Saturday, February 21, 2015

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب هذه المشاركة الخفيفة بسبب استغرابي من بعض المسلمين، الذين ليس لهم هم سوى سب علماء السلف و السخرية من أهل الحديث و اتهامهم و التزهيد في علمهم و هو لم يقرأ لهم إلا القليل. وهذا الصنف من الناس منتشر في التوجهات الفكرية المختلفة كالليبرالية و العلمانية و و التنويرية و الإصلاحية و التوجه القرآني و غيرهم. أقول لهم، مهلا أيها الإخوة! إنكم تنهون من ينتسبون إلى أهل السنة من التقليد و تذمون المقلد و لكن كثيرا منكم يقلد بعضكم بعضا أشد تقليدا من تقليد أهل علماء السنة لبعضهم البعض. و ينطبق عليكم قول الله سبحانه و تعالى: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) بنسبة كبيرة.

بيان ذلك، أني قرأت الكثير فيمن ينتقد منهج أهل الحديث و علماء السلف بشكل عام، من الذين قرأت لهم: طه حسين، محمود أبو رية، محمد شحرور، جمال البنا، يحيى محمد, عدنان الرفاعي، عمرو الشاعر، حسن فرحان المالكي، عدنان إبراهيم، محمد المسعري، حسن السقاف، أحمد صبحي منصور، أحمد خيري العمري، محمد عمراني حنشي، و القانبانجي، و غيرهم الكثير من الذين لم يشتهروا بين الناس. 

لكي أكون صادقا مع نفسي و معكم، فإن بعض هؤلاء لهم كتابات مميزة جدا و رائعة و تحقيق علمي و أبحاث قيمة لا تكاد تجدها عند غيرهم واستفدت منها كثيرا. و لكن أيضا كثير من كتابات البعض منهم و أتباعهم نسخ و تقليد لبعضهم البعض أو لمن سبقوهم من المستشرقين أو الشيعة، لا أقول فقط بالمعنى لكن حرفيا. فأكثر المعاصرين اليوم الذين ينتقدون العلماء و يجعلونهم موضع سخرية و يحملونهم سبب تخلّف المسلمين بنسبة تكاد تصل إلى ١٠٠٪ تجد أكثر كتاباتهم مأخوذة من كتاب “أضواء في السنة النبوية” لمحمود أبو رية و ما عليك إلا أن تزور موقع أهل القرآن لتتأكد من صحة كلامي، و هذا الأخير (محمود أبو رية) كثير من الروايات التي يستدل بها مأخوذة من كتب ليس لها وزن من ناحية الإسناد مثل كتب التاريخ و كتب الوعظ و كتب الشيعة و كتب المستشرقين من قبله و ما إلى ذلك بحيث أنك لا تجد أحيانا أصلا سند للمرويات التي ينقلونها. و كذلك كتابات يحيى محمد للأسف معظم ما يستدل به في انتقاداته معتمدة على روايات يذكرها بعض علماء السنة في كتاباتهم غير محققة علميا، إنما نقل فيكون ما ينقله ليس له وزن عند التحقيق العلمي و هذا المسلك تجده عند كثير من كتاب اليوم للأسف، كما قيل: “مؤلفون لا مفكرون”

فالإنسان إن أراد أن ينتقد أهل الحديث من أهل السنة لا يصلح أن يأخذ من كتب الشيعة ليستدل عليهم فإن لأهل الشيعة منهج في تصحيح و تضعيف نقولاتهم و لهم رجالهم ولأهل السنة رجالهم و هكذا. و كذلك إن أراد أهل السنة أن ينتقدوا الشيعة لا يصلح أن يردوا عليهم بكتب أهل السنة و ينقلون قول الرازي في الشيعة أو قول ابن تيمية في الشيعة وما إلى ذلك إن كان الانتقاد مبني على مرويات منقولة عن العلماء أما إن كان الإنتقاد مبني على آيات القرآن الكريم و العقل فمسألة أخرى. كذلك السلفية لا يصلح أن ينتقدو الأشاعرة اعتمادا على نقولات ابن تيمية أو ابن القيم عن الأشاعرة، لابد أن يقرؤوا ما كتبه علماء الأشاعرة  في كتابهم و ذلك احترازا من النقل الخاطئ و من ثم و يحاول أن يرد عليهم من كتبهم هم و كذلك الأشاعرة إن أرادوا أن ينتقدوا السلفية فعليهم أن يستدلوا بكتب السلفية. و إلا فكل يظن بأنه على الحق و من يخالف فهو على الباطل. 

لذلك أقول، إن أنت أردت أن تنتقد أهل الحديث، عليك أن تتعلم أولا علم الحديث و تعرف مناهج المحدثين ومن ثم تعتمد للرد عليهم باستخدام أقوالهم و اصطلاحاتهم و ما هم يعترفون بصحته من المرويات. أما أن تنتقدهم اعتمادا على مرويات هم يعترفون بأنها ضعيفة لتثبت صحة رأيك وخطأهم فإنك في الحقيقة لم تفعل شيئا سوى عرض جهلك و جعلت من نفسك موضع سخرية للعقلاء. ألم يؤلف ابن تيمية كتابه “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح” بعد قراءة كتب النصارى و ما يعتمدون عليها لإثبات عقائدهم؟ ألم يتعلّم أبو حامد الغزالي الفلسفة و صار علما من أعلام الفلسفة و أتقنها ثم ألف كتابه “تهافت الفلاسفة” أم أنه كان فقيرا من علم الفلسفة و خاض غمارها ولا يفقه شيئ عن مصطلحات و أقوال الفلاسفة؟ 

لا يا أخي، إن أردت أن تنتقد أهل الحديث فاقرأ كتبهم في علم الحديث، اقرأ في علوم مصطلح الحديث، اقرأ في مقدمات الجرح و التعديل، و قواعد و مناهج المحدثين و ما إلى ذلك. ولا أريدك أن تتخص ولكن ليكن عندك فكرة عامة و اقرأ المقدمات. قد تقول بهذه الطريقة أنت تناقض نفسك! ألم تكتب سابقا في مدونتك بأن الإنسان غير مضطر أن يتخصص في اللغة و الفقه و الحديث و التفسير لاختيار القول الذي يريد أو شيء بهذا المعنى. نعم قلت ذلك ولكن قيدته! فقلت إن أنت أردت أن تبحث في مسألة الرسم و تختار قولا، فلست مضطر أن تقرأ ما كُتب في أحكام المرأة و الحدود و الردة و ما إلى ذلك لكي تختار، إنما عليك عرض الأقوال التي قيلت في الرسم ثم تختار لنفسك، و أما إن كنت منتقدا فلابد أن تفهم وجه دليل هذا و وجه دليل الآخر و هكذا و الفرق كبير جدا. 

فأنا مثلا إن أردت أن أنتقد علم الحديث بأكمله أو أبيّن جهل علماء الحديث، فإني لابد أن أقرأ في هذا العلم، أما أني لم أقرأ في هذا العلم أي شيء و من ثم آتي و أسخر منهم و أحمّلهم تخلف المسلمين و ما إلى ذلك فهذاظلم لنفسي و لهم و قد وقعت فيما نهاني الله عنه: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) قل لي بربك، أيصلح أن ينتقد القرآن من لم يقرأ القرآن؟ لا يصلح أبدا وانتقاده غير معتبر. وهكذا لا يصلح أن تنتقد كتاب البخاري و أنت لم تقرأ منهج البخاري في التصحيح و التضعيف، و لم تقرأ منهجه في تعديل و تجريح الرجال، و لم تقرأ في شرطه و ما إلى ذلك بل ربما لم تقرأ كتابه فكيف تنتقده! هذا يذكرني بما يفعله بعض المنتسبين لأهل السنة و الجماعة ينتقدون الدكتور عدنان إبراهيم و حسن فرحان المالكي وهم لم يستمعوا إليهم ولا مرة! ولكنهم سمعوا أن بعض الناس ينتقدونهم فهم ينتقدونهم كذلك! وإنا لله و إنا إليه راجعون. 

ثم إن كثيرا من أتباع هؤلاء ليس فقط يقلدون بعضهم البعض، و لكنهم يوردون نفس الشبهات و الملاحظات التي ألف فيها أهل الحديث و علماء السنة كتبا في الرد عليها و لكنهم يكررونها من جديد بعد أن ظهر عوار انتقاداتهم ولا حتى على الأقل يعرضون رد أهل السنة و يأتون برد جديد عليهم! بل يكتفون بتكرار ما قيل و كأن واحد منهم أشبه بطائر الببغاء. و بعض هؤلاء يُخطؤون في النقل، فلا أدري يفعلونها عمدا لنقص الأمانة فيهم، أو مجرد نسخ ولصق من كتابات غيرهم أو جهلا أو بغير قصد الله أعلم بما في أنفسهم. تجد البعض منهم ينقل كلاما لعالم من علماء السلف و هذا العالم ينقل في كتابه “الأقوال التي قيلت في مسألة معينة” أو يعرض أقوال “المخالفين” فيأتي هذا المعاصر و يقرأ في كتاب العالم فيأخذ نقل “العالم عمن يخالفه” و ينسبه للعالم! و من ثم يظهر في كتاباته للناس بأن عالمك الفلاني قد يقول مثل قولي أو يخالفكم! بل يفعلون ذلك حتى مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، سأعطيكم مثالا ليتضح لكم ما أقصده. 

