Monday, November 2, 2020

الأسباط

ورد ذكر الأسباط أربع مرات في القرآن، مرتان في سورة البقرة، الأولى في قوله: ((قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) و الثانية في قوله: ((أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) و المرة الثالثة في سورة آل عمران: ((قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) و المرة الرابعة في سورة النساء: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً)) و لم يجيء ذكر الأسباط بمعزل عن إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب.


فمن هم الأسباط؟ قبل أن أبدي رأيي أحب أن أستعرض بعض ما قاله المفسرون، أول الطبري فقد قال في تفسيره: الأسبـاط الذين ذكرهم فهم اثنا عشر رجلاً من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم، ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسُموا أسبـاطاً. كما: حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: الأسبـاط: يوسف وإخوته بنو يعقوب، ولد اثنـي عشر رجلاً، فولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا أسبـاطا. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: أما الأسبـاط فهم بنو يعقوب: يوسف، وبنـيامين، وروبـيـل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وقهاث. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: الأسبـاط: يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلاً، فولد لكل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسبـاط. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: نكح يعقوب بن إسحاق وهو إسرائيـل ابنة خاله لـيا ابنة لـيان بن توبـيـل بن إلـياس، فولدت له روبـيـل بن يعقوب، وكان أكبر ولده، وشمعون بن يعقوب، ولاوي بن يعقوب، ويهوذا بن يعقوب، وريالون بن يعقوب، ويشجر بن يعقوب ودينة بنت يعقوب. ثم توفـيت لـيا بنت لـيان، فخـلف يعقوب علـى أختها راحيـل بنت لـيان بن توبـيـل بن إلـياس، فولدت له يوسف بن يعقوب وبنـيامين، وهو بـالعربـية أسد، وولد له من سريّتـين له اسم إحداهما زلفة، واسم الأخرى بلهية أربعة نفر: دان بن يعقوب، ونفثالـي بن يعقوب، وجاد بن يعقوب، وإشرب بن يعقوب. فكان بنو يعقوب اثنـي عشر رجلاً، نشر الله منه اثنـي عشر سبطا لا يحصى عددهم ولا يعلـم أنسابهم إلا الله، يقول الله تعالـى: ((وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَـيْ عَشَرَةَ أسْبـاطاً أُمَـماً))


قال القرطبي: الأسباط: وَلَدُ يعقوب عليه السلام، وهم ٱثنا عشر ولدا، وُلِد لكل واحد منهم أُمّة من الناس واحدهم سِبْط. والسِّبْط في بني إسرائيل بمنزلة القَبيلة في ولد إسماعيل. وسُمُّوا الأسباط من السَّبط وهو التتابع فهم جماعة متتابعون. وقيل: أصله من السَّبَط بالتحريك وهو الشجر أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبَطة. و قال الزمخشري: حفدة يعقوب ذراريّ أبنائه الاثني عشر. قال الخليل: السبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب. قال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: فأما الأسباط: فهم بنوا يعقوب، وكانوا اثني عشر رجلاً. و قال ابن عطية صاحب المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط، 


و قال السمرقندي في بحر العلوم: وهم أولاد يعقوب، كان له إثنا عشر ابناً، فصار أولاد كل واحد منهم سبطاً، والسبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب، وانما أنزل على أنبيائهم وكانوا يعملون به، فأضاف إليهم. و قال الخازن في تفسيره: وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر واحدهم سبط وكانوا أنبياء، وقيل: السبط هو ولد الولد وهو الحافد ومنه قيل: للحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم 


وقال البخاري الأسباط قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط ههنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منه. قال الشريف أبو البركات الجوّاني النسابة: وولد يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم: يوسف النبي صلى الله عليه وسلم، صاحب مصر وعزيزها، وهو السبط الأول من أسباط يعقوب عليه السلام الاثني عشر، والأسباط سوى يوسف: كاذ، وبنيامين، ويهوذا، ونفتالي، وزبولون، وشمعون، وروبين، ويساخا، ولاوي، وذان، وياشيرخا من يهوذا بن يعقوب، وسليمان النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء من سليمان عليه السلام النبي: مريم ابنة عمران، أمّ المسيح عليهما السلام. وجاء من لاوي بن يعقوب: موسى كليم الله وهارون أخوه عليهما السلام.


