Monday, September 29, 2014

حبب إلي من دنياكم النساء والطيب!



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كثيرا ما أناقش بعض الإخوة في العمل أو حتى على الهاتف المتحرك, يتعرضون لمواضيع النساء فأقول لهم لم تجعلون كل همكم النساء!؟ إن ملأت القلوب بحب النساء والصور فالقلب يضيق عن حب ما هو أعظم. وطبعا يأتيني الرد منهم مباشرة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم : النساءُ ، والطيبُ ، وجعلتْ قرةُ عيني في الصلاةِ" وكذلك بعض الأخوات يستدلون بهذا الحديث مفاخرة أو معذرة لبعض قصص العشق والحب وما شابه ذلك. وطبعا بما أن الحديث صححه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله فقبلوا الناس هذا الحديث ولكن في الحقيقة في نفسي شيء من هذا الحديث, فقلت لم لا أبحث في هذا الحديث, فبحثت وأضع النتيجة التي توصلت إليها في هذه المشاركة. ملاحظة بأن هذا الحديث اليوم يُستخدم من قبل غير المسلمين (بعضهم) للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه شهواني يحب النساء والطيب وأمور دنيوية بخلاف المسيح عيسى بن مريم أو يحيى بن زكريا عليهما السلام. ولكن هؤلاء لم يفهموا بأن هذا الحديث ليس فيه نقص للرسول صلى الله عليه وسلم إن صح وإن علماؤنا كعادتهم قادرون أن يقلبوا الطعن إلى مفخرة وأدلة لصالح المسلمين مثل ابن تيمية رحمه الله. ولكن للأمانة أحب أن أدوّن ملاحظة شخصية, وهو أن كثير من الأحاديث التي يستغلها غير المسلمين للطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم أو الإسلام أجد فيها مشاكل, ولا أستبعد أن يأتيني تكفيري أو أحد الغلاة فيتهمني ويقول: ((تشابهت قلوبهم)) ولا حول ولا قوة إلا بالله. أطلت عليكم بالمقدمة, دعونا نبدأ بدراسة الحديث.

الحديث مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل, السنن الكبرى و الصغرى للنسائي وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم وفي جزء المؤمل و الزهد لابن أبي عاصم و تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. الحديث أيضا مخرّج في مسند أبي يعلى الموصلي و ومستخرج أبي عوانة و في الضعفاء الكبير للعقيلي و في تفسير ابن أبي حاتم الرازي و في المعجم الأوسط والصغير للطبراني و في أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني و في بحر الفوائد للكالاباذي و السنن الكبرى للبيهقي وفي الطبقات الكبرى لابن سعد و في تاريخ دمشق لابن عساكر. ولم أجد الحديث لا في موطأ الإمام مالك ولا في البخاري أو مسلم ولا في صحيح ابن حبان ولا حتى في كتب السنن الأخرى كالترمذي وأبو داود وابن ماجه إلا سنن النسائي فيما أعلم وهذه ملاحظة أولى. وقد تقول ما فائدة هذه الملاحظة, أقول بأن عدم وجود الحديث في كل هذه الكتب يعني أنه لابد للدارس أن يفحص الحديث ولا يمرر الحديث هكذا, فإن القوم لم يُخرجوه لسبب ما. وعن نفسي إن لم أجد الحديث في موطأ الإمام مالك ولا في مسند الإمام أحمد بن حنبل بسند صحيح ولا في صحيح البخاري أو صحيح مسلم فإني أحتاط.

أما الملاحظة الأخرى, الحديث لم يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابي أنس بن مالك ولم يروى عن أنس بن مالك إلا بأسانيد لا تخلو من مقال. معظم الأئمة أخرجوا الحديث في كتبهم عن طريق سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس بن مالك ومن هؤلاء النسائي (في رواية) و الإمام أحمد بن حنبل و ابن سعد و ابن أبي عاصم و محمد بن نصر المروزي (في رواية) و أبو يعلى الموصلي و أبو عوانة (في رواية) و أبو حاتم الرازي و الطبراني (في رواية) و أبو الشيخ الأصبهاني (في رواية) و الكالاباذي. وهذه الروايات كلها لا تسلم من مقال ويكفي بأنها من طريق سلام أبو المنذر. الذي قال عنه ابن حجر في التقريب: "صدوق يهم" و  قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سألت يحيى بن معين عن سلام أبى المنذر أثقة هو ؟ قال : "لا" و قال ابن حبان وقد ذكره في الثقات: "وقد كان يخطئ" و قال الساجي: "صدوق يهم ليس بمتقن في الحديث" و في كتاب: "من تكلم فيه وهو موثق" للذهبي طبعة الرحيلي قال أيضا عنه: "وبعضهم لم يحتج به في الحديث". ثم إن افترضنا بقبوله فإنه لا يكاد يخلو رجال سند عن سلام إلا وبحاجة لتوقف ودراسة فإن في بعض رجال السند مقال.

