Saturday, February 22, 2014

مقابسة في تطهير النفس




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كنت أتجول في مكتبتي وقرأت شيئا يسيرا من كتابات أبو حيان التوحيدي الفيلسوف المتصوف, من أعلام القرن الرابع الهجري. نقلا عن الموسوعة الحرة: "امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، كما امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب." من ما قرأت ما كتبه في كتابه المسمى "المقابسات" فوجدته في المقابسة الأولى نقل عن أبو سليمان المنطقي يتحدث فيها عن تطهير النفس. وجدت النفع في كلماته والجمال في تعبيره, فقلت أنقلها لكم لعلكم تستفيدون منها. قال أبو حيان التوحيدي:

"سمعت أبا سليمان المنطقي يقول: بالإعتبار تظهر الأسرار، وبقديم الاختبار يصح الاختيار، ومن ساء نظره لنفسه قل نصحه لغيره؛ وكما تنظف الآنية من وسخ ما جاورها ولا بسها، ووضر ما خالطها ودنسها، لتشرب فيها، وتنظر إليها، وتستصحبها وتحفظها، ولتكون غنيا بها، ولا تريدها إلا طاهرة نقية مجلوة، ومتى لم تجدها كذلك عفتها وكرهتها ونفرت منها وطرحتها، لأن طبيعتك لا تساعدك عليها، ونفرتك لا تزول منها، وإباؤك لا يفارقك من أجلها، وقشعريرتك لا تذهب من شناعة منظرها؛ وكذلك فاعلم أنك لا تصل إلى سعادة نفسك وكمال حقيقتك، وتصفية ذاتك، إلا بتنقيتها من دون بدنك، وصفائها من كدر جملتك، وصرفها عن جملة هواك، وفطامها عن إرتضاع شهوتك، وحسمها عن الضراوة على سوء عادتك، وردها عن سلوك الطريق إلى هلكتك وتلفك وثبورك واضمحلالك. فاسعد أيها الإنسان بما تسمع وتحس وتعقل، فقد أردت لحال نفيسة، ودعيت إلى غاية شريفة، وهيئت لدرجة رفيعة، وحليت بحلية رائعة، وتوجت بكلمة جامعة، ونوديت من ناحية قريبة." هذا والله أعلم

Tuesday, February 18, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم - الحكم على الطرف الآخر




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... منذ فترة لم أجدد مدونتي, واليوم كنت أتصحف موقعي الشخصي في موقع Ask.Fm وجدت هذا السؤال من أختنا شمسة النيادي, تسأل: "صرنا في زمن الفتن ، لا نعرف من العالم من المنافق ، علماء دين تعلمنا منهم الكثير و نقدر لهم ذلك ولن نحقر العلم الذي أخذناه منهم، لكن الهدف السياسي أخذهم بعيدا فأتهم ديننا "كأشخاص" بالنقص وأننا تلاميذ لهؤلاء يا ترى كيف نحافظ على الدين النقي وسط هذه المعمعة"  وبما أني كنت أريد الحديث من قبل في هذا الموضوع و بما أن البلوى عمّت لوجود هؤلاء الذين يتهمون غيرهم, قلت أحاول محاولة سريعة للإجابة على السؤال وتصحيح بعض المفاهيم المتعلقة بالحكم على الآخرين.