و في لسان العرب: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سأَلت ابْنَ الأَعرابي مَا مَعْنَى السِّبْط فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: السِّبْطُ والسّبْطانُ والأَسْباطُ خَاصَّةُ الأَولاد والمُصاصُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: السِّبْطُ وَاحِدُ الأَسْباط وَهُوَ وَلد الوَلدِ. ابْنُ سِيدَهْ: السِّبْطُ وَلَدُ الِابْنِ وَالِابْنَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: الحسَنُ والحُسَينُ سِبْطا رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمَا ، وَمَعْنَاهُ أَي طائفتانِ وقِطْعتان مِنْهُ، وَقِيلَ: الأَسباط خَاصَّةُ الأَولاد، وَقِيلَ: أَولاد الأَولاد، وَقِيلَ: أَولاد الْبَنَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيضاً: الحسينُ سِبْطٌ مِنَ الأَسْباط أَي أُمَّةٌ مِنَ الأُمم فِي الْخَيْرِ، فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الأُمَّة والأُمَّةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الضِّبابِ: إِنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَى سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسرائيل فَمَسَخَهُمْ دَوابَّ. والسِّبْطُ مِنَ الْيَهُودِ: كَالْقَبِيلَةِ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلى أَب وَاحِدٍ، سُمِّيَ سِبْطاً ليُفْرَق بَيْنَ وَلَدِ إِسماعيل وَوَلَدِ إِسحاق، وَجَمْعُهُ أَسْباط. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً ؛ أُمماً لَيْسَ أَسباطاً بِتَمْيِيزٍ لأَن الْمُمَيِّزَ إِنما يَكُونُ وَاحِدًا لَكِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ كأَنه قَالَ: جَعَلْنَاهُمْ أَسْباطاً. والأَسْباطُ مِنْ بَنِي إِسرائيل: كَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ. وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ السِّبْطُ القَرْنُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ قَرْنٍ قال بعض أهل اللغة، السبط بمعنى الحافد وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط: الحفدة. والسِّبْط: الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد. وشَعر سَبْط وسَبِطَ: غير جَعْد. 


كما ترى اختلف أهل التفسير و أهل اللغة في تحديد معنى الأسباط. 


و في آية سورة الأعراف نجد التالي: ((وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) و قال المفسرون و أهل اللغة مثل الذي قالوا في معنى السِّبط.


و لكن ماذا لو كان الأسباط ليس اسم لجماعة أو فرقة من الناس، و ليس أبناء يعقوب، ماذا لو كان الأسباط اسم لنبي أو رسول؟ ((قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) ألسنا نجد اسم الأسباط بعد إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و هم أنبياء أفراد و ليسوا جماعات، و أسماء الأنبياء من بعد الأسباط هم كذلك أفراد، أعني موسى و عيسى. فلماذا لا يكون الأسباط كذلك اسم لنبي من الأنبياء؟ فإن قلت إن اسم الأسباط جاءت معرّفة بالأل، و العادة في أسماء الأفراد لا تكون معرّفة بالألف و اللام. أقول هذا غير صحيح، ألسنا نجد في القرآن اسم اليسع؟ و هذا الاسم معرّف بالألف و اللام كما في الآية من سورة الأنعام: ((وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)).


و دليل آخر و ذلك في قوله: ((قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) فإنك ستلاحظ ذكر النبيون. فالآية ذكرت الأفراد و هم إبراهيم و إسماعيل و البقية و كذلك جاء ذكر النبيون، فإن كان الأسباط جمعا شملتهم كلمة النبيون. 