وقد روى جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس هذا الحديث, وهذا الطريق مخرج في السنن الصغرى والكبرى للنسائي و في جزء المؤمل و في مستخرج أبو عوانة وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم. وجعفر بن سليمان الضبعي هو لا أستطيع أن أطمئن بمروياته,     قال أبو طالب أحمد بن حميد عن أحمد بن حنبل : "لا بأس به" ، قيل له : إن سليمان بن حرب يقول : لا يكتب حديثه ؟ فقال : حماد بن زيد لم يكن ينهى عنه ، كان ينهى عن عبد الوارث و لا ينهى عن جعفر ، إنما كان يتشيع" و قال البخاري: "كان أميا" ولهذا تحاشاه في صحيحه. وقال أحمد بن سنان القطان: "رأيت عبد الرحمن بن مهدى لا ينبسط لحديث جعفر بن سليمان". قال أحمد بن سنان : "و أنا أستثقل حديثه" وقال محمد بن سعد: "كان ثقة وبه ضعف وكان يتشيع" و كما قال يحيى بن معين: "كان يحيى بن سعيد لا يكتب حديثه" وقال في موضع آخر: "كان يحيى بن سعيد لا يروى عنه ، و كان يستضعفه" وبالرغم من ذلك وثقه يحيى بن معين! ثم لنفترض بأنه ثقة فإن الوحيد الذي روى عنه (أي عن جعفر بن سليمان الضبعي) هو سيّار بن حاتم العنزي! وهو صاحب مناكير, قال ابن حجر في التقريب: "صدوق له أوهام" وقال القواريري عنه: "لم يكن له عقل كان معى فى الدكان" وقال الذهبي في الكاشف: "صدوق" قال الحاكم: "في حديثه بعض المناكير" و قال العقيلي: "أحاديثه مناكير, ضعفه ابن المديني" وقال الأزدي: "عنده مناكير" فهذا يعني بأن طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك غير ثابت.

و وجدت في جزء المؤمل طريقا ثالثا عن ثابت عن أنس بن مالك وهو من طريق سلاّم بن أبي الصهباء والسند كالتالي: "أحمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر ابن أبي عاصم عن أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين بن طلحة البصرى عن سلام بن أبي الصهباء. أقول بأن مشكلة هذا الطريق هو سلاّم بن أبي الصهباء. قال عنه ابن حجر في اللسان: " ضعفه يحيى وقال أحمد حسن الحديث وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وقال البخاري منكر الحديث". وقال صاحب كتاب: "سلسلة الأحاديث الواهية وصحح حديثك" وهو الشيخ علي حشيش: "قلت: ولقد بينت آنفًا معنى مصطلح البخاري "منكر الحديث"، وأن البخاري يطلقه على من لا تحل الرواية عنه وقال عنه ابن حبان في المجروحين: "ممن فحش خطؤه وكثر وهمه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد". وقال العقيلي في كتابه الضعفاء الكبير: ""ولا يتابع عليه عن ثابت".

وكل الطرق المذكورة هي عن ثابت عن أنس بن مالك, قال البيهقي في السنن الكبرى بعد أن أورد الحديث: "وروى ذلك جماعة من الضعفاء عن ثابت". أما الطريق الرابع والأخير فيما أعلم هو رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ولعل هذا الطريق يعتبر الأقوى عند علماء الحديث, وذلك لأن إسحاق حجة عند البعض منهم ولعل بسبب هذا الطريق صحح بعض علماء هذا الحديث. أخرج رواية إسحاق بن عبدالله عن أنس كل من الطبراني في معجمه الأوسط والصغير و ابن عساكر في تاريخ دمشق. أخرجه الطبراني عن محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك. وبعد أن أخرج الطبراني الحديث في كتابه قال: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الهقل, تفرد به يحيى بن عثمان الحربي".

وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبو محمد بن الأكفاني الدمشقي عن عبدالعزيز بن أحمد الكتاني عن عبدالوهاب بن جعفر بن أحمد بن علي الميداني عن موسى بن عبدالرحمن بن موسى الصباغ عن عثمان بن عبدالله بن محمد بن خرزاد عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فرواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة كما قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الهقل, تفرد به يحيى بن عثمان الحربي". أما يحيى بن عثمان الحربي فقد قال عنه ابن حجر في التقريب: " صدوق تكلموا في روايته عن هقل" وقال ابن معين: "ليس به بأس" و قال العقيلي: "لا يتابع على حديثه عن الهقل"  وأظن هذا يكفي للتوقف وعدم نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم بناء على هذه الرواية.

ولكن إن قبل البعض الرواية المذكورة (أقصد رواية إسحاق بن عبدالله) فأحب أن أضيف ملاحظة أخرى على رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس. فإن كل من المروزي في تعظيم قدر الصلاة و العقيلي في الضعفاء  الكبير أخرجوا الحديث بنفس السند أقصد عن يحيى بن عثمان الحربي عن الهقل عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك ولكن ليس فيه حبب إلي من دنياكم الطيب و النساء, إنما فقط: جعلت قرة عيني في الصلاة. وإليكم متن الحديث كما عند المروزي وهو من القدماء: "حدثنا يحيى, ثنا هقل, عن الأوزاعي, عن اسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة, عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل و امرأة تصلي بصلاته, فلما أحس التفت إليها فقال لها: "اضطجعي إن شئت" قالت: إني أجد نشاطا , قال: "إنك لست مثلي, إنما جعل قرة عيني في الصلاة" انتهى. فيغلب على ظني بأن الطبراني وابن عساكر رووا الحديث (مع ذكر الطيب والنساء) بعد أن صار خلط حديث في آخر من قبل الرواة وربما لذلك لا نجد عند أحمل بن حنبل إلا رواية سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس في هذا الباب وكذلك المروزي فهم من القدماء ولهذا أنكر بعض العلماء جمع الثلاثة في حديث وقالوا بأن الصلاة ليست من الدنيا والإشكالات التي أوردوها.

فبعد هذه الدراسة المتواضعة أظن بأن الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, على الأقل في جزء: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" وبما بأن الحديث من أحاديث الآحاد ولا يكاد يصح عن أنس رواية وإن قبلنا بصحة أية رواية عن أنس بن مالك فيبقى الحديث من الآحاد ولا يقبل حديث الآحاد البعض ولكن حتى لمن يقبل حديث الآحاد مطلقا أقول هيهات أن يُقبل وقد علمتم أن أسانيد هذه المرويات فيها ما ذكرت. يغلب على ظني بأن بعض العلماء قبلوا هذا الحديث بسبب منهجهم في تقوية الحديث بالروايات الضعيفة وما شابه ذلك كما نجد في منهج الشيخ الألباني وأحمد شاكر رحمهم الله وكذلك الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله. أما في منهج محمد عمراني حفظه الله فيستحيل أن يصح هذا الحديث إطلاقا, وأما على منهج المتقدمين من علماء الحديث فإني أيضا لا أجد كيف يصح هذا الحديث! وإن كنت لابد أقبل هذا الحديث لم أكن لأرفعه بل سأقول بأنه من الأحاديث الموقوفة على أنس بن مالك, وذلك لأن متن الحديث ينطبق عليه بشكل قوي كما في سيرة الصحابي لمن قرأ سيرته ومروياته وبيان هذا مني يطول جدا ولكن راجع ما كتبته في مشاركة: "تفعيل الجرح والتعديل على جميع الطبقات".

ولا أظن أحدا من دعاة الحداثة أو التنويريين كعدنان إبراهيم و سلمان العودة أو الجفري حفظهم الله أو من الذين تأثروا بالغرب كمحمد شحرور حفظه الله أو غيره سيشكك في هذا الحديث! وذلك لأنهم يقابلون النظرة الدونية من قبل العلماء والفقهاء بأمثال هذه الأحاديث, فإنهم في أحيان كثيرة يحاولون تصحيح أحاديث فيها في نظرهم تكريم للمرأة ويحاولون تضعيف أحاديث فيها نظرة دونية للمرأة على حسب فهمهم, ولكن الباحث عن الحقيقة لا يبالي بهذا ولا ذاك, سيبحث بشكل موضوعي, ولا يضع النتيجة ثم يبحث بناءً على نتيجة مسبقة في مخيلته, إنما يبحث ليتوّصل إلى الحق وبعد بحثه يصدر نتيجة ما توصل إليه وهذا ما حاولته ولا أدعي العصمة في محاولتي فإن هذا اجتهاد أعرضه عليكم, لكم أن تقبلوه أو تردّوه, هذا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment