أولا مسألة حركة الشمس و بدلا من تكرار ما قد قيل من قبل واختصارا للوقت والجهد يحسن بي أن أنقل رأي الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- فعنده إجابة جميلة أنقل منها المواضع التي لها علاقة بالشمس.
قال الشيخ ابن عثيمين: "أما رأينا حول دوران الشمس على الأرض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، حتى يقوم دليل قطعي يكون لنا حجة بصرف ظاهر الكتاب والسنة إليه - وأنى ذلك - فالواجب على المؤمن أن يستمسك بظاهر القرآن الكريم والسنة في هذه الأمور وغيرها. ومن الأدلة على أن الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار، قوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال). فهذه أربعة أفعال أسندت إلى الشمس (طلعت)، ( تزاور)، (غربت)، (تقرضهم ). ولو كان تعاقب الليل والنهار بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا تبين سطح الأرض إليها تزاور كهفهم عنها أو نحو ذلك، وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر حين غربت الشمس: " أتدري أين تذهب؟" فقال: الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تذهب وتسجد تحت العرش وتستأذن فيؤذن لها، وإنها تستأذن فلا يؤذن لها ويقال : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها“. ففي هذا إسناد الذهاب والرجوع والطلوع إليها وهو ظاهر في أن الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض".
أما ما ذكره علماء الفلك العصريون فإنه لم يصل عندنا إلى حدّ اليقين، فلا ندع من أجله ظاهر كتاب ربّنا وسنة نبينا. ونقول لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا: يبين للطلبة أنّ القرآن الكريم والسنة كلاهما يدلّ بظاهره على أن تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض لا بالعكس.
فإذا قال الطالب: أيهما نأخذ به أظاهر الكتاب والسنة أم ما يدعيه هؤلاء الذين يزعمون أنّ هذه من الأمور اليقينيات؟ فجوابه: نأخذ بظاهر الكتاب والسنة، لأنّ القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي هو خالق الكون كله، والعالم بكلّ ما فيه من أعيان وأحوال، وحركة وسكون، وكلامه تعالى أصدق الكلام وأبينه، وهو سبحانه أنزل الكتاب تبياناً لكلّ شيء، وأخبر سبحانه أنه يبين لعباده لئلا يضلوا، أما السنة فهي كلام رسول ربّ العالمين، وهو أعلم الخلق بأحكام ربه وأفعاله، ولا ينطق بمثل هذه الأمور إلا بوحي من الله عزّ وجلّ، لأنه لا مجال لتلقيها من غير الوحي، وفي ظني -والله أعلم- أنه سيجيء الوقت الذي تتحطم فيه فكرة علماء الفلك العصريين كما تحطمت فكرة داروين حول نشأة الإنسان.
و في مجموع فتاويه سُئل الشيخ ابن عثيمين عن دوران الشمس حول الأرض؟
فأجاب بقوله: ظاهر الأدلة الشرعية تثبت أنّ الشمس هي التي تدور على الأرض، وبدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض، وليس لنا أن نتجاوز ظاهر هذه الأدلة إلا بدليل أقوى من ذلك يسوغ لنا تأويلها عن ظاهرها. ومن الأدلة على أنّ الشمس تدور على الأرض دوراناً يحصل به تعاقب الليل والنهار ما يلي:
- قال الله تعالى عن إبراهيم في محاجته لمن حاجه في ربه : (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب). فكون الشمس يؤتى بها من المشرق دليل ظاهر على أنها التي تدور على الأرض.
- وقال أيضاً عن إبراهيم : (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال : يا قوم إني بريء مما تشركون) فجعل الأفول من الشمس لا عنها ولو كانت الأرض التي تدور لقال : "فلما أفل عنها".
- قال تعالى : (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال). فجعل الازورار والقرض من الشمس وهو دليل على أنّ الحركة منها ولو كانت من الأرض لقال :يزاور كهفهم عنها، كما أن إضافة الطلوع والغروب إلى الشمس يدلّ على أنها هي التي تدور وإن كانت دلالتها أقل من دلالة قوله: (تزاور)، (تقرضهم).
- وقال تعالى : (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدورون في فلكة كفلكة المغزل. اشتهر ذلك عنه.
- وقال تعالى : (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً). فجعل الليل طالباً للنهار، والطالب مندفع لاحق، ومن المعلوم أنّ الليل والنهار تابعان للشمس.