أما الذين قالوا إنهم أولاد يعقوب، فلم نجد دليلا في القرآن ما يدل على أنهم أنبياء أو رسل، و لم نجدهم يتخلّقون بخلق الأنبياء و المرسلين و هذا جلي في سورة يوسف، و القرآن فيه ذكر لمحاسن و فضائل الأنبياء و أخلاقهم متقاربة متشابهة. فإن قلت أنهم صاروا أنبياء بعد أن تصالحوا مع يوسف أو بعد استغفار يعقوب لهم، أقول ليس هناك ما يدل على هذا فصعب جدا أن نقول أنهم أولاد يعقوب. و لكن إن قلنا أنهم من ذرية يعقوب فمحتمل و الأمر يختلف. 


و الملاحظة الأخرى، ستلاحظ أن الأسباط جاء ذكرهم قبل موسى و عيسى، و الظاهر أن الأسباط لم يكن/يكونوا هودا و لا نصارى، بدليل الآية من سورة البقرة: ((أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) إذن تاريخيا يبدو أنهم كانوا قبل زمن موسى عليه السلام و في القرآن لا نعرف أحدا كان رسول بين زمن يعقوب عليه السلام و موسى إلا واحد و هو يوسف! و لكن في الآيات الأربعة المذكورة فيها الأسباط ليس فيها أي ذكر ليوسف، بل نجد أن اسم الأسباط يأتي ذكره بعد يعقوب و قبل موسى أو عيسى في ثلاث مواضع.


و هنا راودني تساؤل لماذا لم يذكر يوسف عليه السلام؟ أليس يوسف رسول كريم؟ ((وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ)) و معروف أن يوسف هو ابن يعقوب و هو قبل موسى، بل إن سورة بأكملها تحمل اسمه، فلماذا لم يذكره الله عز و جل من ضمن الأنبياء الكرام و الذين هم ذرية بعضها من بعض؟ إن حملنا على رأي المفسرين فإن يوسف من ضمن أولاد يعقوب و هذا يحلّ الإشكال، و لكنه لا يحل الإشكال الآخر أن إخوة يوسف لم يكونوا أنبياء و لم يذكر عن خلقهم شيء مثل الذي هو مذكور عن بقية الأنبياء و المرسلين. فقلت في نفسي لعل الأسباط المقصود به هو يوسف عليه السلام و هذا الرأي و إن كان بعيدا عن الواقع إلا أنه جدير بالاهتمام. 


لماذا أقول أن هذا الخاطر الذي خطر لي بعيد عن الواقع؟ السبب أن يوسف مذكور عدة مرات في القرآن و ليس هناك إشارة لا من قريب و لا من بعيد أنه كان يحمل أكثر من إسم، فإن قلت الرسول صلى الله عليه و سلم مرة ذكر بأحمد و بقية المرات بمحمد، أقول السياق و الكلام واضح و يدل أن أحمد هو نفسه محمد، و كذلك المسيح هو نفسه عيسى بن مريم. فإن قلت إسرائيل و يعقوب، فإني قد فصّلت ذلك تفصيلا طويلا في السبب الذي من أجله يعقوب اسمه الآخر هو إسرائيل، يمكنك مراجعة كتابي: نظرات في القرآن للاستزادة. و لهذا يصعب علي أن أتبنى هذا الخاطر الذي خطر ببالي. 


و بما أن الأمر استغلق علي فهمه، رجعت إلى التوراة لعلي أجد فيها مرادي، و كالعادة وجدت مطلوبي و الحمدلله و هنا في هذا الفصل أقدّم رأيا جديدا لم تسجّله لنا كتب التاريخ و لا دراسات و أبحاث في القرآن و لا الدراسات التوراتية على الأقل فيما تحصّل لدي و اطلعت عليه و إني اطلعت كثيرا، و إني أرجو الله أن أكون محقا فيه. 


