Wednesday, December 25, 2013

سلسلة تصحيح مفاهيم: الحديث المتواتر




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... قررت أن تكون هذه المشاركة متعلقة بعلم الحديث ومحاولة تصحيح بعض المفاهيم المنتشرة بين العامة وعوام طلاب العلم ولا أستثني نفسي, إلا أني أرجو الله أن أكون من الذين أنعم عليهم بنعمة التحرر من قيود العصبية والتقليد فيستطيع أن يبصر بعض مواطن الضعف عندنا إن شاء الله. وموضوعنا في هذه المشاركة الخبر المتواتر (أقصد بالخبر هنا كل ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين من قول أو فعل أو وصف وهذا من التعاريف الشاملة للحديث) وأحب أن أقول أن التواتر ليس أمرا خاصا بالحديث النبوي أو الإسلامي بل هو من المقدمات الضرورية التي تفيد العلم القطعي بصفة عامة بغض النظر عن نوعية الخبر المنقول والناقلين له وهذا الأمر متفق عليه بين طوائف العقلاء. أما المتواتر فهو مصطلح مشهور في علم الحديث. كثيرا ما نسمع من طلاب العلم من يقول هذا الحديث متواتر, وكيف تجرأت بالحديث في هذا الموضوع وعندنا أحاديث متواترة يا زنديق يا ليبرالي يا مرتد! أقول أولا استعيذوا بالله من الشيطان الرجيم, فما أسهل أن نكون ضحية من ضحايا الشيطان وكبر النفس فنعتقد أننا على شيء ولسنا على شيء ونظن ظنّا والواقع أمر مختلف.

ثانيا أحب أن أعطيكم نبذة سريعة عن الحديث المتواتر, في الاصطلاح الحديث المتواتر هو الحديث الذي رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس. المقصود إلى شيء محسوس أي يقولوا سمعنا أو رأينا أو لمسنا وربما يقال المقصود بالشيء المحسوس أي لا إلى النظر والاستنباط والاستدلال والله أعلم. ويطلق على ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره. فعرفنا بهذا التعريف بأن من شروطه (أي الحديث المتواتر) وجود عدد كبير من الرواة أحالت العادة تواطؤهم أو توافقهم على الكذب. و رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء (السند) وكان مستند انتهائهم الحس وإضافة إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه أي أن يكونوا عالمين بما أخبروا به غير ظانين فهذا هو المتواتر, وما تخلفت إفادة العلم عنه كان مشهورا فقط، فكل متواتر مشهور من غير عكس.

ثم التواتر ينقسم إلى فرعين: الأول: التواتر اللفظي و هو اتفاق الرواة على لفظ الخبر ومعناه. الثاني: التواتر المعنوي وهو ما اختلف الرواة في لفظه. سأحاول أن أقتصر هذه المشاركة على التواتر اللفظي, وسأخصص مشاركة مستقلة للتواتر المعنوي. مثال التواتر اللفظي: أخبرت خبرا فروى عني أكثر من 500 انسان, و عن الذين رووا عني 500 انسان وعن الذين رووا عن الذين رووا عني 500 انسان وهكذا إلى نهاية السند إلى أن يصل إليك فمثل هذا عند القوم هو الحديث المتواتر. ولكن 500 للمبالغة. قال ابن تيمية رحمه الله: "العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة – وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر، فيحصل العلم بمجموع ذلك، وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة" فعلمنا بذلك أن الحديث المتواتر ليس له عدد محصور أو ثابت في علم الحديث. فبعض العلماء اشترط أن أقل عدد التواتر 4 وبعضهم 10 وبعضهم 70 وبعضهم 114 وبعضهم 313 و هكذا. وما قاله ابن تيمية رحمه الله يشبه قول أبو حامد الغزالي رحمه الله: " العدد يجوز أن يختلف بالوقائع وبالأشخاص، فرب شخصٍ انغرس في نفسه أخلاق تميل به إلى سرعة التصديق ببعض الأشياء فيقوم ذلك مقام القرائن وتقوم تلك القرائن مقام خبر بعض المخبرين" فليس بمجرد نقل الجمع عن الجمع يكون العلم بالخبر، فيجب أن تكون قرائن دالة على ذلك.


فإن أتاك طالب علم أو حتى عالم يقول عن حديث روي بسندين أو ثلاثة فقط بأن هذا الحديث متواتر, فطالب العلم ليس بمجبور أن يأخذ بكلامه, فربما يستحسن اختيار قول عالم غيره واختار أن يكون أقل عدد التواتر 10 أو 50 فلا يمكن لأي طالب علم أن يلزمك هذا إن وجد الدليل يسعف الأقوال الأخرى من غير قصد اتباع لهوى في النفس. ثم هناك من يدعى بأن الحكم على الشيء بأنه متواتر أو مجمع عليه, هي تحت نطاق عمل المحدث, فأقول بأن هذا أيضا لا يسلم لهم. الحقيقة أن اصدار هذه الأحكام من الأصوليين أقرب. لهذا نجد اختلاف العلماء في عدد الأحاديث المتواترة اللفظية, فمن قائل 100 حديث ومن قائل 71 ومن قائل 40 ومن قائل 4 ومنهم من قال بأن الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط حديث واحد وهو حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وسبحان الله هذا من العجائب ولعلي أكتب لطائف ذلك في مشاركة أخرى أما المتواتر بشكل عام (اللفظي والمعنوي) فقد ألف فيه القوم كتبا فمن أراد التوسع فليقرأ مثلا كتاب السيوطي رحمه الله "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة"

فإن تم ثبوت الخبر بأنه متواتر فهل يلزم من هذا القطع أي تقطع بأن الاستدلال بهذا الخبر في مسألة معية صحيح 100%؟ الحقيقة هذا ليس بكاف! بالإضافة إلى ثبوت الخبر قطعا فلابد أن يكون هذا الخبر قطعي الدلالة, فالخبر المتواتر الذي له أكثر من دلالة يعتبر عند جمع من الناس بأنه خبر ظني ولا يعتبر قطعيا. ورحم الله العلماء فهم عندما اشترطوا في الحديث المتوار قالوا: "أن تحيل العادة اتفاقهم وتواطأهم على الكذب" لأنه ليس بالأمر المستحيل أن تتفق  جماعة من الناس على الكذب ونقله! كما نرى مثل ذلك اليوم. وأمر آخر, اشترط كثير من العلماء بأنه لابد من الأخبار المتواترة في العقائد فلا يؤخذ بالآحاد والخلاف في هذا معروف بين أهل الاختصاص. و أضيف إلى ما سبق بأن معظم الأمم تزعم بأنه قد تواتر عندها كذا وكذا فيصفونه بالمتواتر ويتهمون من خالفهم بالجهل لأنه يخالف المتواتر الثابت عندهم وذلك لأنه يصعب وجود مولود يولد إلا ويجد أمامه أمة تتبع عقيدة فيسلم لها ويتبعها. فالنصارى مثلا يزعمون بأن عقائدهم متواترة ولكن عندما تبحث في حقيقة هذا التواتر تجد صعوبة شديدة في اثبات خبر آحاد عنهم! فكيف بالمتواتر؟ لكنهم يعتمدون على أخبار التاريخ. طائر العنقاء اشتهر عند الأمم شهرة عظيمة بأنه موجود لكن هل يمكنك اثبات ذلك قطعا؟ لا يمكن! فمثلا يأتيك عالم نصراني فيقول قال المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بأنه ابن الله وهذا متواتر عنه, فنقول له أثبت لنا التواتر؟ ما هي أسانيدك وأدلتك؟ ثم سنقول له إن ثبت الخبر (ولا يمكنه أن يثبت ذلك) هل الخبر هذا قطعي الدلالة, فتقولون هو ابن الله حقيقة أم هو من باب أن البشر هم عيال الله و أن الله مولى الذين آمنوا...الخ؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه عن الكفار: ((لو شاء الرحمن ما عبدناهم)) وكأنه تواتر عندهم خبر من الله قطعي الثبوت والدلالة! وكان المطلوب منهم أن يأتوا بدليل مبني على العلم, لهذا نجد الله سبحانه وتعالى في آيات يرد عليهم: ((ما لهم به من علم إن هم إلا يخرصون)) كذلك لابد للباحث المسلم والعالم أن يبحث في حقيقة التواتر المزعوم بغض النظر عن الذي ادعى التواتر وإن كان من كبار الأئمة والعلماء.

أيضا لاحظت مفهوما خاطئا منتشرا بين طلاب العلم والعوام من العلماء وهو أن الخبر إن كان مشهورا حكموا بأنه متواتر. فتجد مثلا الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صاحبي واحد, وعن هذا الصحابي تابعي واحد, وعن هذا التابعي راوي واحد, ثم عن هذا الراوي 200 راوي! فهل يعتبر هذا الحديث متواتر؟ لا! ولكن يقال عنه الخبر اشتهر من بعد رواية فلان الراوي, بل هذا الحديث لا يعتبر حديثا عزيزا وهو أقل رتبة من الحديث المشهور أو المستفيض على حسب التعريف الاصطلاحي عند أهل العلم لهذه الأقسام المذكورة والذي يقتضي بنفسه أن يكون أقل من المتواتر لأن الحديث المتواتر أعلى رتبة من الحديث العزيز والمشهور! فأقول لطلاب العلم لا تتعجلوا, والحقيقة إن اختبرنا هؤلاء المتعالمين وربما إن قلنا لهم أخرجوا لنا وأثبتوا مائة حديث "عزيز" لما استطاعوا ذلك.

وهناك مشكلة أخرى, نجد عالما من العلماء يزعم بأن الحديث الفلاني هو حديث متواتر, وربما يكون مخطئا في ذلك, ولكن تبعه الناس من بعده على هذا الحكم ونشروا بين العامة بأن الحديث متواتر ويُظنّ بهذا الحديث بأنه متواتر بالرغم من احتمال أن يكون هذا الحديث حديثا ضعيفا بل موضوعا! كم نجد هذا في كتب الصوفية أو الشيعة هدانا الله وإياهم. ثم أحب أن أقول, أن ادعاء العالم لخبر بالتواتر بحاجة على أقل تقدير بالنسبة لي شخصيا كتابا تصح نسبته إلى العالم من غير شبهة أو خبرا عزيزا عن هذا العالم بأنه حكم على خبر معين بأنه متواتر. فما أسهل أن يكذب طلاب العلم بل حتى العلماء لنصرة مذاهبهم فيقولون: "قال الإمام الشافعي بأن هذا الحديث متواتر, أو قال الإمام أحمد بن حنبل بأن هذا الحديث متواتر" فعندما تبحث في كتبهم لا تجد شيئا من هذا وتبحث عن أسانيد هذا القول فلا تجد! فربما يستغلون أسماء العلماء لما لهم مكانة في قلوب الناس لنصرة مذاهبهم فليحذر طلاب العلم من مثل هذا التلاعب وليبحث عن حقيقة الخبر المنسوب إلى العالم. على سبيل المثال, روي عني (عبدالعزيز) أني قلت: "فلان عبقري" ولكني في الواقع لم أقل هذا لا في كتاباتي ولم أخبر أصدقائي وأصحابي أو أي أحد ولكن أشاع أحدهم هذه الإشاعة عني, كم نجد مثل هذا اليوم تقريبا بشكل شبه يومي والله المستعان!

وهناك مفهوم خاطئ عند بعض طلاب العلم, وهو إن وجدوا الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم عن طريق عشرة من الصحابة زعموا بأنه حديث متواتر فيسرعون في الحكم على الحديث بأنه متواتر وغير مقبول عدم العمل به ومن رده كفر وغيرها من مثل هذه الأقوال. المفروض قبل أن يتم الحكم على الحديث بأنه متواتر (بالإضافة إلى ما ذكرت في هذه المشاركة) أن يُبحث في أسانيد هذه الأحاديث. فرضا لو روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وعائشة بنت الصديق) رضي الله عنهم أجمعين, فعلى العالم أن يبحث الرواية المنسوبة إلى أبو بكر فربما الرواية المنسوبة إليه رواية ضعيفة أو مكذوبة, وكذلك عن عمر وبقية الصحابة, فحينها لا يمكن أن يحكم المرء بأن الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل الأسانيد ضعيفة ومكذوبة! ذلك لأن 0 + 0 + 0 + 0 لا يساوي 1!!! لكنك ربما تقول تواتر الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم! أما الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة وتقوية بعضها ببضع فهذا موضوع آخر والخلاف والكلام فيه عنه يطول لعلي أتطرق إليه في مشاركة أخرى.

طبعا كل ما ذكرته ينطبق بالعكس, فتجد طالب العلم يقول عن حديث متواتر بأنه حديث ضعيف لا يصل إلى درجة الحديث المتواتر, وهذا الإنسان نسي قول الإمام الصنعاني رحمه الله: "أن التواتر قد يحصل لباحث دون باحث، لأنَّ المدار على كثرة الاطلاع، وليس الناس فيه سواء" واليوم لعلك تجد عند أصغر طالب علم كتب حديث لم يكن يحلم بها علماء الحديث من قبل. لا أقصد بهذه المشاركة التقليل من شأن علماء السلف أو خبر الآحاد ولا أحب أن أتطرق لمثل هذه الأمور, ولا أحب أن أدخل في موضوع حكم العمل بأحاديث الآحاد أو المتواترة, وما هي شروط القبول والعمل بالأحاديث فهذه كلها مواضيع أخرى موجودة في كتب أصول الفقه والحديث لمن أراد أن يتوسع. ولكني هنا فقط أحببت أن أوضح بعض المفاهيم الخاطئة حول الحديث المتواتر. ثم أحب أن أضيف أنني عندما أقول ثبت الخبر أقصد ثبوت الخبر الظني (بالنسبة للآحاد) بالحكم العام غير التفصيلي لان احتمال الخطأ والنسيان وكل هذه الأمور واردة, هذا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...



1 comment:

  1. برأيى ان الاعتماد على بحث السند دون المتن عمل لنا مشكلة كبيرة . أظن طان من الأفضل عرض الحديث على القراّن الكريم والأخذ بما وافقه فقط ورد ما خالفه خيراً من الإعتماد على ثقه أحدهم او عدم ثقته فى شخص الراوى

    ReplyDelete