- وقال تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار). فقوله: (يكور الليل على النهار) : أي يديره عليه ككور العمامة دليل على أنّ الدوران من الليل والنهار على الأرض، ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لقال : "يكور الأرض على الليل والنهار". وفي قوله: (كل يجري لأجل مسمى) المبين لما سبقه دليل على أنّ الشمس والقمر يجريان جرياً حسيّاً مكانيّاً، لأنّ تسخير المتحرك بحركته أظهر من تسخير الثابت الذي لا يتحرك.
- وقال تعالى: (والشمس وضحاها (١) والقمر إذا تلاها) ومعنى (تلاها) أتى بعدها وهو دليل على سيرهما ودورانهما على الأرض، ولو كانت الأرض التي تدور عليهما لم يكن القمر تاليا للشمس بل كان تالياً لها أحياناً، وتالية له أحياناً، لأنّ الشمس أرفع منه، والاستدلال بهذه الآية يحتاج إلى تأمّل.
- وقال تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). فإضافة الجريان إلى الشمس وجعله تقديراً من ذي عزة وعلم يدلّ على أنه جريان حقيقي بتقدير بالغ، بحيث يترتب عليه اختلاف الليل والنهار والفصول، وتقدير القمر منازل يدلّ على تنقله فيها، ولو كانت الأرض التي تدور لكان تقدير المنازل لها من القمر لا للقمر. ونفي إدراك الشمس للقمر، وسبق الليل للنهار يدلّ على حركة اندفاع من الشمس والقمر والليل والنهار.
- وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر رضي الله عنه وقد غربت الشمس: "أتدري أين تذهب؟" قال : الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، فيوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها فيقال : : لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ". أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم متفق عليه فقوله: " ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها" ظاهر جدّا في أنها تدور على الأرض، وبدورانها يحصل الطلوع والغروب.
- 10. الأحاديث الكثيرة في إضافة الطلوع والغروب والزوال إلى الشمس، فإنها ظاهرة في وقوع ذلك منها لا من الأرض عليها.
ولعلّ هناك أدلة أخرى لم تحضرني الآن، لكن فيما ذكرت فتح باب وهو كاف فيما أقصد. والله الموفق." انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين.
كما ترى أدلته قوية جدًّا بحيث إني لا أرى ضرورة أن أزيد على ما قال، لكن أحبّ أن أضيف بعض الآيات التي فيها ذكر جريان الشمس والقمر تصلح للاستشهاد لما نحن فيه، أقصد في حركة الشمس، من تلك الأدلة قول الله عزّ وجلّ في سورة الرعد: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) وفي سورة لقمان: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وفي سورة فاطر: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) هذه الآيات الأربع إضافة إلى ما ذكره الشيخ ابن عثيمين سابقا، أعني الآية: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) والتي أخبرنا الله سبحانه وتعالى فيها أنّ الشمس تجري. كما ترى القرآن أخبرنا عن حركات الشمس في المقابل لا نجد كلمة واحدة تثبت حركة الأرض كما تصوّر ذلك القنوات العلمية الحديثة.
إضافة إلى ما سبق يُذكرنا الله عزّ وجلّ بنعمته علينا: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ودائبين أي في حركة مستمرة، فالكلمة نفسها تدلّ على حركة الشمس. وهنا أريدك عزيزي القارئ أن تتأمل قوله سبحانه و تعالى (و سخر لكم) أي أنّ الله خلقها وجعلها تدور تسخيرا لنا فننتفع بها، فإن كانت الأرض نتيجة من نتائج الشمس، وأنها تدور حول الشمس، وأننا كذرة في هذا الكون وما إلى ذلك، كيف سَيَفْهم الناس قوله وسخّر لكم؟ نعم أستطيع أن أجد بعض الاعتذارات كالتي يتعذّر بها البعض وبعض التفاسير التي تُغيّر ظاهر المعنى إلى تفسير يتوافق مع العلم الحديث، لكن هل ما سأفعله سيتوافق مع المعنى المراد للآية؟
أيضا الآية: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) موضع الشاهد لدلوك الشمس، فسّرها المفسرون لغروبها. قاله ابن مسعود، ومجاهد، وابن زيد. وفي رواية عن ابن عباس دلوكها تعني زوالها وهذا مروي كذلك عن ابن عمر و عن ابن مسعود أيضا ومجاهد في رواية أخرى. وهذا هو اختيار الحسن والضحاك وقتادة وابن جرير الطبري. على أية حال، أيّ تفسير أخذت، ستجد فيه اثبات أن للشمس حركة. وفي سورة طه: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وفي سورة ق: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) الطلوع والغروب هذه الإضافات إلى من؟ إلى الشمس وذلك بسبب حركتها.
أما أدلة حركة الشمس في السنة النبوية فهي أكثر من عشرة على الأقل بطرقها المختلفة، ولا داعي لذكرها، فالآيات و الحمدلله تكفي، كذلك أحبّ أن أضيف أنّ حركة الشمس وأدلة حركتها في الكتاب المقدّس بقسميه العهد القديم والعهد الجديد تزيد عن الخمسين نصًّا. بعد ما سبق، يَرِد السؤال: لماذا لم يذكر الله عز و جل شيئا عن تأثير الشمس على الأرض مما يقولونه اليوم؟ أعني من كونها تُؤثر على الأرض بسبب جاذبيتها، فتدور حولها الأرض. أقصد أنّ الله العليم الحكيم ذكر عن الحِكَم من وراء خلق النجوم والشهب التي ترصد الشياطين، كذلك القمر والشمس ذكر لنا الحكم من خلقها، منها لنعلم عدد السنين والحساب، لماذا لا نجد ولا حتى جزءا من آية أنها تجذب الأرض، أو تفعل كذا وكذا إنعاما للبشر؟
أستغرب من أولئك الذين يتحاكمون إلى حواسهم لإثبات المحسوسات ثمّ هم لا يتحاكمون إليها بالرغم من رؤيتهم أنّ الشمس هي التي تتحرك في البروج والمنازل، وتميل نحو الشمال تارة ونحو الجنوب تارة أخرى و مثلها القمر. ألا يشاهدون حجم الشمس بأعينهم؟ وكيف هي قريبة من حجم القمر وأنّ الأرض ثابتة وغيرها من الظواهر؟ الشمس حجمها أصغر من الأرض إذ هي مثل الضوء بالنسبة للبيت. في بيوتنا التي نعيش فيها، نحن لا نجعل الضوء الذي نستخدمه للإنارة أكبر من المكان الذي بحاجة إلى النور، ولا نضعه على مسافة أبعد مما هو ضروري فلا نستفيد منه؛ ولا نحمل الغرفة المُراد إنارتها حول مصدر الضوء إذ هذا بخلاف المنطق، بل نضع الضوء في الغرفة أو حول الغرفة و هكذا. كذلك الشمس، فهي مخلوقة مسخّرة بين السماء و الأرض، و بما أنّها كذلك لا يمكن منطقيا أن تكون أكبر من الأرض. كل شيء تشهده في الطبيعة يدل على علم خالقها و حكمته، و كل شيء فيها لها تفسير منطقي يفهمه العالم و غير العالم، لسنا بحاجة إلى تفسيرات معقّدة لنفهم أمور سهلة منطقية تفسّر الوضع الطبيعي للأشياء في هذه الطبيعة. كل إنسان غير مُعقّد أو يتّبع التفاسير المعقدة و اعتمادا فقط على الحواس، يستطيع أن يميّز أن كل ما بين السماء و الأرض أصغر من السماء و الأرض. الشمس، القمر، النجوم، السحاب هذه الأمور بالحواس و الفطرة يمكنك أن تقول أنّها أصغر من الأرض و السماء. لكن بسبب الإعلام الذي يدعم هذه النظريات عن طريق برامجها جعل الواحد منّا يتنكّر للحواس و المنطق و الفطرة.
كثير من المُعارضين يستندون إلى دليل المنطق و الحواس، أستغرب منهما عندما لا يعتمدون على الحواس عندما يتعلق الأمر بمسألة شكل الأرض؟ لماذا يُصرون على معارضة حواسهم؟ هل فقط من أجل التسليم لما تفرزه الدوريات العلمية من إفرازات بشأن الأرض الكروية؟ فإن قالوا: لا نستطيع الثقة بها (أي بالحواس) في هذا المجال، أقول إن كانت كذلك وتوصلتم إلى نتيجة أنكم لا يمكنكم الثقة بها فكيف إذن تثقون بالنتيجة التي اخترتموها لأنفسكم من كونها غير موثوقة بها في هذا المجال؟ إن كانت غير ثقة فكيف آمنتم بأنها "غير ثقة"؟ دقق معي وفكر في الذي قُلتُه ستجد أن مقولتهم تشهد ضدهم. لا داعي للتنكّر للحواس، ولا داعي للتنكّر لعشرات النصوص المقدّسة من أجل مخرجات علمية لم يقم عليها دليل بل محض الظنون و الأوهام والله المستعان.