للأسف معظمنا اليوم يعاني من نفس المشكلة أقصد مشكلة الأخت شمسة, وذلك لصعوبة تمييز المنافق من غير المنافق ولخطورة اتهام العلماء بغير علم وبينة. للأسف مع تداخل الأمور بعضها في بعض ومخالطة كل هذه الأمور بالسياسة صار الوضع أصعب بكثير. نجد أن عالم الدين يتدخل في السياسة وكأنه سياسي محنك و السياسي يُخوّن عالم الدين ويتّهمه بإشعال نار الفتنة والعوام بين هذا وذاك. فمنهم من يتهم الدعاة بأنهم دعاة فتنة وكذبة وغير ذلك وبعضهم يتعاطف معهم وكأنهم مُقدسون لا يخطؤون! وكلا الفريقان مخطئ وسبب الخطأ برأيي الشخصي هو الغلو.... نعم أيها الإخوة, الغلو في تحقير العالم والغلو في تعظيمه, لذلك حذر الله ورسوله من الغلو وهناك طائفة لا تميز بين اليمين والشمال تفتي في دين الله وتصنف الناس على حسب أهوائها نعوذ بالله منهم... أما عن إجابة مختصرة للسؤال فبرأي أن لإنسان يستطيع المحافظة على دينه بالتمسك بالعروة الوثقى, بالتمسك بالقرآن الكريم وتطبيق تعاليم القرآن الكريم فإن آيات القرآن الكريم جلية واضحة وبينة ومعجزة بخلاف بعض الأقوال والأحاديث الضعيفة التي ينسبها الناس للنبي صلى الله عليه وسلم كذبا أو جهلا, فتجد أحدهم يقول العمل عبادة (المعنى صحيح ان صحب هذا العمل النية الخالصة لله) وينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم بغرض التشجيع على العمل ولكنه لا يبالي بالصلاة وغرضه فقط احراج الطرف الآخر أو شيء من هذا القبيل... فلذلك الحل بالتمسك بالقرآن الكريم وسأعطيك أمثلة أبين لك فائدة التمسك بالمنهج القرآني في التعامل مع هؤلاء....


إن وجدنا سياسي أو انسان يتهم عالم من علماء الأمة بأنه من دعاة الفتنة وأنه يشعل نيران الفتنة وزنديق متخفي بلباس عالم...الخ فنقول كيف علمت بأنه من دعاة الفتنة؟ هل وجدت نصا قرآنيا أو سنة نبوية أو نزل عليك الوحي فأخبرك بأنه من دعاة الفتنة؟ فسيقول لا ولكن أفعاله تثبت ذلك! فإن سألته ما هي أفعاله, تجده يرد عليك بأنه تكلم فيما لا يعنيه! فإن قلت أين التحريم في أن ينصح المسلم مسلما آخر أو حكومة مسلمة أخرى؟ ليس في هذا عيب؟ لأن المسلم للمسلم كالمرآة وكالجسد الواحد فلا بأس أن ينصح الإماراتي السعودي, وينصح السعودي الكويتي وهكذا... انتبهوا! قلت ينصح ولا يتهم وينشر أكاذيب واشاعات غير صحيحة وفرق عظيم بين النصيحة وبين الإساءة ثم هناك فرق بين النصيحة بنية نشر البغضاء والنصيحة لوجه الله.... أما إن كان يعتبر هؤلاء بأن النصيحة هي إساءة ومن قال لك "اتق الله" فأجبته: "أنت تسيء إلي" في الحقيقة أنت تسيء إلى نفسك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ((وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم)) وهذا تهديد من الله عظيم لمن كان له قلب يدرك خطورة ذلك... كان الأولى بهذا الإنسان أن يقول جزاك الله خيرا وانتهى الموضوع! هذه مشكلة منتشرة أجدها بشكل شبه يومي بين الناس, لا يكادون يُفرّقون بين النصيحة والإساءة.... لكني أعلم بأنه سيأتيني أحدهم فيقول لكن للنصح ضوابط! نعم هذا صحيح لا شك في ذلك, هناك ضوابط وشروط ,كما أن هناك ضوابط وشروط قبل اتهام نوايا الناس وادعاء أنهم دعاة فتنة أو غير ذلك, فانتبه! هناك من ينشر الشائعات والأكاذيب عن هؤلاء العلماء ليفتك بسمعتهم أو لإرضاء شهوة خبيثة في نفسه وغير ذلك وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتبين: ((إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)) وللأسف اليوم كثير من هؤلاء الذين ينشرون الشائعات يرتكبون الكبائر ليل نهار من الغيبة والنميمة ومعروف بين طلاب العلم والفقهاء وعند علماء الحديث بأن الفاسق يُطلق على من ارتكب كبيرة من الكبائر, فكان لابد على المسلم العامي أن يتبين ولا يصدق كل ما يسمعه عن العلماء وخاصة من هؤلاء الفسّاق.


