السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته... محاولة جديدة لتصحيح بعض المفاهيم التي أراها خاطئة حول مسألة مرسل
الصحابي. الحديث المرسل في الاصطلاح عرفه عدد من العلماء بتعاريف, أعمها تعريف بعض
الفقهاء وهو: "أن كل منقطع مرسل على أي وجه كان انقطاعه" فرواة الحديث
يسقط منهم حلقة أو أكثر، والحديث المرسل صنّفه العلماء ضمن أقسام الحديث الضعيف
وذلك لأن السند غير متصل, ولكن جمهور أهل العلم قبلوا مرسل الصحابي, وأحب أن أنوّه
في المسألة خلاف لا يكاد يعرفه طلاب العلم اليوم وهذه المشاركة محاولة لتصحيح مفهوم
منتشر بين طلاب العلم وهو أن مرسل الصحابي صحيح مطلقا. أما صورة مرسل الصحابي:
"هو أن يروي الصحابي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يسمعه منه
مباشرة" فالصحابي قد يروي عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما
يروي عن تابعي سمع من صحابي آخر سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نادر والاحتمال
وارد أن يروي الصحابي عن تابعي أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير خطير جدا.
وأنا لا أريد أن أثبت
في هذه المشاركة بأن الصحابة كانوا يدلّسون أو شيء من هذا القبيل, والحقيقة أظن أن
هناك خلط عند بعض طلاب العلم بين التدليس والارسال, فالأول أي المدلّس يريد إيهام السامع بأنَّه قد سمع هذا الحديث من شيخه،
وهذا الأمر لم يقع من الصحابة فيما أعلم والله أعلم ولكن أثبته الذهبي رحمه الله
حيث أورد في سير أعلام النبلاء: "قال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول
: كان أبو هريرة يدلس. قلت - القائل الذهبي - : تدليس الصحابة كثير ، ولا عيبَ فيه
؛ فإنَّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم ؛ والصحابة كلهم عدول" فينظر ما يقصده قبل
أن يتعجّل مُتعجّل في اصدار الأحكام بغير علم. أما الحديث المرسل فغالب العلماء كما
ذكرت يُصححون الحديث إن كان الصحابي أسقط ذكر الصحابي الذي يروي عن النبي صلى الله
عليه وسلم, وذلك لأنهم يقولون بعدالة الصحابة وموثوقيتهم, فحين يسقط صحابي من السند
فلا يضر عندهم ذلك فإن الحديث يظل من الأحاديث الصحاح على اختلاف بين العلماء.
لقد تأملت الخلاف في
المسألة ورأيت من لم يحتج بالحديث بحجة أن الصحابي قد يروي عن تابعي ويكون هذا التابعي
أرسل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو أن هذا التابعي ليس بثقة, فإن غالب العلماء
لا يشككون بعدالة الصحابة ولكنني أختلف معهم في ذلك. لأننا أولا نعلم أن الصحابة بشر
مثلنا, منهم المتقن والحافظ ومنهم أقل من ذلك, ومنهم العالم ومنهم غير ذلك, فهذه الأمور
كلها واردة وإن كان الغالب عليهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم. ولكن المسألة التي غفل عنها معظم طلاب العلم و حتى العلماء بأنه قد يكون من الصحابة
(على حسب التعريف الاصطلاحي المتداول بين طلاب العلم والعلماء اليوم) منافقين. لا أريد
أن يتعجّل طالب علم فيتهمني باتهامات باطلة فإني لا أريد أن ألمز الصحابة رضوان الله
عليهم أو شيء من هذا القبيل ولكني أريد تصحيح هذا المفهوم الخاطئ وذلك صونا لحديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم والحذر من نسبة الكذب والخطأ إليه, و سأثبت ذلك بالأدلة الصحيحة
من القرآن الكريم والسنة النبوية في الفقرة القادمة بأنه ليس كل الصحابة ثقات ومعصومين
من الخطأ بحيث تقبل كل مروياتهم مطلقا وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها قطعا.
