السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كثيرا ما
أجد بعض الشباب من الذين تأثّروا بدعاة الحداثة يقعون في مشايخ السلفية بل
يتعدّونهم فيقعون في أئمة السلف من التابعين والعلماء بل يتعدون ذلك ويصدرون
الأحكام المصيرية على من عُرف عند أهل السنة والجماعة بأنه من الصحابة. (كتبت من
قبل في المدونة مشاركة أحاول فيها تعريف الصحابي, وفي بعض تلك المشاركات كتبت
أشياء تتعلق بالحكم على المعين من الصحابة بجنة أو نار. فمن أراد تفاصيل تلك
المواضيع فليرجع إلى المشاركات السابقة التي تخص الموضوع). كأنه يحصل ردة فعل
عكسي, فلا يكاد شيء يتعلق بأهل السنة من مظاهر إلا و الشباب كرهوا ذلك تأثرا
بالتنويرين سواء كرهم لمشايخ أهل السنة وتعاليمهم ومنهجياتهم ولا يكاد شيء يخالفهم
إلا و شيّد به و وافقهم! ولعل سبب ذلك أن هؤلاء الشباب ذاقوا شيئا من لذة
الاختلاف, لذة التغيير بعد أن كان عاكفا على شيء مل منه, وأشبعوا شيئا من حب
الظهور والكبر المدفون في النفوس وتحليل هذه الظاهرة يطول وبحاجة إلى مشاركة
مستقلة. المهم هذه المشاركة, أجعلها نصيحة لنفسي ولإخواني المسلمين وخاصة الشباب
الذين يتسرعون في اصدار الأحكام على الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم
ويصنفون بأن فلان في الجنة وفلان في النار.
مع احترامي لدعاة الحداثة والذين يرفعون شعارات
التسامح والإنسانية وما إلى ذلك (وهو أمر مطلوب وإني شخصيا أحترم بعضهم وأستمع
إليهم) أجدهم أحيانا يناقضون أنفسهم. فتجد بعضهم ينتقد ويطعن في الأحاديث الصحيحة
أو لنقل على الأقل المخرّجة في كتب الصحاح فقط لأنها في صالح معاوية بن أبي سفيان
أو بني أمية بشكل عام و من والاهم! وذلك لأنهم يروون أن معاوية وأتباعه كذبوا على
النبي صلى الله عليه وسلم واستخدموا السياسة فسخروا الدين لأطماعهم, فمثلا وضعوا
الأحاديث في فضائل معاوية و في ذم أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وما إلى ذلك.
ولكنهم في نفس الوقت يأخذون بأحاديث في نفس الكتب فيها انتقاد لمعاوية و من وقف
معه ضد علي بن أبي طالب. فإن سألته لماذا أخذت هذا وتركت ذاك؟ أظنكم تعرفون
الإجابة! فأنا شخصيا سمعتها كثيرا من دعاة الحداثة! الإجابة أن الروايات التي في
انتقاد معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وغيرهم يوافق التاريخ ويوافق مرويات
أهل السنة والجماعة في كتب التاريخ الخاصة بهم ويوافق ما عند الشيعة. ولكن ما إن
تبحث في هذه الكتب تجد روايات فيها انتقادات لمعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ولكنك
تجد روايات فيها انتقادات لعلي بن أبي طالب ومن كان معه ولو من وراء وراء. فإن
سألته, لماذا تأخذ بعض الروايات التاريخية وتترك البعض؟ فربما يجيبك: "لأن
سيرة معاوية كما في كتب السير شبيهة بسير الظلمة المذكورين في القرآن الكريم, وأما
سيرة علي بن أبي طالب فسيرته كسير الأنبياء والمرسلين." ولكن أيضا عندما تبحث
في هذه الكتب, أقصد كتب السير تجد من هذا وذاك ومن متهم بالنصب أو متهم بالتشيع!
وأما عن نظرية المؤامرة, فلماذا تعتقدون بأن
معاوية بن أبي سفيان هو صاحب المؤامرة الكبرى وهو أول من بدل سنة الرسول صلى الله
عليه وسلم و هو من حذر منه النبي ولا يكون الرواة من بعد معاوية و علي هم من كتبوا
هذه السير وألفوا هذه المرويات نكالا بمعاوية وبني أمية وأضمروا في أنفسهم أمرا؟
أنا هنا لا أتهم عليا والعياذ بالله أو أتباعه ولا شيء من هذا القبيل, إنما أتكلم
معكم نتيجة ما يقتضيه المنهج العلمي. كيف لكم أن تحكموا ما في قلب معاوية بن أبي
سفيان وتتنزّهون عن حكم ما في أنفس أتباع علي بن أبي طالب. أنا هنا لا أحب أن
أجامل عواطفكم, إنما أخاطب عقولكم. أسألكم, هل احتمال الكذب وارد من معاوية؟ أظنكم
ستقولون نعم وهذا موافق للمنطق فهو غير معصوم وأنا اتفق معكم. ولكن عندما أسألكم
هل احتمال الكذب وارد من علي بن أبي طالب؟ أظن بعضكم يتحرّج من الإجابة ولن يجيب!
