Wednesday, June 3, 2015

أحرف القرآن السبعة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب في هذه المشاركة لإبداء أمر يحك في صدري منذ فترة، و سابقا قلت لن أكتب رأيي في المسألة كي لا يقولوا أني أريد أن أشكك الناس وما إلى ذلك و لكن بعد بحث على الشبكة وجدت عددا لا أحصيهم كتبوا في هذا الموضوع و كتبوا أمورا أظن هي أخطر بكثير مما سأكتبه. الموضوع الذي يسبب لي بعض القلق هو موضوع: “نزول القرآن على سبعة أحرف”. و الحمدلله أن العلماء اختلفوا في تعريف السبعة أحرف، وإلا كان الأمر أشد علي. فهذا يعطي للمرء فسحة. و قبل إبداء رأيي الشخصي في المسألة أحب أن أقول بأن جميع ما سأتطرق إليه هو بخصوص الأحرف السبعة و ليست القراءات المختلفة للقرآن، فمسألة القراءات مسألة مختلفة و لعلي أتطرق إليها في مشاركة أخرى. 

أحب أن أنقل لكم الرأي المشهور عند علماء أهل السنة من موقع الإسلام سؤال و جواب: “اعلم –وفقك الله – أنّ القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف " . رواه البخاري ( 3047 ) ومسلم ( 819

ثانياً :ما معنى الأحرف؟ أحسن الأقوال مما قيل في معناها أنها سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى : فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض . ومعنى " حرف " في اللغة : الوجه ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج /11

ثالثاً : قال بعض العلماء : إن معنى الأحرف لغات العرب وهذا بعيد لحديث عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ . فقال : هكذا أنزلت . ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت . إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه . رواه البخاري ( 2287 ) ومسلم ( 818 ) .ومما هو معلوم أن " هشاماً " أسدي قرشي ، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة ، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان .وقد ذكر العلماء قرابة أربعين قولاً في هذه المسألة ! ولعل الأرجح ما قد ذكرنا آنفاً . والله اعلم

رابعاً :تبين أن الأحرف نزلت على ألفاظ متعددة كما بينه حديث عمر لأن إنكار عمر وقع على الحروف وليس على المعاني والخلاف بهذه الحروف ليس للتضاد ولكنه للتنوع كما قال ابن مسعود (( هو بمنزلة قول أحدكم هلمّ أقبل تعال )) .

خامساً :أما تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد ، وإنما جاء العدد مصادفة واتفاقاً أو قصداً منه ليوافق ما ورد من كون الأحرف سبعة وقد ظن بعض الناس أن الأحرف هي القراءات وهذا خطأ ، ولا يُعرف هذا عن أهل العلم . والقراءات السبعة هي إحدى الأحرف السبعة وهي الحرف الذي جمع عثمان عليه المسلمين .

سادساً :لما نسخ عثمان المصحف نسخه على حرف واحد ولكنه ترك النقط والتشكيل ليتسع هذا الرسم لحمل ما يستطيع حمله من الأحرف الأخرى فجاء المصحف برسمه محتملاً لبعض الأحرف فما احتمله جاءت به القراءة وما لم يحتمله نُسخ ، وذلك لأن الناس أنكر بعضهم على بعض عند اختلافهم في القراءة فجمعهم عثمان على نُسخه واحدة ليجمع شملهم .

أولا أحب أن أقول بالأن الأحاديث في هذا الموضوع لا ترتقي إلى درجة التواتر اللفظي بل ولا حتى التواتر المعنوي عند التحقيق و خاصة أن بعض أحاديث هذا الموضوع عليها علامات استفهام على السند قبل المتن! و أنا في هذا الموضوع لن أتطرق إلى دراسة سند الأحاديث لأن الموضوع سيطول جدا، و الحمدلله وجدت بأن بعضهم درس أسانيد هذه المرويات، و لعل أحسن من انتقد سند الحديث هو الدكتور محمد عمراني حفظه الله و ذلك في موقعه.

ثانيا فكرة بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف كما يصورها علماء أهل السنة، أو أن القرآن أنزل بسبعة أوجه بلفظ مختلف ومعنى متقارب فالحقيقة أشعر بأن فيه استخفاف بالله سبحانه و تعالى. بيان ذلك، لنفترض أن الآية ما أنزلت بسبعة أوجه و كل حرف اختلف فيها اللفظ أو الكلمة أو ما شابه ذلك، فهذا يعني في نهاية الأمر أن الله أوحى كلامه إلى الرسول بنفس الآية سبعة مرات! مثلا (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فهذا وجه و وجه آخر ربما ((فتثبتوا)) و حرف آخر بكلمة أخرى و لفظ آخر لكن المعنى القريب! هل يعقل بأن الله يفعل ذلك؟ إن قالوا نعم فصدقوني سيدخلون في إشكالات لا أظنهم سيحلونها! 