قال الله سبحانه وتعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))
قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "السلسلة الصحيحة":
قالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ : ثَنَا أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّ
قَالَ :قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي إِلَى الإِسْلاَمِ
، فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ ، فَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ
بِهَا ، وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ إِلَى
الإِسْلاَمِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ ، فَيُرْسِلُ
إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً لإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ
مَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ .فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ
لَهُ وَبَلَغَ (الإِبَّانَ) الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ
يُبْعَثَ إِلَيْهِ ؛ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ ؛ فَظَنَّ الْحَارِثُ
أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ ، فَدَعَا
بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ
وَقَّتَ لِي وَقْتاً يُرْسِلُ إِلَىَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ
الزَّكَاةِ ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُلْفُ ، وَلاَ
أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلاَّ مِنْ سَخْطَةٍ كَانَتْ ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِيَ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ
بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ
الزَّكَاةِ ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ
، فَرَجَعَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِى ! فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ .فَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ
. إِذِ اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ وَفَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ؛ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ
، فَقَالُوا : هَذَا الْحَارِثُ ! فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ : إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ
؟ قَالُوا : إِلَيْكَ .قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالُوا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ
الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ .قَالَ : لاَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ
مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلاَ أَتَانِى فَلَمَّا
دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « مَنَعْتَ الزَّكَاةَ
وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟ قَالَ : لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ! مَا رَأَيْتُهُ
وَلاَ أَتَانِي ، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلاَّ حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ .قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) إِلَى هَذَا الْمَكَانِ ((فَضْلاً
مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))
أخرجه أحمد (4/279)
، وابن أبي عاصم في "الأفراد" (4/322/2353) والطبراني في "الكبير"
(3/310-311) من طريق محمد بن سابق : ثنا عيسى بن دينار به . قلت : وهذا إسناد صحيح
؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب" . ولذلك قال الحافظ ابن كثير في
"التفسير" :إنه من أحسن طرق الحديث" . وقال السيوطي في "الدر المنثور"
(6/87) : "سنده جيد". وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من "الإصابة".
وأما في ترجمة (الوليد بن عقبة) ؛ فإنه بعد أن أخرج القصة من وجوه مرسلة – قال
:"أخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة ، وفي السند من
لا يعرف"! كذا قال رحمه الله ! فإنه مع تقصيره في اقتصاره على الطبراني دون أحمد
وغيره – ممن عزاه إليهم في الموضع الأول – فالطبراني قد رواه من ثلاثة طرق عن محمد
بن سابق . فهل الجهالة التي أشار إليها هي في محمد بن سابق فمن فوقه – وهذا لا يتصور
صدوره من الحافظ ؛ بل ولا ممن دونه - ، أم هي في الطرق الثلاث ؟ وهذا كالذي قبله ؛
فإنها لو كانت كلها مجهولة لم يجز إعلال الحديث بها لتضافرها ، فكيف واثنان منها –
على الأقل – صحيحان؟! فكيف وقد رواه أحمد عن محمد بن سابق مباشرة؟! لا شك أن ذلك صدر
من الحافظ سهواً وغفلة . وكلنا ذاك الرجل : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)."
انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله. الوليد بن عقبة من الصحابة بناء على تعريف أهل
العلم ولكنه نُعت بالفسق إن صحت الرواية. قال الإمام ابن حجر رحمه الله في الإصابة:
"قال ابن عبد البر لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن انها نزلت فيه" ولكن
هناك من أنكر هذه الرواية من العلماء.
قال الله سبحانه وتعالى:
((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ)) فعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: "قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سنانا ، و أبسط
لسانا وأملأ للكتيبة ، فقال علي: اسكت ، فإنما أنت فاسق . فنزلت (أفمن كان مؤمنا كمن
كان فاسقا)" - إسناده قوي, انظر سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله 3/415. فهذه
رواية أخرى عن الوليد بن عقبة وهو من الصحابة, ولكن أيضا من أهل العلم من أنكر على
الذهبي حكمه على السند. ولكن فرضا إن لم تصح هذه الروايات فالآيات موجودة في ذم بعض
أفعال المسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم, مثل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ
تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) فمن يدري, ربما يرسل الصحابي عن الرسول صلى الله
عليه وسلم بحديث يكون بينه (أي الصحابي الراوي) والرسول صلى الله عليه وسلم صحابي فاسق
(أسقطه الصحابي الأول) أو ممن لا تحل الرواية عنه منفردا وهذا ما غفل عنه جمع من العلماء
بسبب عقيدة عدالة الصحابة المطلقة وذلك صونا للصحابة, وهذا خطأ فالأولى أن يُصان الرسول
صلى الله عليه وسلم فلا ينسب إليه إلا الحق والصدق والله أعلم.