فإن أجاب بعضكم فربما ستجيبون بأن الاحتمال غير وارد. وطبعا ذلك لأنه ورد في كتبنا
فضائل علي بن أبي طالب بأن الله ورسوله يحبه و هو يحب الله ورسوله, وهو للنبي صلى
الله عليه وسلم كهارون من موسى ولا يبغض علي إلا منافق وما إلى ذلك. نعم أعرف كل
هذه الفضائل لأبي الحسن وهو فعلا أهل لذلك, لكن السؤال هل يمكننا أن تثبت هذه
المرويات بشكل قطعي ونجزمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها؟ مستحيل! لأن
المسألة ظنية ومستحيل أن يصل صحة هذه الكتب إلى مستوى القرآن الكريم وأنا بحاجة
إلى مستوى القرآن الكريم لأقول عن فلان فئة مؤمنة وفلان فئة باغية, فئة تستحق
الجنة وأخرى تستحق النار! أضف إلى ذلك بأن احتمال الكذب من الذين نقلوا هذه
المرويات وارد.
وهذا ينطبق على أبو بكر وعمر وعثمان وعلي إلي
معاوية وعمرو وعبدالله بن أبي سلول وأبو جهل. فالإنسان إن لم يتحلى بالعلم والعدل
حري أن يتحيز ويتعصب ويناقض نفسه وهو لا يشعر بذلك. فلا يأتيني أحمق لا يدرك ما
أكتبه فيتّهمني بأني المز عليا رضي الله عنه وأتنقصه والعياذ بالله! فلا أحد ينكر
فضل هذا الإمام وقوته في الحق بناء على مروياتنا إلا مفتون. وأنا إن بنيت رأي على
المرويات الموجودة بين أيدينا فإني لا أساوي عليا بمعاوية أبدا, بل إني أحسب أن
عليا أفضل منه وذلك إيمانا مني بالتفاضل بين الناس, فالله فضل بعض النبيين على
بعض, فالتفضيل فيمن سواهم أكثر. ولكن كوني أفضل عليا أو أحبه أكثر من معاوية لا
يعني بأني سأبتعد عن المنهجية العلمية! هل يصح أن نُناقش غير المسلمين سواء من
الملاحدة واليهود والنصارى بمرويات المسلمين! أم يجب أن نحاورهم بالعقل. لن تستطيع
أن تقنع ملحدا فتقول إن الله موجود والسبب قول الله سبحانه وتعالى ((قل من رب
السماوات والأرض قل الله)) فلن يقتنع بذلك لأنه أساسا لا يؤمن بأن القرآن هو كلام
الله. فالخطوة الأولى يجب أن تثبت أن القرآن ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم
وهكذا في مسائل الاختلاف مع النصارى واليهود وهذا يعلمه كل من له حظ قليل من
المنطق.
أما إن قلت سنحتكم إلى
المرويات التي اتفقنا عليها نحن أهل السنة والشيعة, ولكن هل هذا يكفي؟ أظن بأنه لا
يكفي, لأننا قد نتفق على المرويات المتعلقة بعبدالله بن سبأ وأنه فعل كذا وكذا,
وبعد ألف سنة نكتشف بأن الذي الشخصية التي اتفقنا عليها شخصية خرافية اخترعها
بعضهم! كم حصل في التاريخ لشخصيات مشهورة اتفق الناس على وجودها. فالمسألة ليست في
الاتفاق المسألة في الثبوت. الاتفاق فقط يساعدك في تحيز لشخصية ولكن بناء على هذه
المرويات الموجودة, ولكن إن كان الاصل غير متفق عليه فكل ما يُبنى عليه فغير حري بأن
لا يُتفق عليه.
