Sunday, August 17, 2014

آدم وحواء والنفس الواحدة




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... مدونة جديدة لها علاقة بالتي قبلها, هذه المرة سأُسلّط الضوء على آية قرآنية, ألا وهي: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) والناس قديما وحديثا اختلفوا في تفسير هذه الآية, إلا أن أغلب المفسرين يقولون بأن المقصود في قوله (من نفس واحدة) هو آدم, و المقصود في قوله (وخلق منها زوجها) هي حواء وذلك استنادا على روايات منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بصحتها) وأقوال المفسرين والعلماء سواء من المسلمين وغير المسلمين, وخاصة أن هذا القول هو الأشهر عند أهل الكتاب.

ولكن يحسن بي قبل الخوض في هذه المسألة أن أنقل كلام الشيخ الشعراوي رحمه الله عندما تعرّض للموضوع فقال: "الناس تريد أن تدخل في متاهة. هل خلق منها المقصود به خلق حواء من ضلع آدم, أي من نفس آدم؟ أناس قالوا ذلك، وأناس قالوا: لا، ((مِنْهَا)) تعني من جنسها، ودللوا على ذلك قائلين: حين يقول الله: ((لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ)) أأخذ الله محمدا صلى الله عليه وسلم من نفوسنا وكوّنه؟ لا، إنما هو رسول من جنسنا البشرى" انتهى كلام الشيخ الشعراوي. قرأت كثيرا من التفاسير والأقوال حول هذه الآية وتطرقهم إلى المواضيع ذات الصلة إلا أن كلام الشعراوي رحمه الله من أحسنها. فأولا بالفعل هذا الموضوع سيدخل الذي يخوض فيه ومن يقرأ في متاهات, وبالإضافة إلى ذلك بعد قراءتي المتواضعة لأقوال الناس سواء من المسلمين وغيرهم, سواء من أهل السنة أو الشيعة, الصوفية أو الزيدية...الخ كل منهم له رأي, إلا أنه لا يمكن لأي منهم أن يجزم فيقول قولي الحق لا يحتمل الخطأ! وحتى ما ستجدونه في هذه المشاركة مجرد احتمال لا أكثر, ولكن بعض هذه الأقوال لا شك بأنها أقرب إلى الحق من البعض الآخر.

لست أريد أن أناقش من خلق أولا, آدم أم حواء, لأن غالب الناس يظنون بأن آدم خلق أولا, إلا أن قليلا من الناس سواء كانوا من الذين يُسمّون بالـ"قرآنيون" فإن بعضا منهم يرجح أن حوّاء خلقت قبل آدم, أو من أهل السنة, فقليل من أهل السنة والجماعة يميلون إلى هذا القول كعدنان ابراهيم الذي أظنه يميل إلى هذا القول (للأمانة لم أستمع إلى محاضراته كلها حول هذا الموضوع إنما الشيء القليل). وكثير من الذين ينادون بحقوق المرأة ويرفضون النظرة الدونية للمرأة وأنها التابعة...الخ, يحبون دعم هذا القول, وفي الحقيقة هذا القول له وزنه, وذلك لأنهم يفسرون آية سورة النساء بآية سورة الأعراف والقرآن كما هو معروف لدى الجميع يفسر بعضه بعضا. قالوا (أي الطرف الآخر) تفسير هذه الآية: ((((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) تجدونه في آية سورة الأعراف. وهم نظروا بأن المقصود بالنفس الواحدة هي حواء, وذلك لأننا نقرأ في آية سورة الأعراف: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) فقال سبحانه (جعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها...) ولم يقل لتسكن إليه (ويمكن الرد على هذا), وقال (فلما تغشّاها) وهذا واضح ليس بحاجة إلى تفسير لأن الرجل هو الذي يفعل ذلك. فقالوا إذا آية سورة الأعراف تُفسّر آية سورة النساء وبالتالي (نفس واحدة) هي حوّاء و (جعل منها زوجها) هو آدم. وكما ترون هذا القول قوي, وكذلك القول المشهور أيضا قول قوي وله وجهه واللغة تحتمل هذا وذاك. لي رأي شخصي في المسألة, ولكني قبل أن أضيف أي شيء, أحب أن أنوّه بأنه إذا صح أي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذا الموضوع فإني مؤمن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, أما إن لم يصح أو أن الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ضعف في السند أو شبهة في الرواة أو غير ذلك فعندها يكون لاجتهادي محل, وإلا فلا.

أحب أن أضيف شيئا لا أظنني سُبقت إليه (لا أقصد بهذا مدح نفسي أو شيء من هذا القبيل والعياذ بالله لكني بالفعل لم أجد من يقول بمثل هذا القول) وهو في حقيقة الأمر يدعم قول القائلين بأن حواء خلقت قبل آدم, وذلك استنادا على قول الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) جميعنا يعلم من القرآن الكريم بأن مريم بنت عمران الصدّيقة, حملت بعيسى بن مريم ولم يخلقه الله هكذا من غير أب وأم, إنما خلقه من غير أب! أظن بعضكم فطن إلى ما أريد أن أذهب إليه... اقرؤوا الآية من جديد! ((خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) آدم خلق من تراب ثم قال له كن فيكون, وكذلك عيسى بن مريم, وإلا لما ناسب أن يذكر الله هذا المثال, وتأملوا قول الله سبحانه وتعالى قال (مثل) ولم يقل (شبه) فالمثل أقوى في الشبه من عدة نواحي. فالذي أريد أن أقوله, كون عيسى كان في بطن مريم ثم ولد, لا يمنع أن يكون آدم خلق هو الآخر من حواء, سواء من بطنها أو ضلعها أو أي شيء أراده الله سبحانه وتعالى. فالقدرة ممكنة والآية لا تنفي هذا الافتراض نفيا جازما.

النقطة الثانية, سواء الذين فسروا بالنفس الواحدة (آدم) أو الذين فسروها بحواء, فالحقيقة كلا الطرفان سيقعون في ورطة عندما يفسرون آية سورة الأعراف: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) لأن الآية التي بعدها يقول الله سبحانه وتعالى: ((فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) وفي هذه الآية احراج عظيم لآدم وحواء, ولهذا اضطر المفسرون إلى تأويل الآية عن ظاهرها, فقالوا إنما المقصود ذريتهما أي ذرية آدم وحواء هم الذين أشركوا. والبعض منهم جعل الآية على ظاهرها واضطر أن يقول بأن آدم وحواء أشركوا واستندوا على روايات غير ثابتة وقد أنكر هذا القول ابن قيم الجوزية رحمه الله. فكما ترى, كلا الطرفين عندما يقرؤون الآية يضطرون إلى التأويل أو اتهام آدم وحواء بالشرك وفي المذهبين بنظري فيه نوع احراج والله أعلم وتفاصيل هذا الاحراج يطول وليس هذا موضعه.

أما عن رأيي الشخصي في المسألة, فإني أظن والله أعلم أن (النفس الواحدة) و (جعل منها زوجها) ليس المقصود بهما في هذه الآيات آدم وحواء, وإنما الذين كانوا من جنس البشر قبل آدم. ومن قرأ مشاركتي السابقة في هذه المدونة لوجد أني أحاول اثبات وجود بشر قبل آدم. فإن افترضنا أن المقصود بهم غير آدم وحواء فلا اشكال في الحقيقة, فليس عندي اشكال من خلق قبل من, ولا يرد علي اشكال شرك آدم وحواء والعياذ بالله ولم أصرف الآية عن ظاهرها فلم أجد أي إحراج. والشرك والعصيان والكفر وارد على من سبق آدم كما بينت ذلك في المشاركة السابقة. أعرف أن ما كتبته في هذه المشاركة والتي قبلها لن ترضي كثير من المسلمين, لأنهم يرون عدم ظهور ميزة الرجل بشكل واضح على الأنثى, أو لأنهم يرون أن هذه الكلمات لا تنفي نظرية التطور نفيا كاملا,...الخ أريدكم أيها الإخوة أن تقرؤوا كلماتي ومن ثم تقارنوها بأقوال المفسرين, ثم تنظروا أي الأقوال يدعمه القرآن ثم اختاروا لأنفسكم ما ترونه الحق والله يهدي من استهداه. هذا والله أعلم.

1 comment:

  1. السلام عليكم....وبعد
    هل كان هذا الخطاب الرباني للنفس بالمعنى المادي المحسوس...ام انه خطاب موجه للنفس المطلقة التي لم تتشكل بهيئة البشر.. والتي تستقر في خفايا الانسان"الإنس"
    _احاول جاهدا ان اقتنع وافهم كل الذين تحدثوا في كلام الله ولكن.. عقلي دائم البحث...
    لو خلق الله هذا الخلق الانساني بخلق ادم من حواء او خلق حواء من ادم "ماديا.. حسيا" لكن عدد الرجال مساويا لعدد النساء تماما وابدا في كل زمن.." الله عدل وميزان"
    واعتقد ان هذا الخلق خلق روحي.. اي ان الله عز وجل... خلق النفس ولم يكررها وانما شطرها... فلا تكرار للنفس فالنفس والذات واحدة.. وخلقت وتم الامر وتواردها على الحياة منزلة في كتاب مبين.. وايات الله.. كثيرة عن هذا المعنى
    خلق الله النفس.. وشطرها وادخلها عالم الدنيا وجمعها يوم القيامة.. فان التقت في الدنيا فهو غاية لا يدركها الا قليل ممن شاء الله لهم سعد الدنيا والاخرة...
    والسلام عليكم..

    ReplyDelete