و أقول أن الأسباط هم من يعرفون عند أهل الكتاب بالقضاة، أو Judges. إن القارئ للعهد القديم أو التوراة بكتبها كلها (عند بعض الباحثين) لابد أنه سيقف عند سفر القضاة. و هذا السفر فيه ذكر لأخبار و قصص القضاة، و الدارس لهذا السفر سيلاحظ أن هذا السفر كغيره من الأسفار، سفر تاريخي، ليس فيه المسائل الإيمانية و الطقوس التعبدية و ما إلى ذلك. و يأتي هذا السفر بعد سفر يوشع بن نون، الذي تولى قيادة بني إسرائيل من بعد موسى و هو كذلك أحد القضاة. و هذا السفر فيه أخبار لعدة أجيال بمعنى أن الأسباط لم يكونوا كلهم في جيل واحد أو إخوة أو أبناء إنسان واحد، بل جاؤوا في فترات زمنية مختلفة و اختلف العلماء في تحديد الحقبة الزمنية لكل قاضٍ منهم. و العجيب أن القضاة عددهم اثنى عشر، و هم كالتالي: 

  1. أوثنيل أو أوثنئيل 
  2. أهود
  3. جَدعون
  4. أبي ميليك أو أبو معليق
  5. يفتاح
  6. شمشون 
  7. شمجر
  8. تولا أو طولا
  9. يئير أو يئيل
  10. إيزان أو عبسان
  11. إلون أو أهايلون
  12. عبدن أو عبدون


و هناك قاضية أنثى و تدعى دبوره. 


و هذا يتواءم مع الرأي القائل أنهم من ذرية يعقوب و لكنه لا يتوافق مع الرأي الشائع أنهم أولاده (يوسف و إخوته). لماذا أقول عنهم أنهم هؤلاء المقصودين، لأن هؤلاء القضاة كانوا مصلحين في بني إسرائيل أو كالقائد أو الحاكم أو النقيب. و أكثرهم كانوا أنبياء، بمعنى أن الوحي كان يأتيهم أو أنهم كانوا منصورين من قبل الله عز و جل. 


و ليس هذا فحسب، فإن سفر القضاة برأيي يجب أن يسمى سفر الأسباط فإن كلمة الأسباط هي الترجمة الأدق و الأصح للكلمة العبرية שופטים. فإن هذه الكلمة שופטים تلفظ شوفط أو سبطيم أو سبط و ليس قاض و إن كان معنى السبط عندهم القاضي أو النقيب أو الحَكَم أو الحاكم و هي من الأصل تبت أو طبط. و لاحظ قرب الكلمة العبرية سبطيم أو سفطيم من كلمة سِّبط العربية و معروف أن اللغة العبرية من اللغات السامية و كذلك العربية فلهذا الألفاظ ان اشتركت فإن المعنى يكون مشتركا. فإن قلت لماذا تستدل بالكلمات العبرية، أقول وجه الاستدلال واضح إذ أن هذه اللغات أعني العبرية و العربية و الآرامية هذه اللغات تعتبر من اللغات السامية و تشترك جذورها و بالتالي تشترك معاني كلماتها.


و كما هو معروف عند بعض مفسري التوراة و اليهود، فإن بني إسرائيل عندما كانت تُذنِب و تخطئ فإن الله يبعث عليهم عبادا يسومونهم سوء العذاب، ثم إن هم تابوا أرسل الله إليهم سبطا من الأسباط أو أحد القضاة ليخلّصهم من القوم الذين كانوا يعذبّونهم و هذا أيضا يمكنك ملاحظته مع موسى عليه السلام و أمر بني إسرائيل مع فرعون. فكأنها سبب و نتيجة، يذنب بني إسرائيل ثم يُعذبهم الله بالناس ثم يتوبون ثم يبعث الله من يخلّصهم من العذاب. و هذا كان دور القضاة أو النقباء أو الحكّام مع بني إسرائيل و الذي أرجّح أنّهم هم الأسباط المذكورين في القرآن. 


