السلام عليكم
ورحمة الله و بركاته... أعزائي القراء, اعلموا أن "الإحسان" لبُّ الإيمان وروحه وكماله" و قد أمرنا الله في مواضع في كتابه أن نحسن و أن الله يحب المحسنين. مفتاح حصول رحمة الله "الإحْسَان" فالإنسان المحسن في عبادة خالقه و محسن في السَّعي في نفع العبيد هو المرحوم حقيقة و كيف لا و "الإحْسَان" كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "يفرح القلب ويشرح الصَّدر ويجلب النِّعم ويدفع النِّقم، وتركه يوجب الضَّيم والضِّيق، ويمنع وصول النِّعم إليه" و لكن طبعا للإحسان موانع و من تلك الموانع هي الحروب, و في هذه المشاركة تجربة شخصية و حروب خضتها لأحسن إلى الآخرين. كما تعلمون أن للحروب أنواع و أشكال و لعل
أصعب حروبي هي الحرب الداخلية التي أخوضها مع نفسي كل يوم. أحيانا أتساءل هل أنا
مثل غيري أم أني مختلف, هل فقدت عقلي أم مازلت راشدا, لي رأي شخصي عن نفسي ولكن قد
علمتم أن لا مجنون يعترف بجنونه فلذلك أدع لكم الحكم بعد قراءة هذه المشاركة. أما
برأي الشخصي لا أظن أني مجنون و لكني أظن أني أعيش حياة أصعب من البعض من حولي ولا
بأس بذلك فإن الحياة بلا صعوبة لا طعم لها, فالحمدلله على كل حال. سبب هذه المشاركة أني أحيانا قبل الإقدام على عمل ما فيه مشقة على نفسي أجد أن المعركة بدأت بين نفسي
و نفسي و لكن الغريب أن هذه المعركة لا تستغرق أكثر من بضع ثوان. فأسمع أصواتا و
صورا كثيرة في مخيلتي قبل الإقدام على الفعل فهي أقصر معركة و لعلها الأصعب.
أذكر في يوم من
الأيام تعثرت سيارتي في الرمل ليلا, و ما إن شاهد ذلك بعض الاخوة من الجالية
الباكستانية هموا للمساعدة, فحفروا و دفعوا السيارة و انقذوني من المأزق الذي أنا
فيه, فشكرتهم و انطلقت. هذا الموقف لا أستطيع أن أنساه فله أثر كبير في الحرب
الداخلية. أما عن الحرب الداخلية فسأضرب لكم مثالا لموقف حصل معي, ذات يوم في احدى
المناطق القريبة من بيتي وجدت باص تعثر كما تعثرت من قبل, و يحاول السائق
الباكستاني اخراج سيارته لكنه لم ينجح. كنت في سيارتي وجال في خاطري: "قف و
مد يد العون له و لكن أسمع صوتا آخر في نفسي: "يا أخي هذا خان و أنت إماراتي
ليس لك أي غرض عنده بمساعدتك, على الأقل لو امرأة جميلة فتظهر أمامها بصورة البطل
المنقذ, أو على الأقل إماراتي فينشر قصص شهامتك لإخوانه و لكن "خان" لا
يؤبه به". فضعفت همتي وما إن ضعفت تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه و سلم:
"لا فرق بين عربي و عجمي". فازدادت همتي لمساعدته و لكن قلت في نفسي
أيضا: "لا عليك لا تفعل فهناك المئات غيرك يمرون على هذا الطريق وسيساعدونه"
فأقول لنفسي: "هذا فرصة لكسب الأجر و قد قال الله ((وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون)) "
و يستمر الصوت في
داخلي قائلا: "يا أخي فكر! فكر! فكر! هذا باص الله يهديك و من قال إنك سوبرمان
تستطيع مساعدته؟" و لكن في نفس الوقت أسمع صوتا آخر يصرخ بي: "يا ناكر
الجميل" فتذكرت جملة كبيرة من جميل الذي
أسداه إلي غيري و في نفس الوقت أسمع في مخيلتي لقارئي المفضل و هو يتلو ((أحسن كما
أحسن الله إليك)). و أسمع مرة أخرى: "الجو حار و بحاجة إلى مجهود و أنت عن
غنى ذلك" فأتذكر قول المنافق الذي تعذّر بالحر فلم يخرج إلى الجهاد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه: ((قل نار جهنم أشد حرا)). "يا
أخي جيت على هذا؟ و أنت غارق في الذنوب و المعاصي! تكفى فعندك أمور أهم و امضي
راشدا" هكذا سمعت و ما إن سمعت رأيت صورا في مخيلتي و هي إن لم أقف الآن و
أساعد الرجل لعل حياتي تنتهي في أي لحظة كما حدث لأخي الذي كان بعمري فإنه توفي
فجأة رحمه الله. تمالكني الخوف فتوقفت و ذهبت إلى السائق وقلت له إنك بحاجة إلى
مساعدة, فما كان من المسكين إلا أن ترجّاني أن أمضي في طريقي لأنه قد طلب المساعدة
من إخوانه وهم في طريقهم إليه. فقلت له لعلهم يتأخرون فقال لي اذهب ولا عليك, شكرا
لك, شكرا جزيلا لك أنا ممنون لك. حاولت أن أساعده إلا أنه منعني و لم يرض بذلك لعله
خجل أن يكلف شابا كهيئتي في هذا العمل. وأنا راجع إلى سيارتي سمعت في نفسي:
"هذا أفضل, قد ارتحت خلصك الله منه!" فسمعت صدى تلاوة لقول الله سبحانه:
((ثم أدبر يسعى)) و ((أرأيت إن كذب و تولى)) فقررت أن أعطيه شيئا من المال لكنه
رفض أن يأخذ فسمعت بداخلي: "تكفى, خف علينا يا حاتم الطائي!" فقهرا لهذا
الصوت الذي بداخلي وضعته على الأرض بجانبه و مضيت مسرعا إلى سيارتي.
موقف آخر, كنت
مريضا فزرت عيادة قريبة و ما ان انتهيت من العيادة خرجت و في طريقي للخروج وجدت
رجل "فلبيني" يدفع عربة كبيرة مليئة بالنفايات. كان عليه أن يدفع العربة
لمنحدر إلى أعلى و لكنه كان ضعيفا و العربة ضخمة جدا فحاول جاهدا فلم يستطع. فقلت
في نفسي لم لا أساعده, فسمعت صوتا في داخلي: "يا أخي أنت مريض ((ولا يكلف
الله نفسا إلا وسعها))" فقلت بل المرض الحقيقي هو أن أعتذر بالمرض عن الإحسان
و قلت إنما هو صبر ساعة. فقلت في نفسي "يا أخي على الأقل أحد فقراء المسلمين!
أما هذا الفلبيني!" عندها تذكرت خدمة الفلبيني في مطعمي المفضل, و تذكرت
المدرس الألماني الذي علمني في الجامعة و الفرنسي الذي قال لي و كنت سائحا هل
أخدمك؟ فقلت ((أحسن كما أحسن الله إليك)) أفعل هذا لوجه الله و لعله يحب الإسلام بهذا
التصرف, فسمعت صوتا ساخرا: "الأخ عبدالعزيز أم محمد الفاتح؟" فعاندته و قلت أفعل هذا لأقهر الصوت الذي في داخلي و تمثلت بـ"و ازرع ولو في غير موضعه فلا يضيع جميل أينما زرعا"
و عندما اقتربت
من السلة شممت رائحة النفايات الكريهة و رأيت منظرها البشع. فحدثت نفسي: "يا
أخي في كامل زينتك و جمالك, تدفع لتتسخ يدك وثيابك و من ثم تتسخ سيارتك الجميلة
أما هذا العامل فيرتدي القفاز" مباشرة تخيلت بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم
و هو ينظر إلى هيئة مصعب بن عمير رضي الله عنه المبتذلة بعد أن أسلم و قد رآه
الرسول صلى الله عليه وسلم قبل اسلامه شابا جميلا متدللا في قريش, يلبس من الثياب
أغلاها يعرفه أهل مكة بعطره الذي يفوح منه.
وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان الله لاينظر الى أجسامكم
ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم" و قد قيل: "و أحسن وجه في الورد وجه محسن, و أيمن كف فيهم كف منعم". أعزائي, إن خوض الحروب سهل إن
استسلم الطرف الآخر بسهولة لكن في حرب لا يستسلم فيه أي من الطرفين فهنا الصعوبة, حدثت نفسي: "يا أخي تخيل و أنت تدفع العربة وقعت النفايات عليك" فسمعت الآية
في ذهني ((أحسن كما أحسن الله إليك)) فدفعت العربة مع العامل و هو مستغرب ويقول
"ثانك يو" و ما إن رفعنا العربة إلا وبعض القمامة وقعت علي وعلى العامل
فاعتذر إلي وقلت له لا تقلق ليست غلطتك. قلت له ذلك و لكني أسمع بداخلي: "ألم
أقل لك أن هذا سيحدث, لكنك لا تحب الناصح" شعرت بالضيق ولكني كنت أبحث عن أمل
لكي لا أخسر الحرب فسمعت في داخلي ((ألم نخلقكم من ماء مهين)) هذا هو المطلوب أن
تحمل النفايات وتضعها في السلة بيدك لعلك تشعر بالمذلة و الخضوع و أن لا كبير إلا
الله, ففعلت ذلك... وعندما جلست في السيارة شعرت بنوع من الأسف و الحزن على ثيابي
و سيارتي و رائحة يدي فسمعت ((و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن
أقرب إليه من حبل الوريد)) فاستغفرت الله و حمدته.
