ غسلَ الجنابةِ ثم راح فكأنما قرَّبَ بَدَنَةً ، ومن راح في الساعةِ الثانيةِ فكأنما قرَّبَ بقرةً ، ومن راح في الثالثةِ فكأنما قرَّبَ كبشًا أقرنَ ، ومن راح في الساعةِ الرابعةِ فكأنما قرَّب دجاجةً, ومن راح في الساعةِ الخامسةِ فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يستمعون الذكرَ”

“فيه ساعةٌ، لا يُوافِقُها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائمٌ يُصلِّي، يَسأَلُ اللهَ تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه”

“قال اللهُ عزَّ وجلَّ : أنفقْ أُنفقْ عليك ، وقال : يدُ اللهِ ملأى لا تغيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلِ والنهارِ . وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماءَ والأرضَ فإنه لم يَغِضْ ما في يدِه ، وكان عرشُه على الماءِ ، وبيدِه الميزانُ يخفضُ ويرفعُ”

“كلُّ سُلامَى من الناسِ عليه صدقةٌ ، كلُّ يومٍ تطلُعُ فيه الشمسُ ، يعدلُ بينَ الاثنينِ صدقةٌ ، ويعينُ الرجلَ على دابتِه فيحملُ عليها ، أو يرفعُ عليها متاعَه صدقةٌ ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ ، وكلُّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاةِ صدقةٌ ، ويميطُ الأذَى عن الطريقِ صدقةٌ”

“ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ : اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا”

“سبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه : الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادةِ ربِّه، ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتَمَعا عليه وتفَرَّقا عليه، ورجلٌ طلَبَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجمالٍ، فقال إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصَدَّق، أخفَى حتى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَتْ عيناه”

“إذا دخل شهرُ رمضانَ فُتِّحَتْ أبوابُ السماءِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهنمَ، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ “

“مَن حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُثْ، ولم يَفسُقْ، رجَع كيومَ ولدَتْه أمُّه”

“على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ ، لا يدخُلُها الطاعونُ ، ولا الدجالُ”

“صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ، إلا المسجدَ الحرامَ”

“إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ، لعنتها الملائكة حتى ترجع”

“المرأة كالضلع ، إن أقمتها كسرتها ، وإن استمتعت بها واستمتعت بها وفيها عوج”

“لولا بني إسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها”

“قال سليمانُ بنُ داودَ : لأطوفَنَّ الليلةَ على سبعينَ امرأةً ، تحملُ كلُّ امرأةٍ فارسًا يُجاهدُ في سبيلِ اللهِ ، فقال لهُ صاحبُهُ : إن شاء اللهُ ، فلم يَقُلْ ، ولم تحملْ شيئًا إلا واحدًا ، ساقطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (لو قالها لجاهدوا في سبيلِ اللهِ) ”

“لعن اللهُ السارقَ ، يسرقُ البيضةَ فتقطعُ يدُه ، ويسرقُ الحبلَ فتقطعُ يدُه”

“أنه سمع رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: (كانت امرأتانِ معهما ابناهما ، جاء الذئبُ فذهب بابنِ إحداهما ، فقالت صاحبتها : إنما ذهب بابنِكِ ، وقالت : الأخرى : إنما ذهب بابنِكِ ، فتحاكمتا إلى داودَ ، فقضى بهِ للكبرى ، فخرجتا على سليمانَ بنِ داودَ فأخبرتاهُ ، فقال : ائتوني بالسكينِ أَشُقُّهُ بينهما ، فقالتِ الصغرى : لا تفعل يرحمكَ اللهُ ، هو ابنها ، فقضى بهِ للصغرى)

“غزا نبيٌّ من الأنبياءِ ، فقال لقومِهِ : لا يَتِّبِعْنِي رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ ، وهو يريدُ أن يَبْنِيَ بها ولمَّا يَبْنِ بها ، ولا أَحَدٌ بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها ، ولا أَحَدٌ اشترى غنمًا أو خَلِفَاتٍ ، وهو ينتظرُ ولادها ، فغزا ، فدنا من القريةِ صلاةَ العصرِ ، أو قريبًا من ذلك ، فقال للشمسِ : إنكِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ ، اللهمَّ احبسها علينا ، فحُبِسَتْ حتى فتحَ اللهُ عليهِ ، فجمعَ الغنائمَ فجاءت - يعني النارَ - لتأكلها فلم تَطْعَمْهَا ، فقال : إنَّ فيكم غُلُولًا ، فليُبَايعني من كلِّ قبيلةٍ رجلٌ ، فلزقتْ يدُ رجلٍ بيدِهِ ، فقال : فيكمُ الغُلُولُ ، فلتُبايعني قبيلتُكَ ، فلزقتْ يدُ رجليْنِ أو ثلاثةٌ بيدِهِ ، فقال : فيكمُ الغُلُولُ ، فجاؤوا برأسٍ مثلِ رأسِ بقرةٍ من الذهبِ ، فوضعوها ، فجاءتِ النارُ فأكلتها ، ثم أحلَّ اللهُ لنا الغنائمَ ، رأى ضعفنا وعجزنا ، فأحلَّها لنا”

“قام فينا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكرَ الغُلُولَ فعظَّمَهُ وعظَّمَ أمْرَهُ، قال : ( لا أُلْفيَنَّ أحدَكُم يومَ القيامَةِ علَى رقَبَتِهِ شاةٌ لها ثُغاءٌ، علَى رَقَبَتِهِ فرَسٌ لهُ حَمْحَمَةٌ، يقولُ : يا رسولَ اللهِ أغِثْني، فأقولُ : لا أملِكُ لك من الله شيئًا، قد أبلَغتُكَ، وعَلَى رقبَتِهِ بعيرٌ لهُ رُغاءٌ، يقول : يا رسولَ اللهِ أغِثْني، فأقول : لا أملِكُ لك شيئًا قد أبلَغتُكَ، وعلى رقبتهِ صامتٌ فيقول : يا رسولَ اللهِ أغِثْني، فأقولُ : لا أملِكُ لك شيئًا قد أبلَغتُكَ، أو على رقبتهِ رِقاعٌ تَخْفِقُ،، فيقول : يا رسولَ اللهِ أغِثْني، فأقول : لا أملِكُ لك شيئًا قدْ بلَغتُكَ) ”

“من أطاعني فقد أطاع اللهَ ، ومن عصاني فقد عصى اللهَ ، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي ، ومن عصى أميري فقد عصانِي”

“كانت بنو إسرائيلَ تسوسهم الأنبياءُ، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنه لا نبيَّ بعدي، وسيكون خلفاءٌ فيكثرون . قالوا : فما تأمرُنا ؟ قال : ( فُوا ببيعةِ الأولِ فالأولِ، أعطوهم حقَّهم، فإنَّ اللهَ سائلُهم عما استرعاهُم) ”

“ يَضحَكُ اللهُ إلى رجلين، يقتُلُ أحدُهما الآخَرَ، يدخُلان الجنةَ : يُقاتِلُ هذا في سبيلِ اللهِ فيُقتَلُ، ثم يتوبُ اللهُ على القاتلِ، فيُستَشْهَدُ”

“بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ ، وجد غصنَ شوكٍ فأخذَهُ ، فشكرَ اللهُ لهُ فغفرَ لهُ”

“إن اليهود و النصارى لا يصبغون فخالفوهم”

“في الحبَّةِ السَّوداءِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ ، إلَّا السَّامُ”

“قرصت نملةٌ نبيًّا من الأنبياءِ ، فأمر بقريةِ النملِ فأُحْرِقت، فأوحى اللهُ إليه: أن قرصتك نملةٌ أحْرَقتَ أُمةً من الأُممِ تُسَبِّحُ”

“بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ ، كاد يقتُلُه العطشُ ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ ، فنزَعَت مُوقَها ، فسَقَتْه فغُفِر لها به”

“قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب الليل والنهار”

“إذا اقترب الزمانُ لم تَكَدْ رُؤْيا المؤمنِ تَكْذِبُ ، ورُؤْيا المؤمنِ جُزْءٌ من ستةٍ وأربَعِينَ جزءًا من النُّبُوَّةِ”

“مَن رآني في المنامِ فسَيَراني في اليقظةِ ، ولا يتمثلُ الشيطانُ بي”

“ما من بني آدمَ مولودٌ إلا يمسُّهُ الشيطانُ حين يُولَدُ ، فيستهِلُّ صارخًا من مسِّ الشيطانِ ، غيرَ مريمَ وابنها ) . ثم يقولُ أبو هريرةَ : ((وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) ”

“اختتن إبراهيمُ عليه السَّلامُ ، وهو ابنُ ثمانينَ سنةً ، بالقَدَومِ”

“نحنُ أحقُّ بالشكِّ من إبراهيمَ إذ قال :((رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) . ويرحمُ اللهُ لوطًا ، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ ، ولو لبثتُ في السجنِ طولَ ما لبثَ يوسفَ ، لأجبتُ الداعي”

“لم يَكْذِبْ إبراهيمُ إلا ثلاثَ كَذِبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ . قولُهُ : ((إِنِّي سَقِيمٌ)) . وقولُهُ : ((بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)) . وقال : بينا هو ذاتَ يومٍ وسارةُ ، إذ أتى على جبارٍ من الجبابرةِ ، فقيل لهُ : إنَّ هاهنا رجلًا معهُ امرأةٌ من أحسنِ الناسِ ، فأرسلَ إليهِ فسألَهُ عنها ، فقال : من هذهِ ؟ قال : أختي ، فأتى سارةَ فقال : يا سارةُ ليس على وجهِ الأرضِ مؤمنٌ غيري وغيركِ ، وإنَّ هذا سألني فأخبرتُهُ أنكِ أختي ، فلا تُكَذِّبِينِي ، فأرسلَ إليها ، فلمَّا دخلت عليهِ ذهب يَتناولها بيدِهِ فأُخِذَ ، فقال : ادعي اللهَ ولاأضرُّكِ ، فدعتِ اللهَ فأُطْلِقَ . ثم تَناولها الثانيةَ فأُخِذَ مثلها أو أشدَّ ، فقال : ادعي اللهَ لي ولا أضرُّكِ ، فدعتْ فأُطْلِقَ ، فدعا بعضَ حجبتِهِ ، فقال : إنكم لم تأتوني بإنسانٍ ، إنما أتيتموني بشيطانٍ ، فأخدمها هاجرَ ، فأتتْهُ وهو يُصلِّي ، فأومأَ بيدِهِ : مَهْيَا ، قالت : رَدَّ اللهُ كيدَ الكافرِ ، أو الفاجرِ ، في نحرِهِ ، وأخدمَ هاجرَ”

“أُرسِلَ ملكُ الموتِ إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءهُ صَكَّهُ، فرجعَ إلى ربهِ، فقال : أرسَلْتني إلى عبدٍ لا يُريدُ الموتَ، فردَّ اللهُ عليه عيْنَهُ، وقال : ارجع، فقُلْ له يضعُ يدَهُ علَى متْنِ ثورٍ،فلهُ بكلِّ ما غطَّت بهِ يدُهُ بكلِّ شعرةٍ سنةٌ. قال : أيْ ربِّ، ثم ماذا ؟ قال : ثم الموتُ . قال : فالآن، فسأل الله أن يُدْنِيَهُ مِن الأرضِ المُقَدَّسةِ رميةً بحجرٍ . قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكُم قبرَهُ، إلى جانبِ الطَّريقِ، عندَ الكَثيبِ الأحمَرِ”

