السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, إخواني وأخواتي, قال محمد بن واسع
لمالك بن دينار: "يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم"
وهو كما قال, فإنك ترى المسلم يبذل جهده لحفظ ماله أو منصبه وغير ذلك ولا يستطيع
أن يحفظ لسانه. وفي كتاب جامع العلوم والحكم, يروى عن ابنُ بريدة أنه قال: "رأيتُ
ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما آخذاً بلسانه وهو يقول : ويحك ، قُلْ خيراً تغنم، أو
اسكت عن سُوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم، قال: فقيل له: يا ابن عبَّاس، لم
تقولُ هذا ؟ قال: إنّه بلغني أنَّ الإنسان ليس على شيءٍ من جسده أشدُّ حنقاً أو
غيظاً يَوْمَ القيامةِ منه على لسانه إلا من قال به خيراً، أو أملى به خيراً. وفي
نفس الكتاب, كان ابن مسعود رضي الله عنه يحلِفُ بالله الذي
لا إله إلا هو : "ما على الأرض شيءٌ أحوج إلى طولِ سجنٍ من لسان"
إخواني وأخواتي, أريدكم أن تتخيلوا معي, كان الصدِّيق – رضي الله عنه – يمسك على لسانه ويقول : "هذا
أوردني الموارد" يفعل هذا وهو من؟ رضي الله عن خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم. كما قيل: " الكلام أسيرك ؛ فإذا خرج من فيك صرت أنت أسيره" فلابد
من آفات عظيمة للسان لشدة حفظ السلف رضوان الله عليهم لألسنتهم, ولا شك أنهم كانوا
يعلمون ويؤمنون بقول
الله سبحانه وتعالى: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ)) وللسان آفات كثيرة, أنقل لكم ما كتبه ابن القيم رحمه
الله في كتابه الجواب الكافي عن آفتان عظيمتان في اللسان.
قال رحمه الله: "في اللسان آفتان عظيمتان ، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى :
آفة الكلام ، وآفة السكوت ، وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأُخرى في وقتها
؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، عاص لله ، مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه
. والمتكلم بالباطل شيطان ناطق ، عاص لله ، وأكثر الخلق منحرف في كلامه
وسكوته ؛ فهم بين هذين النوعين ، وأهل الوسط – وهم أهل الصراط المستقيم – كفوا
ألسنتهم عن الباطل ، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة ؛ فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا
منفعة ؛ فضلاً أن تضره في آخرته ، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال
الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد
هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به" قال بعض السلف: "كل كلام ابن
آدم عليه لا له إلا ما كان من الله وما والاه" فاللهم أسألك أن تعيننا
على حفظ ألسنتنا, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.