إذا كان الهدف من إنزال القرآن على سبعة أحرف للتيسير و التوسعة على الأمة فما بال الرسول صلى الله عليه وسلم لم ييسر على أمته في الدعاء الذي علمه لأحد أصحابه؟ في الحديث الذي أخرجه الشيخان: “إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ،  ثُمَّ قُلْ: اللهم أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ؛ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ؛ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». قَالَ (أي الصحابي): فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»! ثم إذا كان الله يريد أن يوسع على الأمة في قراءتها للقرآن الكريم فلماذا لم ينزل القرآن بلغات أخرى؟ كاللغة الإنجليزية أو العبرية أو ما شابه ذلك؟ ألم يكن الله يعلم بأن أناسا لا ينطقون العربية سيعتنقون الإسلام؟

فإن قلتم بأن الله أراد أن يكون القرآن عربيا ولهذا فقط أنزله بلهجات العرب أو ما شابه ذلك! لكن هل فعلا انزال القرآن على سبعة أحرف توسعة و تيسير على المسلمين؟ الواقع و التاريخ يشهد بعكس ذلك، أليس كذلك؟ كما في المرويات التي عندنا في هذا الموضوع تقول بأن المسلمين كادوا أن يقتتلوا بسبب اختلافهم في هذه الأحرف؟ فهل المسلمون توصلوا إلى تيسير لم يصل إليه الله - سبحانه و تعالى - ؟ ثم ما الحاجة إلى أن ينزل الله القرآن على عدة لهجات إن كان ما حصل أخيرا هو الأفضل؟ ألم يكن الأولى أن ينزله كما توصل إليه المسلمون؟ أمر عجيب… 

ثم إن القول بأن الله أنزل القرآن بعدة أحرف (وهذه الأحرف على حسب فهمكم كما هو منقول سابقا) فهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى لم يحفظ الذكر (إن أخذنا بأن المقصود القرآن الكريم) ألم يقل الله سبحانه و تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) فإن ما حدث في عهد عثمان و أنه جمع الناس على حرف واحد و أحرق ما سواه أولا هذا سيعارض ما فهمته من الآية، و ثانيا هل يعقل أن الصحابة كانوا يؤمنون بوجود أحرف كثيرة ثم لا ينكرون على عثمان فعلته إلا على استحياء أو في الخفاء؟ ألم تقولوا بأنهم كادوا أن يقتتلوا بسبب اختلاف الأحرف؟ ألم يكن الأسهل أن يخطب الخليفة و غيره من الصحابة بأن القرآن نزل على عدة أحرف و الأمر واسع و كلكم مصيب في قراءته أو ما شابه ذلك؟ ألم يكن ذلك أوسع و فيه احترام لما أنزله الله من أحرف لا نجدها اليوم و السبب ما حصل وقتها؟ ولماذا جهل المسلمون مسألة الأحرف و كادوا أن يقتتلوا؟ ألم يحفظوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ألم يكن الأولى حفظ آيات الله سبحانه و تعالى بالأحرف الأخرى؟ فإن قلتم بأن الله أنزل هذه الأحرف رخصة و توسعة و لم يلزمهم قراءة جميع هذه الأحرف، ولكن ببساطة إبطال ما أنزله الله غير مقبول، لنفترض أن الله رخص للصائم أن يفطر في السفر فهل نبطل ذلك؟ فإن قلتم بأن الله حفظ الأحرف السبعة في رسم المصحف لكن أقول مباشرة بأن ما تروونه في هذا الباب يخالف ذلك، فإن بعض الأحرف إن أخذنا بمفهومكم لا يحتمله الرسم. أسئلة كثيرة جدا وسيلزمهم في النهاية إما القول بأن الله لم يحفظ كتابه، أو أن المسلمون كانوا أحكم و أرحم بالمسلمين من الله سبحانه و تعالى، أو أن الصحابي عثمان كان مخطئا أو أن الصحابة كانت فيهم غفلة و جبن و كانوا مخطئين أو ما شابه ذلك، و جميع هذه النتائج غير مقبولة عند المسلمين. 

ما الحل إذا مع هذه الأحاديث! الحل الأول و الأفضل بحث أسانيد هذه المرويات، فإن كانت ضعيفة فانتهينا، و إن كانت هذه المرويات ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، نحصل على توجيه جديد للأحرف السبعة غير التوجيهات المذكورة سابقا لأن جميعها إما يعارضها نص قرآني أو رواية من المرويات و بيان ذلك يطول و بحاجة إلى عدة مشاركات. فإن لم نتوصل إلى شيء فنكل العلم إلى الله إلى أن يفتح علينا لمعرفة مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الأحرف. الحقيقة من يتأمل هذه المسألة، سيندهش من اختلاف عدد الأحرف المنزلة في الروايات الضعيفة فبعضها حرف و بعضها ثلاثة و بعضها أربعة و بعضها خمسة و بعضها سبعة و بعضها عشرة. نعم هي أحاديث ضعيفة لكن هذا يعطي للمحلل بأن هناك خلافا ما كان حاصلا أما القول بأن كلهم تطرق إليهم النسيان و كل واحد منهم جاء بحرف و إن لم يكونوا ضعفاء فما أجرأهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. و المسألة الأخرى التضارب في معنى الحرف، فإن كان فعلا القرآن منزل على سبعة أحرف على حسب الفهم السائد فغريب كل هذا التضارب و خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم و صحابته كانوا حريصين على القرآن الكريم. ثم ما بالنا لا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم عند كتابة القرآن تطرق إلى مسألة الأحرف السبعة؟ 


ثم إن أحذنا القول المنسوب إلى ابن مسعود رضي الله عنه بأن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف: “زاجرا، و آمرا و حلالا و حراما و محكما و متشابها و أمثالا…” الحديث. فهذا القول من أحسن الأقوال إلا أنه يتعارض مع المرويات الأشد صحة منها. ثم إن متن الحديث يوحي بأنه من أقوال العلماء و الفقهاء و ليس فيه نكهة أقوال الصحابة التي كثرت طرق أسانيدها إليها و هذا لا يمكنني أن أشرحه مجرد ذوق شخصي قد أكون مخطئا. أما القول بأن هذه الأحرف هي قراءات مختلفة للقرآن و أن الله أنزلها سبعة مرات أو أوحى إلى رسوله عن طريق الأمين جبريل فقرأ سبعة قراءات مختلفة فهذا في الحقيقة أمر لا يستطيع عقلي إستيعابه ولا يتحمل قلبي قبوله.