“صلى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبحِ ، ثم أقبَلَ على الناسِ فقال : بَيْنَا رجلٌ يَسُوقُ بقرةً؛ إذ ركِبَها فضَرَبَها ، فقالت : إنا لم نُخْلَقْ لهذا ؛ إنما خُلِقْنَا للحرثِ . فقال الناسُ : سبحانَ اللهِ بقرةٌ تكَلَّمَ ؟! فقال: فإني أُومِنُ بهذا أنا وأبو بكرٍ وعمرُ - وما هما ثَمَّ - وبينما رجلٌ في غَنَمِه؛ إذ عدا الذئبُ فذهَبَ منها بشاةٍ ، فطلَبَ حتى كأنه استَنْقَذَها منه ، فقال له الذئبُ هذا : استَنْقَذْتُها مني ، فمَن لها يومَ السَّبُعِ ، يوم لا راعيَ لها غيري . فقال الناسُ : سبحانَ اللهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ ؟! قال: فإني أُومِنُ بهذا أنا وأبو بكرٍ وعمرُ . وما هما ثَمَّ”

“إنكم تزعمون أن أبا هريرةَ يُكثرُ الحديثَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واللهُ الموعدُ، إني كنتُ امْرَأً مسكينًا، ألزمُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلُهم الصَّفقُ بالأسواقِ، وكانت الأنصارُ يشغلُهم القيامُ على أموالِهم، فشهِدتُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، وقال: من يبسُطْ رداءَه حتى أقضيَ مقالتي، ثم يَقْبِضْه، فلن ينسى شيئًا سمعَه مني. فبسطتُ بُردةً كانت عليَّ، فوالذي بعثَه بالحقِّ، ما نسيتُ شيئًا سمعتُه منه”

“ما زلتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثلاثٍ، سمعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول فيهم، سمعته يقول : ( هم أشدُّ أُمَّتي علَى الدَّجَّالِ) . قال : وجاءت صدَقاتُهُم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( هذه صدقاتُ قومِنا ) . وكانت سَبِيَّةٌ منهم عِندَ عائشةَ فقال : (أعْتِقيها فإنها من ولدِ إسماعيلَ) ”


“لم يتكلمْ في المهدِ إلا ثلاثةٌ : عيسى ، وكان في بني إسرائيلَ رجلٌ يقالُ له جريجٌ ، كان يصلّي ، جاءتْه أمُّه فدعتْه ، فقال : أجيبُها أو أصلّي ، فقالت : اللهمَّ لا تمتْه حتى تريَه وجوهَ المومساتِ ، وكان جريجُ في صومعتِه ، فتعرضتْ له امرأةٌ وكلمتْه فأبى ، فأتتْ راعيًا فأمكنتْه من نفسِها ، فولدتْ غلامًا ، فقالتْ : من جريجٍ ، فأتوه فكسروا صومعتَه وأنزلوه وسبوه ، فتوضأَ وصلّى ثم أتى الغلامَ ، فقال : من أبوك يا غلامُ ؟ قال : الراعي ، قالوا : نبني صومعتَك من ذهبٍ ؟ قال : لا ، إلا من طينٍ . وكانت امرأةٌ ترضعُ ابنًا لها من بني إسرائيلَ ، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارةٍ ، فقالتْ : اللهمَّ اجعلْ ابني مثلَه ، فترك ثديها وأقبل على الراكبِ ، فقال : اللهمَّ لا تجعلْني مثلَه ، ثم أقبل على ثديها يمصُّه - قال أبو هريرةَ : كأني أنظرُ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يمصُّ إصبعَه - ثم مرَّ بأمةٍ ، فقالتْ : اللهمَّ لا تجعلْ ابني مثلَ هذه ، فترك ثديها ، فقال : اللهمَّ اجعلْني مثلَها ، فقالتْ : لم ذاك ؟ فقال : الراكبُ جبَّارٌ من الجبابرةِ ، وهذه الأمةُ يقولون : سرقتِ ، زنيتِ ، ولم تفعلْ”

“خلق اللهُ الخلقَ ، فلما فرغ منه قامَتِ الرَّحِمُ ، فقال : مَه ، قالت : هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعةِ ، فقال : ألا تَرضَينَ أن أَصِلَ من وصلَكِ ، وأقطعَ مَن قطعكِ ؟ قالت : بلى يا ربِّ ، قال : فذاك. قال أبو هريرةَ : ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)) “ 

“اللَّهُمَّ فأيُّما مؤمنٍ سَببتُه ، فاجعَل ذلِك لَه قربةً إليكَ يومَ القيامةِ”

“إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى إذا أحَبَّ عبدًا نادى جِبريلُ إنَّ اللهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبَّه فيُحِبُّه جِبريلُ ثم يُنادي جِبريلُ في السماءِ إنَّ اللهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبُّوه فيُحِبُّه أهلُ السماءِ ويوضَعُ له القَبولُ في أهلِ الأرضِ”

“احتجَّ آدمُ وموسى ، فقال له موسى : يا آدمُ أنت أبونا خيَّبْتَنا وأخرَجْتَنا من الجنةِ ، قال له آدمُ : يا موسى اصطفاك اللهُ بكلامِه ، وخطَّ لك بيدِه ، أتلومُنِي على أمرٍ قدَّرَه اللهُ عليَّ قبلَ أن يخلُقَنِي بأربعين سنَةً ؟ فحجَّ آدمُ موسى ، فحجَّ آدمُ موسى . ثلاثًا “

“إن اللهَ كتب على ابنِ آدمَ حظَّه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالةَ ، فزنا العينِ النظرُ ، وزنا اللسانِ المنطقُ ، والنفسُ تتمنى وتشتهي ، والفرجُ يصدقُ ذلك كلَّه أو يكذبُه”

“يقول اللهُ تعالَى : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكَرَنِي ، فإن ذَكَرَنِي في نفسِه ذكرتُه في نفسي ، وإن ذكَرَنِي في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٌ منهم ، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا ، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا ، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرْولةً”

“إن للهِ تسعةً وتسعين اسمًا ، مائةً إلا واحدًا ، مَن أحصاها دخلَ الجنةَ”

“إنَّ للهِ ملائكةً يطوفون في الطُّرُقِ يلتمسون أهلَ الذِّكرِ ، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ تنادَوْا : هلُمُّوا إلى حاجتِكم . قال : فيحُفُّونهم بأجنحتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا ، قال : فيسألُهم ربُّهم ، وهو أعلمُ منهم ، ما يقولُ عبادي ؟ قال : تقولُ : يُسبِّحونك ويُكبِّرونك ويحمدونك ويُمجِّدونك ، قال : فيقولُ : هل رأَوْني ؟ قال : فيقولون : لا واللهِ ما رأَوْك ، قال : فيقولُ : وكيف لو رأَوْني ؟ قال : يقولون : لو رأَوْك كانوا أشدَّ لك عبادةً ، وأشدَّ لك تمجيدًا وأكثرَ لك تسبيحًا ، قال : يقولُ : فما يسألونني ؟ قال : يسألونك الجنَّةَ ، قال : يقولُ : وهل رأَوْها ؟ قال : يقولون : لا واللهِ يا ربِّ ما رأَوْها ، قال : يقولُ : فكيف لو أنَّهم رأَوْها ؟ قال : يقولون : لو أنَّهم رأَوْها كانوا أشدَّ عليها حِرصًا ، وأشدَّ لها طلبًا ، وأعظمَ فيها رغبةً ، قال : فممَّ يتعوَّذون ؟ قال : يقولون : من النَّارِ ، قال : يقولُ : وهل رأَوْها ؟ قال : يقولون : لا واللهِ يا ربِّ ما رأَوْها ، قال : يقولُ : فكيف لو رأَوْها ؟ قال : يقولون : لو رأَوْها كانوا أشدَّ منها فِرارًا ، وأشدَّ لها مخافةً ، قال : فيقولُ : فأُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم . قال : يقولُ ملَكٌ من الملائكةِ : فيهم فلانٌ ليس منهم ، إنَّما جاء لحاجةٍ . قال : هم الجُلساءُ لا يشقَى بهم جليسُهم”

“من قال : سبحان اللهِ وبحمدِه ، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ ، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ”

“إذا سمِعتُم صِياحَ الدِّيَكَةِ فاسأَلوا اللهُ من فضلِه ، فإنها رأَتْ ملَكًا ، وإذا سمِعتُم نَهيقَ الحمارِ فتعوَّذوا باللهِ منَ الشيطانِ ، فإنه رأى شيطانً”

“لما قضى اللهُ الخلقَ كتب في كتابِه ، فهو عنده فوقَ العرشِ : إنَّ رحمتي غلبتْ غضَبي”

“جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جزءٍ . فأمسك عنده تسعةً وتسعين . وأنزل في الأرضِ جزءًا واحدًا . فمن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلائقُ . حتى ترفعُ الدابةُ حافرَها عن ولدِها ، خشيةَ أن تصيبَه”

“إنَّ عبدًا أصاب ذنبًا ، وربما قال : أذنب ذنبًا ، فقال : ربِّ أذنبتُ ، وربما قال : أصبتُ ، فاغفِرْ لي ، فقال ربُّه : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثم مكث ما شاء اللهُ ثم أصاب ذنبًا ، أو أذنب ذنبًا ، فقال : ربِّ أذنبتُ - أو أصبتُ - آخر فاغفِرْه ؟ فقال : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثم مكث ما شاء اللهُ ، ثم أذنب ذنبًا ، وربما قال : أصاب ذنبًا ، قال : قال : ربِّ أصبتُ - أو قال : أذنبتُ - آخرَ فاغفِرْه لي ، فقال : أعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثلاثًا ، فليعملْ ما شاء”

“لو آمَنَ بي عَشرةٌ منَ اليهودِ لآمنَ بيَ اليهودِ”

“خلق اللهُ آدمَ على صورتِه ، طولُه ستونَ ذراعًا ، فلما خلقه قال : اذهبْ فسلِّمْ على أولئكَ ، نفرٍ من الملائكةِ ، جلوسٍ ، فاستمعْ ما يُحيُّونك ، فإنها تحيتُك وتحيَّةُ ذريتِك ، فقال : السلامُ عليكم ، فقالوا : السلامُ عليك ورحمةُ اللهِ ، فزادوه : ورحمةُ اللهِ ، فكلُّ من يدخلُ الجنةَ على صورةِ آدمَ ، فلم يزلْ الخلقُ ينقصُ بعدُ حتى الآنَ”

“نارُكم جزءٌ من سبعينَ جزءًا من نارِ جهنَّمَ . قيل : يا رسولَ اللهِ ، إن كانتْ لكافيةً ، قال : فُضِّلَتْ عليهنَّ بتسعةٍ وستينَ جزءًا ، كلُّهنَّ مثلُ حَرِّها “

“تحاجَّتِ الجنَّةُ والنَّارُ فقالتِ النَّارُ أوثرتُ بالمتَكبِّرينَ والمتجبِّرينَ وقالتِ الجنَّةُ فما لي لا يدخلني إلَّا ضعفاءُ النَّاسِ وسَقَطُهم وغِرَّتُهم قال اللَّهُ للجنَّةِ إنَّما أنتِ رحمتي أرحمُ بِك من أشاءُ من عبادي وقالَ للنَّارِ إنَّما أنتِ عذابي أعذِّبُ بِك من أشاءُ من عبادي ولِكلِّ واحدةٍ منكما ملؤُها فأمَّا النَّارُ فلا تمتلئُ حتَّى يضعَ اللَّهُ تبارَك وتعالى رجلَه تقولُ قَطْ قَطْ قَطْ فَهنالِك تمتلئُ ويزوي بعضُها إلى بعضٍ ولا يظلِمُ اللَّهُ من خلقِه أحدًا وأمَّا الجنَّةُ فإنَّ اللَّهَ ينشِئُ لَها خلقًا”

“ما بين منكبَيِ الكافرِ مسيرةُ ثلاثةِ أيَّامٍ للرَّاكبِ المُسرِعِ”

“لا تقومُ الساعةُ حتى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ ، فَيَكونُ بينَهما مقْتَلَةٌ عظِيمةٌ ، دَعْوَاهُما واحدةٌ”

“يُوشكُ الفراتُ أن يحسرَ عن كنزٍ من ذهبٍ ، فمن حضرَه فلا يأخذَ منه شيئً”

“لا تقومُ الساعةُ حتى تخرجَ نارٌ من أرضِ الحجازِ ، تضيءُ أعناقَ الإبلِ ببُصْرَى”

“لا تقومُ الساعةُ حتى تضطربَ ألَيَاتُ نساءِ دَوْسٍ على ذي الخَلَصَةِ”

“يُخَرِّبُ الكعبةَ ذو السُّوَيقَتَينِ من الحبشةِ”

“لا تقومُ الساعةُ، حتى يَخرُجَ رجلٌ من قَحطانَ، يَسوقُ الناسَ بعَصاه”

“لا تقومُ الساعةُ حتى تقاتلوا قومًا نِعالُهم الشعرَ ولا تقومُ الساعةُ حتى تقاتلوا قومًا كأنَّ وجوهَهم المجَانُّ المُطْرَقَةُ”

“يُهْلِكُ الناسَ هذا الحيُّ من قريشٍ . قالوا : فما تأمرُنا ؟ قال : لو أنَّ الناسَ اعتزلُوهم”

“لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يُبعَثَ دجَّالونَ كذَّابونَ قريبٌ من ثلاثينَ . كلُّهم يزعمُ أنَّهُ رسولُ اللَّه”

“التثاؤبُ من الشيطانِ، فإذا تثاءب أحدُكم فليردَّه ما استطاع”

“فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت ، وإني لا أراها إلا الفأر ، إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب ، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت . فحدثت كعبا فقال : أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله ؟ قلت : نعم ، قال لي مرار ، فقلت : أفأقرأ التوراة ؟”

“لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين”

كما لاحظتم، معظم الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة أحاديث فوق الطبيعة كما ذكرت سابقا أو أحاديث بحاجة إلى وحي و أمور غيبية. ثم إن كثيرا من هذه الأحاديث إما ما يشبه روايات الإسرائيليات و إما في الترغيب أو الإرجاء و بعضها في النبوؤات بخلاف أحاديث بقية الصحابة التي ينفردون بها. ثم إن الملاحظ في الأحاديث التي ذكرتها سيلاحظ معظم هذه الأحاديث كانت السبب في الخلافات الحاصلة بين المسلمين قديما و حديثا. أحاديث العقيدة مثل حديث نزول الرب سبحانه و تعالى و ضحكه وأنه هو الدهر و ما إلى ذلك من الأحاديث كانت منشأ الخلاف بين أهل السنة من أهل الحديث و الأشاعرة و المعتزلة و الخوارج و أيضا كانت منشأ خلاف بين الشيعة و ما تفرع منها من فرق. 

و أيضا كثير من هذه الأحاديث يسبب قلقا لكثير من المسلمين في وقتنا العاصر و كان يسبب قلقا مع غير المسلمين، و كثير من هذه الأحاديث كانت محل النزاع بين المرجئة و الخوارج أو الوعيدية، و جماعة القرآنيون اليوم يردون السنة النبوية جملة وتفصيلا و السبب غالبا أنهم أنكروا بعض هذه الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة و أنا شخصيا قرأت لكثير منهم سواء من الإخوة في مصر أو الإخوة في الهند فإنهم يردون جميع الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب انكارهم لبعض هذه الأحاديث المذكورة. و طائفة من المسلمين اليوم يعتمدون على هذه الأحاديث و ربطها بالواقع أو توقعات المستقبل فمرة يقولون بأن أوباما سيهدم الكعبة و مرة يقولون بأن الحي من قريش حي بني أمية و مرة يقولون سينزل عيسى عليه السلام في هذه الأيام و هكذا. و كثيرون اليوم يؤمنون بنظرية المؤامرة على القرآن و نشر الأحاديث عندما تفتش في أسباب هذه النظرية تجد أنهم إما يعتمدون على مرويات ضعيفة أو بعض المرويات الغريبة التي انفرد بها أبو هريرة أو كتب التاريخ المختلفة التي لا تكون ثابتة عند النقد العلمي الصحيح و أنا شخصيا من الذين لا يؤمنون بنظرية المؤامرة أو خيانة الصحابة، نعم أقول بأن بعض الأحاديث تشعر بأنها من نتاج السياسة وقتها و لكن ليس الغالب و لا النصف حتى. بل حتى عقلاء المسلمين اليوم يعتمدون على بعض هذه الأحاديث لدعم نظرية علمية معينة أو نظرية فكرية معينة. و أيضا كم من الفرق المنتسبة إلى الإسلام كانت نشأتها مبنية على بعض هذه المرويات، و المثال الأكبر القاديانية، فإنهم آمنوا بالمسيح المنتظر بناء على مرويات إما ضعيفة أو بعض المرويات الغريبة التي رواها أبو هريرة و غيره، كل ما ذكرت من نتائج الغلو و العجلة و تفصيل ذلك يطول.

الذي أريد أن أقوله بأن الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة أحاديث لا يطمئن نفسي إلى صحة ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم. شخصيا لا أدري ما سبب هذا الإختلاف في أحاديث أبو هريرة، هل هو من قبل أبو هريرة نفسه أم أحد الرواة الذين ينسبون لأبي هريرة؟ لا أدري والله لأن هذا الموضوع بحاجة إلى بحث كبير جدا و ذلك لأنه يجب علينا أن ندرس أسانيد الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة، فإن كان الرواة هم أنفسهم الذين ينقلون المرويات الأخرى فلعل المشكلة من أبو هريرة نفسه، و إن كان رواة الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة غير رواة بقية الأحاديث فهنا لابد أن ندرس جميع مرويات كل راو في سلسلة السند و هذه العملية شاقة جدا و ليست سهلة و بحاجة إلى عقل جبار. وإذا أضفنا ما قيل أو يعرف عن أبو هريرة فإن نسبة عدم الإطمئنان في مروياته ستزداد. 

أما أبو هريرة نفسه فأفردت مؤلفات لدراسة شخصيته فالبعض يترجم له و يدافع عنه و البعض يترجم له و ينتقده و البعض يدعي بأنه متآمر و ما إلى ذلك. يمكنكم الرجوع إلى أقوالهم في كتبهم التي يؤلفونها لكن لا بأس من سرد بعض الأمور التي يغلب على ظني صحتها. أولا اختلفوا في اسمه فهناك حوالي 30 قولا أو أكثر فقط في اسمه و هذا لن تجده مع أي صحابي آخر. قال صاحب المشكاة: “قد اختلف الناس في اسم أبي هريرة ونسبه اختلافا كبيراً، وقد غلبت عليه كنيته حتى نُسي الاسم الأصلي، لأنه قد أُختلف فيه كثيراً، ومن ضروب التخمين الجزم باسمه الحقيقي” و لهذا نجد عدة مرويات منسوبة له في  سبب كنيته. ثم إن هذا الرجل لا نكاد نجد معلومات عن نشأته و ما إلى ذلك من المصادر الموجودة بين أيدينا و هذا قد يدعو البعض إلى ادعاء بأنه شخصية وهمية اخترعها البعض لنشر الأحاديث فصدق الناس بعضهم بعضا و قام كل واحد بتأليف هذه الروايات و ينسبونه لهذه الشخصية الوهمية. كذلك يمكن أن يقولوا ولكن كل هذا لا يمكن الجزم به ولا الإعتماد عليه فإن هذا حصل مع كثير من الصحابة، ولكن للأمانة الإختلاف في اسمه لم يحدث مع أي صحابي آخر و لكن متى كان الإختلاف في الإسم يجعل الشخص شخصية وهمية، و متى كان قلة المعلومات تؤدي إلى انكار وجود الشخص.

ثم إن الناس ذكروا في بداية مقدمه و إسلامه أنه في السنة السابعة من الهجرة النبوية و ذلك اعتمادهم على مرويات منسوبة له انفرد بها. و ذكرت في المشاركة السابقة في معرض بحثي عن حديث: “أوتيت القرآن و مثله معه” بأن الإمام مالك و الإمام الزهري قالا بأن غزوة خيبر كانت في محرم من السنة السادسة و الله أعلم. و كثيرون الذين حاولوا تعليل كثرة مروياته عن بقية الصحابة اعتمادا على أحاديث انفرد بها أبو هريرة من دعاء النبي له أو أن النبي صلى الله عليه وسلم التمس في أبو هريرة حرصه على الحديث أو ما شابه ذلك و هذا أمر لا يصلح. لأن الشاهد عليه لابد أن يأتي من الخارج، شخص آخر يثبت ما يثبته أبو هريرة لنفسه، فإن لم يكن ذلك فهذا أمر لن يدفع الشبهة عنه مهما حاولنا فماذا إذا أضفنا بأن ما قيل عنه من الصحابة أو ما اشتهر من موقف الصحابة معه يدل على عكس ذلك؟ نعم هناك مرويات منسوبة للصحابة في اثبات ذلك ولكن فيها مشاكل.

قال محمود أبو رية في كتابه: “شيخ المضيرة أبو هريرة” : “يتبيّن ممّا ذكرنا آنفاً: أنّ أبا هريرة قدم من بلاده على النبيّ وهو بخيبر سنة 7 هـ، وأنّ النبيّ بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين بعد منصرفه من الجعرانة، بعد أن قسّم مغانم حنين، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة 8 هـ، وبذلك تكون مدّة إقامته بجوار النبيّ عريفاً لأهل الصفة، تبتدئ من شهر صفر سنة 7 هـ، وتنتهي في شهر ذي القعدة سنة 8 هـ، وإذا حسبناها وجدنا أنّها لا تزيد على سنة واحدة وتسعة أشهر فقط” فإن صح ما قاله المؤلف فإن هذا أيضا يثير الإستغراب وذلك لكثرة مرويات أبو هريرة، فيصعب أن يكون سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكني في الحقيقة أقول بأن المشكلة في المبالغة في مرويات أبو هريرة و عند التحقيق يتبين بأن مروياته أقل بكثير مما قيل في مروياته والله أعلم. على كل لابد و أحد القولين أصح من الآخر. 