ومن ادعى التواتر في هذه المرويات فلا يكاد يثبت
حديث واحد متواتر (راجع مقالتي: "الحديث المتواتر والتواتر المعنوي) ليس فقط
كلامي بل كلام كبار العلماء كذلك وما عليك إلا أن تراجع ما قاله ابن الصلاح صاحب
المقدمة في علوم الحديث وابن حبان في هذا الباب. بل إني تعديت أقوال أهل الحديث
كما كتبت في مشاركة سابقة, فقلت بأنه لا يمكننا أن نثبت تواتر القرآن الكريم عن
طريق القرّاء بشكل قطعي كما بينت في مقالتي: (كلمات في معنى الإيمان) ولكن فقط
ادعاءات التواتر الطبقي الذي هو معرض للانتقادات كما ننتقد ادعاءات صلب المسيح عند
النصارى بالتواتر الطبقي وأما المرويات وألفاظ القرآن فقط للقراءات المختلفة وحتى
هذه القراءات ليس لدينا مرويات تثبت تواترها إلا من توسّع في الحصول على العلم
اليقيني بأقل من التواتر, فقالوا ما بمعناه أن ما يغلب على ظنك بأنه صحيح و وقع في
قلبك بأنه صحيح فهو يفيد العلم اليقيني فهذا شيء راجع له. فإذا كان كذلك, ما الذي
إذا يجعلكم تجزمون بأن هذا على حق وذاك على باطل؟ وكيف تجزمون لهذا بالجنة وذاك
تحكمون عليه بالنفاق أو النار. والله لا أعلم أين الانصاف العلمي في هذا! أعرف
تماما أن ما كتبته لن يرضي بعض أهل السنة أو الشيعة, ولكني أعرض رأيي عليكم ولا
ألزم به أحدا.
علميا لا يستطيع أهل السنة ولا الشيعة أن يثبتوا
شيئا مما يفرضونه على غيرهم, فالسنة لا يستطيعون أن يثبتوا فضائل معاوية وكذلك
الشيعة لا يستطيعون اثبات مساوئه وأنه ملعون وما إلى ذلك, كل ما يستطيع فعله هؤلاء
وهؤلاء, هي بناء نظريات وظنون على روايات غير قطيعة الثبوت وقد تكون أيضا غير
قطعية الدلالة! لأن كل ما لدينا مرويات تاريخية لا زمام لها, ومن قرأ دراسات
المستشرقين الذين تعمقوا في دراسة التاريخ الاسلامي لعلم أن التضارب في المرويات
أكثر بكثير من أن يُحصر, بل إن التضارب في مرويات الصلاة والوضوء وما إلى ذلك كثير
فما بالك بمسألة خلاف علي ومعاوية ولم يكن خلاف بين المصلين كما هو الخلاف بين علي
ومعاوية. فإن قلت: "وماذا عن حديث ويح عمار تقتله الفئة الباغية" أليس
بحديث متواتر! أقول من ادعى التواتر لهذا الحديث لم يسعفه الدليل العلمي بناء على
ما ذكرت و بناء على ما كتبته في مقال في "التواتر" ومن ادعى ذلك فلن
يستطيع أن يلزم غيره ومن ألزم غيره فهو لم يشم رائحة العلم الحديث. لأن التواتر قد
يحتاج عند البعض أن يرويه الـ70 عن 70 عن 70 وهكذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
وهذا غير متوفر. فإن قلت ولكن ماذا تقول في أفعال الصحابة الذين كانوا يقفون في صف
عمار ويتّبعونه أينما توجه في المعركة ! ألا يدل بأنه كان مسلما عنده بأن عمار مع
الحق وتقتله الفئة الباغية. أقول لك, اترك عنك كل هذه "الدراما" قل لي
كم عدد الرواة الذين رووا ذلك, أقصد رواية أن الصحابة والتابعين كانوا يتبعون عمار
في المعاركة, هل وصلوا إلى سبعون راويا, أم فقط ثلاثة أو أربعة من الرواة الذين ذكروا
هذه الحكايات من غير سند, فإن ذكروا بسند فلا يكاد يخلو أسانيدهم من مقال, فإن خلى
السند من مقال فلا يخفى علينا جميعا بأن القلب قد يخفي أمورا لا يعلمه الله,
واللبيب بالإشارة يفهم!
أكرر بأني هنا لا أدافع عن معاوية و أتباعه ولا
أدافع عن علي وأتباعه اتباعا لهوى في النفس والعياذ بالله, إنما أريد أن أنصح
إخواني بأن يكفوا ألسنتهم, فلا يسبوا معاوية ويجعلون من صورته أشبه بصورة فرعون! و
"الشرير الأكبر" في أمة محمد بناء على مرويات غير قطعية الثبوت, ولا
يدّعون بأن عليا أخطأ لأنه خرج في معركة الجمل أو لأنه لم يبايع أبو بكر الصديق
مباشرة وما إلى ذلك فإن كل هذه المرويات بحاجة إلى تمحيص جدي. لأن كل هذه الأمور
مبنية على روايات مبنية على الظن, والمسلم العاقل لا يخاطر بدينه على أمر ظني,
وخاصة أن هؤلاء عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال أن النبي كان راضيا عنهم
وارد وأنهم قد يدخلون ضمن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه! لا ينبغي أن نُكذّب أهل
السنة والجماعة فقط لأن بعض دعاة الحداثة يبثّون في محاضراتهم مرويات لا تصح ولا
حتى عند أهل الحديث. قد تقول, إذا لا يمكننا أن نقطع بأي شيء تاريخي, أقول وهو
كذلك في هذه الحالة أقصد ما جرى بين علي ومعاوية! نعم نقول: "يغلب على ظننا
بأن حصل كذا وكذا" ولكننا لن نستطيع أن نجزم أو نقطع بذلك. ألا تعتبرون
بعبدالله بن أبي سلول؟ فهو عندنا زعيم المنافقين وفي الدرك الأسفل من النار وعند
قوم آخرين من الصحابة الصالحين بل من أصحاب الجنة, بل عمر بن الخطاب الفاروق, أحد
المبشرين بالجنة عندنا, و فاروق هذه الأمة و له من الفضائل ما كتب فيه مجلدات,
ولكنه عند قوم زعيم المنافقين والذين سن السنن خلافا وبغضا للنبي صلى الله عليه
وسلم!
هذا الاختلاف نتج فقط بسبب اختلاف المرويات عند
الفريقين. فنحن نقول رجالنا هم الثقات وأنتم رجالكم كذبة, مروياتنا توافق كتب
التاريخ والسير وما إلى ذلك, وهم يردون علينا بمثل ذلك, رجالكم خانوا عهد الله
ورسوله وكتموا العلم, ومروياتنا موافق للتاريخ, ولا يشك أحد من الطرفين بأن الحق
واحد في حال عبدالله بن أبي سلول أو عمر بن الخطاب, ولكن هل يمكننا بأسلوب علمي
غير عاطفي أن نحسم, لا يمكن! لأن الفريقان مختلفان في الأصول والمقدمات, فلا يمكن
أن يحصل حوار ذا نتيجة إيجابية. ثم أخي المسلم, تخيلوا معي فقط, ماذا لو كان
معاوية بخلاف هذه المرويات, ماذا لو كل هذه المرويات والقصص والتاريخ كلها من
تأليف أناس منافقون كانوا يبغضون معاوية فوضعوا هذه المرويات والأخبار ضده لينفروا
الناس عنه, ما حالك يوم القيامة وأنت تسمي نفسك الباحث في التاريخ الاسلامي أو
العلامة الفهّامة فلان؟ نعم ادرس سيرة معاوية لتتعلم مما روي في هذا الباب، فإن
كنت حاكما ولابد فقل على حسب هذه المرويات تكون النتيجة كذا وكذا أما أن تقطع بذلك
وتلعنه صباح مساء وأنت لم تحط بالغيب علما فلا. قل وردد ما في كتاب الله: ((تِلْكَ
أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا
تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فالتاريخ لنعتبر, لا لنصدر الأحكام
ونحدد مصيرهم وكأن عندنا كتاب من الله ينطق بأسمائهم فيقول فلان في الجنة وفلان في
النار, فلان مؤمن وفلان منافق. فلان من خير الناس وفلان من شر الناس.
يكفينا كيف رد الله سبحانه وتعالى مقالة النصارى
في عيسى بن مريم, أو مقالة اليهود في عيسى بن مريم هو يعتبر عندهم تواتر طبقي
ويعتبرونه تاريخا لا غبار عليه ولكن الله ردها عليهم! واليوم نجد بعض الدارسين
الغربيين ينكرون وجود المسيح الموضوع في "الكتاب المقدس كما يسمونه"
تاريخيا ولهذا يفرقون بين المسيح التاريخي والمسيح غير التاريخي! لن يغني عنك
معرفة الرواة ولا معرفة عددهم إن كنت لا تعلم المصدر الأساسي ثم أحطت بهذا المصدر
من كل جوانبه. لن تستطيع أن تجزم إن لم تكن حاضرا, ولعلك تجد اشارة لهذا المعنى في
قول الله سبحانه وتعالى: ((وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)) و في قوله عز و جل: ((وَمَا
كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا
كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)) وفي قوله: ((تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك
ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتق)) فما لم تكن
شاهدا وسمعته يكون من النبأ, والنبأ لا يكون إلا في شيء غاب عنك, فإن لم يغب عنك
فهو خبر واقرأ كتاب ربك من أول الفاتحة إلى آخر الناس لوجدت ما أقوله لا يشذ والله
أعلم.
وأخيرا, ما كتبته في هذه المشاركة يدعم نظريتي
التي وضعتها في المدونة من قبل في مقال: "كلمات في معنى الإيمان" وفي
مقال: "الفرق بين القرآن والسنة الجزء الثاني" حيث ذكرت فيها بأن
المطلوب منا الإيمان! الإيمان بشيء غاب عنا, بشيء لا يمكننا أن نثبته علميا ثبوت
قطعي! فلهذا إن أنت آمنت بالله واليوم الآخر وعملت صالحا وآمنت بما في كتاب الله
وعملت بمقتضى الإيمان ثم لم تؤمن بمعركة الجمل ولم تؤمن بصفين وعلي ومعاوية فلن
يضرك ذلك شيء إن شاء الله. أما الذين يجعلون الإيمان بهؤلاء والوقوف في صفّهم أو
ضدهم من صلب الدين ولا يصح إيمانك بغير ذلك, فأولئك أعظموا على الله الفرية!
وقالوا بغير علم. قد يغلوا البعض منهم فيدّعي العصمة لعلي بن أبي طالب وفي
المقابل نجد حماقة تقول بأن كلهم عدول وكلهم في الجنة نقطع بذلك ومن لم يقطع بذلك
فهو على شفا حفرة من النار! والله المستعان. وكأن الله يبالي بمن هو صاحب الرسول
صلى الله عليه وسلم ومن هو ابنه أو بنته ومن هو أهل بيته! ((مَا قَدَرُوا اللَّهَ
حَقَّ قَدْرِهِ)) ! الله أعظم وأجل. ألم تقرؤوا في كتاب الله: ((وَنَادَى نُوحٌ
رّبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنتَ
أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَنُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّيَ
أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبّ إِنّيَ أَعُوذُ بِكَ أَنْ
أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيَ أَكُن
مّنَ الْخَاسِرِينَ)) , ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا
عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)).
وكلنا يعرف خليل الله, وكيف أن الله أكرمه ولكن بالرغم من ذلك نقرأ في كتاب الله:
((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ
مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)) فلم يبالي الله بأب خليله
ابراهيم ولا بابن نوح و امرأته و لا امرأة لوط! لا يبالي الله بأصل النبي وهو الأب
ولا يبالي بابن النبي وهو الفرع ولا بالصاحبة والزوجة إن هم كفروا بربهم بل ولا
يبالي بالنبي إن هو أشرك بالله واستمع لكلام الله: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) ((وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ
بِعَزِيزٍ)) وهذا شيء يسير من لوازم اسم الله "العزيز" ولهذا دائما
أنصح إخواني وأخواتي بدراسة أسماء الله الحسنى ومحاولة فهم معاني هذه الأسماء.
أما من كان باحثا في هذه المواضيع ولم يُرد إلا
تصنيف الصحابة إلى مسلم ومنافق وما إلى ذلك, فليس له أن يلزم الناس ويصفهم بالحمقى
إن هم لم يؤمنوا بما يقول. نعم يمكنه أن يقول: "بناء على هذه المرويات توصلت
إلى هذه النتائج أن فلانا أصاب وفلانا أخطأ" ولكن لا يصلح أن يقول هذه
المرويات والنتائج تساوي الحقيقة المطلقة. الوصول إلى الحقيقة في مثل هذه الأمور
أمر ليس بالسهل. لا تتسرّعوا وتحكموا على مسلم ظلما, سواء كان علي بن أبي طالب أو
معاوية أو أي مسلم آخر. فالإنسان لا يصدر الأحكام على الأعيان بل يكف لسانه ويتأدب
مع الله ولا ينازعه في شيء من خصائصه. لا تغتروا بما تقرؤونه في الكتب, فإن أصحاب
هذه الكتب بشر أمثالكم, يخطؤون ويصيبون, لهم أغراض وعقول ولهم أهواء وهم ضعفاء
مثلنا. ولا تغتروا بمن هو مفوّه ويحسن الخطابة أو كلماته شاعرية تدغدغ القلب, فإن
كل هذه الأمور لا تغني من الحق شيئا. أعرف لن يعجب كلامي بعض الشباب الذين تأثروا
ببعض هؤلاء الدعاة اليوم, ولكني أحب أن أكون منصفا وأن أقول ما خاطري من الذي أظنه
حقا ولا أجامل الشباب والدعاة وإن كنت أحبهم, ولا أضيع حق الطرف الآخر وإن كنت لا
أحبهم. هذا والله أعلم, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
No comments:
Post a Comment