Monday, September 29, 2014

حبب إلي من دنياكم النساء والطيب!



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كثيرا ما أناقش بعض الإخوة في العمل أو حتى على الهاتف المتحرك, يتعرضون لمواضيع النساء فأقول لهم لم تجعلون كل همكم النساء!؟ إن ملأت القلوب بحب النساء والصور فالقلب يضيق عن حب ما هو أعظم. وطبعا يأتيني الرد منهم مباشرة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم : النساءُ ، والطيبُ ، وجعلتْ قرةُ عيني في الصلاةِ" وكذلك بعض الأخوات يستدلون بهذا الحديث مفاخرة أو معذرة لبعض قصص العشق والحب وما شابه ذلك. وطبعا بما أن الحديث صححه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله فقبلوا الناس هذا الحديث ولكن في الحقيقة في نفسي شيء من هذا الحديث, فقلت لم لا أبحث في هذا الحديث, فبحثت وأضع النتيجة التي توصلت إليها في هذه المشاركة. ملاحظة بأن هذا الحديث اليوم يُستخدم من قبل غير المسلمين (بعضهم) للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه شهواني يحب النساء والطيب وأمور دنيوية بخلاف المسيح عيسى بن مريم أو يحيى بن زكريا عليهما السلام. ولكن هؤلاء لم يفهموا بأن هذا الحديث ليس فيه نقص للرسول صلى الله عليه وسلم إن صح وإن علماؤنا كعادتهم قادرون أن يقلبوا الطعن إلى مفخرة وأدلة لصالح المسلمين مثل ابن تيمية رحمه الله. ولكن للأمانة أحب أن أدوّن ملاحظة شخصية, وهو أن كثير من الأحاديث التي يستغلها غير المسلمين للطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم أو الإسلام أجد فيها مشاكل, ولا أستبعد أن يأتيني تكفيري أو أحد الغلاة فيتهمني ويقول: ((تشابهت قلوبهم)) ولا حول ولا قوة إلا بالله. أطلت عليكم بالمقدمة, دعونا نبدأ بدراسة الحديث.

الحديث مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل, السنن الكبرى و الصغرى للنسائي وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم وفي جزء المؤمل و الزهد لابن أبي عاصم و تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. الحديث أيضا مخرّج في مسند أبي يعلى الموصلي و ومستخرج أبي عوانة و في الضعفاء الكبير للعقيلي و في تفسير ابن أبي حاتم الرازي و في المعجم الأوسط والصغير للطبراني و في أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني و في بحر الفوائد للكالاباذي و السنن الكبرى للبيهقي وفي الطبقات الكبرى لابن سعد و في تاريخ دمشق لابن عساكر. ولم أجد الحديث لا في موطأ الإمام مالك ولا في البخاري أو مسلم ولا في صحيح ابن حبان ولا حتى في كتب السنن الأخرى كالترمذي وأبو داود وابن ماجه إلا سنن النسائي فيما أعلم وهذه ملاحظة أولى. وقد تقول ما فائدة هذه الملاحظة, أقول بأن عدم وجود الحديث في كل هذه الكتب يعني أنه لابد للدارس أن يفحص الحديث ولا يمرر الحديث هكذا, فإن القوم لم يُخرجوه لسبب ما. وعن نفسي إن لم أجد الحديث في موطأ الإمام مالك ولا في مسند الإمام أحمد بن حنبل بسند صحيح ولا في صحيح البخاري أو صحيح مسلم فإني أحتاط.

أما الملاحظة الأخرى, الحديث لم يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابي أنس بن مالك ولم يروى عن أنس بن مالك إلا بأسانيد لا تخلو من مقال. معظم الأئمة أخرجوا الحديث في كتبهم عن طريق سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس بن مالك ومن هؤلاء النسائي (في رواية) و الإمام أحمد بن حنبل و ابن سعد و ابن أبي عاصم و محمد بن نصر المروزي (في رواية) و أبو يعلى الموصلي و أبو عوانة (في رواية) و أبو حاتم الرازي و الطبراني (في رواية) و أبو الشيخ الأصبهاني (في رواية) و الكالاباذي. وهذه الروايات كلها لا تسلم من مقال ويكفي بأنها من طريق سلام أبو المنذر. الذي قال عنه ابن حجر في التقريب: "صدوق يهم" و  قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سألت يحيى بن معين عن سلام أبى المنذر أثقة هو ؟ قال : "لا" و قال ابن حبان وقد ذكره في الثقات: "وقد كان يخطئ" و قال الساجي: "صدوق يهم ليس بمتقن في الحديث" و في كتاب: "من تكلم فيه وهو موثق" للذهبي طبعة الرحيلي قال أيضا عنه: "وبعضهم لم يحتج به في الحديث". ثم إن افترضنا بقبوله فإنه لا يكاد يخلو رجال سند عن سلام إلا وبحاجة لتوقف ودراسة فإن في بعض رجال السند مقال.

وقد روى جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس هذا الحديث, وهذا الطريق مخرج في السنن الصغرى والكبرى للنسائي و في جزء المؤمل و في مستخرج أبو عوانة وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم. وجعفر بن سليمان الضبعي هو لا أستطيع أن أطمئن بمروياته,     قال أبو طالب أحمد بن حميد عن أحمد بن حنبل : "لا بأس به" ، قيل له : إن سليمان بن حرب يقول : لا يكتب حديثه ؟ فقال : حماد بن زيد لم يكن ينهى عنه ، كان ينهى عن عبد الوارث و لا ينهى عن جعفر ، إنما كان يتشيع" و قال البخاري: "كان أميا" ولهذا تحاشاه في صحيحه. وقال أحمد بن سنان القطان: "رأيت عبد الرحمن بن مهدى لا ينبسط لحديث جعفر بن سليمان". قال أحمد بن سنان : "و أنا أستثقل حديثه" وقال محمد بن سعد: "كان ثقة وبه ضعف وكان يتشيع" و كما قال يحيى بن معين: "كان يحيى بن سعيد لا يكتب حديثه" وقال في موضع آخر: "كان يحيى بن سعيد لا يروى عنه ، و كان يستضعفه" وبالرغم من ذلك وثقه يحيى بن معين! ثم لنفترض بأنه ثقة فإن الوحيد الذي روى عنه (أي عن جعفر بن سليمان الضبعي) هو سيّار بن حاتم العنزي! وهو صاحب مناكير, قال ابن حجر في التقريب: "صدوق له أوهام" وقال القواريري عنه: "لم يكن له عقل كان معى فى الدكان" وقال الذهبي في الكاشف: "صدوق" قال الحاكم: "في حديثه بعض المناكير" و قال العقيلي: "أحاديثه مناكير, ضعفه ابن المديني" وقال الأزدي: "عنده مناكير" فهذا يعني بأن طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك غير ثابت.

و وجدت في جزء المؤمل طريقا ثالثا عن ثابت عن أنس بن مالك وهو من طريق سلاّم بن أبي الصهباء والسند كالتالي: "أحمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر ابن أبي عاصم عن أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين بن طلحة البصرى عن سلام بن أبي الصهباء. أقول بأن مشكلة هذا الطريق هو سلاّم بن أبي الصهباء. قال عنه ابن حجر في اللسان: " ضعفه يحيى وقال أحمد حسن الحديث وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وقال البخاري منكر الحديث". وقال صاحب كتاب: "سلسلة الأحاديث الواهية وصحح حديثك" وهو الشيخ علي حشيش: "قلت: ولقد بينت آنفًا معنى مصطلح البخاري "منكر الحديث"، وأن البخاري يطلقه على من لا تحل الرواية عنه وقال عنه ابن حبان في المجروحين: "ممن فحش خطؤه وكثر وهمه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد". وقال العقيلي في كتابه الضعفاء الكبير: ""ولا يتابع عليه عن ثابت".

وكل الطرق المذكورة هي عن ثابت عن أنس بن مالك, قال البيهقي في السنن الكبرى بعد أن أورد الحديث: "وروى ذلك جماعة من الضعفاء عن ثابت". أما الطريق الرابع والأخير فيما أعلم هو رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ولعل هذا الطريق يعتبر الأقوى عند علماء الحديث, وذلك لأن إسحاق حجة عند البعض منهم ولعل بسبب هذا الطريق صحح بعض علماء هذا الحديث. أخرج رواية إسحاق بن عبدالله عن أنس كل من الطبراني في معجمه الأوسط والصغير و ابن عساكر في تاريخ دمشق. أخرجه الطبراني عن محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك. وبعد أن أخرج الطبراني الحديث في كتابه قال: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الهقل, تفرد به يحيى بن عثمان الحربي".

وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبو محمد بن الأكفاني الدمشقي عن عبدالعزيز بن أحمد الكتاني عن عبدالوهاب بن جعفر بن أحمد بن علي الميداني عن موسى بن عبدالرحمن بن موسى الصباغ عن عثمان بن عبدالله بن محمد بن خرزاد عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فرواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة كما قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الهقل, تفرد به يحيى بن عثمان الحربي". أما يحيى بن عثمان الحربي فقد قال عنه ابن حجر في التقريب: " صدوق تكلموا في روايته عن هقل" وقال ابن معين: "ليس به بأس" و قال العقيلي: "لا يتابع على حديثه عن الهقل"  وأظن هذا يكفي للتوقف وعدم نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم بناء على هذه الرواية.

ولكن إن قبل البعض الرواية المذكورة (أقصد رواية إسحاق بن عبدالله) فأحب أن أضيف ملاحظة أخرى على رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس. فإن كل من المروزي في تعظيم قدر الصلاة و العقيلي في الضعفاء  الكبير أخرجوا الحديث بنفس السند أقصد عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ولكن ليس فيه حبب إلي من دنياكم الطيب و النساء, إنما فقط: جعلت قرة عيني في الصلاة. وإليكم متن الحديث كما عند المروزي وهو من القدماء: "حدثنا يحيى, ثنا هقل, عن الأوزاعي, عن اسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل و امرأة تصلي بصلاته, فلما أحس التفت إليها فقال لها: "اضطجعي إن شئت" قالت: إني أجد نشاطا , قال: "إنك لست مثلي, إنما جعل قرة عيني في الصلاة" انتهى. فيغلب على ظني بأن الطبراني وابن عساكر رووا الحديث (مع ذكر الطيب والنساء) بعد أن صار خلط حديث في آخر من قبل الرواة وربما لذلك لا نجد عند أحمل بن حنبل إلا رواية سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس في هذا الباب وكذلك المروزي فهم من القدماء ولهذا أنكر بعض العلماء جمع الثلاثة في حديث وقالوا بأن الصلاة ليست من الدنيا والإشكالات التي أوردوها.

فبعد هذه الدراسة المتواضعة أظن بأن الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, على الأقل في جزء: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" وبما بأن الحديث من أحاديث الآحاد ولا يكاد يصح عن أنس رواية وإن قبلنا بصحة أية رواية عن أنس بن مالك فيبقى الحديث من الآحاد ولا يقبل حديث الآحاد البعض ولكن حتى لمن يقبل حديث الآحاد مطلقا أقول هيهات أن يُقبل وقد علمتم أن أسانيد هذه المرويات فيها ما ذكرت. يغلب على ظني بأن بعض العلماء قبلوا هذا الحديث بسبب منهجهم في تقوية الحديث بالروايات الضعيفة وما شابه ذلك كما نجد في منهج الشيخ الألباني وأحمد شاكر رحمهم الله وكذلك الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله. أما في منهج محمد عمراني حفظه الله فيستحيل أن يصح هذا الحديث إطلاقا, وأما على منهج المتقدمين من علماء الحديث فإني أيضا لا أجد كيف يصح هذا الحديث! وإن كنت لابد أقبل هذا الحديث لم أكن لأرفعه بل سأقول بأنه من الأحاديث الموقوفة على أنس بن مالك, وذلك لأن متن الحديث ينطبق عليه بشكل قوي كما في سيرة الصحابي لمن قرأ سيرته ومروياته وبيان هذا مني يطول جدا ولكن راجع ما كتبته في مشاركة: "تفعيل الجرح والتعديل على جميع الطبقات".

