Friday, February 20, 2015

تعريف السنة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، هذه مشاركة خفيفة في إبداء رأيي الشخصي بتعريف السنة. اختلف الناس في تعريف السنة قديما و حديثا، و لعل عندي تعريف جديد لا أدري إن سبقت إليه أم لا ولكني لم أقرأ فيما قرأته أحدا قاله قبلي والله المستعان لما سأسمعه من الناس. لكن قبل إبداء رأيي أحب أن أنقل لكم بعض ما قيل في تعريف السنة.  أما السنة لغة فهي الطريقة أو السيرة. قال ابن الأثير في “النهاية في غريب الحديث”السنة وما تصرف منها: الأصل فيها الطريقة والسيرة”

و أما في الشرع، فالسنة قال ابن الأثير رحمه الله: “إذا أطلقت السنة في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة ، أي القرآن والحديث” و وقال الشاطبي رحمه الله: “يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن النبي عليه السلام على الخصوص مما لا ينص عليه في الكتاب العزيز .ويطلق أيضا في مقابلة البدعة فيقال فلان على سنته إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم”. و قال الآمدي: “السنة في الشرع: قد تطلق على ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تطلق على ما صدر من الرسول عليه السلام من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو ولا هو معجز ولا داخل في المعجز ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام وأفعاله وتقاريره” منقول من مجلة البحوث الإسلامية. 

و قد وجدت تفصيلا جميلا لأحد الإخوة في ملتقى أهل الحديث و اسمه أبو عمر الحسيني، أنقله كما كتب: 

السنة في اللغة: هي السيرة المتبعة،والطريقة المسلوكة،وهي الأنموذج الذي يحتذى والمثال الذي يقتدى. وتطلق هذه الكلمة أيضابمعنى البيان حيث يقال سن الأمر أي بينه، وأيضابمعنى ابتداء الأمر.

السنة في الاصطلاح: عندالمحدثين: كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أوفعل أو تقرير أو سيرة أوصفة خلقية أوخلقية، سواء أكان ذالك قبل البعثة أم بعدها.

عندالأصوليين: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

عندالفقهاء: مادل عليه الشرع من افتراض ولا وجوب أو مايثاب فاعله و لايعاقب تاركه.

عندعلماء العقيدة: تطلق السنة عند علماء العقيدة على هدي النبي صلى الله عليه في أصول الدين، وماكان عيه من العلم والعمل والهدى، وماشرعه أو أقره مقابل البدع والمحدثات في الدين وقد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله”

وهذه التعريفات جيدة و لكن هناك ما هو أحسن منها، يذكرها بعض المعاصرون، فمن تلكم الأقوال قول الأستاذ سليمان الندوي فيما نقله الأستاذ أبو إلياس سويد في كتيبه: “إسلام ما قبل المذاهب” نقلا عن مجلة المنار، قال الأستاذ سليمان الندوي: “السنة فهي في الحقيقة اسم للعمل المتواتر - أعني كيفية عمل الرسول عليه السلام - المنقولة إلينا بالعمل المتواتر، بأن عمله النبي عليه السلام ثم من بعده الصحابة، و من بعدهم التابعون و هلم جرا، و لا يشترط تواترها بالرواية اللفظية، فطريقة العمل المتواترة هي المسماة بالسنة، و هي المقرونة في قوله عليه السلام: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله و سنة رسوله” و هي التي لا يجوز لأحد من المسلمين كائنا من كان تركها أو مخالفتها وإلا فلا حظ له في الإسلام” (مجلة المنار: ٣٠/٦٧٣) 

و من نفس المصدر، ميز الأستاذ الفرق بين الحديث و السنة، فعرف الحديث بأنه: “كل واقعة نسبت إلى النبي عليه السلام و لو كان فعلها مرة واحدة في حياته الشريفة، و لو رواها عنه شخص واحد” و أقول هذا التعريف للسنة ذكره غير واحد من المعاصرين و قد ذكرت تعريفا للحديث النبوي في المدونة قبل سنتين بأنه كل خبر منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم”. وبهذا أتفق مع المعاصرين كأمثال الأستاذ سليمان الندوي في تعريفهم للحديث. 

