قبل عدة أيام و بينما أنا جالس مع بعض إخوتي قال
أحدهم: "نراك تتكلم مع الكل في مواضيع شتى و باللغتين العربية و الإنجليزية,
لم لا نراك تركز على موضوع واحد, لم لا تركز على فئة واحدة من الناس, إنك تحب
أصحاب الفضائل و الأخلاق الكريمة, فلم لا يكون تركيزك عليهم فقط" و قال الآخر: "يا أخي لم نعرف حقيقتك,
أحيانا نراك تكلّم الكريم و أحيانا أخرى تكلم الوضيع. بل لم تقتصر على المسلمين
فأحيانا نراك تبادل الحديث مع الكفار, يبدو أنك تبحث عن الشهرة بكل الطرق!" فمن
غير سابق تفكير قلت: ((أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)).
ربما ما قيل لي من الإخوة الكرام قد يزعج الآخرين لكني تفهمت موقفهم و سبب مقولتهم,
فالإنسان بطبيعته يحب أن يعرف خفايا الأمور فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا، بدأ بتفسير
الغائب عن إدراكه ببعض الإستنتاجات التي هي عبارة عن حصيلة معلومات في ذهنه، ربطها
بعضها ببعض فأحيانا يصيب و أحيانا يخطئ.
أقول لإخواني و أخواتي الذين أنكروا علي حديثي
مع الكل, و بذل الإحسان لمن يستحق و لمن لا يستحق (على حد قولهم) اعلموا أن جزاء
من يحسن هو الإحسان, سواء كان في الدنيا أو الآخرة. أنا شخصيا لا أبتغي الأول
عادة, بل أفكر بالآخر أعوذ بالله أن أكون مزكيا على نفسي، لكن بالتحدث عن الواقع
فأنا لا أبالي إن كان احساني إلى الآخرين لم يجعلني أحصل عليه شيء مادي أو ثناء من الناس,
يكفيني يقيني بأن الله مجازي المحسنين. ثم إني ضارب لكم مثال لعلكم تفهمون ما
أبتغيه من تصرفاتي, فأقول أن مثلي كمثل مزارع له في بيته مصدر للبذور لا ينفد فقرر
أن يقوم بجولة قصيرة فأخذ كمية من البذور فملأ جيبه بها و هو ينوي أن يتخلص من كل
البذور في جيبه قبل أن تنتهي رحلته و يعود إلى بيته. هذا الرحّال كلما مرّ بإنسان
أعطى أحدهم بذرة و إن لم يجد إنساناً ليعطيه زرع بعض البذور تحت الأرض المنبتة, و
أحيانا أخرى إن لم يجد أرض منبتة ولا إنسان نثر ببقية البذور على قارعة الطريق لكي
تنتهي رحلته و قد نفد كل البذور التي في جيبه. قد تستغربون من فعل الرحّال و ما
الفائدة التي يجنيها من عمله!؟ سأبين لكم فائدة كل عمل من أعمال الرحال.
أما إعطاء البذرة للإنسان فقد يستفيد من البذرة
فيزرعها و يسقيها فتنمو البذرة و بهذا يحصل على أطيب الثمار و يستفيد منها و من ثم
يزرع تلك الثمار و يكون لنفسه مزرعة يرثها أولاده من بعده. أما إذا لم يبالي هذا
الإنسان بشأن البذرة و رماها في البحر أو على قارعة الطريق فلا بأس, فإن رماها في
البحر أكلتها أسماك البحر, و إن رماها على قارعة الطريق أكلتها الطيور ففي كل خير
فإنكم سمعتم بالحديث "في كل كبد رطبة أجر". أما دفنه للبذرة في
أرض منبتة و من ثم تركها من غير أن يتعاهده بالسقيا فلا تنكروا فعله, فإنه لن
يستطيع أن يترك بيته و يبقي قائما عليها لذلك علق رجاءه بأن ينزل الله المطر, و من
يدري لعل الله ينبت هذه البذرة نباتا حسنا و يكون منها جنّات و ما ذلك على الله
بعزيز. أما عن نثره البذور على قارعة الطريق فكما ذكرت من قبل لعل الطيور تأكلها أو
لعل الله يسوقها بالرياح إلى أماكن مناسبة, أو لعل شخص مر على قارعة الطريق و هو
محتاج لبذرة فوجدها فأخذها و زرعها. ففي كل الحالات استفاد هذا المزارع و لم يخسر
شيئا.
فكذلك أرجو أنا ببذل الإحسان و العلم إلى
الآخرين, فأنا أحيانا أحدث الكريم فأجني ثماره مباشرة (كالإنسان الذي قبل البذرة و
زرعها) و إن عفوت عن من أساء في حقي فلن أخسر شيئا (لعل عفوي عن هذا المسيئ قد
يقتدي بهذا الخلق خلق غير هذا المسيء). أما عن حديثي مع الكفار و دعوتهم بالحكمة و
الموعظة الحسنة (كمثل زرع المزارع البذرة في الأرض المنبتة) فالأجانب و الكفار بشر
أمثالنا (أي أرض منبتة) لعل الله يمطر على
قلوبهم بأمطار الهداية فتنبت البذرة في قلوبهم. أما كتاباتي المتنوعة (فكإلقائي
البذور على قارعة الطريق) لعل أحدهم يستفيد منها فيطبق ما فيها من خير و يجني
ثمارها (كمثل الشخص الذي وجد بذرة على قارعة الطريق) و لعل الكلمة تنتشر عبر وسائل
الأعلام (كمثل البذرة يسوقها الله بالرياح). فهكذا كما رأيتم إني لم أخسر شيئا
بحديثي مع الكريم و الوضيع, العربي أو الأجنبي, المسلم أو الكافر, إن أخلص المرء
النية ففي كل خير.
ربما تسألوني: "يا أخي إن تخلّصت من كل
البذور التي في جيبك فماذا سيبقى لك؟" أقول لكم أني في البداية قلت لكم أن في
بيتي مصدر للبذور لا ينفد... أقول لكم و بكل فخر مصدر بذوري هو ما نجده في بيوتنا,
إخواني و أخواتي... أعني كتاب ربي... "القرآن الكريم"
جميل جدا أسلوبك في الكتابة مثل أسلوبي لكن انت كتاباتك أشمل و أطول يمكن لأنك أكبر مني و أكثر خبرة ، على كل حال أسلوبك وإيد عجبني و أنا راح أتابع كل كتاباتك من اليوم و رايح ، أنا سعيدة جدا لأنني التقيت بشخص مثلك ، لا أعرف كيف جرتني الصدفة إليك
ReplyDelete@maitha_ad2
موضوع رائع، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ جزاك الله خيراً وبارك الله فيك، تحياتي
ReplyDeleteالإنسان بطبيعته يحب أن يعرف خفايا الأمور فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا، بدأ بتفسير الغائب عن إدراكه ببعض الإستنتاجات التي هي عبارة عن حصيلة معلومات في ذهنه، ربطها بعضها ببعض فأحيانا يصيب و أحيانا يخطئ.
ReplyDelete