عن حذيفة بن اليمان
رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في أصحابِي اثنا عَشَرَ
مُنافِقًا ، مِنهمْ ثمانيةٌ لا يَدخلونَ الجنةَ ، حتى يَلِجَ الجمَلُ في سَمِّ الخِياطِ"
وفي رواية عمار بن ياسر رضي الله عنه: " قلنا لعمارٍ : أرأيتَ قتالَكم ، أرأيًا
رأيتُموه ؟ فإنَّ الرأيَ يخطئُ ويصيبُ . أو عهدًا عهِده إليكم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ ؟ فقال : ما عهِد إلينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا لم
يعْهدْه إلى الناسِ كافَّةً . وقال : إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال
" إنَّ في أمتي " . قال شعبة : وأحسبُه قال : حدثني حذيفةُ . وقال غُندرُ
: أراه قال "في أمتي اثنا عشرَ مُنافقًا لا يدخلون الجنةَ ، ولا يجِدون رِيحَها
، حتى يلِجَ الجملُ في سَمِّ الخِياطِ . ثمانيةٌ منهم تكفيكَهم الدُّبَيلةُ . سراجٌ
من النارِ يظهرُ في أكتافِهم . حتى ينجُمَ من صدورِهم" أخرج مسلم هذه الرواية
في صحيحه. وفي حديث الحوض المشهور: "إِنَّي فرَطُكُمْ علَى الحوْضِ ، مَنْ
مَرَّ بِي شَرِبَ ، ومَنْ شرِب لم يظمأْ أبدًا ، ولَيَرِدَنَّ علَيَّ أقوامٌ أعرِفُهُمْ
ويعرِفُونِي ، ثُمَّ يُحالُ بيني وبينهم ، فأقولُ : إِنَّهم مني ، فيُقالُ : إِنَّك
لا تَدْرِي ما أحدثوا بعدَكَ ، فأقولُ : سُحْقًا لِمَنْ بدَّلَ بعْدِي" وفي
رواية عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطُكم
على الحوضِ. ولأنازعن أقوامًا ثم لأغلبن عليهم ، فأقولُ : يا ربِّ أصحابي . أصحابي
. فيقالُ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك." فبهذه الأحاديث عرفنا أن من الصحابة منافقون
لا تحل الرواية عنهم, فالمنافق كذاب كذاب كذاب لقول الله سبحانه وتعالى: ((وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ))
فإن قال طالب علم أو
عالم: "ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين" أقول وإن كان
يعرف بعضهم فلا يعني أنه كان يعرفهم جميعا بدليل قول الله سبحانه وتعالى: ((مِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ
يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ)) ولكني سأتنزل لهؤلاء فإن كثيرا منهم يجادل
بلا علم, فأقول وإن سلّمت لكم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف جميع المنافقين,
فكيف يدل ذلك على أن الصحابة كانوا يعلمون كل المنافقين في المدينة؟ ربما كانوا يعلمون
البعض ولكن لا عاقل يقول بأنهم كانوا يعلمونهم جميعا! وحتى لو كانوا يعلمونهم ألم يقل
الله سبحانه: ((يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)) و
معروف لدى طلاب العلم قصة عمر بن الخطاب مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين وكيف
كان عمر يخشى على نفسه أن يكون من المنافقين, لأن حذيفة كان يعرف عددا من المنافقين
لم يخبر الصحابة علانية بأسمائهم ولهذا قيل عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تخيلوا معي, إن روى صحابي معروف بالصدق كأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب رضوان الله
عليهم عن أمثال هؤلاء المنافقين الذين يعلمهم حذيفة بن اليمان, هل ستقبل روايتهم عن
النبي صلى الله عليه وسلم وهم من المنافقين!؟ ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
أدلة كثيرة تثبت ذلك.
فإن قلت: "بهذه
الطريقة لن تستطيع أن تثق بأية رواية عن الصحابة إن لم يذكروا اسم الصحابي الذين يروون
عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم!" أقول: غير صحيح, وهنا يأتي دور الحديث العزيز
الذي ذكرته في مشاركات سابقة بأنه لابد أن يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيان
على الأقل عن نفس الحادثة, فإننا سنقارن مرسل الصحابي مع روايات أخرى في نفس الباب,
فإن كان موافقا لذلك فلا بأس بالأخذ به ظنا, وإن كان مخالفا فهنا لابد أن نتوقف قبل
قبول الحديث ولابد من البحث والتنقيب إلى أن نصل إلى الحق. اعلموا أن الله سبحانه وتعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بينا لنا صفات المنافقين وعلامات النفاق, فلابد من دراسة
سير كل من ذكروا ضمن الصحابة, فإن كان من ثبت عليه العلامات الخاصة بالمنافقين فإنه
يجب علينا أن نحذر من مروياته ولا ننسبها جزافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نجد
ما يعضده, لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أمر عظيم وظلم للنفس وللأمة الإسلامية
وبيان ذلك يطول ولعلي أتعرض لبعض من المفسدة في مشاركات أخرى. والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته...