إذا قمت أيها المسلم إلى الصلاة فوجه كل قلبك فيها إلى استحضار كل ما يتحرك
به لسانك من ذكر وتلاوة. فإذا قلت: "الله
أكبر" فحسبك أن تذكر في قلبك أن الله تعالى أعظم من كل عظيم، وأكبر من كل
شيء، فلا يصح أن يشغلك عن الصلاة له أو فيها شيء دونه، وكل شيء دونه. وإذا قرأت ما ورد
في ذكر الافتتاح فلا تشغل نفسك بغير معناه وهو ظاهر، وإذا استعذت بالله تعالى قبل القراءة
عملا بعموم قوله تعالى: ((فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم))
فتصور من معنى صيغة الاستعاذة أنك تلجأ إلى الله تعالى وتعتصم به من وسوسة الشيطان
الشاغلة عن الصلاة وما يجب فيها من التدبر لكتابه والخشوع والإخلاص له تعالى. وإذا قرأت البسملة
فاستحضر من معناها: إنني أصلي (بسم الله) ولله الذي شرع الصلاة وأقدرني عليها
(الرحمن الرحيم) ذي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء والخاصة بمن شاء من عباده
المخلصين.
وإذا قلت: (الحمد لله رب العالمين) فاستحضر من معناها أن كل ثناء جميل
بالحق فهو لله تعالى استحقاقا وفعلا، من حيث إنه الرب خالق العالمين ومدبر جميع أمورهم
(الرحمن) في نفسه (الرحيم) بخلقه (مالك يوم الدين) ذي الملك والتصرف
دون غيره يوم محاسبة الخلق ومجازاتهم بأعمالهم فلا يرجى غيره، وإذا قلت: (إياك نعبد)
إلخ فتذكر أنك تخاطب هذا الرب العظيم كفاحا بما يجب أن تكون صادقا فيه، ومعناه نعبدك
وحدك دون سواك بدعائك والتوجه إليك (وإياك نستعين) نطلب معونتك وحدك على عبادتك
وعلى جميع شئوننا، بالعلم بما أعطيتنا من الأسباب، وبالتوكل عليك وحدك عند العجز عنها
(اهدنا الصراط المستقيم) دلنا وأوصلنا بتوفيقك ومعونتك إلى طريق الحق في العلم
والعمل، الذي لا عوج فيه ولا زلل (صراط الذين أنعمت عليهم) بالإيمان الصحيح
والعمل الصالح وثمرتهما وهي سعادة الدارين، وتذكر إجمالا أولئك المنعم عليهم
"من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" وأن حظك من هذه الهداية لصراطهم
إنما يكون بالتأسي والاقتداء بهم في الدنيا، ومرافقتهم في الآخرة، وحسن أولئك رفيقا"
(صراط الذين أنعمت عليهم) فضلا وإحسانا منك. (غير المغضوب عليهم) بإيثارهم الباطل
على الحق، وترجيحهم الشر على الخير (ولا الضالين) عن طريق الحق والخير بجهلهم
((الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا))
وأنصح لك أيها التالي للقرآن في الصلاة وفي غير الصلاة، أن تقرأه على مكث وتمهل،
بخشوع وتدبر، وأن تقف على رءوس الآيات، وتعطي القراءة حقها من التجويد والنغمات، مع
اجتناب التكلف والتطريب، واتقاء الاشتغال بالألفاظ عن المعاني، فإن قراءة آية واحدة
مع التدبر والخشوع، خير لك من قراءة ختمة مع الغفلة، ومن المجربات: أن تغميض العينين
في الصلاة يثير الخواطر، ولذلك كان مكروها، وأن رفع الصوت المعتدل في الصلاة الجهرية
ولا سيما صلاة الليل يطرد الغفلة، ويوقظ راقد الخشية، وإعطاء كل أسلوب حقه من الأداء
والصوت يعين على الفهم، ويستفيض ما غاض بطول الغفلة من شآبيب الدمع. – من تفسير
المنار للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله.
No comments:
Post a Comment