Friday, May 30, 2014

هو الله




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كنت أقرأ الكتاب الرائع "مع الله" للمؤلف محمد الغزالي رحمه الله, وقد نقل في كتابه ثناء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الله الله جل جلاله... الله أعلم إن كانت هذه الكلمات فعلا قالها الإمام علي أم لا, بغض النظر, فإن الثناء أعجبني, فقلت في نفسي لم أقرأه بنفسي, أحببت أن يقرأ الناس ثم يقوموا بالثناء على الله هم بدورهم كذلك... لا أريد أن أطيل عليكم بالمقدمات, وننتقل مباشرة إلى ما نقله الغزالي رحمه الله عن الإمام علي في خطبة له يثني على الله سبحانه:

"هو أول كل شىء ووليه ، وكل شئ خاشع له ، وكل شىء قائم به ، وكل شىء ضارع إليه ، وكل شىء مستكين له . خشعت له الأصوات ، وكلت دونه الصفات ، وضلت دونه الأوهام ، وحارت دونه الأحلام ، وانحسرت دونه الأبصار . لا يقضى فى الأمور غيره ، ولا يتم شئ منها دونه . سبحانه ما أجل شأنه ، وأعظم سلطانه ، تسبح له السموات العلا ، ومن فى الأرض السفلى ، له التسبيح والعظمة ، والملك والقدرة ، والحول والقوة ، يقضى بعلم ، ويعفو بحلم . قوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، وعز كل ذليل وولى كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، وكاشف كل كربة ؛ المطلع على كل خفية ، المحصى كل سريرة يعلم ما تُكِنُّ الصدور ، وما تُرخى عليه الستور ، الرحيم بخلقه ، الرؤوف بعباده ؛ من تكلم منهم سمع كلامه ، ومن سكت منهم علم ما فى نفسه ، ومن عاش منهم فعليه رزقه ، ومن مات فإليه مصيره ؟

اللهم لك الحمد عدد ما تحيى وتميت ، وعدد أنفاس خلقك ولفظهم ولحظ أبصارهم وعدد ما تجرى به الريح ، وتحمله السحاب ، ويختلف به الليل والنهار ، وتشرق عليه الشمس والقمر والنجوم ، حمدا لا ينقضى عدده ولا يفنى مدده . اللهم أنت قبل كل شيء ، وإليك مصير كل شيء ، وتكون بعد هلاك كل شيء ، وتبقى ويفنى كل شيء ، وأنت وارث كل شيء ، أحاط علمك بكل شيء ، وليس يعجزك شيء ، ولا يتوارى عنك شيء ، ولا يقدر أحد قدرك ، ولا يشكرك أحد حق شكرك ، ولا تهتدى العقول لصفتك ، ولا تبلغ الأوهام حدك . حارت الأبصار دون النظر إليك فلم ترك عين فتخبر عنك : كيف أنت ؟ وكيف كنت ؟

لا نعلم اللهم كيف عظمتك غير أنا نعلم أنك حى قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم لم ينته إليك نظر ، ولم يدركك بصر ، ولا تقدر قدرتك ملك ولا بشر ، أدركت الأبصار وكتبت الآجال ، وأحصيت الأعمال ، وأخذت بالنواصى والأقدام . لم تخلق الخلق لحاجة ولا وحشة ؛ ملأت كل شيء عظمة ، فلا يرد ما أردت ، ولا يعطى ما منعت ، ولا ينقص سلطانك من عصاك ، ولا يزيد فى خلقك من أطاعك . كل سر عندك علمه ، وكل غيب عندك شاهده فلم يستتر عنك شيء ، ولم يشغلك شيء عن شيء . وقدرتك على ما تقضى ، كقدرتك على ما قضيت . وقدرتك على القوى كقدرتك على الضعيف ، وقدرتك على الأحياء كقدرتك على الأموات ، فإليك المنتهى وأنت الموعد ، لا منجى منك إلا إليك . بيدك ناصية كل دابة ، وبإذنك تسقط كل ورقة ولا يعزب عنك مثقال ذرة"


Saturday, May 24, 2014

يقولون لي: فيك انقباض!


يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما***رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما
أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم***ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِما
ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا***بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما
وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً***من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما
إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى***ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا
أُنزِّهها عن بَعضِ ما لا يشينُها***مخافةَ أقوال العدا فيم أو لما
فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مسلَّما***وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما
وإني إذا ما فاتني الأمرُ لم أبت***أقلِّبُ فكري إثره مُتَنَدِّما
ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه***وإن مَالَ لم أُتبعهُ هَلاِّ وليتَما
وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ***إذا لم أَنلها وافرض العرضِ مُكرما
وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً***وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما
وكم طالبٍ رقي بنعماه لم يَصِل***إليه وإن كَانَ الرَّئيسَ الُمعظَّما
وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً***وكم مغنمٍ يَعتَده الحرُّ مَغرَما
ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي***لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما
أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً***إذن فاتباعُ الجهلِ قد كان أَحزَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم***ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانو ودَنَّسُوا***مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
فإن قُلتَ جَدُّ العلم كابٍ فإنما***كبا حين لم يحرس حماه وأُسلما
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني***ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما
ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ***أُقلبُ فكري مُنجداً ثم مُتهما
إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره***إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما



"أبيات تنسب لعدد من العلماء"

Sunday, May 18, 2014

الهدية




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أكتب هذه المشاركة نتيجة حوار حصل بيني وبين بعض الإخوة عن موضوع الهدية, لست هنا لأكتب عن معنى الهدية في اللغة أو حكمها في الشرع, أو حكم اهداء الكافر أو العكس, فهذه الأمور معروفة لدى الناس وإن لم تكن معروفة فهذه المعلومات متوفرة  وبكم هائل في بطون الكتب والشبكة العنكبوتية. إنما أنا هنا لأسجل ملاحظتي عن بعض الظواهر المتعلقة بالهدية في مجتمعنا (أقصد المجتمع الخليجي) سواء شعر الناس بوجودها أو لم يشعروا. هناك أحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم مثل: "تهادوا تحابوا" (إلا أن هذا الحديث ضعفه جمع من العلماء وحسنه البعض) وهناك حديث آخر وهو: "تهادوا، فإن الهدية تذهب وَحَرَ الصدر" بغض النظر عن أسانيد هذه المرويات لكن هذه المعاني صحيحة. نفهم من هذه المرويات بعض مقاصد الهدية: "افشاء المحبة بين الناس, اطفاء وحر الصدور" وهذه المقاصد هي بالفعل مقاصد عظيمة, وبيان ذلك أنه لا يشك مسلم اليوم بأنه يعيش في مجتمع قد كثر فيه للأسف الأحقاد والحسد وانتشرت الكراهية والبغضاء بين الناس والهدية قد تكون سببا في نثر بذور المحبة في قلوب هؤلاء من جديد وكلنا منذ الصغر نعلم عظيم أجر المصلح بين الناس...

المشكلة أن تتحول هذه المقاصد الجميلة للهدية إلى أمور سلبية, فاليوم للأسف الشديد ولنكن "صريحين" مع أنفسنا. كثير منا يهدي الآخر ليس محبة للطرف الآخر في الله, وليس لإطفاء الأحقاد التي في أعماق القلوب وتقوية الروابط الأخوية, إنما كثير منا يهدي فقط انتظار أن يُهدى إليه! نعم أيها الإخوة, سمعت وسمعتم, امرأة تثور غضبها أو تنهش لحم أختها فقط لأنها (أقصد الأولى) أهدتها في يوم ميلادها والأخيرة لم تفعل الشيء ذاته في ميلاد (الأولى) فتبتدأ تتنقص هذه المرأة في مجالسها سواء مع أهلها أو صديقاته وربما سمعتم الكلمة المشهورة: "ما فيها خير!" وهناك فئة من الناس من يقوم بإقامة حفلات خاصة بما يسمى بحفلات: "الميلاد, التخرج, ما بعد الزواج, حفلة الهدايا" والهدف من كل هذه الحفلات في كثير من الأحيان هي: "أبتغي الهدايا" وهذه صفات مع احترامي الشديد لا يليق بالمرء المسلم بل هو أشبه بصفات العبيد المذكورة في بعض كتب الغرب أو صفات المتسولين. وأنا شخصيا لا أحب مثل هذا, والسبب في ذلك, تجد جماعة من الرجال أو النساء يقومون بزيارة صاحب الحفلة, فإن لم يقدم أحد الضيوف الهدية لربما انزعج صاحب الحفلة أو في كثير من الأحيان لالتهمته ألسنة الناس الذين قدموا الهدايا وربما يتهمونه بالبخل وغير ذلك. (وقد حصل ذلك أمامي شخصيا) وللغرب لهذه الأفعال مصطلح ومفهوم متداول معروف لديهم. فنصيحتي لإخواني وبالأخص أخواتي: قللوا من طلب الهدايا بالتستر خلف: "اليوم ذكرى ميلادي, اليوم ذكرى زواجنا, اليوم ذكرى صداقتنا, اليوم ذكرى هذا وذاك" كونوا أحرارا وحرروا أنفسكم من هذه العبودية التي هي صنف من أصناف عبادة المال أو النفس.