ولا أظن أحدا من دعاة الحداثة أو التنويريين كعدنان إبراهيم و سلمان العودة أو الجفري حفظهم الله أو من الذين تأثروا بالغرب كمحمد شحرور حفظه الله أو غيره سيشكك في هذا الحديث! وذلك لأنهم يقابلون النظرة الدونية من قبل العلماء والفقهاء بأمثال هذه الأحاديث, فإنهم في أحيان كثيرة يحاولون تصحيح أحاديث فيها في نظرهم تكريم للمرأة ويحاولون تضعيف أحاديث فيها نظرة دونية للمرأة على حسب فهمهم, ولكن الباحث عن الحقيقة لا يبالي بهذا ولا ذاك, سيبحث بشكل موضوعي, ولا يضع النتيجة ثم يبحث بناءً على نتيجة مسبقة في مخيلته, إنما يبحث ليتوّصل إلى الحق وبعد بحثه يصدر نتيجة ما توصل إليه وهذا ما حاولته ولا أدعي العصمة في محاولتي فإن هذا اجتهاد أعرضه عليكم, لكم أن تقبلوه أو تردّوه, هذا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

Sunday, September 28, 2014

الفساق هم أهل النار وهم النساء!؟




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أكتب هذه المشاركة لدراسة حديث سبب قلقا بين الناس وخاصة بين النساء وهو حديث: "إن الفساق هم أهل النار. قيل : يا رسول الله ! ومن الفساق ؟ قال : النساء . قال رجل : يا رسول الله ! أولسن أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا ؟ قال : بلى ؛ ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن ، وإذا ابتلين لم يصبرن" وطبعا كعادة بعض المشايخ اليوم قبلوا الحديث وحاولوا اخراج الحكم والفوائد من الحديث أو أن يُوفّقوا بينه وبين القرآن وما إلى ذلك قبل أن يبحثوا في سند هذا الحديث. والأسوء من ذلك من يقتطع جزءً من الحديث فقط لينفّر الناس عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفعل بعض ملاحدة العرب في موقع تويتر.

أولا الحديث المذكور هو جزء من حديث أطول والحديث كالتالي: " كتب معاوية الى عبد الرحمن بن شبل ان علم الناس ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجمعهم فقال اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلو فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به ثم قال ان التجار هم الفجار قالوا يارسول الله أليس قد احل البيع وحرم الربا قال بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون ثم قال ان الفساق هم أهل النار قالوا يارسول الله وما الفساق قال النساء قالوا يا رسول الله أليس امهاتنا وأخواتنا وبناتنا قال بلى ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن ثم قال ليسلم الراكب على الراجل فالراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شئ له" أقول بأن جزء الحديث المذكور في بداية هذه المشاركة أخرجه الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 3058 وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط عن اسناد الحديث: "اسناده صحيح" كما في تحقيقه لمسند الإمام أحمد بن حنبل.

هذا الحديث "إن الفساق هم أهل النار..." أخرجه كل من الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط والمعجم الكبير وأخرجه الحاكم في مستدركه وابن عساكر في تاريخ دمشق و الكلاباذي في بحر الفوائد وفي جامع معمر بن راشد وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان وفي السنن الصغير وفي مسند عبد بن حميد. كما لاحظتم بأن الحديث ليس مخرّج في الصحاح وفي أشهر كتب الحديث, كالبخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و أبو داود و ابن ماجه وابن حبان ولا الإمام مالك في موطأه. وإن الإمام أحمد بن حنبل لم يخرج جزء هذا الحديث إلا في رواية واحدة أما جزء "تعلموا القرآن..." و "التجار هم الفجار..." في أكثر من رواية فهذه ملاحظة. وبالرغم من ذلك فالحديث اشتهر عند طلاب العلم وعوام الناس بأنه حديث صحيح وذلك لتصحيح الألباني رحمه الله. ولكني في الحقيقة أتساءل عن صحة هذا الحديث! فالحديث لم يرويه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عبدالرحمن بن شبل بن عمرو الأنصاري ولم يروه أحد عن عبدالرحمن بن شبل إلا ممطور الأسود الحبشي و أبو راشد الحبراني.

