Tuesday, September 16, 2014

رسالة إلى أحمد صبحي منصور




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... بينما أنا أبحث في بعض المواضيع المتعلقة بعلم الحديث وجدت مقطعا للأخ أحمد صبحي منصور, المفكر الإسلامي المصري وأحد مؤسسين المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي وهو المشرف على موقع أهل القرآن على الشبكة. كنت أحسب أن الأخ أحمد صبحي منصور أحد العلماء المعاصرين ولكني بعد مشاهدة المقطع الذي هو جزء من سلسلة "فضح السلفية" اكتشفت بأن الرجل بإمكانه أن يكون أفضل مما هو عليه بكثير. في الغالب لا أحب الحديث عن الناس, ولكني أنتهز هذه الفرصة لأبين الخطأ الذي وقع فيه ولتكون هذه المشاركة كرسالة نصح له ليراجع نفسه فإني حاولت التواصل معه بشكل خاص إلا أني لم أنجح بسبب المعوقات في موقعه.

كان أخونا أحمد صبحي منصور يتحدث عن حديث من أحاديث البخاري, وبدلا من أن ينتقد البخاري انتقادا علميا بدأ بانتقاده انتقادا عاطفيا وبذيئا, بل إنه على خلاف ما يدعو إليه, جعل من البخاري ظالما وعدوا لله ويريد الكيد بالدين وهذه الصفات التي لا ينبغي أن تقال في مسلم لم يظهر منه ذلك. الغريب أنه هو وجماعته ينتقدون على السلفية أو الوهابية بأنهم يصدرون الأحكام على الآخرين ويبدعونهم أو يكفرونهم أو يصفون الآخرين بالنفاق وما أشبه ذلك, سؤالي للأستاذ أحمد صبحي منصور, إذا كنت تنتقد هذه الأفعال المذكورة, فلماذا أتيت بها؟ ألست ممن يتبع المنهج القرآني؟ أين أنت من قول الله سبحانه وتعالى: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) ؟

الأمر الآخر كيف تيقّنت يا أستاذ بأن البخاري عدو لله؟ وكيف عرفت ما في باطنه وأنه يكيد للدين ويدس الأكاذيب وما إلى ذلك, ولماذا تطرقت إلى بواطن الرجل؟ ألست تعتقد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟ فهل يعقل أن تعلم أنت ولا يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا من الغيب إن أذن الله بذلك, لماذا لم تتهم أحدا غيره من الرواة؟ لماذا لم تحسن الظن به فتقول ربما دس عليه, وربما تم تحريف كتابه وربما أخطأ؟ البخاري لا يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إنما يقول: "حدثنا فلان, أخبرنا فلان...الخ" فلماذا التهمة وقعت على البخاري ولم تقع على غيره؟ لا أدري ما في قلبك ولكن فعلك يدل نوعا ما وكأن هناك أمرا بينك وبين البخاري. وللأسف هذه العقلية أو النفسية وجدتها في كثير من أتباعه وهذا ظاهر لمن تصف موقعه أقصد موقع أهل القرآن, كلها سب وشتم واستهزاء واستفزاز بالبخاري أو مسلم دون غيرهم.

أنصحك يا أستاذ أن تعرف مبادئ علم الحديث لكي تعلم أن احتمال الكذب ممكن أن يكون من غير أصحاب الصحاح, فالرواية يرويها البخاري عن أحد من الرواة غلب على ظنه بأنه ثقة وصادق, لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه صادق فقد يكون كاذبا في باطنه, فإن اجتهد البخاري وانتقى الحديث من الرواة الذين عرفوا بأنهم ثقات وأهل صدق وديانة وأنه انتقى من الحديث الذي ثبت صحته عنده يكون جزاءه أن نتهمه هو من الجميع وندخل في نواياه ونجعله عدوا لله ورسوله, بالأحرى جعلناه كافرا من حيث لا نشعر! وإنا لله وإنا إليه راجعون. وهكذا للأسف يحصل مع الشيعة, فهم يتهمون الصحابة بالكذب وما إلى ذلك ولا يضعون أي احتمالية ولو بنسبة ضئيلة أن الرواة عن هؤلاء الصحابة هم الكذبة, أو أن حاملي أخبار مثالب الصحابة هم الكذبة. و وجدت ذلك من بعض دعاة الحداثة وكأنهم مصابون بفوبيا السلف, اعتمدوا على بعض الأخبار التي هي لصالحهم وتجاهلوا ما يخالف مذهبهم أو طائفتهم أو من يعظمون, ومن كان هذا فعله فلا يحق أن يصف نفسه بأنه باحث عن الحقيقة.