في كتاب “مشكلة الحديث السني و الشيعي” للكاتب يحيى محمد وفقه الله، ينقل رواية منسوبة لعمر بن الخطاب بأنه يثبت أن بعض الأحكام الشرعية أصلها موجود في القرآن و هذه الرواية مأخوذة من صحيح مسلم. عن عمر بن الخطاب أنه قال و هو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها و وعيناها و عقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم و رجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، و إن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل و الاعتراف” ثم قال الكاتب يحيى محمد: “وجاءت هذه الرواية على خلاف ما روى عن عبيدالله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي قال: “لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله تبعناه” هكذا أورد يحيى محمد الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم غير كاملا، فإن الحديث هذا معروف بين الناس و خاصة أهل السنة، و المتن المعروف: “ألا إني أوتيت الكتاب ، ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه” و في رواية عند الإمام أحمد: “يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله” و في رواية عند المروزي: “ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه” وروايات غيرها كلها في نفس المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحرم أشياء ليست في القرآن وللأسف أخونا الكاتب لم يبين ذلك، و هذا الحديث في واقع الأمر يؤيد قول عمر بن الخطاب، ولكن يحيى محمد أورده ليثبت العكس و كأن الحديث يعارض قول عمر! فلا أدري فعل ذلك عمدا أو بغير عمد، فأما إن كان بغير عمد فخطأ و إن فعل ذلك عمدا فالخطأ أعظم. ونقلي لهذا الكلام لا يعني اقراري بأن المرويات التي نقلتها صحيحة (رواية عمر أو أوتيت القرآن و مثله معه) لم أقل ذلك فلا يُفهم مني أني أصحح هذه الأحاديث بل إني كتبت بحثا في حديث المقدام بن معد يكرب ولكني إلى الآن لم أبحث في حديث عمر بن الخطاب. ومثل عمل يحيى محمد تجده في كتب كثيرة . و الغريب أن بعض هؤلاء يعتبرون أنفسهم مفكرين ويتبعون المنهج العلمي الصارم، وأما أنا فلا أجد من صنيعهم إلا الاستغراب.

ثم بعض هؤلاء يدعون إلى التمسك بالقرآن و ترك السنة و لكنهم هم أنفسهم لا يتمسكون بالقرآن ولا يعملون بتعاليم القرآن، بل كثير من أهل الحديث من العلماء تجدهم يتمسكون بتعاليم القرآن أكثر من هذا! فهذا الرجل يكاد لا يترك عالما من علماء الحديث إلا و دخل في نيته وأنه عدو لله يكيد الإسلام والمسلمين! و ادخل موقع: “أهل القرآن” لترى أمثلة كثيرة. و كثير منهم يتربصون علماء أهل السنة قديما (من خلال قراءة كتبهم) أو الآن بتتبع أقوالهم و كتاباتهم فإن أخطأ مرة هوّل من هذا الخطأ و شطب على العالم و كأنه أجهل خلق الله ولا يُنتفع شيء من علمه! فتجد بعض هؤلاء لم يقرأ لأبي حامد الغزالي إلا فتوى منقولة في احدى هذه الكتب فينشر بين الناس جهل الغزالي لأنه يظن أخطأ في فتوى أو في مسألة فقهية! وأبو حامد الغزالي قد دوّن أكثر من ألف صفحة و هو لم يقرأ شيء منها ويتهمه بالجهل. و هكذا تجدهم يفعلون مع البخاري و أحمد بن حنبل و النووي ابن تيمية و ابن القيم و الذهبي و ابن كثير والألباني و غيرهم. و متى قال أهل السنة بأن العلماء لا يخطؤون؟ و متى أثبتوا العصمة لهم! أليس هذا هو الظلم؟ ماذا فعلتم بآيات القرآن التي تدعون بأنكم بها مستمسكون و ادعاءكم بأن علماء السلف هجروا القرآن! و إنا لله و إنا إليه راجعون. ألم تقرأ في سير كثير من العلماء المعروفين كم مرة يقرؤون القرآن في الشهر أو الأسبوع، ألم تقرأ “جواهر القرآن” للغزالي أو تفاسير “ابن تيمية و ابن القيم”، ألم تقرأ “كتاب التفسير” في صحيح البخاري؟ القرآن أمرنا بالعدل، فيا أيها الإخوة لنعدل… 


كما قلت سابقا أنا لا أنتقد جميع هؤلاء ولكن بعضهم يقع في أخطاء منطقية و أخلاقية لا يختلف عليها عاقل، و كثير من أتباع هؤلاء كذلك. و لكن كما قلت بين هؤلاء أناس عندما ينتقدون فينتقدون بعلم و عن بحث و من أمثال هؤلاء أحمد خيري العمري و محمد عمراني و حسن فرحان المالكي و حسن السقاف و الدكتور عدنان إبراهيم مؤخرا و محمد المسعري. هؤلاء الذين ذكرت عندما ينتقدون تجدهم ينتقدون بأدلة لها وزنها والله أعلم وهذا لا يعني أن البقية ليست لهم أبحاث و ملاحظات، لا عندهم أبحاث و ملاحظات جيدة ولكن عندما ينتقدون أهل الحديث فإنهم في الغالب لا يستندون على نقولات لها وزن علمي. فأرجو من الله أن يصلحنا و يصلحهم و يهدينا و يهديهم و أن يوفقهم أن ينتقدوا لوجه الله لا للشهرة أو انتقاما أو استشفاء و ما شابه ذلك. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… 

2 comments:

  1. عمراني يبقى المتفرد بين هؤلاء لقوة طرحه العلمي

    ReplyDelete
    Replies
    1. أتفق معك، له دقة و تحقيق و قوة في المنهج الذي يطرحه و يتبعه، لذلك لأبحاثه عندي وزن خاص...

      Delete