أما تعريفهم للسنة سواء المتقدمين و المعاصرين فإني في الحقيقة أرى بأنه ناقص نوعا ما مع اعترافي بأن قول الأستاذ سليمان الندوي قريب جدا مما سأقوله و قريب جدا من المعنى اللغوي. السنة بنظري: “الطريقة الثابتة” فالطريقة مأخوذ من اللغة و الثابتة أي غير متغيرة بنفس الشكل أو النمط و يدخل في الثابتة “الطريقة المتكررة” يعني مرة بعد مرة فإن أردت قل “الطريقة الثابتة” و إن أردت قل: “الطريقة الثابتة المتكررة”. و هذا المعنى مفهوم من الآيات القرآنية مثل: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) و قوله سبحانه: ((سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً))  نفهم لسنتنا تحويلا الطريقة الثابتة التي لا تتحول، أي نفس النمط و نفس الطريقة و لعل المعنى في هذه الآية أظهر: ((فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) قال ابن جرير رحمه الله: “وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه فِي خَلْقه تَبْدِيلًا ; يَقُول : لَنْ يُغَيِّر ذَلِكَ , وَلَا يُبَدِّلهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَرَدّ لِقَضَائِهِ”. و قال الله سبحانه و تعالى: ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)) فالسنة في القرآن كما أفهمه الشيء أو الطريقة الثابتة التي لا تتغير و تتكرر إن وجد شرط تكراره. 

فقول أن السنة هي “الطريقة” فقط فهذا غير كاف، لأنه يدل على وجود طريقة ولكن لا يدل على الثبوت و التكرار عند وجود الشرط، و إن قلت بأن: “السنة” اسم للعمل المتواتر فأيضا غير كاف، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل عملا في حياته و لكن تواتر عنه هذا العمل، مثلا قضى حاجته واقفا، فقد يتواتر عنه بأنه قضى حاجته واقفا، و ربما في يوم يقضي حاجته و هو جالس و قد يتواتر عنه أنه قضى حاجته و هو جالس كذلك، فتواتر عندنا أكثر من شيء في نفس المسألة فهل هذه هي السنة التي يؤثم من لم يتبعها؟ بنظري الشخصي لا والله أعلم. هذا بخلاف الصلوات الخمسة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأتي وقت الفجر فبطريقة ثابتة و غير متغيرة كان يصلي و باستمرار و تكرار كلما جاء وقت الفجر كان يصلي، و نفس الشيء لصلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء. فكل هذه الأوقات كان للرسول صلى الله عليه وسلم طريقة ثابتة غير متغيرة و متكررة، فإن كان الإنسان المسلم مطالبا باتباع سنة ما، فإنه يغلب على ظني بأن السنة المقصودة هي ما ذكرته، الطريقة الثابتة المتكررة بتكرر ما يوجب تكرار الطريقة الثابتة. 

و لذلك أنا لا أتفق مع تعريف السنة عند المحدثين و لا الفقهاء والأصوليين و علماء الكلام أو علام العقيدة. فمثلا إن وجدنا في حديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد من الصحابة، لا تغضب أو فعل في موقف معين أمرا ما أو أقره فهل هذا يعني أنه من السنة أو أنه أمر طارئ يُفرض على الصحابة طاعته؟ أرى أنه الثاني، فالرسول صلى الله عليه وسلم من حقه أن يُطاع في أمور الدين وأما الأمور الدنيوية فالمسألة معروفة. بعض المعاصرين ينقل عن عمر بن الخطاب و بعض الأئمة ما يثبت أن السنة غير الحديث ولكن معظم هذه المرويات في أسانيدها مقال ولكن المعنى صحيح، فالسنة غير الحديث. 

ومما يُنقل عن عمر بن الخطاب من طريق عروة بن الزبير: “أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ أرادَ أن يَكْتُبَ السُّننَ فاستَفتى أصحابَ النَّبيِّ علَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في ذلِكَ فأشاروا علَيهِ بأن يَكْتبَها فطفقَ عمرُ يستخيرُ اللَّهَ فيها شَهْرًا . ثمَّ أصبحَ يومًا وقد عزمَ اللَّهُ لهُ فقالَ : إنِّي كنتُ أريدُ أن أَكْتبَ السُّننَ وإنِّي ذَكَرتُ قومًا كانوا قبلَكُم كتَبوا كتُبًا فأَكَبُّوا علَيها وترَكوا كتابَ اللَّهِ وإنِّي واللَّهِ لا أشوبُ وفي روايةٍ: لا أُنسي كتابَ اللَّهِ بشَيءٍ أبدًا” و لكن الخبر منقطه كما قال الألباني رحمه الله. و في كتاب: أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي قال: "الناس على وجوه: فمنهم من هو إمام في السنة، إمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث ليس بإمام في السنة، فأما من هو إمام في السنة وإمام في الحديث فسفيان الثوري.” فهذا إن صح عن عبدالرحمن بن مهدي فصريح بأن السنة غير الأحاديث. 