من قرأ التاريخ وسيرة الرجل أقصد البخاري لوجده بحق إمام من أئمة المسلمين, ولا يشك منصف بأنه كان مقبلا على العلم وجادا في تحصيله ويعرف ذلك من معرفة شيوخه فزادوا عن الألف يطلب العلم عندهم! وهو القائل عن نفسه: " كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم، فأنفقت كل ذلك في طلب العلم" ويروى عنه في كتب تاريخ و تراجم المسلمين بأنه يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة. لو وجدنا عالما فيزيائيا يطلب العلم عند خمسة علماء لأثنينا عليه وكأنه لا أحد أتى بمثله وهذا أثر من آثار الانهزامية النفسية ولا أريد التفصيل فهو واضح وظاهر للجميع. الغريب أن البعض منا يأخذ من كتابه ما يوافق هواه ويترك ما سواه, فمثلا إن وجدوا في فضائل علي بن أبي طالب أخذوا الحديث وإن وجدوا لمزا في أبو هريرة أخذوا ولكن إن وجدوا في فضائل عمر وعثمان توقفوا! إن وجدوا أحاديث فيها التحفظ من التحديث عن الرسول أخذوا بها, وإن وجدوا أحاديث فيها دلالة لنشر علم الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا توقفوا فيها! لا أعلم ما سر ذلك بشكل قطعي لكن أفعالنا تدل على ما في بواطننا في كثير من الأحيان, وللأسف إن قال عن نفسه: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين" كذبناه! فلو كان كاذبا ومنافقا لماذا يجهد نفسه بهذه الطريقة؟ إن الله رزقنا عقولا لنفكّر بها.

وإن الكذاب يرجو بكذبه شيئا من متاع الحياة الدنيا يصيبه, ولكننا نعلم من سيرة الإمام رحمه الله الحكاية التالية: "ضيّفه بعض أصحابه في بستانٍ له وضيّفنا معه، فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه، وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف ترى؟ فقال: هذه الحياة الدنيا." وقال بعض من عاصره: "كان محمد بن إسماعيل مخصوصًا بثلاث خصالٍ مع ما كان فيه من الخصال المحمودة، كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم." فمن فاضت الأخبار عن ورعه وديانته ما ينبغي لنا أن نصفه بالنفاق ولا دليل عندنا على أنه منافق, ولا نجعله عدوا لله وليس لدينا ما يدل على ذلك. رحمة الله على الإمام البخاري رحمة واسعة وجمعنا به في الفردوس الأعلى ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا))

أقول للأستاذ أحمد صبحي منصور, لقد استفدت من بعض أبحاثك ومقالاتك, ولكن أحيانا توجهات طيبة تُشكر عليها ولكن إن كنت ممن يرفع راية القرآن وتدعو في كتبك ومقالاتك ومحاضراتك إلى التحاكم إلى كتاب الله وتدعو إلى تعظيم الكتاب وترك ما سواه, فأقل ما يمكن أن تفعله أن تتأسى بتعاليم هذا القرآن وهي معروفة في هذا الباب, "لا تنه عن خلق وتأت به, عار عليك إن فعلت عظيم". وإن كنت منتقدا البخاري ولابد فعلى الأقل ليكن انتقادك انتقاد نتاجه العلمي وما هو ظاهر منه. ولا تتدخل في نوايا الرجل أو تُكفّره أو تصفه بالنفاق وتدعي بأنه من أعداء الله عملا بقول الله سبحانه وتعالى: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)) فإن العلم ببواطن الناس من خصائص الله فليس هذا عشك فادرج وأربع على ضلعك. كم نجد علماء ومفكرين ينتقدون البخاري إلا أنهم لا يتبعون هذا النهج الذي انتهجته لنفسك, كمحمد شحرور والدكتور محمد العمراني و الدكتور عدنان إبراهيم وغيرهم, ينتقدون البخاري أو مسلم وعلماء السلف إلا أنهم لا يتدخلون في بواطنهم ولا يصدرون هذه الأحكام العظيمة التي صدرت منك سواء شعرت بذلك أم لم تشعر. وأخيرا أسأل الله لي ولك التوفيق وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ويثبتنا على الحق ويحفظنا من زلات اللسان وزلقات الجنان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment