Tuesday, September 2, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم - عدالة الصحابة 2


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... هذه المشاركة تابعة للمشاركة التي كتبتها بعنوان: "سلسلة تصحيح مفاهيم – عدالة الصحابة" وعلّقت فيها على الأدلة القرآنية التي يكررون من الاستدلال بها على اثبات عقيدتهم في عدالة جميع الصحابة وقد أثبت (على حسب مفهومي الشخصي) ليس في الآيات دليل على عدالة الصحابة على حسب تعريفهم للصحابة وأيضا ذكرت بأني سأُعلّق على أدلتهم من السنة النبوية في مشاركة أخرى وهذه المشاركة هي التي قصدتها. وكان لابد من كتابة مشاركة لنعرف من هو الصحابي وذكرت الخلاف في التعريف, وكان ذلك مهما لأن كل منا يعلم بأن لفظ "أصحابي" موجود في السنة النبوية فكان لابد من تحديدهم بحد. وبدلا من الإطالة عليكم بالمقدمات, سأبدأ مباشرة بالتعليق.

يُنسب للرسول صلى الله عليه وسلم أقوالا عدة ولكن في نفس المعنى, منها: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" و في رواية أخرى: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". أولا أقول بأنه غالب المسلمين اليوم يؤمنون بهذا, أقصد بخيرية الطبقة الأولى ثم الثانية وهكذا, بل إن الأمة اليوم في مجموعها فيها الخير إلى قيام الساعة وأدلة ذلك معروفة ومنشورة في الكتب والشبكة. فالحديث المقصود به من حيث الطبقة العامة لا من حيث كل فرد بحد ذاته, فلا يوجد عاقل يقول بأن أبو جهل أو أبو لهب خير من المسلمين الصالحين الذين جاؤوا في القرون التي بعد قرن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقول مثلا مسلم عادي مثل إمام من أئمة المسلمين من الذين جاؤوا من بعده. ولا يمتري أحد بأن أفراد الجيل الأول من الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لهم الفضل والأولوية وهذا معروف في القرآن الكريم كقوله سبحانه وتعالى: ((واَلسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)). فمن قال بأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه دليل على عدالة جميع أفراد الصحابة (على حسب تعريفهم) في قرنه قول لا يسعفه الدليل, فلا يصح أن يعتمد عليه لبناء عقيدة عدالة جميع الصحابة.

الحديث الآخر الذي يستدلون به على عدالة جميع الصحابة, ما ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم: "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" فأولا أقول لهم من المقصود بـ"أصحابي" في الحديث؟ هل قصد الرسول صلى الله عليه وسلم جميعهم الذين لازموه ولو لساعة؟ أم الذين لازموه لفترة طويلة؟ وقد فصّلت الخلاف في مشاركة سابقة والتي كانت بعنوان: "سلسلة تصحيح مفاهيم – من هو الصحابي؟" فمن اختار التعريف الثاني فلا اشكال أبدا. أما من اختار القول الأول بأن الصحابة كل من لازموا الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لدقيقة, فأين لهم بأن جميع الصحابة عدول؟ إن القارئ في أخبار الصحابة على حسب كتبنا سواء متون الحديث أو الوقائع التاريخية الصحيحة, فمنهم من لا يصح أن يقال عنه عدل لما ارتكب من الخطايا, أما مغفرة الذنوب وتوبتهم وهذه الأمور فلا أتدخل فيها فمن ثبت لنا توبته بلا شبهة فنعم نقول عدل ولكن لابد من معرفة روايته متى كانت, ولكن إن ثبت عن أحدهم بأنه مثلا شرب الخمر, أو آخر زنى, أو احتال أحدهم أو سب الآخر...الخ فهل يصح لنا أن نقول بأنهم كلهم عدول وبالتالي نقبل رواياتهم بنفس الدرجة من غير تدقيق وفحص ودراسة؟ هذا لا أظنه صحيحا لأن من الصحابة من كان يطلب من غيره أن يحلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ولكن لم يكن يفعل ذلك مع أبو بكر الصديق رضي الله عنه, فهم درجات. فالقول بأنهم كلهم عدول مقبولي الرواية من غير تثبت قول لا يتفق عليه بعض الصحابة أنفسهم. وكلنا نعلم قصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: "كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته قال وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله..." الحديث, خلاصة حكم الألباني على الحديث بأنه صحيح وهو في صحيح أبي داود.

ومن الروايات التي يستدلون بها قوله صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" أولا أقول بأن الشيخ الألباني رحمه الله أورده في كتاب: "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" برقم 1160 وقال: ضعيف. وعلى فرض صحته فأعود وأقول لهم, من هم المقصودين بـ"أصحابي"؟ كل الصحابة كما عرفتموهم؟ أم الذين لازموه لمدة وجاهدوا معه كما فصلت في المشاركة السابقة؟ أما عن نفسي فاخترت قول الفقهاء, أقصد الاشتراط بطول الصحبة والأخذ عنه والسبق...الخ فلا يصح على الطرف الآخر أن يورد علي هذا الحديث ويلزمني باعتقاد ما يعتقده هو والخلاف وارد كما علمتم. ثم أيضا أقول لمن قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل الذين كانوا يستمعون هذا القول منه ليسوا داخلين في الحديث؟ فإن قالوا نعم سأقول لهم ما دليلكم؟ أما هذه الرواية: "أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم" فقد حكم العلماء على الحديث بالضعف وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة وعلى فرض الصحة فسوف أسأل نفس الأسئلة التي سألتها من قبل وهكذا.

أما عن مسألة سب الصحابة والأحاديث الواردة في هذا الباب, فأولا لا يليق بأي مسلم أن يكون سبّابا ويسب من مات, لا نغلو في الصحابة (على حسب تعريف أهل السنة) ولكن لا نفرط فيهم أيضا ولا نسبهم ونحفظ ألستنا من الوقيعة في الصحابة بل والمسلمين الذين قد أفضوا إلى ربهم إلا من ثبت بالنص جرمه فيستحق اللعنات ببرهان من القرآن الكريم أو حديث نبوي صحيح. ثم ما الفائدة المرجوة بالسب؟ التقرب إلى الله؟ هناك أبواب وطرق كثيرة للتقرب إلى الله فلماذا يختار بعضنا السب؟ أسأل الله العفو والعافية وأن يحفظ ألستنا. وأقول إنهم أي المسلمين وإن ورد أخطاء منهم أو ظلم أو ما شابه ذلك, فإن لم يكن لدينا برهان من الله بأنهم انخلعوا من الإيمان فيحق لنا نحن المسلمين أن ندعو لهم إن ثبت سبقهم بالإيمان والبقاء على هذا الإيمان ونقول: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)). عودة إلى موضوع الروايات في هذا الباب, يحسن بي أن أنقل كلام الألباني رحمه الله كما نقله أبو جعفر الزهيري في ملتقى أهل الحديث.

قال المحدث العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 339 ح 2340): ( 2340 - " من سب أصحابي ، فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين " .رواه الطبراني ( 3 / 174 / 1 ) عن الحسن بن قزعة عن عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس مرفوعا .قلت : و هذا إسناد ضعيف ، عبد الله بن خراش قال الحافظ : " ضعيف ، و أطلق عليه ابن عمار الكذب " . و له طريق آخر ، رواه أبو القاسم المهراني في " الفوائد المنتخبة " ( 2 / 10 / 1 ) و السهمي ( 234 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 14 / 241 ) : عن علي بن يزيد الصدائي قال : أخبرنا أبو شيبة الجوهري عن أنس مرفوعا به ، و زاد : " لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا " ، قال : و العدل الفرائض ، و الصرف التطوع . و قال المهراني : " هذا حديث غريب من حديث أنس ، تفرد بروايته أبو شيبة الجوهري عنه ، و لا نعلم رواه عن أبي شيبة غير علي بن يزيد الصدائي ". قلت : و فيه لين كما في " التقريب " . و أبو شيبة الجوهري اسمه يوسف بن إبراهيم التميمي ، و هو ضعيف . و له شاهد مرسل ، يرويه البغوي في " حديث علي بن الجعد " ( 9 / 92 / 2 ) عن فضيل بن مرزوق عن محمد بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح مرفوعا مرسلا به ، دون قوله : " و الملائكة " . قلت : و رجاله ثقات غير محمد بن أبي مرزوق فلم أجد له ترجمة ، و قد ذكر المزي في شيوخ فضيل بن مرزوق محمد بن سعيد صاحب عكرمة ، فلعله هو ، و لكني لم أعرفه أيضا ، و لا ذكره المزي في الرواة عن عكرمة . فالله أعلم ، و لا أستبعد أن يكون محمد بن خالد الآتي . و تابعه ابن خالد عن عطاء به . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 7 / 103 ) من طريق أبي يحيى الحماني عن سفيان عنه . و قال : " كذا رواه الحماني عن سفيان ، وأرسله ، و تفرد به عنه . و محمد بن خالد يعرف بأبي حمنة الكوفي الضبي " . قلت : كذا وقع : " أبو حمنة " ، و في " الجرح " ( 3 / 2 / 241 ) : " أبو خبية " ، و قال عن أبيه : " ليس به بأس " . و قال الحافظ في " التقريب " : " مختلف في كنيته ، و لقبه سؤر الأسد ، صدوق " . و الحماني فيه ضعف مع كونه من رجال الشيخين ، قال الحافظ : " صدوق يخطىء " .قلت : و بالجملة ، فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي على أقل الدرجات . و الله أعلم .ثم رأيت الحديث في " كتاب السنة " لابن أبي عاصم ( 1001 ) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن محمد بن خالد عن عطاء به . و هذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات ، و هي متابعة قوية من أبي معاوية لأبي يحيى الحماني ، ترد قول أبي نعيم أن الحماني تفرد به ! ) إنتهى

وقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (7/ 145 - 147ح3157): ( 3157 - ( إن الناس يكثرون ، وأصحابي يقلون ، فلا تسبوهم ، فمن سبهم فعليه لعنة الله ) .ضعيف) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 133/ 2184) ، وأبو محمد ابن شيبان العدل في "الفوائد المنتخبة" (1/ 219/ 2) ، والخطيب في "التاريخ" (3/ 149و150) من طريق محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله مرفوعاً به . قلت : ومحمد بن الفضل هذا متهم بالكذب . وتابعه أبو الربيع السمان عند الضياء المقدسي في "النهي عن سب الأصحاب" (23/ 1) ، واسمه أشعث ، وهو متروك .والحديث أخرجه الدارقطني أيضاً في "الأفراد" من حديث أبي هريرة مرفوعاً به ، كما في "الجامع الكبير" (1/ 180/ 2) . والشطر الثاني منه أخرجه الخطيب في "الموضح" (2/ 233) عن ابي بلال الأشعري : حدثنا سلام بن سليم الحنفي عن أبي يحيى القتات عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً به .

قلت : والقتات والأشعري ضعيفان . ورواه عبد الله بن سيف عن مالك بن مغول عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رفعه بلفظ : "لعن الله من سب أصحابي" . أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (208) ، وأبو القاسم الحرفي في "عشر مجالس من الأمالي" (2/ 2) ، وأبو القاسم الحنائي في "المنتقى من حديث الجصاص وأبي بكر الحنائي" (157/ 2) ، والسهمي في "تاريخ جرجان" (210و212) ، والضياء أيضاً ، وقال العقيلي : "عبد الله بن سيف حديثه غير محفوظ ، وهو مجهول بالنقل ، وفي النهي عن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ثابتة الأسانيد من غير هذا الوجه ، وأما اللعن فالراوية فيه لينة ، وهذا يروى عن عطاء ؛ مرسل" . وقال الذهبي عقبه : "صوابه مرسل" . وقال ابن عدي :"عبد الله بن سيف الخوارزمي رأيت له غير حديث منكر" . وروى أبو الشيخ في "الطبقات" (ص194) عن أحمد بن إبراهيم : حدثنا أبو سفيان عن النعمان عن سفيان عن العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "كل الناس ترجو النجاة يوم القيامة إلا من سب أصحابي ؛ فإن أهل الموقف يلعنهم" . ذكره في ترجمة أحمد بن إبراهيم هذا - وهو ابن يزيد - وقال : "حدث بحديثين منكرين لم يتابع عليه" . ثم ذكرهما ، هذا أحدهما ، وأقره في "اللسان" ) انتهى

وأخيرا, أقول كما قرأتم, معظم هذه الأدلة التي يستدلون بها على عدالة الصحابة بشكل مطلق لا تصلح أن تكون أدلة لإثبات هذه العقيدة, فالعقائد المهمة كهذه العقيدة والتي ينبني عليها أحكام كثيرة ولها أثر في الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم لابد أن تكون أدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذا ما لم أجده في هذه المرويات, فإما أن يكون النص غير قطعي الثبوت وإما أنه لا يدل بشكل قطعي بل يحتمل المعنى الذي ذكرت أو المعنى الذي ذكروه. فلا ينبغي على طلاب العلم أن ينكروا على بعضهم البعض ويُبدّعوا أو يُكفّروا بعضهم البعض بسبب هذا الخلاف في النظرة لهذه الأحاديث وخاصة بأن الخلاف قوي وليس بضعيف كما يظنه البعض. هذا فما كان من صواب فمن الله ومن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان.

No comments:

Post a Comment