فالسنة النبوية الطريقة الثابتة المتكررة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل ما نُقل عنه من قول أو عمل أو تقرير، و ليس شرطا أن يكون متواترا عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواترا عمليا ولكن ما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواترا عمليا في الغالب أنه شيء ثابت استمر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتغير. فحتى ما يقال عنها التواتر العملي فإنه عقليا قابل للتغيير، مثل الصلاة و غير الصلاة ولذلك عندنا روايات عن بعض الصحابة أنه حتى الصلاة تغيرت في عهد قريب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالصلاة تواتر عمليا عند بلدة معينة بطريقة و في بلدة أخرى بطريقة أخرى ولهذا الاختلاف في الصلاة بين المسلمين ولهذا العالم بالسنة له مكانته، الذي يعلم ما الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم عليه و ثبت عليه و كرره و لهذا في قصة بداية صلاة التراويح قال عمر: “نعم البدعة” كما في البخاري. ففي اليوم والليلة للرسول صلى الله عليه وسلم طريقة، وللرسول صلى الله عليه وسلم في إيتاءالزكاة طريقة، و في الدعاء طريقة و في الغزو طريقة لأنه هذه الأشياء عرضت عليه أكثر من مرة، فالذي ثبت عليه و كرره السنة. فصلاة المغرب ٣ ركعات سنة، و قيام الليل سنة، وهكذا. 

سأعطيكم مثالا لأوضح الصورة ومتى الأمر يكون سنة ومتى لا يكون سنة. فوقت الفجر كان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، صلى ركعتين، و في جميع أيام السنة كلما جاء وقت الفجر كرر صلاة ركعتين. و كان أحيانا يقرأ آيات من سورة البقرة أو آل عمران و أحيانا يقرأ آيات من آيات القرآن غير ما في سورة البقرة و آل عمران. فالسنة في هذا المثال صلاة ركعتين، و السنة قراءة القرآن في الصلاة، و لكن لا نقول للناس أن السنة قراءة آيات من سورة البقرة في الصلاة لأنه لم يثبت و يستمر عليها. لكن الذي ثبت و استمر أنه يقرأ القرآن في الصلاة. ولهذا تجد الخلاف بين طوائف المسلمين في بعض أفعال الصلاة، و اختلف التواتر العملي فعند البعض تواتر عندهم قراءة معينة و عند الآخرين طريقة أخرى، ولكنهم توافقوا جميعا في السنة صلاة ركعتين وقت الفجر وهكذا. و حاول أن تطبق ذلك على المسائل الخلافية و التي لكل فريق عندهم حديث مرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم فيما يذهبون إليه ستجد أن ما يختلفون فيه ليس من السنة إنما عمل لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوته واستمراره عليه، والله أعلم. 


فإن فهمت ذلك ستفهم لماذا لا نجد دلالة صريحة و قطعية في القرآن الكريم على اتباع السنة إنما دلالة قطعية على طاعته و أنه أسوة حسنة و لذلك تفهم سبب عدم وجود عدد الركعات أو مقادير الزكاة في القرآن والله أعلم. ولهذا أقول و أنا مطمئن أغلب المرويات عن الرسول صلى الله عليه وسلم في اتباع سنته أغلبها لا تصح إلا اليسير منها. و هذا اليسير لا يخالف ما ذهبت إليه والحمدلله. أضافتي لتعريف السنة قد ترونها إضافة كلمة أو كلمتان ولكنها إضافة إن شاء الله دقيقة و يوضح كثيرا من الأمور التي كانت مبهمة على المسلمين في وسط هذا الخلاف الذي نعيشه اليوم حول هذه المصطلحات و الحمدلله أن القرآن يحتمله و اللغة تسعها والله أعلم. و ما كان من صواب فمن الله و ما كان خطأ فمني. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

No comments:

Post a Comment