(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) {سورة الحج ٦٥}
(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) {سورة فاطر ٤١}
لماذا يمسك السماء أن تقع على الأرض؟ هل تساءلت يوما عن ذلك؟ هنا ملاحظة وهي أنّ الله خلق السماء، وجعل لها قابلية الوقوع، يعني من طبعها الوقوع، لكنه يمسكها بإذنه، فمثلا ألا تقول أمسكت الشيء إلا إذا هذا الممسك به ممكن السقوط أو الوقوع، أليس كذلك؟ كذلك هناك مسألة أخرى أنّ السماء شيء ماديّ، لذلك يصحّ عليها الوقوع وأن يُهلك الناس بها وليست شيئا غير مادي وفيزيائي، بل الظاهر أنّ السماء بناء شديد كما تدلّ عليه الآيات القرآنية أو كالسقف للبيت إن وقع أهلك من في البيت، كذلك السماء كما ذكرت في الفصول السابقة. أما عند المجتمع العلمي فإنهم يقولون أولا إنّ الأرض نقطة تسبح في الفضاء والسماء عبارة عن فضاء، فالسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه: كيف يقع السماء على الأرض إن كانت السماء محيطة بالأرض من جميع الاتجاهات؟ لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى: يمسك السماء أو يمنع السماء أن تضم الأرض أو شيء من هذا القبيل بل قال: تقع ما يدلّ سقوط من أعلى إلى أسفل؟ وماذا عن الذين يعيشون جنوب الكرة الأرضية، فمن منظور الإنسان نعم تقع، لكن من منظور فوقي أو خارجي للكرة الأرضية فإنّ السماء يجب أن ترتفع لتقع على من يعيش في جنوبها وهكذا. لكن الواقع أنّ السماء غير محيطة بالأرض بل هي فوقها.
قال الشنقيطي في تفسير أضواء البيان: "هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن كقوله: (وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ) وقوله: (إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) [فاطر: ٤١] وقوله: (إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ) [سبأ: ٩] وقوله: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً) [النبأ: ١٢]، وقوله: (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: ٤٧]، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً) [الأنبياء: ٣٢] الآية، ونحو ذلك من الآيات، يدلّ دلالة واضحة على أنّ ما يزعمه ملاحدة الكفرة، ومن قلدهم من مطموسي البصائر ممن يدعون الإسلام أنّ السماء فضاء لا جرم مبني، إنه كفر وإلحاد وزندقة، وتكذيب لنصوص القرآن العظيم، والعلم عند الله تعالى."
و قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً) [الأنبياء: ٣٢] دليل صريح على أنّ السماء فوق الأرض، وليست محيطة بالأرض. فلا يُقال -عزيزي القارئ- إن كنت في غرفتك أو في مكتبك في العمل الأرضية التي تطؤها سقف، ولا يُقال للذي حولك سقف إنما جدران، لكن فقط ما يعلوك يُقال عنه سقف. قال الله عزّ وجلّ في سورة النحل: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ).
إنّ كون السماء سقف الأرض المسطّحة مفهوم ومنطقيّ، لكن أين سقف الكرة الأرضية؟ هل ستقول لي: فوق ملايين المجرات التي فيها مليارات النجوم والأرض عبارة عن ذرة وكلّ ذلك كان غائبا عن الجيل الذي نزل فيه القرآن؟ حقًّا غريب أمرهم عزيزي القارئ! القرآن واضح وضوح الشمس، وآياته بينات، وفيها دلالة واضحة أنّ السماء سقف الأرض، لكنهم يصرون على غير ذلك. دعنا نستعرض بعض ما قاله أهل التفسير عندما توقفوا عند هذه الآية:
قال الطبري: "للأرض مسموكا" وفي تفسير القرطبي: "أي محفوظاً من أن يقع ويسقط على الأرض دليله قوله تعالى:(وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [الحج: ٦٥]. وقيل: محفوظاً بالنجوم من الشياطين قاله الفرّاء. دليله قوله تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) [الحجر: ١٧]. وقيل: محفوظاً من الهدم والنقض، وعن أن يبلغه أحد بحيلة. وقيل: محفوظاً فلا يحتاج إلى عماد. وقال مجاهد: مرفوعاً". وفي تفسير ابن كثير: "أي على الأرض، وهي كالقبة عليها، كما قال: (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) {الذاريات ٤٧} وقال: (وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَـاهَا) {الشمس ٥} (أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَـاهَا وَزَيَّنَّـاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) {ق ٦} والبناء هو نصب القبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" أي خمس دعائم، وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب (مَّحْفُوظاً) أي عالياً محروساً أن ينال." قال الفخر الرازي: "سمى السماء سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت." وقال أيضًا: "المسألة الثانية: في المحفوظ قولان: أحدهما: أن محفوظ من الوقوع والسقوط الذين يجري مثلهما على سائر السقوف كقوله: (وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) {الحج: ٦٥} وقال: (وَمِنْ ءايَـاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ) {الروم: ٢٥}] وقال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ) {فاطر: ٤١} وقال: (وَلاَ يُؤُدهُ حِفْظُهُمَا) {البقرة: ٢٥٥}."
وفي تفسير البقاعي: "سقفاً أي للأرض لا فرق بينها وبين ما يعهد من السقوف إلا أن ما يعهد لا يسقط منه إلا ما يضر، وهذه مشحونة بالمنافع فأكثر ما ينزل منها ما لا غنى للناس عنه من الآت الضياء وعلامات الاهتداء والزينة التي لا يقدر قدرها. ولما كان ما يعرفون من السقوف على صغرها لا تثبت إلا بالعمد، ويتمكن منه المفسدون، وتحتاج كلّ قليل إلى إصلاح وتعهد، بين أن هذا السقف على سعته وعلوه على غير ذلك فقال: (محفوظاً) أي عن السقوط بالقدرة وعن الشياطين بالشهب، فذكّر باعتبار السقف، وأشار إلى كثرة ما حوى من الآيات مؤنثاً باعتبار السماء أو العدد الدال عليه الجنس، لأنّ العدد أولى بالدلالة على كثرة الآيات والنجوم مفرقة في الكل فقال: (وهم) أي أكثر الناس (عن آياتها) أي من الكواكب الكبار والصغار، والرياح والأمطار، وغير ذلك من الدلائل التي تفوت الانحصار، أي الدالة على قدرتنا على كلّ ما نريد من البعث وغيره وعلى عظمتنا بالتفرد بالإلهية وغير ذلك من أوصاف الكمال، من الجلال والجمال (معرضون) لا يتفكرون فيما فيها من التسيير والتدبير بالمطالع والمغارب والترتيب القويم الدال على الحساب الدائر عليه سائر المنافع."
وهكذا لم أجد في أيّ تفسير أنّ السقف معناه غير ما علا، ولم أجد في أيّ تفسير أنّ السماء سقف لشيء غير الأرض. فتحصّل لدينا مما سبق أنّ السماء فوق الأرض، وهذا ظاهر في كثير من الأقوال، ويصير مفهوما لما نجد في القرآن مثل الآيات التالية: في سورة الإسراء: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا) وكما في سورة الطور: (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) والآية من سورة الشعراء: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) والسقوط لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل.
فإن كانت الأرض كروية، وتسبح في الذرة في هذه المجرة فأين السماء؟ يقولون: الفضاء محيط به، فكيف يسقط شيء من السماء عليها؟ أي جانب من الأرض المقابل للسماء؟ جميع الجوانب، فكيف يصحّ إذن السقوط؟
إن قلت إنّ المقصود في الآيات التالية المنظور أقول تبًّا لفكر يجعل من آيات القرآن كلّها نسبية، فلا يكاد يهتدي الإنسان إلى حقيقة يطمئنّ إليها، وينشرح بها صدره. على كلّ حتى لو كان المنظور هو المراد فقط أقول: ولله الحمد المنظور يتفق ويتواءم مع بقية الآيات القرآنية التي فيها أنّ الله جعل السماء سقفا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض، فمجموع الآيات والكلمات العربية المستخدمة فيها كلّها تنادي على القارئ اليقظ غير النائم أو المُخدّر بداء التقليد أنّ السماء فوقنا كالسقف، وليست تحت الأرض، أو محيطة به.
عبدالعزيز النظري
No comments:
Post a Comment