لا أدري إن قال ذلك أحد قبلي و لكني في الحقيقة في بحث عن مصداقية صحبته و لم أجد من ذكر شيئا في هذا الموضوع سوى صاحب كتاب “أكثر أبو هريرة” و كأن الوالد أو غيره (لا أذكر من) حكى لي بأن هناك اختلاف ولكني لم أجد الإختلاف في الكتب فلعله قرأ شيئا لم أقرأه، أقصد هل هو فعلا صحابي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه من التابعين؟ أعرف أن هذا القول جعل شعور أبدان البعض تقف ولكن مهلا أيها القراء ولا تتعجلوا باصدار الأحكام. أولا كما ذكرت الخلاف في مسألة مقدمه على الرسول صلى الله عليه وسلم ومقارنة بتاريخ وفاته في الروايات فإن بدراسة بسيطة يظهر لكم عدة مشاكل. وهنا يحسن بي نقل دراسة قام بها مؤلف كتاب: “أكثر أبو هريرة” ليتبين لكم الإشكال الوارد في مسألة مقدمه و وفاته مما بدوره سيجعلنا نبحث في صحبة أبو هريرة.

روى الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن رباح: “سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإنّ الوالي لَغيرُك، فدعه - يعني: حين أرادوا دفن الحسن مع رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) - ولكنّك تدخل في ما لا يعنيك; إنّما تريد بها إرضاء من هو غائب عنك - يعني: معاوية ــ.فأقبل عليه مروان مغضباً، وقال: يا أبا هريرة! إنّ الناس قد قالوا: أكثر الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) ، وإنّما قدم قبل وفاته بيسير!فقال: قدمت - والله - ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتّى توفّي، أدور معه في بيوت نسائه, وأخدمه، وأغزو وأحجّ معه، وأصلّي خلفه ; فكنت والله أعلم الناس بحديثه. وروى الذهبي في نفس المصدر السابق عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة، قال: “اللّهمّ لا تدركني سنة ستّين”، فتوفّي فيها، أو قبلها بسنة. قال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة. وله بالمدينة دار، تصدّق بها على مواليه، ومات سنة تسع وخمسين وله ثمان وسبعون سنة، وهو صلّى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، قال: وهو صلّى على أمّ سلمة في شوال سنة تسع وخمسين.قلت: الصحيح خلاف هذا. “وتبعاً لهذه الروايات التي بنى عليها أصحاب التاريخ والرجال تراجمهم, يتبيّن أنّ أبا هريرة إنّما أسلم بعد الثلاثين من عمره بسنوات - أي: ما يتراوح بين ثلاث وتسع سنوات - فيكون إسلامه بين الثلاث والثلاثين والتسع والثلاثين من عمره, وكانت وفاته على عمر ثمان وسبعين سنة, وهو ما يفيد أنّ المدّة بين إسلامه ووفاته تتراوح بين خمس وأربعين وتسع وثلاثين سنة, بينما تبيّن الروايات الأُخرى المتحدّثة عن سنة وفاته أنّها كانت بين سنة سبع وخمسين وسنة ستين, فإذا نقصنا منها المدّة بين إسلامه ووفاته والتي تتراوح بين خمس وأربعين سنة وتسع وثلاثين, نتج لدينا أنّه إنّما أسلم - في أحسن الأحوال - بعد وفاة النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) بما يزيد على السنة, ويصل إلى عشر سنوات...وهو ما يفيد أنّ أبا هريرة إنّما أسلم في الفترة الممتدة بين السنة الثانية عشرة والسنة الحادية والعشرين للهجرة, فإذا علمنا أنّ الرواية المحدّدة لعمره عند وفاته بثمان وسبعين سنة, قد حدّدت سنة وفاته كذلك بسنة تسع وخمسين للهجرة, وهو ما يضيّق دائرة الاحتمال بأربع سنوات, ممّا يفيد أنّه أسلم بين السنة الرابعة عشرة والسنة العشرين للهجرة.”

أقول إن صحت هذه الدراسة فأن إسلامه كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم إن الناس اعتمدوا على صحبته بسبب مروياته التي تثبت بأنه صحابي و عاش مع الرسول صلى الله عليه وسلم و دعا له و ما إلى ذلك و لكن قلت قلت سابقا في هذه المدونة بأن هذه المرويات انفرد بها أبو هريرة. فإن كان من طريق غير طريق أبو هريرة فالغالب ستجد أن هناك مشكلة في السند وما عليك إلا أن تبحث لتجد كلامي صحيح إن شاء الله. ثم إن أبو هريرة اشتهر أمره في خلافة عمر بن الخطاب وبعده و هذا مما يعضد نتيجة العملية الحسابية المذكورة سابقا، أما قبل ذلك فلا يكاد يُعرف. و أيضا لم أجد أحد من المهاجرين و الأنصار الكبار يثبتون صحبته ولم أجده في مواقف كثيرة من المواقف المهمة! فإن صح ما قال عنه نفسه بأنه غزا و كان يصلي معه و ما إلى ذلك فإن ظهوره سيتكرر خاصة أنه كان على حسب كلامه عن نفسه ملازما للرسول صلى الله عليه وسلم. و هذا بخلاف بقية الصحابة كأبو بكر و عمر و عثمان و علي و ابن مسعود وعائشة أم المؤمنين و غيرهم من الصحابة الذين تجدهم باستمرار في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم و هذا أمر غريب ولكن هل يحتمل عقلا؟ نعم يحتمل…

كتب الذهبي في ترجمة أبو هريرة في كتابه سير أعلام النبلاء ما يلي: “حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا طيبا مباركا فيه لم يلحق في كثرته وعن أبي وأبي بكر وعمر وأسامة وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصرة وكعب الحبر” و يبتين لنا من الترجمة أن كعب الأحبار لم يروي عن أبو هريرة. و في ترجمة كعب الأحبار في نفس الكتاب (سير أعلام النبلاء) نجد قول الذهبي في ترجمته: “هو: كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلامة، الحبر، الذي كان يهوديا، فأسلم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم - وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر -رضي الله عنه - فجالس أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم - فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة.وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء.حدث عن: عمر، وصهيب، وغير واحد.حدث عنه: أبو هريرة، ومعاوية، وابن عباس، وذلك من قبيل رواية الصحابي عن التابعي، وهو نادر عزيز.” و كعب هذا من التابعين وقال عنه معاوية كما في صحيح البخاري: “إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب” ولكن بالرغم من ذلك نجد بعض الصحابة يروون عنه. ثم إن كثيرا من الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة أحاديث معنعنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فاحتمال أنه أخذها من كعب وارد و الأخير حمل هذه الأحاديث من صحابي آخر، و لكن السؤال أين هي أحاديث كعب المأخوذة من الصحابة كعمر و صهيب في هذه المواضيع؟ فالذي أريد أن أقوله هذه المرويات التي تثبت حفظه وملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم و إن كانت تدل على صحبته فإنها عند المحققين و لو من طرف خفي تدل على عدم صحبته للأسباب المذكورة و لنفس الأسباب التي ذكرتها في بحثي عن صحبة: “المقدام بن معد يكرب الكندي” و الله أعلم. 

أخرج الإمام أبو زرعة الدمشقي في تاريخه و الإمام ابن كثير في تفسيره و ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء - سعيد بن عبد العزيز: عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن يزيد، "سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو لألحقنك بأرض دوس. وقال لكعب (أي كعب الأحبار): لتتركن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة" وأظن بأن المعلمي ضعف الحديث ولكن العلامة شعيب الأرناؤوط قال هذا اسناد صحيح والحقيقة معروفة ما عليك إلا البحث في كتب التاريخ و سيصعب عليك أن تجد كتاب تاريخ معني في هذه المواضيع ليس فيه ذكر انكار عمر رضي الله عنه وللأمانة بعض هذه المرويات غير صحيحة ولا يمكن الإعتماد عليها لمشاكل في الإسناد مثل رواية محمد بن عجلان وغيره. ولعل بعض تلك المرويات لها دافع سياسي من الإطاحة بعمر أو التشكيك في عدالة أبو هريرة وهذا غير مستبعد للخلافات المذهبية المعروفة بين الشيعة و أهل السنة. 

وهنا يرد علينا سؤال، لماذا أنكر عمر بن الخطاب؟ بغض النظر عن الأسباب فإن جميعها تدل على مشكلة عند عمر بن الخطاب أو مشكلة عند أبو هريرة ولابد. ولا يعرف عن أحد من الخلفاء الأربعة أنه عين أبو هريرة مستشارا أو حتى بعث من يسأله في حديث معين، فإن كانت الأحاديث التي قيلت في حفظه صحيحة و أن الصحابة كانوا يعلمون ذلك لما ترددوا لحظة من الإستفادة من علمه في مسائل كبيرة اختلف فيها الصحابة! فكيف لم يفعلوا ذلك، فهذا أيضا يدل على تقصير من أحد الطرفين أو قلة علم ولابد! ولهذا السبب الإخوة الشيعة يبغضون عمرا رضي الله عنه لأنهم يظنون بأنه منع أبو هريرة من نشر السنة النبوية ولعل الواقع الحفاظ على السنة النبوية و لكن للأسف الغلو و العجلة من أساسيات اصدار الأحكام الجائرة. و من عجيب أمرهم أنهم يروون عن علي بأنه صرح بأن أبو هريرة أكذب الخلق و يقدحون في عمر لمنعه من التحديث!

ثم إن العلماء ذكروا أسبابا لإنكار عمر رضي الله عنه ولكني لن أتطرق إليها, ولكني أحب أن أنقل لكم ما كتبه الذهبي في سير أعلام النبلاء: "هكذا هو كان عمر -رضي الله عنه- يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره ، فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم، وعدالتهم، وعدم الأسانيد، بل هو غض لم يشب، فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا، مع طول الأسانيد، وكثرة الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون -والله- الموضوعات، والأباطيل، والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد - نسأل الله العافية -.فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغر المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه، جان على السنن والآثار، يستتاب من ذلك، فإن أناب وأقصر، وإلا فهو فاسق، كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع، وإن هو لم يعلم فليتورع، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته - نسأل الله العافية - فلقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتبى على الفقهاء، وأهل الكلام." فهذه الأمور تدل الباحث على أن تسرّب الأحاديث الضعيفة أو حتى الموضوعة إلينا عن طريق الثقات والعدول أمر وارد. 

قال البخاري وابن كثير وغيرهما من العلماء أن كثيرا ما كان أبو هريرة رضي الله عنه يجالس كعب الأحبار فيحدثان بعض وكان الواحد منهم يحدث عن الآخر فيوهم بعض الرواة فيرفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وتجد هذا النقد على رواية مسلم التي أخرجها في صحيحه بأن "الله خلق التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال...) الحديث و نفس الحديث تم نقده من قبل جماعة من العلماء رحمهم الله جميعا. و كما ذكرت سابقا بأن أبو هريرة حمل (العلم) عن كعب الحبر (كما هو مذكور في سير أعلام النبلاء) و أما الذين رووا عن أبو هريرة رضي الله عنه فقد قال العلماء أكثر من 800 إنسان

أخرج ابن كثير رحمه الله في كتابه: "البداية والنهاية" من طريق مسلم بن الحجاج، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن مروان بن محمد بن حسان الدمشقي، عن الليث بن سعد، عن بكير بن الاشج عن بسر بن سعيد، قال: "اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة، فيحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" و أورده الذهبي في كتابه: "سير أعلام النبلاء" و قال عنه العلامة شعيب الأرناؤوط "هذا سند صحيح" فبهذا الحديث نعلم بأن الأحاديث وإن كان السند صحيحا قد يدخل في المتن ما ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن بذل العلماء جهدا لتبيين ذلك لكن الحق يقال فإنهم لم يستوعبوا ذلك. و في الحقيقة من يقرأ أحاديث أبو هريرة التي انفرد بها يجدها تشبه ما يروى عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه. ثم إن هناك روايات كثيرة فيها قدح في مرويات أبو هريرة لكني أتجنب ذكرها لأن كثير منها لا يصلح للاستشهاد لضعف الأسانيد بل بعضها لم أجد لها إسنادا. فمن تلكم الروايات التي لا تسلم من شبهة و خلل في الإسناد ما رواه أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدّثني فطر بن خليفة، عن أبي خالد الوائلي، قال: “سمعت عليّاً يخطب وهو يقول: أكذب الأحياء على رسول الله أبو هريرة الدوسي ـ وفي لفظ: إلاّ إنّ أكذب الناس على رسول الله” فإن ثبتت الرواية عن علي بن أبي طالب فهذا يوضح لنا حال أبو هريرة من منظور علي بن أبي طالب ولكن هيهات هيهات. و هناك روايات أخرى منسوبة لعلي بن أبي طالب في ذم أبو هريرة أو موقف لعلي يدل على أنه ليس أهلا للثقة و كذلك عن عثمان بن عفان و غيرهم فمن أراد المزيد ما عليه ألا قراءة كتب التاريخ أو كتب الشيخ محمود أبو رية فإنه جمع الكثير من هذه المرويات التي لا يكاد يكون لها وزن عند التحقيق العلمي.  

أما اكثار أبو هريرة من الحديث فمعروف حتى إن البخاري أورد رواية فيها دلالة على اكثار أبو هريرة منها حديث ابن عمر: حدث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول: "من تبع جنازة فله قيراط " فقال : أكثر أبو هريرة علينا ، فصدقت يعني عائشة أبا هريرة ، وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فقال ابن عمر رضي الله عنهما : "لقد فرطنا في قراريط كثيرة " فهذا يدل على أن إكثاره كان معروفا و كأن في الرواية أن ابن عمر يتأكد من أم المؤمنين عائشة فصدقته وقالت ما قالت و الظاهر أن هذه الحادثة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم و في زمن صغار الصحابة. و في رواية أن ابن عمر بعث إلى عائشة يسألها، فإن كان أبو هريرة دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ و أنه من الصحابة العدول فما بال ابن عمر لا يطمئن لمروياته حتى يبعث إلى عائشة، و كأنه بهذا الفعل يقيم رواية أبو هريرة بمقارنة روايته مع رواية من ثبتت عنده صحبتها و هذه هي الطريقة التي يجب أن نتعامل معها مع هذه المرويات الغريبة.

و من الأحاديث التي تدل على كثرته في الرواية ما ذكره البخاري في صحيحه من قول أبي هريرة، قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يتلو ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى)) إلى قوله: ((الرحيم)) إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون” فالحديث هذا يصور لنا ردة فعل المجتمع من مرويات أبي هريرة زمن روايته هذه. مما يدل على أن الصحابة أو التابعين نقموا عليه ذلك، ثم إن كلام أبو هريرة بحاجة إلى وقفة! هل فعلا هذا كان الموقف العام من المهاجرين و الأنصار؟ ماذا عن ملازمة بعض الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، وماذا عن أبو بكر و عمر الذين اشتهرا بأنهما وزيرا النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا عن علي بن أبي طالب الذي كان قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم و لم يعرف عنه أنه كان ينشغل بالتجارة بل زاهدا في الدنيا، بل إن أبو هريرة ذكر عن نفسه بأنه كان أجيرا وبالرغم من ذلك حصل كل هذا الوقت ليجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يعقل أن هؤلاء لم يحصلوا بسبب انشغالهم أو قصروا في الطلب أو ما شابه ذلك! للأمانة العلمية أقول نعم يعقل ذلك و لكنه بعيد والله أعلم.

و أيضا روى ابن كثير رحمه الله في كتابه "البداية والنهاية" قال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمر أو عثمان بن عروة عن أبيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام قال: "قال لي أبي الزبير: أدنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة - فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب ,صدق، كذب. قال: قلت يا أبه ما قولك: صدق كذب ؟ قال: يا بني أما أن يكون سمع هذه الاحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أشك، ولكن منها ما يضعه على مواضعه، ومنها ما وضعه على غير مواضعه" و الجزء الأخير من الحديث فيه خلاف بين بعض الفقهاء في المذاهب الأخرى. ويروى عن الصحابي الجليل عمران بن الحصين رضي الله عنه: "إني سمعت كما سمعوا، وشاهدت كما شاهدوا، ولكنهم يحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم." و أحب أن أنوّه بأ الكذب عند العرب قد يعني الخطأ أو الغلط, فالصحابة في بعض هذه المرويات لم يتهموا أبو هريرة أو غيرهم بأنهم يكذبون ويفترون ولكن الخطأ وارد منهم والله أعلم.

ثم إني في الحقيقة كنت أجد حرجا أني أنا الوحيد الذي لاحظت بأن في مرويات أبو هريرة التي انفرد بها نظر، و ذلك لكثرة ما يكرره طلاب العلم من حولي أني أخالف أئمة الحديث و العلماء وكل من سبقني و ما إلى ذلك أو أن أقوالي أشبه بأقوال الشيعة في أبو هريرة و ما إلى ذلك بالرغم من أن معظم كلامي مأخوذ من كتب أهل السنة. و الحمدلله بعد بحث وجدت بعض الروايات المنسوبة للتابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله. فمن ذلك قال شريك: عن مغيرة، عن إبراهيم (أي النخعي) قال: “كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة” . و روى الأعمش عن إبراهيم (النخعي) كذلك قوله: “ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة”  وهناك رواية أخرى أيضا عن إبراهيم النخعي - قال الثوري: عن منصور، عن إبراهيم قال: “كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئا، وما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة، إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار، أو حث على عمل صالح، أو نهي عن شرٍ جاء القرآن به.” 

أقول الحمدلله على قول إبراهيم النخعي، لأنه يدل هذا أن الرواة رحمهم الله قد وجدوا الذي وجدته، فلست أول من يقول بأن في مرويات أبو هريرة شيء! ولعلهم استغربوا الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة و ستجدون كثيرا من الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة هي من الأخبار و الغيبيات و الترغيب (الإرجاء). ثم إن هذا القول عن إبراهيم النخعي معروف عند أهل السنة، قال ابن كثير رحمه الله في كتابه “البداية و النهاية” : “وقد قال ما قاله إبراهيم طائفة من الكوفيين” فالذي أريد أن أقوله بأنه هذه الملاحظة كانت موجودة في ذاك الزمن بخلاف ما يقوله الناس لي اليوم بأنه ليس أحد من أهل السنة يقول بقولي و حتى لو لم يقل أحد قبلي فهذا لن يمنعني من النطق به ولكن إخواننا عرّفوا منهجية في العلم فهم بها مستمسكون، ومثل هذه المرويات ستخفف وقعة كلامي عليهم. 

و أما أئمة المذاهب ففي كتاب “مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول” لأبي شامة المقدسي (شهاب الدين عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي” رحمه الله رواية منسوبة لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن أبي حنيفة أنه قال: “أُقلّد من كان من القضاة من الصحابة: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والعبادلة الثلاثة، ولا أستجيز خلافهم برأيي، إلاّ ثلاثة نفر، وفي رواية: أُقلّد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي إلاّ ثلاثة نفر: أنس بن مالك، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب.فقيل له في ذلك؟! فقال: أمّا أنس، فاختلط في آخر عمره، وكان يفتي من عقله، وأنا لا أُقلّد عقله؛ وأمّا أبو هريرة، فكان يروي كلّ ما سمع من غير أن يتأمّل في المعنى، ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ” موضع الشاهد أن أبو حنيفة لم يكن يقبل مروياته (على الأقل) في الأحكام و السبب أنه يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى. ولعل هذا الكلام صحيح من أبي حنيفة إن نحن أثبتنا صحة رواية “خلق السماوات و الأرض” المروية من طريق أبو هريرة في صحيح مسلم. و هناك رواية أيضا منسوبة لأبي حنيفة: “والصّحابة كلّهم عدول ما عدا رجالا، ثم عدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك” ولا أستبعد أن يقول أبو حنيفة مثل ذلك فقد نسب إليه بأشد من ذلك بأسانيد. الغريب في الأمر أني في بداية المشاركة ذكرت الأحاديث المستغربة فوجدت أن أبو هريرة أكثرهم في رواية الغرائب و بعده يأتي أنس بن مالك! ولعل أبو حنيفة رحمه الله لاحظ هذه الغرابة في بعض هذه الأحاديث ولذلك كان يقلل من شأنها أو لا يأبه بها. 

في كتاب “الجرح و التعديل” لابن أبي حاتم أن أبو حنيفة كان يحدث الحديث ثم بعد أن يفرغ منه يقول: “هذا الذي سمعتم كله ريح وباطل” فإما أنه أمين و يعترف بضعفه في علم الحديث و إما أنه يقصد الأحاديث و الأرجح الثاني و ذلك لأنه لم يعرف عنه الكذب و قول ابن معين في مصداقية أبو حنيفة معروفة فقد قال عنه: “هو أنبل من أن يكذب”. فإن كان كما يقول أهل العلم بأنه كان يعترف بأنه ليس ضابطا للحديث فما باله يحدث و هو يعلم ضعفه فيه؟ و عمل أبو حنيفة هذا إن أخذنا قولهم يدل على أن أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي لا يتبع المنهجية العلمية الذي يكرره طلاب العلم اليوم من أهل السنة. و يروى عن الأوزاعي و كان شديدا على أبي حنيفة قوله: “إنا لننقم على أبي حنيفة أنه كان يجيء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيخالفه إلى غيره” ويغلب على ظني أنه حدث مع أبو حنيفة كما يحدث معنا اليوم، فإننا ننكر ثبوت بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيتهموننا بأننا نرد على الرسول صلى الله عليه وسلم و لا نبالي بكلامه و هذا كذب قبيح و طريقة سقيمة في التفكير و اتهام بالباطل و إنا لله و إنا إليه راجعون. 

أما الإمام مالك في الموطأ فأنه تجنب الكثير من الروايات التي انفرد بها أبو هريرة و ما عليكم إلا بقيام مقارنة ليتبين لكم ذلك. قد تقولون بأن الإمام مالك لم يشأ أن يذكر الأخبار و اختصص بالسنن العملية و هذا و إن كان صحيحا فإنه روى أخبارا و بعض غيبيات أبو هريرة مثل نزول الله سبحانه وتعالى ولكنه قليل جدا مقارنة بما نجده في كتاب صحيح البخاري و صحيح مسلم و كلنا نعلم بأن كتاب الإمام مالك أقدم منهما بحوالي نصف قرن أو أكثر. أما عند الشيعة فهناك مرويات منسوبة للإمام جعفر الصادق في ذمه و هناك مرويات منسوبة لأئمة المعتزلة في عدم تعديله أو قبول روايته (أي أبو هريرة) مثل النظّام و الإسكافي ولكن هذه المرويات بحاجة إلى تحقيق فبعض منها ليس لها إسناد أصلا والله المستعان.

و عندنا حديث في صحيح مسلم سبب لي حيرة كبيرة و هو حديث الخلق. الحديث كالتالي و هو من غرائب أبو هريرة، قال: “أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيدي فقال " خلق اللهُ ، عزَّ وجلَّ ، التُّربةَ يومَ السبتِ . وخلق فيها الجبالَ يومَ الأحدِ . وخلق الشجرَ يومَ الاثنَينِ . وخلق المكروه يومَ الثلاثاءِ . وخلق النورَ يوم َالأربعاءِ . وبثَّ فيها الدوابَّ يومَ الخميسِ، وخلق آدمَ ، عليه السلامُ ، بعد العصرِ من يومِ الجمعةِ . في آخرِ الخلقِ . في آخرِ ساعةٍ من ساعاتِ الجمعةِ . فيما بين العصرِ إلى الليل”. هذا الحديث فيه إشكالية كبيرة و هو أنه يدل أن الله خلق الخلق في سبعة أيام و المعروف عندنا قرآنيا بأنه خلق في ستة أيام. ومهما افترضنا من احتمالات بأن هذا اليوم غير معتبر أو كذا و كذا فإن الحديث سيكون فيه مخالفة صارخة للقرآن الكريم و لتعرف ذلك ما عليك إلا قراءة بداية سورة فصّلت. و الحقيقة من يقرأ الحديث قراءة صحيحة لا يفهم من ظاهره إلا بأن المراد سبعة أيام لأنه عدد الأيام، السبت، الأحد، …الخ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: “هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم” 

و قد تكلم في الحديث أئمة في الحديث منهم الإمام البخاري و شيخه علي بن المديني و جعلوه من أحاديث كعب الأحبار و لم يرفعوه، ويروى أن البخاري قال: “معلول و الصحيح أنه من قول كعب” و رواية أخرى: “قال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب هو أصح” و أنا اتفق مع البخاري رحمه الله لولا تصريح أبو هريرة. و بناء على قول البخاري ضعف الحديث عدد من كبار أهل العلم كابن تيمية و ابن القيم و من المعاصرين ابن عثيمين رحمهم الله و ذلك لملاحظة الإشكال في المتن و لكن الألباني صحح الحديث ولعله اعتمد في حكمه على السند فقط أو أن مسلم أخرجه. لكن هل هذه هي المشكلة الوحيدة في الحديث؟ لا أيها الإخوة، فالمشكلة أكبر، و ذلك لتصريح أبو هريرة بسماع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم، و نفهم ذلك من قوله: “أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيدي” فهذا تصريح واضح منه. فلا أدري ما أقول، هل كذب أبو هريرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم به غفلة شديدة لا يكاد يعرف ماذا يخرج من رأسه، أم أن الإمام مسلم فيه غفلة شديدة فلم يدر ما الذي أخرجه في صحيح، أم أن رواة الحديث وهم ثقات كذبوا هذه الكذبة أو أخطؤوا هذا الخطأ الفاحش، أو أن البخاري وغيره من أئمة الحديث فيهم غفلة فلم يلاحظوا التصريح، أم أن نسخة صحيح مسلم المنتشرة فيها أخطاء متعمدة أو أخطاء غير مقصودة لكنها قوية أو ماذا، فأحلى هذه الإحتمالات مرة! ومهما حاولنا أن نتمحّل لن نصل إلى نتيجة يستسيغها الكل والله أعلم. أما إن ثبت هذا الخبر عن أبو هريرة فنحن أمام مصيبة، قال السمعاني: "من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه” وأما إن كان وهما بهذه الشدة فأيضا يحتاط من مروياته و لعل لذلك يروى عن أبو حنيفة إن صح قوله: “ فكان يروي كلّ ما سمع من غير أن يتأمّل في المعنى” و الله أعلم. 

و هناك رواية أخرى أيضا محيرة في صحيح البخاري و هو من مرويات أبو هريرة: “أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول . تقول المرأة : إما أن تطعمني ، وإما أن تطلقني ، ويقول العبد أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : اطعمني إلى أن تدعني . فقالوا : يا أبا هريرة ، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، هذا من كيس أبي هريرة “ و في رواية عند الإمام أحمد: “إن أفضل الصدقة ما ترك غنى، تقول امرأتك أطعمني وإلا طلقني ويقول خادمك اطعمني وإلا فبعني، ويقول ولدك إلى من تكلني؟ قالوا: يا أبا هريرة هذا شيء قاله رسول الله أم هذا من كيسك، قال بل هذا من كيسي” قد تقولون بأن لا مشكلة في الحديث ولكن في الواقع هناك مشكلة. المشكلة الأولى أن الناس في ذلك الوقت كانوا يعلمون أن من أبو هريرة إما أحاديث سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم و إما أحاديث من كيسه ولكنه في البداية يرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

أيها الإخوة إني أعلم ما قيل في الإجابة على هذه الشبهة و أن الحديث في واقع الأمر يدل على نزاهة أبي هريرة على حد زعمهم وذلك لأنه اعترف بأنه من كيسه. و الذي هو من كيسه هو قوله: “تقول المرأة : إما أن تطعمني ، وإما أن تطلقني ، ويقول العبد أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : اطعمني إلى أن تدعني” ولكن هذا لا يسلّم لهم، أولا لأنه كما قال الشيخ حسن المالكي و بعض الشيعة بأنه لا يعرف أحدا غير أبو هريرة سُئل مثل هذا؟ فأين تجد عند ابن عمر أو ابن عباس أو غيرهم من الصحابة: “أم هذا من كيسك؟” لا تكاد تجد أحدا سُئل كما سُئل هو، فبمجرد ورود هذا السؤال فيه دليل أن مروياته لم تكن محل اطمئنان عند القوم ولهذا كانوا يتأكدون (هذا إن جعلنا احتمال السؤال هو للتأكد، فالإحتمال أنهم سألوه ذلك تهكما وارد بل قوي جدا).

الأمر الثاني أن أبو هريرة لم يفصل بين كلامه و كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من ظاهر الرواية، بل لم يصرح بأنه من كيسه إلا بعد أن سُئل، فإن كان من كيس أبي هريرة فهل يصح أن يرفعها للرسول صلى الله عليه وسلم؟ و للإجابة على هذا الإشكال قالوا بأن المقصود آخر جزء من الحديث ولكن كما قلت لم يُفصل بين كلامه و كلام الرسول. و هنا للشيخ حسن المالكي كلام في محله أحب أن أنقله: “وإذا قصد أبو هريرة أن المراد بما هو من كيسه هو آخر الحديث لا أوله، فهو لم يفصل عندما رواه، وإنما سرده سرداً واحداً، ولم يبين المدرج لو حصل، والحديث عند أبي داود [ جزء 1 - 525 ] من نفس طريق الأعمش ( وهو طريق البخاري)، مع بتر قصة كيس أبي هريرة! وقد رواه الشاميون بدون الكيس، فهل إخفاء من أخفى الكيس هو حماية منه لأبي هريرة من هذا الاعتراف؟! أم أن من زاد الكيس (كالبخاري وأحمد) هم المخطئون في الرواية؟!”

فهذه الرواية المذكورة تبين لنا حال أبو هريرة، إما أنه قد يزيد في الحديث ولا يُبين إلا بعد أن يُسأل، و إما أنه يزيد في الحديث من كيسه و كلا الأمرين خطير. ثم إنه على فرض أن السائل في الحديث لم يسأله تهكّما فهذا يدل على أنه خفي عليه إضافة أبو هريرة على الحديث ولم يستطع أن يميز إلا بعد أن كشف ذلك أبو هريرة و هذا يعاصره و يسمع منه الحديث مباشرة، فما بالكم بالمسلمين اليوم؟ ماذا لو أدرج أبو هريرة في حديثه أقوالا من كيسه، كيف يمكننا أن نتأكد؟ لابد من المقارنة ولكن عندما نبدأ بالمقارنة لقالوا لنا مثل ما يرددون دائما بأن النبي دعا له بالحفظ وما إلى ذلك و بهذا نكون في دوامة والله المستعان. 

وُصف أبو هريرة بالتدليس من قبل بعض علماء الحديث و التاريخ وهذا معروف عند أهل العلم، و التدليس أن يروي الراوي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه و لهذا قيل عن التدليس بأنه أخو الكذب و كره بعض المحدثين التدليس ولم يعتبروه. و هذا الفعل إن جاء من صحابي فإنهم يسمونه الحديث المرسل و قبلوه و احتجوا به و ذلك بسبب نظرية عدالة الصحابة التي يتبناها أهل السنة. وأما عن رأيي الشخصي عن الحديث المرسل فأرجو أن تعودوا لما كتبته في مدونتي عن حديث مرسل الصحابي. و لنفترض أنني قبلت الحديث المرسل، ولكن ينبغي أن يُحتاط مع أبو هريرة و ذلك لأنه كما قيل عنه بأنه روى عن كعب الأحبار فماذا لو هو أخفى اسم كعب الأحبار؟ و كعب الأحبار من التابعين فمروياته عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ثابتة. و أما إن قلت بأن كعب روى الحديث عن صحابي آخر فلابد من دليل و خاصة أن كعب ابتلوا عليه الكذب كما قاله معاوية في الخبر الذي ذكرته سابقا. 

و من الأحاديث التي تدل على ذلك حديث افطار الجنب المعروف: - مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام أنه سمع ابا بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبد الرحمان وذهبت معه، حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال عبد الرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد على رسول الله أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة، قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعراق، فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمان وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر له ذلك، فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر” 

وبما أن بعض أهل العلم قالوا بأن أبو هريرة لم يرفع الحديث وإنما أفتى من عنده بما سمعه من غيره أعقب على كلامهم ببعض الملاحظات، فإ كلامهم بحاجة إلى نظر. أولا إن لم يرفعه فلماذا هذا الإصرار من مروان على سؤال عائشة لدرجة أنه أقسم. و الأمر الآخر ما بال أبو هريرة يفتي من عنده و ليس عنده علم من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فإن قيل بأنه أخذه من أحدهم بأن الرسول أخبره فهذا يدل أن هناك أناسا يروون عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرويات غير موثوقة! وإن كان أبو هريرة و هو من هو في الحفظ كما تقولون فكيف لنا نحن أن نميز الخطأ الوارد فيمن يروي الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق لنا إلا مروياتهم. ثم إن هناك روايات تدل على خلاف ما يذهبون إليه، منها ما أخرجه النسائي في كتابه: “السنن الكبرى” الحديث كالتالي: 

أخبرنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا بشر بن شعيب ، قال : حدثني أبي ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر ، أنه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح ، قال : فلقيت أبا هريرة حين أصبحت فاستفتيته في ذلك فقال : أفطر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد "كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا" قال عبد الله بن عبد الله : فجئت عبد الله بن عمر فذكرت له الذي أفتاني به أبو هريرة ، فقال : أقسم بالله لئن أفطرت لأوجعن متنيك صم ، وإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل” و في رواية أخرى عند الطبراني: “أقسم بالله لئن أفطرت لأوجعن جنبيك” فهذا الحديث يدل بأن أبو هريرة صرح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. و يدل أيضا أن ابن عمر لم يثق بحفظ أبو هريرة في هذا الحديث، وإلا لما كان يتوعد صاحبه الذي ذكر له قول أبو هريرة بأنه سيوجعه.

و هناك رواية أخرى عند النسائي في السنن الكبرى ما يثبت بأنه كان يحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكني للآمنة لست مطمئنا لسند الحديث ولكني أذكره لمن يعتبر مثل هذه المرويات كشاهد - أخبرنا أحمد بن عثمان ، ومعاوية بن صالح ، قالا : حدثنا خالد قال : حدثنا يحيى وهو ابن عمير ، قال سمعت المقبري يقول : كان أبو هريرة ، يفتي الناس أنه من يصبح جنبا فلا يصم ذلك اليوم ، فبعثت إليه عائشة : لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ، " فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من أهله ثم يصوم” فهذه الرواية تدل أن أبو هريرة كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والشاهد قول عائشة: “لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا” و هذا ظاهر والحمدلله.

أما اتهام أبو هريرة بالكذب من الصحابة فليس عندي في الحقيقة حديث صحيح أو رواية صحيحة منسوبة لأحد الصحابة أستطيع أن أعتمد عليها من غير شبهة، فإما الأحاديث في اتهامه بالكذب ضعيفة أو أن المقصود بالكذب “أخطأ” و ذلك تعرفه من السياق. و هناك حديث اتهم نفسه بالكذب سيأتيكم خبره، و الحقيقة من بحث في كتب التاريخ و ما إلى ذلك وجد خلاف ذلك في مدحه و توثيقه وزهده و ورعه و ما إلى ذلك، صحيح كانوا يستغربون أحاديثه و ينكرونها و يردونها أحيانا و يغلظون عليه لكن الاتهام بالكذب الصريح فلا أدري عن شخص بعينه ولكن كمجموعة نعم. و هو مثل كعب الأحبار إلا أن الأخير عليه اتهامات تجرح مصداقيته بخلاف أبو هريرة فإن ما يجرح مصداقيته يفهم من المرويات بطريقة غير مباشرة هذا ولهذا أخالف كل من محمود أبو رية صاحب كتاب: “أضواء على السنة النبوية” و مصطفى صادق الرافعي في أنه متهم بالكذب (الكذب على حسب المتعارف عندنا اليوم بين العامة) ولعلهم قالوا ذلك لأنهم اعتمدوا على رواية علي بن أبي طالب بأنه أكذب الناس أو الأحياء على رسول الله صلى الله عليه وسلم و كما قلت بأني لا أطمئن إلى هذه الرواية المنسوبة لعلي بن أبي طالب من ناحية الثبوت. 

من الروايات التي يمكن للبعض أن يستدل بها على كذب أبو هريرة ما رواه مسلم في صحيحه عن أبو هريرة قوله: “ألا إنكم تُحِدِّثون أني أكذبُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لتَهتدوا وأَضِلُّ . ألا وإني أشهدُ لسمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: “إذا انقطع شِسْعُ أحدِكم ، فلا يمشِ في الأخرى حتى يُصلِحَها” فهذه الرواية تدل بأن أناسا كانوا يتهمون أبا هريرة بالكذب، و لكن من هم لا أدري، هل من بينهم الصحابة أم فقط التابعين و أتباع التابعين؟ الله أعلم بذلك فلا أستطيع أن أجزم بذلك. فإن كان الذين اتهموه من الصحابة فهذا يسبب إشكالا كبيرا لأهل السنة، إذ كيف يتهمون صحابيا بالكذب و هم على حد زعمهم أن الصحابة كلهم عدول! فإن هم فعلوا ذلك فإما نظرية عدالة الصحابة باطلة وإما أن أبو هريرة صادق و هم تعجلوا في اتهامه ولم يتبعوا تعاليم القرآن و إما أن أبو هريرة كذب و بهذا نظرية عدالة الصحابة باطلة و إما أن الناس لم يكونوا يعتبرون أبو هريرة من الصحابة فلهذا شككوا في أمانته و مصداقيته  وإني أعلم كل هذه الإحتمالات لن يعجب كثير من أهل الحديث و لعل هناك إحتمالات أخرى والله أعلم و طبعا احتمال كونهم من غير الصحابة و هو صحابي أيضا وارد و لكن المقصد من هذه المرويات إثبات أن مروياته كانت محل نظر عند الناس في زمنه. 

ثم إن هناك رواية لا أكاد أجد أحدا يذكرها و لكنها بحاجة إلى تحقيق، والرواية في تاريخ دمشق في قصة دفن الحسن بن علي عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن محرز بن جعفر عن أبيه (موضع الشاهد من الحديث) قال مروان بن الحكم: “إنّك قد والله أكثرت على رسول الله الحديث فلا نسمع منك ما تقول، فهلمّ غيرك يعلم ما تقول: قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري، قال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله حين لا يرويه إلاّ أنت وأبو سعيد، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلاّ غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله (رحمهما الله) بيسير، فاتّقِ الله يا أبا هريرة، قال: قلت: نِعْمَ ما أوصيت به، وسكت عنه” و بما أن بعض أهل السنة يعتبرون مروان بن الحكم صحابي فهذا رد عليهم، فإن كان الصحابة كلهم عدول وما إلى ذلك فما بال مروان بن الحكم لا يقبل روايته بل ولا يقبل مع رواية صحابي آخر؟ و إن كان تابعيا و صح فيه (آي في مروان بن الحكم) قول القاضي أبو بكر بن العربي: “مروان رجل عَدْلٌ من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، أما الصحابة فإن سهل بن سعد الساعدي روى عنه، وأما التابعون فأصحابه في السنن، وإن كان جازهم باسم الصحبة في أحد القولين، وأما فقهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار خلافته، والتَّلَفُّت إلى فتواه، والانقياد إلى روايته، وأما السفهاء من المؤرخين والأدباء فيقولون على أقدارهم, الخليفة مروان بن الحكم من حكماء بني امية” فإن كان تابعيا و هو كما وصفه ابن العربي رحمه الله فما بال تمرده على مرويات أبو هريرة و أبو سعيد الخدري! هذا والله أمر عجيب! ثم عدم رد أبو هريرة فيه من الدلالة ما فيه والله أعلم إن كانت هذه الرواية صحيحة أم لا أو ما قيل في مروان بن الحكم صحيح أم باطل والله المستعان. 

في كتاب “المستدرك” للحاكم من طريق  خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن عائشة : أنها دعت أبا هريرة ، فقالت له : يا أبا هريرة ، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي، هل سمعت إلاّ ما سمعنا ؟ وهل رأيت إلاّ ما رأينا ؟ قال : يا أماه ، إنه كان يشغلك ، عن رسول الله المرآة والمكحلة ، والتصنع لرسول الله، وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء” فإن صح هذا الحديث فهذا يدل أن عائشة أم المؤمنين الفقيهة كانت تستنكر أحاديث أبو هريرة و هذا الإستنكار يدل على أنه كان يأتي بأحاديث غير معهودة، الثاني أن عائشة إن كانت تؤمن بنظرية عدالة الصحابة فإنا خالفت عمل أهل الحديث و العلماء من أهل السنة و إلا لو كانت كما هم لوثقت بأحاديثه و لم يدخل الشك أو الاستنكار في قلبها حتى تدعوه و تقول ما تقول. وربما فعلت ذلك لأنها كانت تعتبر أبو هريرة من التابعين أو لسبب آخر. ثم إن هذا الحديث فيه غرابة، هل فعلا ما وصف أبو هريرة كان حال أم المؤمنين عائشة و هي التي عاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه السنوات وكانت قريبة منه؟ وألم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثها في بيته أم أنه كان في بيته إما يصلي و إما نائما أو يأكل أو يقضي حاجته من عائشة؟ بالتأكيد ليس هذا فقط فإن بعض الأحاديث تثبت أنها تكون معه عند وجود الضيف و تكون معه في سفراته أحيانا وما إلى ذلك. ثم ما بال بقية الصحابة الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم منذ البداية؟ كل هؤلاء يروون الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم و عاشوا معه لم يستطيعوا أن يجمعوا شيئا من أحاديث أبو هريرة الذي إن افترضنا لازم الرسول صلى الله عليه وسلم سنتين أو ثلاث؟ وما بال كل هذه الأحاديث من الصحابة أنهم كانوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم أو في مجلسه أو في غزوة أو حتى عند قضاء حاجة فلا نجدهم يقولون و كان معه أبو هريرة! فلماذا الإستنكار من أم المؤمنين إن كانت أحاديثه تشبه أحاديث بقية الصحابة؟ لا شك أن في أحاديثه غرابة و إني أظن والله أعلم بأنه إن ثبتت هذه المرويات التي نقلتها من كتاب “اللؤلؤ و المرجان” عن أبو هريرة فإني أظن أن أم المؤمنين عائشة كانت تقصد أحاديثه التي انفرد بها والله أعلم.

يعرف عن أبي هريرة بأنه كان يقصص القصص ولعل التعريف اختلف مع مرور الزمن، على كل أنقل موضع الشاهد، فكما في صحيح البخاري - “أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه ، وهو يقصص في قصصه ، وهو يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخا لكم لا يقول الرفث…” الحديث موضع الشاهد يقول الراوي يقصص في قصصه، و في رواية أخرى: “سمعتُ أبا هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ يقصُّ ، يقول في قصصِه : من أدركَه الفجرُ جنبًا فلا يصم…” الحديث وهنا أيضا يقول الراوي يقص، يقول في قصصه. فهذا يعني أن أبا هريرة كان يقص و هذا بحد ذاته لا يعتبر ذما فإن السلف اختلفوا فالبعض ذموا القصاصين و البعض لا و سبب الذم والله أعلم الإضافات التي يضيفونها من عندهم أو عدم التأكد من صحة ما يقولون أو الشعور بالإستعلاء وما إلى ذلك والله أعلم. فعن الإمام أحمد أنه قال فيه: “القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه” و قال ابن الجوزي: “معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص” عن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له : “أقاص أنت ؟ فقال : نعم ، قال : اذهب فإنا لا نحدث القصاص ، فقال له : لم ؟ قال : يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا! أي أنهم يزيدون في الحديث.” و قرأت مرة أنهم ظهروا في زمن معاوية و التابعين ولكن لا يحضرني في أي كتاب قرأت ذلك. و للأسف معظم الأسباب التي بسببها ذم العلماء الجلوس عند القصاص توفر عند أبو هريرة ولكن في أسانيدها مقال، ولكن ما صح منها إضافة أبو هريرة من كلاما من كيسه فيختلط عند السامع، و أحيانا يروي عن كعب و أحيانا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيختلط أيضا عند السامع، و يروي المناكير و الغرائب و هذا أيضا معروف من مروياته التي انفرد بها، أما الإستعلاء و تزكية النفس فلم أجد إلا رواية في تاريخ دمشق للخطيب البغدادي لا تثبت عندي: “قال إمام مسجد سعد: قدم أبو هريرة الكوفة، فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس. فذكر قرباً منه. يعني أنه كان قريباً منه، فسكت ولم يتكلم، ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على أبي هريرة الدوسي. فتغامز القوم فقالوا: إن هذا ليزكي نفسه. ثم قال: وعلى كل مسلم ما دام في مصلاه ما لم يحدث حدثاً بلسانه أو بطنه” 