في المقابل, نجد بعض العلماء الذين ينتسبون إلى فرقة من فرق المسلمين قد يُكفّر شعبا بأكمله وحكومة بأكملها فقط لأن هذه الحكومة أو فقط انسان منهم ارتكب معصية أو خطأ ما, ولنتنزل ونقل كبيرة من الكبائر! فكيف يحق لهذا العالم أن يكفر أمة من الناس بهذه السهولة؟ فهذا على خطر عظيم وهنا وفي غيرها من المواقف تكتشف شيئا من فوائد هذه الآية العظيمة: ((لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا)) إن طبّق العامي هذه الآية على هذا العالم لوجد أن الآية تحتوي حالته, وإلا لما تجرأ على تكفير الناس والحكومات بسهولة وهكذا يفعلون, أقصد أولئك الذين يتصيدون أخطاء العلماء فيتهمون كل من يأخذون الفوائد من العلماء المُتهمين بأنهم أيضا خونة وزنادقة لأنهم استفادوا من العالم المُتهم في نواياه والله المستعان...  ولعل ما ذكرت غير كافي لمن يناقش ويحاور هؤلاء, فلذلك سأذكر لكم بشيء من التفصيل ولا بأس من التمثيل لإيصال الفائدة.


كما تعرفون, هناك من يُعرفون اليوم عند عوام طلاب العلم بالـ"الجامية" نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله, والشيخ بريء من أفعال من ينتسبون إليه أو إلى منهج السلف أو غير ذلك ثم يرتكبون الكبائر. كثير من الدعاة الذين ينتهجون نهج من عُرفوا بالجامية يتصيدون أخطاء دعاة الفرق الأخرى من المسلمين كالسلفية و الإخوان وغيرها من فرق المسلمين, و يلمزون أموات المسلمين بحجة التحذير من دعاة الفتن وأصحاب البدع وهذا منتشر بينهم للأسف الشديد بالرغم من أنهم دعاة وطلاب علم وأنا جربت محاورتهم من قبل شخصيا. وبما أنهم دعاة وطلاب علم فيتأثر بهم العامي المسكين فيظن أن هذا هو المنهج الصحيح في التعامل مع المخالف فينشر التحذير من الدعاة الآخرين بأنهم أصحاب بدع وأهواء ودعاة فتن ويحذر من الاستماع إليهم أو حتى اقتناص الفوائد منهم من حكم وأقوال. وبما أنه هذا هو الواقع اليوم, تجد الطرف الآخر أقصد دعاة الفرق الأخرى يتهمون الذين عُرفوا بين الناس اليوم بالجامية بأنهم علماء السلاطين ويعبدون السلطان من دون الله...الخ وكل هذه الأفعال إن أردتم رأي الشخصي منكرة وتدل على قلة علم... للأسف كل هذه الفرق تدّعي بأنها من أهل السنة وتتبع السلف الصالح  (ولا أدعي أني أعلم انسان على هذه البسيطة أو شيء من هذا القبيل أعوذ بالله من الكبر, بل أني أقل من طالب علم جاد ولكني أعرف خطأ منهجهم استدلالا بنور القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كل من يستعين بالقرآن الكريم للوصول إلى الحق فإن الله يوفقه إن شاء الله) وفي الفقرة القادمة أبين لكم أخطاء هذه الفرق لتكونوا على علم كي لا تقعوا فيها.


أما أخطاء بعض الذين يُقال لهم بأنهم الجامية أنهم يتسرعون في اصدار الأحكام على الدعاة... فيتهم طالب العلم منهم اليوم الآخر بأنه صاحب بدعة وأنه من دعاة جهنم, ونحن جميعا نعلم ما مصير البدع ودعاة على أبواب جهنم! إنّهم في النار استدلالا بحديث كل بدعة في النار وغيرها من الأحاديث, فإن قلت للداعية إذا بما أنك قلت بأن هذا الإنسان صاحب بدعة أو من دعاة جهنم فإنك ارتكبت التالي: "حكمت على هذا الذي اتهمت بالنار إلا أن يعفو الله عنه هذا ان كنت تعتقد اسلامه" ولا يحكم على النار ويصدر هذه الاتهامات الخطيرة إلا انسان يُوحى إليه أو عنده نص قطعي من قرآن أو سنة نبوية... فأقول لأمثال هؤلاء, أين هذه النصوص التي تثبت أن الداعية الذي وصفته بما وصفت أنه من دعاة جهنم؟ فإن قال بأن فيه صفات هؤلاء على حسب الأحاديث, فمثلا من صفات المنافق أنه إن وعد فأخلف. لنقل أني وعدت انسانا فأخلفته نسيانا أو خطأ مني ومن غير قصد, فهل ينطبق علي بأن في هذه الشعبة من النفاق أم لدي عذر مقبول؟ ولا أعلم أحدا يعلم تفاصيل ما في القلب إلا الله سبحانه وتعالى أو من ارتضى الله من رسله...