تتحرّك الشمس في فلكها الدائري حركة دائبة، هذه الحركة للشمس في هذه الحلقة أو الفلك هي في منظوري السبب في كثير من الأشياء و منها تسخين الأشياء على الأرض . بالتأكيد هناك حركات مختلفة أو بالأحرى انتقال الشمس من حلقة أو مدار إلى مدار آخر و التي تسبب التغير في المواسم لكن أظن أن كلامي مفهوم. ما أريدك أن تقوم به، أن تقوم بأخذ الخرائط التي فيها تفاصيل درجات حرارة البحار و المحيطات، ثم قم بإسقاط الخريطة إلى اسقاط سمتي متساوي البعد، ستلاحظ أن أحر مناطق البحر أو المياه تتطابق مع مدار الشمس الموسمي. قارن هذا بخريطة الأرض الكروية، ستلاحظ أن أحر المياه لا تتماشى مع ميلان الأرض المزعوم.
فإن قالوا: أين تذهب الشمس في نموذج الأرض المسطّحة عندما تغرب؟ والإجابة سهلة، كل ما عليك أن تُخبرهم أن الشمس أصغر حجما من الأرض، أصغر بكثير. وبُعدها عن الرائي تجعل الرائي ينظر إليها وكأنها تغيب تحت الأرض، وعندما تشرق في منظور الرائي فإنها تقترب، فيظهر له أنها تطلع وترتفع، وذلك بسبب الرؤية من زاوية معينة، وبسبب المنظور، وإلا فهي في حركة فوق الأرض المسطّحة بشكل مستمر، قال الله عزّ وجلّ: (وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ)
قال القرطبي في تفسيره للآية: ”(وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ) أي في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، والدُّؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل: دائبين في السير امتثالاً لأمر الله، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران؛ روي معناه عن ابن عباس“. وقال ابن كثير: "أي يسيران، لا يفتران ليلاً ولا نهاراً". وقال الزمخشري: " يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات، وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات" وقال الفخر الرازي: "وقوله: (دَآئِبَينِ) معنى الدؤب في اللغة مرور الشيء في العمل على عادة مطردة يقال دأب يدأب دأباً ودؤباً وقد ذكرنا هذا في قوله: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا) [يوسف: ٤٧] قال المفسرون: قوله: (دآئِبَينِ) معناه يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان"
وفي هذه الآية (وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ) دليل على أنّ للشمس والقمر حركة ذاتية، وليست حركة الأرض، وهذا ما لاحظه الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني إذ قال: "وظاهر الآية إثبات الحركة لهما أنفسهما". وهناك رواية جميلة فيها تفسير لما نحن فيه عن الحسن البصري، يقول فيها: "إذا غربت الشمس دارت في فلك السماء مما يلي دبر القبلة، حتى ترجع إلى المشرق الذي تطلع منه، وتجري في السماء من شرقها إلى غربها، ثمّ ترجع إلى الأفق مما يلي إلى دبر القبلة إلى شرقها، كذلك هي مسخرة في فلكها، وكذلك القمر“.
إذن كون الشمس أصغر حجما من الأرض بكثير، وأنها تدور فوق الأرض، و لضيائها حدود بمعنى أنها لا تغطي الأرض كلها، لهذا يكون جزء من الأرض مظلما، والجزء الذي فيه الشمس مضيئا وهكذا. قال العزيز العليم: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). نفهم من الآية أن الشمس و القمر يسبحون في فلك، الذي هو مدار مستدير لا تخرج عن نطاق السماوات و الأرض. أريدك أن تلحظ هنا حرف (في) التي تفيد الظرفية، و هذا يعني أن كل من الشمس والقمر مظروفان في فلك داخل نطاق السماوات و الأرض ومعلوم عقلا أن المَظروف أصغر من الظّرف، كما لو قلت: عبدالعزيز في البيت، مما يدل على أن البيت يحتويني، و هذا يعني أن البيت أكبر مني. فإن فهمت هذا ستفهم لماذا أقول الشمس و القمر أصغر من السماء و الأرض. أصغر من الحدّ العلوي و الحدّ السفلي للوجود الدنيوي.
و هنا أحبّ أن أستطرد و أنقل لك كلاما للشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في مسألة حجم الشمس: ”وأما دعوى بعض الفلكيين أن الشمس أكبر من السماوات وأكبر من الأرض إلى غير هذا فهي دعوى مجردة لا نعلم صحتها ولا نعلم دليلاً عليها فهي آية عظيمة، أما القول بأنها أكبر من السماوات والأرض فهذا شيء يحتاج إلى دليل، هذه مجرد دعوى كما يقول العلماء، هذه مجرد دعاوى ليس عليها دليل واضح فيما نعلم“.
فإن سألت عن سرّ تغير حجم الشمس مرورا من المشرق إلى المغرب، أقول السبب هو زاوية النظر كذلك. تخيل نفسك واقفا على شارع ما، وتخيل أنّ سيارة تأتيك من بعيد ناحية الأفق، ستجد السيارة صغيرة جدًّا ثمّ تكبر شيئا فشيئا حتى تصل إليك، وتراها أكبر مما كنت تراها وهي بعيدة عنك ناحية الأفق. أخبرني بربك، هل تغير حجم السيارة أم بقي كما هو؟ بالتأكيد لم يتغير حجم السيارة، لكن السبب في اختلاف حجمها عندما كنت تنظر إليها وهي بعيدة ثمّ تغير حجمها عندما اقتربت بسبب ما صار متعارفا اليوم بالمنظور، وبسبب هذا المنظور هُيّئ إليك أنك ترى الحجم يختلف، نفس الشيء مع الشمس. و أيضا بالنسبة لانخفاض الشمس أثناء الغروب، فإنّها في حقيقتها تبتعد عنك و عندما تبتعد تظهر لنا أنّها تنخفض، تماما مثل أعمدة الإنارة في الشوارع، كلّها تكون متساوية في الارتفاع و البعد فيما بينها، و لكن إن أنت نظرت إلى أبعد عمود تستطيع رؤيته لوجدته منخفضا و لكن في الحقيقة ليس هناك انخفاض و كذلك الأمر عندما تغرب الشمس، هي في الحقيقة تبتعد و لا تنخفض و لكن بسبب قصور النظر و العوامل الأخرى المؤثرة تظهر لنا أنّها تنخفض.
فإن قلت إنّ الحالة العكس مع الشمس في أثناء شروقها وغروبها، والسبب أنّ الدماغ يتأثر بسبب المنظور كذلك فيُخيّل إلى الرائي أنّ الشمس تكبر عند الأفق، وهذا التفسير هو المستخدم لنظرية الأرض الكروية، كذلك تصلح للأرض المسطّحة، فليس هناك أيّ إشكال. لكن القائل إنّ الأرض مسطّحة بإمكانه أن يضيف أنّ ”جو السماء“ في الأفق يعمل كمُكبر بسبب الرطوبة، ولو أنّ السماء صافية وليس فيها عوائق كانت الشمس ستصغر، وهذا معروف عند جميع الأطراف. هذه العوائق وجزيئات الماء التي في الجو مع غيرها من العناصر تترك هذا الأثر، فإنك ترى الشمس عند المغيب حجمها يكبر، لكن ضوؤها أقل حدّة وإيلاما، وهذا ما يحدث عند انكسار الضوء عبر جسم كثيف وخاصة إن كان يحتوي هذا الجسم الوسيط الكثيف على الماء. و يمكن أن يُقال أن الشمس تبدو أكبر عند الغروب لأن الليل بدأ يحلّ و بالتالي فإن الشمس تبدو أكبر، لكن في النهار لا تبدو كذلك لأن النهار فيه نور فلهذا لا نلاحظ حجم الشمس. مثال ذلك، إن أشعلت شمعة في غرفة فيها كشافات و أنوار و ما إلى ذلك، ستُلاحظ أن شعلة الشمعة تبدو ضعيفة و صغيرة، لكن ما إن تُغلق جميع الكشافات و الأضواء ستلاحظ أن شُعلة الشمعة صارت أقوى و أكبر، يمكنك تُجرّب ذلك بنفسك.
هناك مثال آخر، لو كنت واقفا على الشارع، وتنظر إلى السيارات القادمة من الأفق، بالتأكيد الأقرب منك سيكون حجم أنوار السيارة أكبر من التي خلفها بعدة سيارات، لكن إن ركّزت التي في الأفق ستجد أنّ أنوارها تتساوى مع التي تتقدمها، والمفروض أن تكون أصغر، لكن هذا لا يحدث، ويمكن لأيّ إنسان أن يجرب ذلك بنفسه.