فإن طالبتني بالدليل، فأقول لك اقرأ في سورة المائدة تجد الدليل ناصعا أمامك لكننا كنا غافلين عنه و هو في قوله: ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)) موضع الشاهد (اثني عشر نقيبا) و هم الأسباط و هذا يتوافق مع ما هو من أمر القضاة أو الأسباط أو النقباء المذكورين عند أهل الكتاب. و معروف عند أهل التوراة و التاريخ أن بني إسرائيل عندما خرجوا صاروا اثنى عشر أمة أو طائفة أو قبيلة على كل طائفة نقيب أو قاضي اختارهم موسى ليقضوا بين قومهم الأمور الصغيرة أما الكبيرة فيرفعونها إلى موسى. و هذا مذكور في سفر الخروج من التوراة: ”25 وَاخْتَارَ مُوسَى ذَوِي قُدْرَةٍ مِنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ رُؤُوسًا عَلَى الشَّعْبِ، رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ. 26 فَكَانُوا يَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. الدَّعَاوِي الْعَسِرَةُ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَى مُوسَى، وَكُلُّ الدَّعَاوِي الصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. و هناك عدة استدلالات أخرى من التوراة على ما أنا فيه.  الذي أريد أن أقوله باختصار أن هذا يتوافق جيدا مع الآية المذكورة: (((وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) فذكر الأسباط أفهم منها النقباء أو الإثنى عشر جماعة مهمّة. 


قد تقول، إنّك بهذا الرأي ترجّح أن الأسباط جماعة، في حين أنك قلت في بداية الفصل أن الأسباط قد يكون اسم لنبي واحد و ذلك لأن ذكر الأسباط جاء في سياق ذكر أفراد من الأنبياء و ليس جماعات. و قد كتبت أن ذكر النبيون جاء في الآية بعد ذكر الأفراد كما في هذه الآية: ((قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)) فالأسباط إن كانوا جماعة و ليس اسم لفرد فإنهم يدخلون في قوله النبيون. أقول ليس هذا بالضرورة، اقرأ هذه الآية: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً)) تأمل قوله (والنبيين من بعده) فإن أخذنا بقولك فيدخل فيها كل من إبراهيم و إسماعيل و من بعدهم، فلماذا ذكرهم؟ فالأمر خلاف ما ظننت من أنه غير جائز أن يذكر جماعة باسم مخصوص ثم يذكر النبيين و إن كان يشملهم. بل في ذكره للأسباط أنهم كانوا معروفين على الأقل عند الناس زمن نزول الآية و خاصة عند أهل الكتاب و الإثنى عشر المذكورين لهم اسم خاص في الكتب السابقة فلماذا لا يكون لهم اسم خاص في القرآن؟ فبمجرد قوله الأسباط العالم بكتب أهل الكتاب سيدرك المقصود بالأسباط لأنه يجد سفرا كاملا في كتابه المقدّس فيه ذكر هؤلاء الأسباط  و أعمالهم العظيمة بخلاف أولاد يعقوب (أعني إخوة يوسف) إذ ليس عندهم ذكر أنهم قاموا بتخليص بني إسرائيل أو أنهم رجال أوحي إليهم.


و بهذا الرأي الجديد أعني من كون الأسباط هم القضاة في العهد القديم، أكون قد حددت هوية الأسباط الذي يبدو أنه خفي عن المفسرين و الباحثين، فإن قلت إن هذا الرأي إن كان جديدا فهذا يعني أن الحق كان ضائعا لأكثر من ألف سنة، سأقول لك ليس الأمر كما تظن و لا تعالج هذه المسائل بهذه الطريقة، لكن حتى إن تنزّلت معك و مع طريقة تفكيرك سأقول لك أن قولي هذا الجديد لا يتعارض بالضرورة مع ما قد قيل قديما في معنى الأسباط. ألم يقولوا أن الأسباط الجماعة، و قالوا أيضا أن الأسباط من أولاد أولاد يعقوب و هذا أيضا لا يتعارض مع هذا الرأي الجديد. فإن كان هذا حقا فمن الله و إن كان باطلا فمن نفسي و الشيطان. و أسأل الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه، و يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه.


عبدالعزيز النظري

تويتر

انستغرام