ما هي المنهجية في اصدار الأحكام؟ أليس على أقل تقدير العالم الرباني هو الذي يرجع إليهم في هذه الأمور؟ فهل أنت عالم رباني أم انك ترتكب الكبائر؟ فإن قال نعم ارتكبت كبائر فهذا اعترف على نفسه بأنه فاسق! وعندنا في علم الحديث وبالأخص في علم الجرح والتعديل بأنه لا يقبل كلام الفاسق في غيره فكيف تريدنا أيها الداعية أن نقبل كلامك في شيخ غيرك وأنت اعترفت على نفسك بأنك فاسق؟ فإن قال لا لم أرتكب كبيرة, فردي عليه بسهولة, إنك عندما تعجّلت وحكمت على هذا الشيخ بأنه من دعاة جهنم تكلمت على الله بغير علم وهذا من أعظم الذنوب لأنه وإن كان هناك علامات تصنف الناس إلى طيب وشرير ولكننا لا نعلم يقينا ما في قلوبهم فكيف تجرأت وحكمت هذا الحكم الخطير؟ وإن وجدناك بأنك انسان متسرّع كيف تريدنا نثق في كلامك ونعتبر ما تقوله من "جرح وتعديل" في غيرك مقبول؟


أما خطأ الدعاة المنتسبين لجماعة الإخوان أو الفرق الأخرى الذين يتهجمون على من عرفوا "بالجامية" ويصفونهم بأنهم من عبّاد السلاطين وعلمائهم, فأقول لهم أولا, كيف عرفتهم بأنهم من عبّاد السلاطين؟ هل لأنهم دافعوا عنهم وبينوا أنه لا ينبغي تكفيرهم إن لم يتبين كفرهم, ولا ينبغي التحريض عليهم لنثر بذور الفتن؟ أهذه الأسباب كافية أن تصفوا عالما من العلماء بأنه يشرك بالله فيعبد السلطان والعياذ بالله؟ فإن قالوا: "ولكنهم دائما يدافعون عنهم ولا يسمحون لأي داعية أخرى أن يقوموا بالنصح العام!" سأقول لهم, هل يكون الرد على المخالف ببهته ونشر الأكاذيب عنه؟ فبما أنك وصفته بأنه يعبد السلطان أو من علماء السلاطين الذين عرفوا عنهم بأنهم يبيعون الدين لشراء الدنيا ارتكبت التالي: "اتهمت عالما من غير برهان وهذا الاتهام يشوه سمعة العالم و ربما هناك ألوف المسلمين الذين كانوا يستفيدون من علمه وأنت بهذا الاتهام صددت عن سبيل الله, وليس هذا فحسب بل كفرت أخاك المسلم وظلمته, لأن جزاء الإساءة إساءة مثلها (إن لم يكن سبيل إلى العفو) وليست إساءة مع إساءة أخرى أيضا" قال الله سبحانه وتعالى: ((جزاء سيئة سيئة مثلها)) ولم يقل جزاء سيئة مئة سيئة مثلها فتأمل! ففي كل الأحوال, نجد أن في القرآن أية فيها اشارة إلى طريقة التعامل المناسبة.


وهكذا أعزائي القرّاء, ستجدون معظم هؤلاء يرتكبون أخطاء عظيمة لا يبالون بها أو ربما لا يشعرون بها, وكان الأولى بهم أن يحافظوا على سلامة ألسنتهم, فلا يتهمون غيرهم بغير علم ولا يستحقرونهم ويزكون أنفسهم إن كانوا لا يملكون بضاعة العلم والخشية, عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك لسانك" أو كما قال, وكأنهم أيضا نسوا الحديث العظيم: "إنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" وأسوأ من الطرفين الذين يتهمون الأبرياء من أتباع هذا أو ذاك في دينهم و بأنهم خونة أو أصحاب فتن وهؤلاء يرتكبون أخطاءً لا تخفى على عوام الناس,  والله المستعان...