أما تأثره بالسياسة فهناك بعض الباحثين يذكرون ذلك و يروون بأنه إن لم يكن يدفع له معاوية فيتكلم و إن دفع له يسكت و مثل هذه المرويات، سواء صحت أو ضعفت هذه المرويات فإنها لا تؤثر على القليل القليل من مروياته التي بين أيدينا. ولعل أثر السياسة يبدو ظاهرة في أحاديثه عن الأمير والله أعلم ولكن هذا لا يكفي لإدعاء أنه تأثر بالسياسة و يميل إلى معاوية وما إلى ذلك لأنه ليس بين أيدينا أي دليل أن كل ما يحدث به أبو هريرة هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأن الرجل لا يخرج منه إلا قرآن أو حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا غير صحيح و ظلم للرجل. ولكن أيضا للأمانة العلمية قال عن نفسه كما في صحيح البخاري - “حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا الحلقوم” فهذا يدل على أن هناك أحاديث حفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينشرها بين الناس. قال القرطبي في تفسيره: “قال علماؤنا : وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن ، والنص على أعيان المرتدين ، والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى ، والله تعالى أعلم” و قال ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” : “حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضهم ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ بالله من رأس الستين ، وإمارة الصبيان . يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة ، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة” وهذا موقف مفهوم لا يضر أبو هريرة إن شاء الله ولكن يدلنا على أن عنده مجموعة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتمها و الغريب أنه علل كثرة أحاديثه وذلك لما في القرآن الكريم: ((وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) و لكن الخوف و الفتنة أصعب مما نظن، أسأل الله أن يجنبنا ذلك. 

أطلت عليكم أيها الأخوة و في الحقيقة عندي كلام كثير عن أبي هريرة وعندي نقولات كثيرة ولكن كثير منها لا يصح الإعتماد عليها و كثير من أقوال المؤلفين الذين ترجموا لأبو هريرة و انتقدوه إنما يظهر لي أنهم فعلوا بسبب بغضهم لأبي هريرة أو انتقاما لأنه روى روايات لم تعجبهم وما إلى ذلك ولكن هناك من أنصفه كالشيخ حسن فرحان المالكي في بعض مقالاته فمن أراد أن يقرأ المزيد فليقرأ في مقالاتهم و أبحاثهم و كتبهم فإنه سيجد الكثير إما معه و إما ضده، روايات صحيحة لصالحه و روايات صحيحة ضده. لو أننا وجدنا راويا من رواة الحديث يصفه أحمد بن حنبل و ابن معين بأنه يروى المناكير ولم يكن مطمئنا من أحاديثه و من ثم وُثق هذا الراوي من قبل الذهبي و ابن حجر فإنه يغلب على ظني بأن أهل الحديث سيكونون على حذر من مروياته. ولكنهم للأسف لا يكونون على حذر من مرويات أبو هريرة بالرغم من كل الشبهات التي عليه سواء من قبل الصحابة أو التابعين أو حتى المرويات نفسها والله المستعان.

و بعد كل هذا الذي ذكرته في هذه المشاركة، ألا تظنون معي بأنه شخصية محيرة؟ في الحقيقة أبو هريرة من أكثر الشخصيات الإسلامية المحيرة. لنفترض أيها الأخوة أن كل ما قيل فيه ضعيف، و كل المرويات التي تخص أبو هريرة ضعيفة ولكن هل يعني بأنه صحابي رفع عنه القلم؟ لا أيها الإخوة لا يصلح ذلك. لأن الإنسان العاقل بمجرد أن يقرأ مروياته التي يرفعها للرسول صلى الله عليه وسلم التي تفرد بها ثم يقارنها بمرويات بقية الصحابة يجد الفرق الشاسع، و لا شك أنه سيجد نكارة و غرابة فيها بخلاف أحاديث بقية الصحابة إلا قليل ممن يُعرف أنه أخذ عن أبو هريرة أو عليه شبهات كذلك. و ما عليكم أيها الإخوة إلا قراءة بعض ما نقلته من مروياته التي انفرد بها، ثم تفكروا بها لتعرفوا بأن هناك شيئا ما في مروياته تدفع المسلمين أمثالي في التوقف في مروياته التي انفرد بها. فإن أنت أضفت إلى مروياته ما ذكرته في هذه المشاركة من شبهات عليه فإني لا أرى وجها لعدم تعزيز مروياته بمرويات بقية الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. و إن أنت آمنت بما قيل فيه من اتهام بالكذب و ما إلى ذلك (على حسب الروايات التي أنا قلت عنها ضعيفة) كما ينقله بعض الكتاب في ذم أبو هريرة و بالتالي تأخذ أحاديثه فأنت أحمق لا تحطاط لدينك. 

و أخيرا أكرر ما قلته في بداية المشاركة، علينا فحص هذه المرويات ولا ينبغي أن نتهم أبو هريرة وحده، معظم ما في مشاركتي سبب فرضية أن هذه المرويات عن أبي هريرة صحيحة. أما إن كان أحد الرواة اخترع الأحاديث ثم نسبها لأبو هريرة فهذا احتمال لا يمكن دفعه إلا بعد دراسة طويلة جدا من سبر لمرويات من رووا أحاديث أبو هريرة ثم فحص مروياتهم الأخرى و قراءة تراجمهم تفصيلا و ما إلى ذلك و هذا بحث لا أظن أحدا سيتكفل به إلى ٥ سنوات قادمة و أرجو أن يخيب ظني في ذلك فإن هذا البحث مفيد جدا و فيه فحص للمرويات التي آثارت شكوك المسلمين و غير المسلمين. 

لأكون صادقا معكم ولا أخفي في قلبي ما لا أبديه لكم، فإني في الحقيقة متوقف في أحاديث أبو هريرة التي انفرد بها، فلا أقول هي صحيحة ولا ضعيفة ولكن قلبي يميل إلى عدم صحة ثبوت معظم هذه الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم و قد قمت فعلا بدراسة قليل منها دراسة مستقلة و بينت وجهة نظري فيها. ثم إني أقول ما المشكلة أيها الإخوة إن توقف مسلم في هذه المرويات الغريبة التي لا تتعدى حاجز الـ١٠٪ من المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم معظمها في الأخبار وليست في السنن ثم هي لا تضر المسلم إن لم يعلمها إن شاء الله. أم أنكم ستتعجلون و تقولون، قال الله سبحانه وتعالى: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)) ؟ صدقوا أو لا تصدقوا قد قالها لي البعض! وقلت له نعم بالتأكيد هذا إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمامك أو أنك تستطيع أن تجزم بأن هذه المرويات قالها النبي صلي الله عليه وسلم، ولكن بما أننا لا نستطيع و مع كل هذه الشبهات فلا ((تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفو عنا)). أما إن كانت هذه المرويات مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علمتم شؤم الكذب على رسول الله، فكم من فرقة بين المسلمين كانت بسبب حديث من هذه الأحاديث الغريبة. فمن توقف في مروياته ففي الحقيقة لتوقفه وجه، فأولا مروياته التي انفرد بها منكرة و ثانيا شبهة أنه تابعي غير مدفوع بالكلية، شبهة عدم ثقة بعض الصحابة في مروياته أو تخطئتهم واردة، شبهة أن الرواة خلطوا بين ما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم و ما يرفعه إلى كعب أمر كبير محتمل…الخ 

أحب أيضا أن أقول للقرآنيون، اصبروا ولا تتعجلوا، لا داعي لرد كل الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم و تنكرونها جملة و تفصيلا و المشكلة الأساسية عندكم مرويات أبو هريرة التي انفرد بها و بعض المرويات الغريبة عن بعض صغار الصحابة. و كذلك أقول للدعاة، إن لم يقبل غير المسلم هذه المرويات فلا تجبره على أن يعتقد بها فإن أنت فعلت ذلك صددت عن سبيل الله من حيث لا تعلم. أذكر أن إمرأة نصرانية امريكية على الشبكة كانت تسألني عن الإسلام و بعد مناظرات و كلام بيننا قررت و الحمدلله أن تعتنق الإسلام، إلا أنها إلى اليوم تقول بأنها لا تؤمن ببعض هذه المرويات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وغير مقتنعة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها (وهذه المرويات وجدتها هي نفسها المرويات التي انفرد بها أبو هريرة و قليل جدا من مرويات الصحابة الآخرين ) تخيلوا معي أقول لهذه المرأة أنت كافرة لأنك لم تؤمني بأحاديث أبو هريرة؟


أخيرا، أتمنى أن تقرؤوا ما كتبته بهدوء ولا يكون الدافع عندكم فقط الرد علي، ولا ينبغي لطلاب العلم و العلماء أن يقوموا بتهديد وتخويف من يخالفونهم الرأي في مثل هذه المواضيع بالقتل أو اتهامهم بالتكفير والردة وغير ذلك لأنهم خالفوا هذه المرويات بزعمهم أنها ثابتة قطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن البخاري و مسلم اتفقا في تخريجها. و قد علمت بعد قراءة ما كتبته كثرة الشبهات والإشكاليات المتعلقة بهذه المروايات ومزاعم العلماء, فمن تعجّل وكفّر بناء على مبلغه من العلم فقد ظلم نفسه وظلم غيره و خاصة إني لا أدعو الإخوة إلى ردها لكن أبين لهم موقفي من هذه المرويات هي الحذر و التوقف فيها أما من اختار لنفسه أن يؤمن بصحتها فهذا و شأنه ولا يصلح أن يلزمني باعتقاد ما يعتقده. أما المنهج القرآني الذي كان يقارع الباطل فيدمغه, وبالرغم من كون الطرف الآخر باطلا قطعا لا مجال للشك فيه! فبالرغم من ذلك كان القرآن يعطيهم مجالا لطرح ما عندهم, ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) فلا يأتيني متعجّل لا نصيب له من العلم إلا تقليد من سبقه فيقول أنت كافر ومرتد وعلى خطر وتخالف العلماء كلهم ومن أنت لتخالفهم و غيرها من الاستفزازات العاطفية, طرحت ما عندي فاطرحوا ما عندكم وأقول: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)). و أنت أي الباحث عن الحق، أوصيك بوصية أنقلها لك ختاما لما نحن فيه: “استيقظ لنفسك، وقم لله قومة مفكر في نفسه في الخلوة في هذا الأمر، متجرد عن المقالات وأربابها وعن الهوى والحمية والعصبية، صادقا في طلب الهداية من الله، فالله أكرم من أن يخيب عبدا هذا شأنه” والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.