هكذا أعزائي
القراء, في مواقف كثيرة أكون في هذا الصراع اليومي, شخص أساء إلي, فأسمع "كيف
يتجرأ هذا الصعلوك و أنا ابن الكرام, و أستطيع أن أرد إساءته وانتصر لنفسي"
فأسمع صوتا آخر: "لا تكن حمار ابليس فيركبك و يذهب بك حيث يريد" و بين ذلك أسمع الآية ((خذ
العفو و أمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)). أحيانا أستمع لهذا و أحيانا أستمع لذاك, أنتصر
يوما, و ينتصر أيام و لكن أقول "لا استسلام". للناس أحوال, فمنهم قوي الإيمان لا يحتاج
أن يخوض هذا الحرب فيقدم على العمل و يحسن و هم قلة في مجتمعنا, و البعض الآخر إذا وجد شيئا فيه مشقة
يتجنبه و يلتمس الراحة, فهؤلاء أقرب للغفلة و هم الغالبية. و الحقيقة "أحقُّ النَّاس بالإحْسَان مَن أحسن اللَّه إليه، وأولاهم بالإنصاف مَن
بُسِطت القدرة بين يديه؛ فاسْتَدِم ما أوتيت مِن النِّعم بتأدية ما عليك
مِن الحقِّ"
أحب أن أنوّه أن هذا الصراع لا يستغرق سوى بضع ثوان ولا غرابة في ذلك, فإن الإنسان إن تفكّر في حياته و المواقف التي مر فيها, لن يستغرق ذلك ساعة, و هذا من أكبر الأدلة أن هذه الفترة التي نعيشها كالحلم مقارنة بالآخرة, قال الله سبحانه في كتابه: ((قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون)). الحقيقة لا أدري إن كنت الوحيد الذي يخوض هذه المعارك بهذه الطريقة, ولعل حالتي صعبة و قد يتهمني البعض بالجنون, و أعلم أني أعيش حياة قد لا يطيقها البعض, فإن الحرب إما أن ينتهي بانتصار أحد الطرفين و إما أن يفتك بالطرفين فلا غالب ولا مغلوب. قد أحزن إن هزمت في هذه الحرب مرة و مرتين و ثلاث و لكن لا بأس فحزن لحظات غير من عقوبة الغفلة, فإن الهزيمة الحقيقية هي الاستسلام فلا يحاول المرء أن يجاهد نفسه, و أما من يغفل عن مجاهدة نفسه بالكلية فأسأل الله أن يهديه و أن يجيرني من عقوبته و يعافيني مما ابتلاه به غيري...
أحب أن أنوّه أن هذا الصراع لا يستغرق سوى بضع ثوان ولا غرابة في ذلك, فإن الإنسان إن تفكّر في حياته و المواقف التي مر فيها, لن يستغرق ذلك ساعة, و هذا من أكبر الأدلة أن هذه الفترة التي نعيشها كالحلم مقارنة بالآخرة, قال الله سبحانه في كتابه: ((قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون)). الحقيقة لا أدري إن كنت الوحيد الذي يخوض هذه المعارك بهذه الطريقة, ولعل حالتي صعبة و قد يتهمني البعض بالجنون, و أعلم أني أعيش حياة قد لا يطيقها البعض, فإن الحرب إما أن ينتهي بانتصار أحد الطرفين و إما أن يفتك بالطرفين فلا غالب ولا مغلوب. قد أحزن إن هزمت في هذه الحرب مرة و مرتين و ثلاث و لكن لا بأس فحزن لحظات غير من عقوبة الغفلة, فإن الهزيمة الحقيقية هي الاستسلام فلا يحاول المرء أن يجاهد نفسه, و أما من يغفل عن مجاهدة نفسه بالكلية فأسأل الله أن يهديه و أن يجيرني من عقوبته و يعافيني مما ابتلاه به غيري...