مثال آخر استخدم المصباح اليدوي، وقم بتوجيه أشعته نحو جدار غرفتك، حاول أن تكون ملاصقا للجدار، كيف تجد انعكاس ضوء المصباح؟ تقريبا بحجم فوّهة المصباح اليدوي، أليس كذلك؟ و ماذا يحدث إن ابتعدت ومازلتَ موجها ضوء المصباح ناحية الجدار، وتراجعت إلى الوراء بضع خطوات؟ انعكاس الضوء يكبر شيئا فشيئا، أليس كذلك؟ مثال آخر، مرآة غرفتك التي تنظر فيها إلى وجهك عندما تريد، الصق وجهك على المرآة، وضع علامة على أقصى جزء من وجهك على انعكاس صورتك على المرآة وأسفل جزء من الوجه. ثمّ ابتعد، ما الذي تلاحظه؟ إنّ انعكاس صورتك يصغر حتى إنّ العلامات التي وضعتها على المرآة ليست في أماكنها الصحيحة، أليس كذلك؟ هذه التجارب كلّ منا يمكنه أن يجربها ليعرف أنّ المنظور يلعب دوره. كذلك ظاهرة تشعب الشعاع أو التي تسمى Beam Divergence يمكن الاستدلال بها على ما نحن عليه. الأمثلة كثيرة، لكن يجب أن تعرف أنّ نوعية مصدر الأشعة تلعب دورا كبيرا، كذلك قوتها وبعدها، فهذه الأشياء نستطيع ملاحظتها وهي أصغر حجما من الشمس وأقرب منا، وليس بيننا وبينها من العوامل المؤثرة من الرطوبة في الجو مثل ما بيننا وبين الشمس عندما نراها تغيب في الأفق.
قد يُحاول البعض أن يتذاكى، ويقول: ”إنّ الشمس لا يمكن رؤيتها بالليل في النموذج الكروي لأنّ الأرض كروية وهي تدور حول نفسها و تدور حول الشمس، لكن ما تفسيركم أنتم أيها المؤمنون بالنموذج المسطح للأرض؟ لماذا لا نستطيع أن نرى الشمس في الليل؟“ سؤال مهم، و الإجابة عنه سهل و الحمدلله، السبب لأنّ الشمس تسبح في فلكها فوق الأرض بمسافة ثلاثة آلاف ميل أو أكثر من هذا، لكن بالتأكيد ليس بقريب من أرقامهم التي تتعدى ملايين الأميال، ومحدودية بصرك لا يتعدى مئة ميل إن نظرت إلى السماء في أحسن حالاتك وقدراتك البصرية، فمن أجل هذا لن تستطيع أن تنظر إلى الشمس بعد أن تغيب. وهناك الكثير من العوامل التي تمنعك من الرؤية.
أضف إلى ذلك أنّ الشمس أصغر بكثير من الأرض، وهي تسبح فوق الأرض في فلكها، كذلك الأمر عن كون النهار نهارا في بقعة من الأرض المسطّحة وكونها ليلا في بقعة أخرى، تخيّل معي أربعمئة رجل وواحد، هذا الواحد يتوسطهم، ومئتان منهم عن يمينه، ومئتان عن شماله، مُشكلين خطًّا أفقيًّا طويلا، والرجل الذي في الوسط يحمل فوق رأسه مظلة صغيرة. هل ستظلّ المظلّة الصغيرة الرجال الذين يقفون أقصى اليمين؟ بل هل يستطيع الإنسان الذي يقف في أقصى اليمين أن ينظر إلى المظلة أصلا؟ وهل ستظلّ المظلة الرجال الذين يقفون أقصى الشمال؟ وهل يستطيعون النظر إلى المظلة إن رفعوا رؤوسهم؟ لا! هذا مثال بسيط مع الفارق الكبير، لكن به يتبين لماذا لا يستطيع الناس أن ينظروا إلى الشمس دفعة واحدة. ومن أجل هذا هناك بقعة في الأرض يكون فيه نهارا حيث الشمس وبقعة تكون مظلمة لأن أشعة الشمس لم تصلهم كما أنّ المظلة لم تظلّ الأربعمائة رجل.