معظم طرق الحديث عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده (ممطور الأسود الحبشي) عن عبدالرحمن بن شبل. أخرج الحديث الإمام أحمد بن حنبل في مسنده و عبد بن حميد في مسنده عن عبدالرزاق الصنعاني عن معمّر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه الحاكم في مستدركه عن محمد بن علي الصنعاني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبدالرزاق الصنعاني عن معمّر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبو القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل عن عبدالوهاب بن محمد بن اسحق عن أبيه (محمد بن اسحق) عن حاجب بن أحمد الطوسي عن عبدان بن محمد عن علي بن المبارك عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه الكالاباذي في بحر الفوائد عن حاتم عن يحيى عن يحيى عن علي بن المبارك عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. فكما تلاحظون هذه الروايات كلها عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. أما الطبراني فأخرجه من غير طريق معمّر كما في المعجم الأوسط عن أبو مسلم عن أبو عمر الضرير عن وهيب بن خالد عن أيوب يحيى بن أبي كثير. وكذلك أخرجه من غير طريق معمّر البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي عن محمد بن عمرو بن أبو جعفر البختري الرزاز عن محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي عن عبد الملك بن عمرو بن القيسى عن يحيى بن أبي كثير. فكما تلاحظون هناك تفرّد في ثلاث طبقات ومثل هذا التفرّد يجعل المرء يتوقف ويفحص الحديث أكثر.

أما عن طريق أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل فأخرجه الحاكم في مستدركه عن إبراهيم بن عصمة النيسابوري عن السري بن خزيمة بن معاوية أبو محمد الأبيوردي عن مسلم بن إبراهيم الأزدي عن هشام بن أبي عبدالله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل. أما الطبراني في معجمه الكبير فأخرجه عن محمد بن يحيى الفزاز البصري عن موسى بن إسماعيل عن أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده (ممطور الأسود الحبشي) عن أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل. أخرج عن أبان ابن يزيد ابن عساكر في تاريخ دمشق ولكن عن طريق هدبة بن خالد. ملاحظة أن الرواية المخرجة في تاريخ دمشق ومعجم الطبراني الكبير عن أبو راشد الحبراني ليس فيه بأن " إن الفساق هم أهل النار. قيل : يا رسول الله ! ومن الفساق ؟ قال : النساء..." الحديث إنما فيه الجزء الأول من الحديث "تعلموا القرآن..." وملاحظة أخرى فيما أخرجه الحاكم في مستدركه, فإن زين بن سلام وجده ليس لهم ذكر في سند الحديث بل مباشرة عن يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني.

لن أفصّل في رجال هذه المرويات فإن ذلك يطول جدا, ولكني باختصار أقول أولا بأن الصحابي عبد الرحمن بن شبل بن عمرو الأنصاري لم أجد له ترجمة كافية, وليس له سوى حديثان أو ثلاثة فيما أعلم. قصة طلب معاوية  وهو حديثنا الذين ندرسه, وحديث نقر الغراب وحديث أكل الضب وجميع هذه الأحاديث بحاجة إلى دراسة. وقيل عنه بأنه من فقهاء الصحابة كما قال ذلك الذهبي وأظن وصفه بهذه الصفة جاء من هذا الحديث في بعض الروايات بأن معاوية وصفه بأنه من قدماء صحابة الرسول ومن الفقهاء. الغريب بأنه إن كان فقيها لكثر طالبوه أو فتاويه إلا أنني لم أجد شيئا من ذلك وخاصة ليس هناك ما يمنع ذلك من السياسة فإن معاوية كان يأمره بأن يحدث. أما ممطور الأسود الحبشي وهو جد زيد بن سلام, قال عنه أحمد بن عبدالله العجلي: "شامي تابعي ثقة ، لم يسمع منه يحيى بن أبي كثير" وقال ابن حجر في التقريب: "ثقة يرسل" و قال الذهبي في الكاشف: "غالب روايته مرسلة ولذا ما أخرج له البخاري". أما يحيى بن أبي كثير فإن القوم قد وثقوه ولكن قال ابن حجر في التقريب: "ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل" و قال يحيى بن معين: "لم يلق يحيى بن أبى كثير زيد بن سلام ، وقدم معاوية بن سلام عليهم ، فلم يسمع يحيى بن أبى كثير منه شيئا ، أخذ كتابه عن أخيه ، ولم يسمعه ، فدلسه عنه" و قال أبو جعفر العقيلي: "كان يذكر بالتدليس" وبهذا يتبين لنا بأننا يجب أن نتوقف عن رواية يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني, فإن فعلنا ذلك وتبين لنا بأن بقية الروايات عن أبو راشد الحبراني ليس فيها ذكر النساء وأنهن الفساق الذي في النار فيكون عندنا فقط طريق واحد وهو يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن ممطور الأسود الحبشي عن عبدالرحمن بن شبل وهي معنعنة فلا يكاد يسلم منها شيء...

أما سبب تصحيح الألباني رحمه الله فأظنه لأنه يقوي الأحاديث بالشواهد وإن كانت ضعيفة و إن كان المتن مختلفا نوعا ما وقد وقع في هذا في أكثر من حديث. ولهذا تجده بأنه يقول عن موضوع خروج المهدي متواتر أو عن نزول عيسى بن مريم متواتر وما إلى ذلك ولكن عند التحقيق لا يكون كما يقوله الألباني رحمه الله. فأظن بأن الألباني رحمه الله قبل تصحيح الحديث الذي عنعنه يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني بسبب أنه وجد يحيى بن أبي كثير يصرح بالتحديث في سند آخر ولكنه أسقط هذه المرة ولكن هذا لا يُسلم له لأنه الخلل ربما ليس منه أي يحيى بن أبي كثير بل الذين من بعده فأسقطوا زيد بن سلام وجده والرواية تعتبر شاذة لمخالفتها كل الروايات الأخرى وفيها علل أخرى أيضا. ومن يتبع منهج محمد عمراني الصارم في الحديث, وإن افترضنا صحة جميع هذه الروايات وخلوها من جميع العلل فإن نسبة وثوقية هذا الحديث لن يتجاوز الـ50% وأما إن أخذنا الطريق الأقوى ونبذنا طريق أبو راشد الحبراني فإن نسبة وثوقية الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتجاوز الـ6.25%.

اعلموا أيها الإخوة بأني لم أبحث بشكل تفصيلي عن رجال هذه الروايات بشكل تفصيلي وأعمق وأحلل بشكل عميق ولم أنتقد المتن بعد فإني رأيت بأنني لست بحاجة إلى ذلك! وذلك لظهور مشكلة الحديث. مع جميع الإشكالات المذكورة في الحديث فإنه لا ينبغي لأي مسلم أن يلزم مسلما آخر أن يؤمن بأن هذا الحديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا ينبغي تكفير المسلمات التي رفضن هذا الحديث وحوله هذه الإشكالات التي ذكرتها في هذه المشاركة. ولعل لذلك لم يخرج هذا الحديث أصحاب الكتب الصحاح, أما عن نفسي شخصيا فإني أظن والله أعلم, بأني هذا الجزء من الحديث لا يصح عندي فإن صح شيء عن عبدالرحمن بن شبل فسيكون الجزء الأول من الحديث وهو: " يقول تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلو فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به" فإنه أقوى سندا وأقل غرابة ونكارة. وأحب أن أنوّه بأنه هذه دراسة شخصية ولا يعني من هذه الدراسة بأني ألزم الناس بهذا الرأي, إنما أريد أن أقول أنه لا ينبغي أن نلزم الآخرين بالإيمان بهذا الحديث وتخويفهم إن هم أنكروه وتهديدهم بالنار والتكفير وما شابه ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

Friday, September 26, 2014

شكر المنعم



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا"


شكر المنعم فرض واجب وإنما ذلك بالمقارضة له بمثل ما أحسن فأكثر ثم بالتهمم بأموره وبالتأتي بحسن الدفاع عنه ثم بالوفاء له حياً وميتاً ولمن يتصل به من ساقة وأهل كذلك؛ ثم بالتمادي على وده ونصيحته ونشر محاسنه بالصدق وطي مساويه ما دمت حياً وتوريث ذلك عقبك وأهل ودك , وليس من الشكر عونه على الآثام وترك نصيحته فيما يوتغ به دينه ودنياه بل من عاون من أحسن إليه على باطل فقد غشه وكفر إحسانه وظلمه وجحد إنعامه .

وأيضاً فإن إحسان الله تعالى وإنعامه على كل حال أعظم وأقدم وأهنأ من نعمة كل منعم دونه عز وجل فهو تعالى الذي شق لنا الأبصار الناظرة وفتق فينا الآذان السامعة ومنحنا الحواس الفاضلة ورزقنا النطق والتمييز اللذين بهما استأهلنا أن يخاطبنا وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض من الكواكب والعناصر. ثم و لم يفضل علينا من خلقه شيئاً غير الملائكة المقدسين الذين هم عمار السموات فقط فأين تقع نعم المنعمين من هذه النعم ! فمن قدر أنه يشكر محسناً إليه بمساعدته على باطل أو بمحاباته فيما لا يجوز فقد كفر نعمة أعظم المنعمين وجحد إحسان أجل المحسنين إليه ولم يشكر ولي الشكر حقاً ولا حمد أهل الحمد أصلاً وهو الله عز وجل .ومن حال بين المحسن إليه وبين الباطل وأقامه على مر الحق فقد شكره حقاً وأدى واجب حقه عليه مستوفى ولله الحمد أولاً وآخراً وعلى كل حال. مع تحيات ابن حزم الظاهري رحمه الله.


تطلع النفس إلى المدح وبقاء الذكر


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أنقل إليكم كلمات الإمام ابن حزم رحمه الله في تطلع النفس إلى ما يستر عنها من كلام مسموع أو شيء مرئي أو إلى المدح وبقاء الذكر. قال رحمه الله: "هذا أمران لا يكاد يسلم منهما أحد إلا ساقط الهمة جدا أو من راض نفسه الرياضة التامة وقمع قوة نفسه الغضبية قمعا كاملا أو عانى مدواة شره النفس إلى سماع كلام تستر به عنها أو رؤية شيء اكتتم به دونها أن يفكر فيما غاب عنها من هذا النوع في غير موضعه الذي هو فيه بل في أقطار الأرض المتباينة. فإن اهتم بكل ذلك فهو مجنون تام الجنون عديم العقل ألبتة. وإن لم يهتم لذلك فهل هذا الذي اختفي به عنه إلا كسائر ما غاب عنه منه سواء بسواء ولا فرق.

ثم لنزد احتجاجاً على هواه فليقل بلسان عقله لنفسه: يا نفس أرأيت إن لم تعلمي أن ههنا شيئاً أخفي عليك أكنت تطلعين إلى معرفة ذلك أم لا فلا بد من لا. فليقل لنفسه: فكوني الآن كما كنت تكونين لو لم تعلمي بأن ههنا شيئاً ستر عنك فتربحي الراحة وطرد الهم وألم القلق وقبح صفة الشره وتلك غنائم كثيرة وأرباح جليلة وأغراض فاضلة سنية يرغب العاقل فيها. ولا يزهد فيها إلا تام النقص. وأما من علق وهمه وفكره بأن يبعد اسمه في البلاد ويبقى ذكره على الدهر فليفكر في نفسه وليقل لها: يا نفس أرأيت لو ذكرت بأفضل الذكر في جميع أقطار المعمور أبد الأبد إلى انقضاء الدهر ثم لم يبلغني ذلك ولا عرفت به أكان لي في ذلك سرور أو غبطة أم لا ؟ فلا بد من لا ، ولا سبيل له إلى علم أنه يذكر أو أنه لا يذكر وكذلك إن كان حياً إذا لم يبلغه . ثم ليتفكر أيضاً في معنيين عظيمين :

أحدهما كثرة من خلا من الفضلاء من الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ، للذين لم يبق لهم على أديم الأرض عند أحد من الناس اسم ولا رسم ولا ذكر ولا خبر ولا أثر بوجه من الوجوه , ثم من الفضلاء الصالحين من أصحاب الأنبياء السالفين والزهاد ومن الفلاسفة والعلماء والأخيار وملوك الأمم الدائرة وبناة المدن الخالية وأتباع الملوك الذين أيضاً قد انقطعت أخبارهم ولم يبق لهم عند أحد علم ولا لأحد بهم معرفة أصلاً ألبتة فهل ضر من كان فاضلاً منهم ذلك أو نقص من فضائلهم أو طمس من محاسنهم أو حط درجتهم عند بارئهم عز وجل؟ ومن جهل هذا الأمر فليعلم أنه ليس في شيء من الدنيا خبر عن ملوك من ملوك الأجيال السالفة أبعد مما بأيدي الناس من تاريخ ملوك بني إسرائيل فقط ثم ما بأيدينا من تاريخ ملوك اليونان والفرس وكل ذلك لا يتجاوز ألفي عام فأين ذكر من عمر الدنيا قبل هؤلاء أليس قد دثر وفني وانقطع ونسي ألبتة وكذلك قال الله تعالى : ((وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)) وقال تعالى: ((وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا)) وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)) فهل الإنسان وإن ذكر برهة من الدهر إلا كمن خلا قبل من الأمم الغابرة الذين ذكروا ثم نسوا جملة.

ثم ليتفكر الإنسان في من ذكر بخير أو بشر هل يزيده ذلك عند الله عز وجل درجة أو يكسبه فضيلة لم يكن حازها بفعله أيام حياته فإذا كان هذا كما قلناه فالرغبة في الذكر رغبة غرور ولا معنى له ولا فائدة فيه أصلاً .لكن إنما ينبغي أن يرغب الإنسان العاقل في الاستكثار من الفضائل وأعمال البر التي يستحق من هي فيه الذكر الجميل والثناء الحسن والمدح وحميد الصفة. فهي التي تقربه من بارئه تعالى وتجعله مذكوراً عنده عز وجل الذكر الذي ينفعه ويحصل على بقاء فائدته ولا يبيد أبد الأبد وبالله تعالى التوفيق...

غرائب أخلاق النفس




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ينبغي للعاقل أن لا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وشدة تلويه وتقلبه وبكائه. فقد وقفت من بعض من يفعل هذا على يقين أنه الظالم المعتدي المفرط الظلم .ورأيت بعض المظلومين ساكن الكلام معدوم التشكي مظهراً لقلة المبالاة فيسبق إلى نفس من لا يحقق النظر أنه ظالم وهذا مكان ينبغي التثبت فيه ومغالبة ميل النفس جملة وأن لا يميل المرء مع الصفة التي ذكرنا ولا عليها ولكن يقصد الإنصاف بما يوجبه الحق على السواء...

من عجائب الأخلاق أن الغفلة مذمومة وإن استعمالها محمود وإنما ذلك لأن من هو مطبوع على الغفلة يستعملها في غير موضعها وفي حيث يجب التحفظ وهو مغيب عن فهم الحقيقة فدخلت تحت الجهل فذمت لذلك .وأما المتيقظ الطبع فإنه لا يضع الغفلة إلا في موضعها الذي يذم فيه البحث والتقصي والتغافل فهماً للحقيقة وإضراباً عن الطيش واستعمالاً للحلم وتسكيناً للمكروه فلذلك حمدت حالة التغافل وذمت الغفلة. وكذلك القول في إظهار الجزع وإبطانه وفي إظهار الصبر وإبطانه فإن إظهار الجزع عند حلول المصائب مذموم لأنه عجز مظهره عن ملك نفسه فأظهر أمراً لا فائدة فيه بل هو مذموم في الشريعة وقاطع عما يلزم من الأعمال وعن التأهب لما يتوقع حلوله مما لعله أشنع من الأمر الواقع الذي عنه حدث الجزع. فلما كان إظهار الجزع مذموماً كان إظهار ضده محموداً وهو إظهار الصبر لأنه ملك للنفس واطراح لما لا فائدة فيه وإقبال على ما يعود وينتفع به في الحال وفي المستأنف .

وأما استبطان الصبر فمذموم لأنه ضعف في الحس وقسوة في النفس وقلة رحمة وهذه أخلاق سوء لا تكون إلا في أهل الشر وخبث الطبيعة وفي النفوس السبعية الرديئة. فلما كان ما ذكرنا يقبح كان ضده محموداً وهو استبطان الجزع لما في ذلك من الرحمة والشفقة والفهم بقدر الرزية فصح بهذا أن الاعتدال هو أن يكون المرء جزوع النفس صبور الجسد بمعنى أنه لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء من دلائل الجزع .ولو علم ذو الرأي الفاسد ما استضر به من فساد تدبيره في السالف لأنجح بتركه استعماله فيما يستأنف وبالله التوفيق – ابن حزم الأندلسي رحمه الله.