وهناك ظاهرة لا تخفى عليكم, وهي إهداء ذوي المكانة, أقصد الشخصيات المهمة في المجتمع, وشخصيات مهمة في المواقع الاجتماعية كالفيس بوك أو تويتر أو الانستغرام ولا يخفى عليكم, فقد تجد غريبا لا يعرف هؤلاء ولكن يهديهم, ليس حبا في الشخص ولكن للحصول على انتباهه وربما للحصول على كلمة شكر أو صورة في الانستغرام فيها "صورة الهدية وشكرا لصاحب الهدية فلان" فبالتالي يحصل على مبتغاه سواء كان زيادة عدد المتابعين, أو الشهرة, أو نوع من "الخرفنة" سواء المفهوم التقليدي أو لاصطياد القلوب لقضاء شهوة خسيسة. إن تعمقت في أسرار هؤلاء لوجدت أن المصالح الشخصية مغروسة في نفوسهم فيحولون الهدية إلى رشوة... وهناك أمر آخر, أن المُهدي في هذا الزمن لا يمكنه أن يهدي أية هدية, لابد أن يختار ويخسر الكثير من الأموال فقط ليرضي الطرف الآخر, فيقول: "كيف أهدي لفلان أو فلانة شيء بسيط, فشلة!" وللأسف نجد أن المُهدى إليه قد يضجر أو يذم من أهدى إليه إن لم يكن علنا (بالمزاح الذي فيه غرض) فإنه يكون سرا فربما يقولون: "بخيل لم يستطع إلا أن يعطيني هذه الهدية التافهة" أو "خله تنفعك" وكلا الطرفين لم يفقهوا مقاصد الهدية, وكان عليهم أن يتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت" صلى الله وسلم على معلم الناس الخير.

وهناك من يهدي ليس حبا في المُهدى إليه وإنما لشرائه, وهذا قد حصل في التاريخ مرات عديدة ولا يكاد يخفى على من قرأ التاريخ, أو ربما لبيع سلعته. فمثلا إنسان يخاف من آخر أو يخشى لسانه السليط, فالذي يفعله الضحية يقوم بإهدائه فقط ليكسبه في صفه (وهو عمل قد لا يكون فيه شيئا إن أراد أن يتقي شرّه) وهذه هي عادة الملوك في التاريخ, وهناك بعضهم الذين يهدون الهدية فقط لبيع سلعة عندهم: "سواء كان سمعة شخصية, أخ لهم يحبون أن يظهروه أمام الناس فيحصل على وظيفة, أو انتباه, زوجة جديدة يريد أن يبين لأهله أنها زوجة طيبة وتهتم بعائلة زوجها أو ما شابه ذلك فيقوم بإهداء الآخرين باسم زوجته لتكسب زوجته سمعة طيبة وزوجته لم يكن في بالها أي شيء من هذا, ولكنها السياسة, السياسية على مستوى الجماعة, والطائفة والعائلة والفرد). أصبح من الصعب اليوم أن تحدث الأخت أخاها بمناسبة نجاحه في مشروع ما والسبب في ذلك: "يا فلانة لا تكتفين بالاتصال هذا عيب, لازم تعطينه هدية" وهذه الأخت المسكينة التي تعودت على محادثة أخاها بالهاتف وتهنئته وغير ذلك من غير تكلف وتصنع, تجد نفسها مضطرة للبحث, للبحث عن هدية قيمة, تغليفها, ارسالها بالطريقة هذه أو تلك, أو ربما تتكاسل عن ذلك كله ولا تتصل والسبب "عيب أو قد يتهمونني بالبخل"

قد لا نشعر بأضرار هذه الظاهرة اليوم, ولكن مع مرور الأيام ستجدون ما يفعله كثير من الناس من الإهداء بدلا أن يكون شيئا مفرحا يكون نقمة على المُهدى إليه. لهذا تجد بعض المخلصين لا يهدون الآخرين كي لا يكلفوهم لأنهم يفهمون هذه الظاهرة التي انتشرت في مجتمعاتنا قد تضر ببعض طبقات المجتمع الفقيرة. عن نفسي لا أحب أن يُهدى إلي بسبب بعض البواعث التي ذكرت في هذا المقال, وبما أننا نعيش هذه الظاهرة أو ما أشبه ذلك, فإنه لابد أن أهدي من أهدى إلي (فلطالما استعبد العبد احسان, وأنا إنسان أحب أن أحرر نفسي على الأقل), بالهدية قد تستعبد إنسانا وأنت لا تشعر بذلك, لأنك تطالبه بأن يهديك بهديتك! أما لو تخلقنا بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يشعر المرء العزيز بهذا الشعور... فإن كانت البواعث صادقة تبتغي وجه الله, فكلمات تخرج من القلب كفيلة بأن تسعدني وأنت بنفسك لن تطلب أن أرد هديتك, وذلك سعادتي هو سعادتك, وكذلك الشخص الذي يهدي لوجه الله, كل ما يهمه أن يفرح أخاه فهو لأنه يحبه يفرح لسعادته وهكذا...

نصيحتي لإخواني وأخواتي, لا تهدوا بسبب الرياء ولا تهدوا ابتغاء ما عند الطرف الآخر, بل ابتغوا ما عند الله, فعندما تهدون فليكن الباعث لوجه الله سبحانه وتعالى, محبة في الله, أخوة في الله, صدقا بعيدا عن التصنّع والمبالغة وغير ذلك... من كان بينه وبين أخيه شحناء فليهده فالمسلمون اليوم بحاجة إلى جمع الشمل ونزع الكراهية والبغضاء من قلوبهم والهدية وسيلة إلى ذلك وكم من السلف من كان يهدي من كان يتنقّصه! من كان له أخ يحبه في الله فليهده, وانبذوا المصالح الشخصية, اهدوا من هو بحاجة إلى الهدايا, من لا يجد من يعبه به وحاولوا أن تفرحوا المساكين. هذا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.