بما أنّ الشمس تدور بشكل دائري فوق الأرض المسطّحة، فإنها تبتعد وتقترب عموديًّا وأفقيًّا منا، فمن أجل ذلك تختلف الفصول وطول النهار أو قصره، وطول الليل أو قصره. وهنا يحسن بي أن أنقل ما هو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "لو أن الشمس تجري مجرى واحد، ما انتفع أحد من أهل الأرض بشيء منها، ولكنها تحلق في الصيف، وتعترض في الشتاء فلو أنها طلعت مطلعها في الشتاء في الصيف لأنضجهم الحر، ولو أنها طلعت مطلعها في الصيف في الشتاء لقطعهم البرد".
لإثبات أنّ الشمس تدور حركة دائرية فوق المعمورة حول وسط الأرض لنفترض أنك في الوسط ومعك لوحة، ارسم مسار الشمس، ستتأكد حين ترسم مسار الشمس أنك رسمت نصف دائرة، وإن طلبت من صديق لك في الجهة المعاكسة أو المقابلة من الأرض رسم لك نصف دائرة عكس دائرتك وإن جمعت اللوحتين معا رأيت حركة دائرية، بمعنى أنّ مسار الشمس دائري فوق الأرض المسطّحة، وهذا غير منطقي ولا يستقيم مع نموذج الأرض كروية التي تدور حول نفسها، وتدور حول الشمس. كذلك يمكنك اختبار قرب الشمس في شهر مارس اليوم الحادي والعشرين حيث يتساوى الليل والنهار بأن تكون على خطّ الاستواء وتراقب ظلّك، فإنه من المفترض أن يكون الظلّ غربا في أثناء الشروق حتى الظهيرة، ويمينا في أثناء الغروب، لكن لماذا لا يحدث هذا؟ لماذا الذي يحدث أنّ الظلّ يتحرك حركة دائرية كما في التجربة السابقة؟ يدلّ هذا على شيئين، أنّ الشمس أصغر بكثير مما يزعمون، وأنّها أقرب إلينا كذلك.
ربما ابتعدت قليلا عن سؤال اختفاء الشمس، لكن باختصار وأخيرا يكفي أنّ الليل عندما يجيء يحجبها عنا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في سورة الشمس: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤)) فالنهار يجليها والليل يغشاها، وصحيح أنّ الشمس تكون في بقعة أخرى في فلكها، لكن كون الليل قد أتى فلا يمكنك بوسيلة من الوسائل أن تنظر إلى الشمس في الليل إلا إذا ذهبتَ إلى بقعة الشمس المضيئة حيث الليل لم يغشى بعدُ، أما إن حلّ الليل في بقعتك فلن تستطيع من بقعتك الجديدة أن ترى الشمس وهكذا. و العجيب أن من قرأ في تاريخ ”الكونيات“ في الصين قبل الميلاد لوجد أنّ هناك رأي قوي أن الين (Yin) بسحابته أو بظلّه يغشي الشمس عند الغروب فلا يستطيع الإنسان أن يرى الشمس عندما تظلّ سحابة الين العالم و لا تستطيع الشمس أن تخترق الين بضوئها. و الين (Yin) كما هو معلوم يعني الليل و منه شعار ”الين و اليانغ“ أو الليل و النهار.
بالتأكيد كلّ كاره لله الواحد القهّار وللغيبيات سيجد استشهادي بأنّ الليل يغشى الشمس أنني رميت إلى الغيب فيقول مستهزئا: هذا سحر، كذلك زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقولون لمن كان يرى الأمور الخارقة أو التي من صنع الله البديع إنما نحن مسحورون، وهذا دأب من كان على شاكلتهم. يسهل عليهم الإيمان بكرة تسبح في المجرة كالذرة وتدور حول محورها ألف ميل في الساعة، وتدور حول الشمس، وتدور هذه المجموعة الشمسية في المجرة كذلك المجرة كلها بأرقام خيالية ثمّ يقولون: هذا علم أو أثبته العلم وما أثبته العلم! هذا الذي بالفعل يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. فلا ينبغي أن ينزعجوا منا إن سخرنا منهم كونهم يسخرون منا عندما نفسر الظواهر الكونية بكلام الله، وهم يُؤمنون بسخافات الكثير من المُخلّفات العلمية الحديثة إيمانا غير مبني على اقتناع حقيقي ولا برهان: (إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
عبدالعزيز النظري
No comments:
Post a Comment