كلنا نعرف النبي الملك سليمان بن داود عليهما السلام، يُنطق اسمه في اللسان العربي "سُلَيْمان"، لاحظ أن نهاية الاسم فيها صوت "آن". لكن في اللغة العبرية يُكتب اسمه هكذا שְׁלֹמֹה ويُلفظ شلومو أو شُلمو وبالإنجليزية تُكتب Solomon ويُلفظ "سُلومون".
في السابق كنت أسأل نفسي، لماذا في الكتب السابقة لم يكن اسمه سليمان بدلاً من شلومو أو سلومون؟ لماذا في القرآن فقط اسمه "سليمان"؟ لم أفهم حينها السبب، ولكن بعد أن فهمت النظرية، وحاولت تطبيقها أظنني عرفت إحدى الأسباب. وذلك لأن القرآن فيه قصص الملك سليمان عليه السلام مع الجن، وله علاقة بالجن أو الغيب.
اقرأ في سورة النحل ستجد هذه الآية: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، وفي سورة النمل إذ نجد فيه قصة الملك سليمان مع ملكة سبأ، نجد هذه الآية التي فيها ذكر عفريت من الجن: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، وفي سورة ص يُعدد الله العزيز الوهّاب عطاءه لسليمان، اقرأ هذه الآيات: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وفي قصة موته هناك ذكر للجن أيضاً، اقرأ هذه الآية من سورة سبأ: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)، وفي سورة البقرة ذكر تبرئة سليمان من الكفر، قال العليم الحكيم في هذه الآية: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، كما ترى، هناك علاقة واضحة في القرآن بين سليمان من طرف والجن والشياطين (المخلوقات الخفية) من طرف آخر.
عن نفسي، قرأت العهد القديم من الكتاب المقدّس مراراً، وقرأت قصص سليمان المذكورة في الكتاب المقدّس، غير أني لم أجد فيه أية قصة فيها خبر علاقة سليمان بالجن، بالرغم من أن هناك بعض القصص التي تشبه القصص المذكورة في القرآن كقصة ملكة سبأ، لكن ليس فيها ذكر للجن أو الشياطين وهذا عجيب، ومن أجل هذا أقول: إن اسمه في القرآن ينتهي بـ(آن) لأن له علاقة بالجن والعالم الخفي. هل هذه مصادفات؟ الإجابة عندك.
بالرغم من كون النبي داود هو والد سليمان إلا أنّه ليس له علاقة ظاهرة مع الجن أو الشياطين، أو بالأصح ليس بين أيدينا في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة قصص مذكورة عن علاقة داود بالجن بالتسلّط عليهم أو تسخيرهم أو شيء من هذا القبيل، ومن أجل هذا لا نجد في اسمه ما يدل على علاقته بالجن أو الغيب بخلاف سليمان. أتمنى أن تتوقّف هنا وتتفكّر، فإن ما ذكرت جدير بالتأمل. وعندما أقول: ليس هناك قصص فلا أعني نفي ذلك البتة، فإن أي إنسان يعيش اليوم ربما له تجربة مع الجن، لكن هذه التجربة تكون حالة استثنائية، بخلاف سليمان عليه السلام إذ كان يخاطبهم ويعملون له وما إلى ذلك.
في صحيح البخاري حديث عن سليمان عليه السلام، استنكره كثير من الناس ومن أجله جعل جمع من الناس يُكذّبون البخاري وما في كتابه من الأحاديث، وبمثل هذه الأحاديث يقوم بعض المُغرضين بتشويه سمعة البخاري وغيره من علماء الحديث وكتبهم والأخبار النبوية بشكل عام. وهذا الحديث هو التالي: "أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمانَ عليه السَّلامُ كانَ له سِتُّونَ امْرَأَةً، فقالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ علَى نِسائِي فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ، ولْتَلِدْنَ فارِسًا يُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ، فَطافَ علَى نِسائِهِ، فَما ولَدَتْ منهنَّ إلَّا امْرَأَةٌ ولَدَتْ شِقَّ غُلامٍ، قالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو كانَ سُلَيْمانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ منهنَّ، فَوَلَدَتْ فارِسًا يُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ".
فقالوا: كيف لإنسان أن تكون له القدرة فيجامع ستين امرأة في ليلة واحدة؟ هذا يُخالف العقل والواقع، وقالوا: لو أنّه استغرق بعض الوقت مع كل واحدة منهن فإن الليل سينقضي. إن افترضنا أن هذا الحديث صحيح ثابت عن النبي سأقول ما غفل عنه هؤلاء أن سليمان لم يكن كبقية الناس بل كان ملكاً أوتي ملكاً عظيماً كما نفهم ذلك من سورة ص: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، ولعله من الأشياء التي حصل عليها قدرات بدنية خارقة للعادة.
وأما عن الوقت وطول الليل وما إلى ذلك، فهناك بحث جدير بالنظر والاهتمام، وهو من الشيخ صلاح الدين ابن إبراهيم المعروف بأبي عرفة، يُثبت فيها أنه كان لسليمان القدرة على التحكم بالوقت مستدلاً بآيات وكلمات من القرآن. أقتبس عدة مواضع من مقاله المنسوب له على الشبكة:
"بداية السؤال إذا كانت "المنسأة" هي العصا، فلِمَ قال الله الحكيم: "منسأته" ولم يقل: "عصاه"؟ ظاهر الآية يرفض ما قاله المفسرون، فالمفسرون جزاهم الله خيراً، على أن "الأرضة" أكلت "العصا" حتى نخرتها، فانكسرت، فسقط سليمان أرضاً، فعلم من علم بموته بعدما خر على الأرض! ولا حاجة للخوض في أكثر من هذا من مدة لبثه متكئاً على "عصاه" سواء بقول من قال: شهراً، أو سنة، أو أربعين سنة. فليس عندنا من الله أو من رسوله في هذا شيء، واختلافهم دليل على أن لا نص عندهم من الله ورسوله، وإنما العلم ما قال الله وقال رسوله.
فظاهر الآية يشير بشكل جلي أن من استدل على موته ممن حضره إنما استدل بما رآه من أن دابة الأرض "تأكل" منسأته، بالفعل المضارع، فهو استدل على الموت من الفعل الحاضر في الأكل، لا بعدما مضى الفعل وصار ما صار! فعندما رأى الدابة "تأكل" المنسأة علم أن سليمان قد مات أي قبل أن يخر سليمان، وإنما أفاد الخرّ شيئاً آخر يخص الجن بأنهم لا يعلمون الغيب (فلما خر تبينت الجن)، أما دلالة الموت فكانت حاصلة قبل الخر، بأن الدابة تأكل المنسأة! إذاً في القصة شيء آخر غير ما يروى، فما هو؟ وما "المنسأة" إذا؟
المنسأة على وزن مِفعلة، وهو الوزن الذي تستعمله العرب للدلالة على اسم الآلة فتقول: مِجرفة، ومِكنسة، إذا قصدت آلة الجرف وآلة الكنس، فما المنسأة؟ "المنسأة" اسم آلة للنسأ، فما النسأ؟ "النسأ" في القرآن الزيادة أو التأخير في الزمن، ومنه ربا النسيء، ومنه آية سورة التوبة: (إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله)، وهو ما كانت تفعله العرب من زيادة الفترة وتأخير الشهر الحرام لحاجة عندها، فسمي هذا التأخير والزيادة نسيئاً.
فما علاقة "المنسأة" و"الزمن" إذاً؟ الملاحظ أن هذه الآية جاءت بعدما ذكر الله متعلق الزمن،"الشهر" بريح سليمان في الآية التي تسبقها (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر). وسبق وأشرنا عن علاقة "النسأ" والزمن المتعلق بـ"الشهر" الوارد في سورة التوبة، ولن تجد من يماري بمثل هذه العلاقة، إذا علمت أن الآية التي تسبق آية النسيء في سورة التوبة مباشرة هي هذه (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً). فهذا هو "الزمن" وهذا هو "النسأ" مرة أخرى! وكما أن العلاقة لازمة بين الشهر والنسأ في التوبة، فهي كذلك في سبأ.
ثم هذا حديث النبي عليه الصلاة والسلام يقضي بيننا بالحق: "صلة القربى مثراة في المال، محبة في الأهل منسأة في الأجل". فمن منا لا يرى استعمال النبي عليه الصلاة والسلام "للنسأ" حينما أراد الحديث عن الأجل؟! والأجل بلا ريب، هو ما يطلق على الزمن المحسوب، من…إلى؟ أما من استدل بشيء من الشعر على أنها العصا ووقف عندها فلم يعدل، إذ لم يقل لنا لِمَ يقول الله: "عصاه؟" والاستدلال بالحديث فوق الاستدلال بالشعر بلا خلاف.
ولا نقول بالضرورة إن المنسأة ليست عصا، فلا يمنع أن تكون على هيئة العصا، ولكن بحثنا ومرادنا عن مطلب المنسأة وما وراءها، وما كانت له، إذاً، فقد بات واضحاً وبدليل حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي استدللنا به أن الأمر متعلق بالزمن والأجل، وليس أدل من ظاهر الآية على هذا، إذ لم تكن "المنسأة" إلا للتدليل على "أجل" سليمان وموته!
باختصار، فالمنسأة بهذا،"أداة للزمن"، وقد تكون بهيئة العصا، كانت على رأس ملك سليمان، ملازمة له، متعلقة فيه، استدل من استدل على انقضاء "أجله" بذهاب" أداته الزمنية" التي كان يملك بها سليمان زمام "الزمن الأرضي"، وقِفْ عند "دابة الأرض" الواردة في الآية فيزيد فيه ويأخره بالقدر الذي يعينه على فعل أوامر الله الملك، تماماً مثل ما يحلم العلماء التقنيون اليوم بالسيطرة على "الإزاحة الزمنية"، سواء بتسريعها أو بإبطائها، ذلك الذي سبقهم إليه النبي "المؤتى من كل شيء"، وبما سخر الله له ليجعله آيته وحجته على الحضارة البشرية حتى منتهاها أن القوة لله جميعاً.
وهذا ما قد يعيننا على فهم حديث النبي الصحيح عليه الصلاة والسلام، حين قال: "قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه - قال سفيان: يعني الملك - قل: إن شاء الله، فنسي فطاف بهن فلم تأت امرأة تلد منهن بولد إلا واحدة بشق غلام". فكيف يطوف بليلة واحدة لا تتجاوز بضع ساعات على تسعين امرأة، وهو النبي الملتزم بسنن الأنبياء من الطهارة والأدب وحسن المعاشرة، وما قد يلزمه هذا من الزمن الطويل، إن غضضنا الطرف عن القدرة الجنسية التي لم يثبت أن لأحد من الرجال مثلها؟ اللهم إلا إذا كان للمنسأة شأنها، وما يفعل بها النبي سليمان من "الزيادة" في الزمن حتى يقضي هو بليلة ما يقضيه الرجل السوي ببضعة أشهر!.
أكتفي بهذا القدر عن سليمان وسنتحدث عن شخصية أخرى تنطبق عليها هذه النظرية، أعني نظرية آن في القرآن
No comments:
Post a Comment