Saturday, September 13, 2014

الغلو




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أكتب هذه المشاركة نتيجة مناقشة حصلت بيني وبين بعض المشايخ حفظهم الله ورعاهم و وفقهم إلى كل خير. وبما أننا في نقاشنا تطرقنا إلى عدة مواضيع, فهذه المشاركة خاصة بموضوع الغلو. كنا نتحدث عن موضوع عدالة الصحابة, فقال لي شيخي: هل معاوية عدل أم لا؟ أجب بنعم أو لا؟ قلت له لا أدري, لابد أن أدرس أولا ومن ثم أحكم ولكن طبعا بعد إجابتي هذا أسمع الإخوان من حولي يقولون: "أستغفر الله العظيم" و بعضهم: "كيف!" وهكذا, وكانت إجابتي بأني لا أعلم ما في أنفسهم, ولا أعلم تفاصيل حياتهم لأقول هو عدل أم لا. فقالوا بأن الله عدل الصحابة, فعندما قلت لهم الآيات التي تستدلون بها آيات تحتمل هذا أو ذاك, فأنتم تعرضون فهمكم النسبي وتريدون أن يكون مطلقا وتفرضوا هذا الفهم على غيركم, فإن لم يوافق فشارف على الكفر واستحقاق اللعنة وما أشبه ذلك, سبحان الله!

السبب في هذا الموقف من الإخوة لأن فيهم غلوا, غلوا السلف ابتداء من الصحابة ومن ثم علماء السلف وأئمتهم والرواة والبخاري ومسلم وغيرهم وهكذا. قلت لشيخي هل تضمن بأن معاوية في الجنة, فضمن لي ذلك, فعندما سألته ولم ذلك, استدل بأحاديث فقلت له بأن هذه الأحاديث ظنية, فكيف قطعت بأنه في الجنة وقد نهينا عن مثل هذا التصرف في القرآن الكريم؟ فاستدل بآية قرآنية قطعية الثبوت إلا أنها ليست قطعية الدلالة كما بينت في مشاركتي والتي كانت بعنوان "سلسلة تصحيح مفاهيم - عدالة الصحابة". وعندما أكثر بناء عقائده على مرويات ليست بمتواترة تواترا قطعيا, أي هي من الأحاديث أردت أن ألفته إلى أمر مهم, فقلت له: هل تحتمل أن يكون البخاري رحمه الله كاذبا ولو بنسبة  0.00000000000000001% فقال لي مستحيل وحلف لي على ذلك بل كان مستعدا أن يباهل على ذلك. فقلت له هل شققت عن صدره فعلمت ذلك؟ فقلت له, اترك البخاري, ماذا عن الذين نسخوا البخاري, أو الذين يروون كتاب البخاري, هل هناك احتمال أن يكذبوا ولو بالنسبة المذكورة؟ فقال لا وضمن صدقهم فقلت له من باب احسان الظن؟ أم من باب الإجماع؟ وذلك لأني أعلم بأنه لو كان الأول فالاحتمال لا ينتفي, وإن كان الثاني فالاحتمال وارد أيضا لأن الاجتماع على الحق مبني على دليل إما غير قطعي الثبوت وإما غير قطعي الدلالة. فهنا علمت بأن الغلو قد سيطر على عقول البعض منا لدرجة أننا ندعي معرفة أشياء لا يمكن معرفتها إلا إن كنا نعرف الغيب وما تخفيه الصدور, وهذا لا نعلمه من أحد إلا الله سبحانه وتعالى أو ممن ارتضى من رسول فيعلمه مما يشاء.

إن قال قائل بأنك إن شككت في مصداقية البخاري ستشك في الجميع, وبالتالي ستشك في القرآن, أقول له أبدا, بل سأدعوه ليقرأ المشاركة السابقة والتي كانت بعنوان: "الفرق بين القرآن والسنة – الجزء الثاني" ليعلم الفرق. ثم إني لا أدعو أبدا إلى التشكيك في البخاري, أو في الصحابة أو ما شابه ذلك, إنما أقول بأنه لا ينبغي للمسلم أن يجعل من الظني يقين, ولا يدفعه الحب المفرط إلى الغلو في الأشخاص فيجعل من إنسان بطبعه خطّاء إلى معصوم. لا ينبغي أن نتحكم فنقول فلان في الجنة, ونباهل بأن فلان عدل أو صادق أو أنه في الجنة وليس لدينا نص قطعي من الله سبحانه وتعالى يحكم على الشخص المعين بهذا الحكم. ألستم تعترفون بأن في البخاري ما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: "اللهم العن فلانا" ما الذي يدريني كمسلم عامي بأن هذا الفلان ليس هو أحد الصحابة؟ هل تستطيع أن تضمن لي بأنه ليس عمرو أو ابن عمر أو العباس أو معاوية أو أبو سفيان...الخ فكيف تريدني أن أجيب: "هو عدل, هو في الجنة" وأنا لا أعلم يقينا من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأن تجبر إنسانا أن يجيب بنعم أو لا لسؤال: "هل فلان عدل, هل فلان في الجنة" وما أشبه ذلك أسلوب غير صحيح في السؤال, ومجرد ارهاب فكري.

الغريب أننا دائما ندعو من ندعو من عوام المسلمين باتباع الكتاب والسنة, فنقول لا نبتدع أمرا من عندنا ولا نتجاوز الكتاب والسنة ونقف عند حدود الكتاب و السنة, ولكن إن كان أمرا فيه تهديد لبعض عقائدنا, تجاوزنا هذه الحواجز والحدود وخالفنا ما اشترطناه في البداية, فنزعم بأن فلانا في الجنة وفلانا صادق لا مرية في صدقه بل وكأنه إن أراد الكذب فلن يستطيع وليس لنا من الله برهان في كل ذلك, أليس هذا هو الغلو؟ إن لم يكن هذا نوع من أنواع الغلو في الأشخاص, فما الغلو أيها الإخوة؟ أختم هذه المشاركة بكلمات للأخ خالد القارة, صاحب بحث: "الغلو في الأشخاص وموقف الإسلام منه", قال أخونا: " خلق الله الخلق وجعل لهم غايةً في هذه الحياة ، وهي تعظيمه سبحانه وتعالى ، وإفراده بصفات الكمال ، وبأن يفردوه بالعبادة والقصد .ولكن لو نظرنا إلى الواقع البشري ، لوجدنا من الناس من يعظم بعضهم بعضاً، ويرفعون أشخاصاً إلى منزلة لا تكون إلا لله تعالى ، وهذا شرك محض .. أو يرفعون أشخاصاً إلى منزلة دون ذلك ، ولكنها منازل ليست لهم ، وهذا مخالف لما يريده الله تعالى . وتوحيد الله تعالى وتعظيمه وتقديسه ! لا يكون إلا بإتباع الهدى الذي جاء من عنده، وبأن يُوحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وحاكميته . وعليه فلا يجوز أن يرفع الناس أحداً من البشر إلا وفق ما أراده الله تعالى لذلك الشخص ، وفي حدود المنزلة التي أنزله الله إياها" و أذكر كل من حكم على فلان بالجنة من غير برهان أو لعنه من غير استحقاق للعن, أو مستعد أن يباهل على صدق فلان أو علان من غير مستند من قرآن أو قول نبوي ثابت, أوصيه بوصية قرآنية: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment