العجب من أخطر الأخلاق الفاسدة المنتشرة بين المسلمين وغير المسلمين, فكان
لابد من ذكر علاج للعجب, وقد كتب العلماء في طرق التخلص من العجب وعلاج هذا الخلق
الفاسد, وكان من أحسن ما قرأت كلمات للإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله. وبما أن
الموضوع مهم وطويل, سأنثر كلام ابن حزم في عدة مشاركات. ومن أراد أن يتوسع أكثر
يمكنه قراءة كتاب: "الأخلاق والسير" لابن حزم أو كتاب "مدارج
السالكين" و "الداء والدواء" و "إغاثة اللهفان من مصائد
الشيطان" كلها لابن قيم الجوزية رحمه
الله وأيضا يمكنه ما كتبه أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه "إحياء علوم
الدين" فإن لك عالم أسلوب في عرض المشكلة والعلاج, رحم الله علماء المسلمين
الذين سخروا أقلامهم في خدمة الناس.
قال ابن حزم رحمه الله: "من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله
فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه
فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً. وأضعفهم تمييزاً.
وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه
فغالبها وسعى في قمعها والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه إما لقلة علمه وتمييزه وضعف
فكرته وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال وهذا أشد عيب في الأرض. وفي الناس كثير يفخرون
بالزنا واللياطة والسرقة والظلم فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي
, واعلم يقيناً : أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم فمن خفيت
عليه عيوب نفسه فقد سقط وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل
وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه مختلف من الأرذال وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة فليتدارك
نفسه بالبحث عن عيوبه والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره في
الدنيا ولا في الآخرة , وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء
منها فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته , وأما النطق بعيوب
الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً. والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى
بمداخلة المعيب أو على سبيل تبكيت المعجب فقط في وجهه لا خلف ظهره
.
ثم يقول للمعجب ارجع إلى نفسك فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك , ولا تمثل بين
نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر وقد ذم تقليد
أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر! لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك فحينئذ يتلف
عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو
خير منك . فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول : ((وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)), فتولد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك بل
على الحقيقة مع مقت الله عز وجل وطمس ما فيك من فضيلة .
فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة , سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني
الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ. وإن أعجبت بآرائك فتفكر
في سقطاتك واحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك
وأخطأت أنت , فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك
ولا عليك والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله
عليهم .وإن أعجبت بعملك
فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك
ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك
.
وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك. ثم انظر في تلك النجدة التي
منحك الله تعالى فيم صرفتها فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق لأنك بذلت نفسك فيما
ليس ثمناً لها وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدتها بعجبك , ثم تفكر في زوالها عنك
, بالشيخوخة وأنك إن عشت فستصير من عدد العيال وكالصبي ضعفاً. على أني ما رأيت العجب
في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها
. وإن أعجبت بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك
وأحمل للأثقال .وإن أعجبت بخفتك
فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب فمن العجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه
فيها غير ناطق. وإن أعجبت بحسنك ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته
وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن وفيما ذكرنا كفاية
.
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك ففكر في ذم أعدائك إياك فحينئذ ينجلي عنك العجب.
فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيك ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له فليست إلا منزلة
من ليس لله تعالى عنده نعمة يحسد عليها عافانا الله .فإن استحقرت
عيوبك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل إطلاعهم عليها فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك
إن كانت لك مُسكة من تمييز , واعلم بأنك إن تعلمت كيفية تركيب الطبائع وتولد الأخلاق
من امتزاج عناصرها المحمولة في النفس فستقف من ذلك وقوف يقين على أن فضائلك لا خصلة
لك فيها وأنها منح من الله تعالى لو منحها غيرك لكان مثلك وأنك لو وكلت إلى نفسك لعجزت
وهلكت فاجعل بدل عجبك بها شكراً لواهبك إياها وإشفاقاً من زوالها فقد تتغير الأخلاق
الحميدة بالمرض وبالفقر وبالخوف وبالغضب بالهرم , وارحم من منع ما مُنِحتَ ولا تتعرض
لزوال ما بك من النعم بالتعاصي على واهبها تعالى وبأن تجعل لنفسك فيما وهبك خصلة أو
حقاً فتقدر أنك أنك استغنيت عن عصمته فتهلك عاجلاً و آجلاً .ولقد أصابتني
علة شديدة ولدت علي ربواً في الطحال شديداً فولد ذلك علي من الضجر وضيق الخلق وقلة
الصبر والنزق أمراً حاسبت نفسي فيه إذ أنكرت تبدل خلقي واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي
وصح عندي أن الطحال موضع الفرح إذا فسد تولد ضده .
No comments:
Post a Comment