Sunday, January 15, 2012

أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيه كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا


قال الله سبحانه و تعالى في كتابه في سورة القصص الآية 61:

((أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيه كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْمُحْضَرِينَ))

قالوا أن الاستفهام مستعمل في إنكار المشابهة والمماثلة التي أفادها "كاف" التشبيه ، فالمعنى أن الفريقين ليسوا سواء إذ لا يستوي أهل نعيم عاجل زائل وأهل نعيم آجل خالد. قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ مِنْ خَلْقنَا عَلَى طَاعَته إِيَّانَا الْجَنَّة , فَآمَنَ بِمَا وَعَدْنَاهُ وَصَدَّقَ وَأَطَاعَنَا , فَاسْتَحَقَّ بِطَاعَتِهِ إِيَّانَا أَنْ نُنْجِز لَهُ مَا وَعَدْنَا , فَهُوَ لَاقٍ مَا وُعِدَ , وَصَائِر إِلَيْهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاعهَا , فَتَمَتَّعَ بِهِ , وَنَسِيَ الْعَمَل بِمَا وَعَدْنَا أَهْل الطَّاعَة , وَتَرَكَ طَلَبه , وَآثَرَ لَذَّة عَاجِلَة عَلَى آجِلَة , ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة إِذَا وَرَدَ عَلَى اللَّه مِنْ الْمُحْضَرِينَ , يَعْنِي مِنْ الْمُشْهَدِينَ عَذَاب اللَّه , وَأَلِيم عِقَابه"

هذه الآية يا أعزائي ينفي الله فيها الشبه بين من آمن بوعد الله و بين من لم يؤمن. فإن المؤمن الذي يؤمن بوعد الله تطيب نفسه لأنه يعلم ما هو مقصوده فلا يزعجه شيء, و حق له ذلك فإننا إن وعدنا رجل صالح صادق بأمر فإننا نصدقه و نطمئن لكلامه لمَ ثبت عندنا من صدقه. أحيانا حتى المدير الظالم في العمل إن وعدنا بوعد فإننا كموظفين نطمئن لوعوده و أنّه سيفي بها, فما بال المؤمن لا يطمئن لوعد الله رب العالمين؟ فمن أصدق من الله حديثا ؟ و من أصدق من الله قيلا و من أصدق من الله وعدا؟ فمن كان كذلك، كان حري بالمؤمن أن يطمئن لوعده. إني أستمع إلى هذه الآية كلما حز في خاطري أمر من أمور الدنيا, فإن وجدت في نفسي ميلا لشيء من أمور الدنيا استمعت للآية فإن كنت في السيارة استمعت إلى الآية مرة و مرتين و ثلاثة, و إن كنت في مكان آخر استمتعت إلى الآية عن طريق الهاتف المتحرك مرة و مرتين و ثلاثة كي لا أحمل همّا من هموم الدنيا فإني انسان لست بكامل في إيماني و لا يحضرني الآية في كل وقت بل أغفل عنها فكنت أضطر أن أستمع إلى الآية كي أتذكّر.

أذكر منذ سنين عديدة كانت هناك مسابقة و أنا اشتركت فيها من دون علمي بأنها لا تجوز ففزت بالجائزة و كانت الجائزة عبارة عن سيارة Nissan و وقتها كانت من أكثر السيارات المطلوبة لدى أبناء هذا البلد الكريم لكني علمت من والدي حفظه الله أنه لا ينبغي لي أن أخذ مثل هذه الجائزة, طبعا عندما علمت الحكم من والدي العزيز شقّ ذلك على قلبي لكن بينما كنت في غرفتي استمعت إلى هذه الآية العظيمة فقلت في نفسي من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه, فوالله إني لم أبالي بعدها و لم يشق ذلك علي. و أذكر مرة اتصلوا بي أني فزت بسيارة BMW لشرائي من أحد المراكز التجارية و لكني قلت لهم شكرا لكم لكني لا أرغب بها. راجعني بعض أصحابي فقلت لا يهمني أمر السيارة و لا أعلم كيف ربحتها و لم أقصدها فلم أذهب و أستفسر عن الأمر و تعذّرت لصاحبي بأعذار لكن ما كان يطرق قلبي حينها و أنا أتعذر هو قول الله سبحانه و تعالى ((أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيه كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا))

و أذكر مرة أعطاني أحدهم مبلغاً كبيراً جدا من المال لدرجة أنه كان سيكفيني إن عشت حياتي بلا عمل لكني علمت من نفسي إن أخذت المال لم أكن لأصرفها في مصارفها المطلوبة بل علمت يقينا أني كنت سأطغى فأنا أعلم عوار نفسي و تذكرت قوله تعالى: ((كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)) و كما قال أحدهم: "الإستغناء الذي يسبب الطغيان هو كل استغناء يحصل للإنسان من أسباب النجاح. هو المال أحياناً . والقوة والسلطان أحياناً أخر. والجاه والعشيرة ونظارة الشباب وزهوّه والتحصيل العلمي والمكانة الاجتماعية والشهرة . كل اولئك مجتمعة ربما تسبب الطغيان للإنسان فتفتنه عن دينه إن لم يكن صاحب إرادة قوية وعزم شديد. فكلمة (استغنى) فيها بلاغة عجيبة تضم كل أنواع الإستغناءات الممقوتة المنهي عنها مهما كان نوعها وشكلها. والله اعلم." و الضابط في المسألة أن كل شيء أدّى إلى إيثار الحياة الدنيا فهو موجب للطغيان. ثم تذكرت قوله سبحانه و تعالى: ((أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيه كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْمُحْضَرِينَ)) و تذكرت وعد الله للمنفقين أموالهم و وعيده للبخلاء الذين يكنزون الذهب و الفضة فآثرت أن أنفق ما عندي بدلا أن أتمتع بالأموال بضعة أيام.

إن هذه الآية العظيمة إن تذكّرها المرء لحفظته من السوء و اتباع هواه و إن آمن بما فيها و عمل بمقتضاها لانشرح صدره. كثيرا ما أجد بعض إخواني يأمرونني بأن أشارك في بعض الأمور التي سأحصل عليها فوائد عاجلة لكني أعلم أنها ستشغلني و ستغير عليّ قلبي. مثال هذه الأمور قول أحدهم: "لك أسلوب تستطيع بفضلها أن تدخل قلوب الملوك, فلم لا ترتاد عليهم و تكتب فيهم أشعارا أو شيء من هذا القبيل؟" لعلّه صدق فربما أستطيع أن أُنظم شعرا ربما يستحسنه الحكّام, و ربما أحصل على ما نظمت من شعر مكرمةً و صلة منهم. لكن أقول لصاحبي المشير علي بذلك, بأن المعتاد على أبواب الملوك إما محتاج و إما يطلب جاهاً! أما رزقي فبيد أكرم الأكرمين و قناعتي بنصيبي جعلتني ملكاً من بين العالمين, فهل رأيت ملكا يعتاد أبواب الناس طالبا حاجة أو جاها!؟ و أضيف و أقول أن وقوف الشخص عند باب الملوك و الحكّام و الأمراء سواء كان سائلاً للمعونة أو اطلق لسانه بالمدح مثله كمثل من باع الذهب بالفضة, خسر الأفضل و حصل على المفضول. إني أحمد الله سبحانه و تعالى أن جعل والداي يسمّانني "عبدالعزيز" عبد "للعزيز العظيم" الذي تصغر عند عزّته أنوف الملوك و تتضاءل في جانب عظمته كل معظّم عند الخلق فسبحان الموصوف بالعزة و العظمة.

أعزائي, اعلموا بأني لست مثاليا و لا قريب من هذه المرتبة و لا أدّعي لنفسي شيء من ذلك بل مثلي كمثل غيري أمر بمواقف صعبة و أشعر بضيق إن لم أحصل على مطلوبي. أخبركم بتجربة شخصية لعلكم تستفيدون منها و خاصة الشباب فتطبقون ما طبقت. أذكر أن في أحد المرّات و أنا خارج من عملي فوجئت بامرأة كادت تصدمني فاعتذرت و أكمل كل واحد منّا طريقه. ثم علمت أن هذه المرأة موظفة تعمل في عمل قريب من مقرّ عملي. في كل يوم عندما ينتهي وقت العمل و أنا عائد إلى بيتي أجدها أمامي تبتسم و تسلم علي و أرد عليها, و من عادتي أن لا يلتقي بصري بوجه امرأة غريبة لا أعرفها لكني أرد السلام بالمثل, و هذه هي عادتي أني أعامل كل شخص كما يعاملني بل أسعى جاهدا أن أعامله بأفضل مما يعاملني. كانت هذه المرأة ذات حسب و جمال, و استمر الحال إلى أن وجدت في قلبي ميلاً لهذه المرأة فحزنت لذلك حزنا شديدا لا أستطيع أن أصفه لأني لم أرد شيئا أن يُعكر صفو قلبي, فإني إنسان يحب أن يحافظ على سلامة قلبه كما يحب الناس المحافظة على نظافة أبدانهم و لباسهم, و الزواج لم يكن الحل الذي أطلبه فإني لم أرغب بذلك.

و هكذا عندما أرى هذه المرأة كنت أجد في نفسي شوقا إلى النظر إليها أو سماع صوتها و هي تسلم علي لكني كنت أذكر نفسي بالآية العظيمة ((أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيه كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْمُحْضَرِينَ)) كنت أعلم أن الله قد وعد الذين يغضون أبصارهم بالحسنى, وتذكرت السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله و من هؤلاء السبعة: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" و تذكرت أن هذه المرأة و غيرها إنما من متاع الحياة الدنيا, أستمتع قليلا بالنظر إليها  ثم يزول كل ذلك و إني إن لم أحفظ بصري أكون يوم القيامة من المحضرين المعذبين. كنت أدعو الله و أقول: " ألا يا رب قد أضر بي الهوى و صار قلبي بالأسقام معذبا و أُصبح قريح الجفون من مدامعي و أبيت على جمر الغضى أئن و أكتم غرامي ولا أبوح بحبي ولكن الدمع يبعث رسائلي فيا رب لا تهن كرامتي و لا تجعلني أشقى خلقك وإجعلني صبورا على حر الغرام فالحب يارب فيك و في غيرك باطل فأنت العزيز و لا عزيز سواك و أنت المجيد و نحن العبيد". كلما تذكّرت هذه المرأة أو تفكّرت فيها استمعت إلى الآية. و إن وجدت المرأة أمامي أتجنبها بكل الطرق الممكنة, مثل أن أتأخر عن الخروج أو أسبقها, فإن لم أجد إلى تجنّبها سبيلاً استمعت للآية عن طريق الهاتف المتحرك و أنا أمشي لكي أفكر بأمور أعظم من هذه الأمور الدنيوية التافهة. و طبعا بما أن نفسي لم تحصل على ما تشتهيها كانت تصاب ببعض الضيق, و لأغلب هذا الضيق و أنا خارج من عملي أستمع في سيارتي إلى هذه الآية مرة و مرتين و ثلاثة إلى أن يشتهي قلبي ما عند الله. و هكذا مرّت الأيام و أنا على هذه الحالة, إلى أن منّ الله علي و أذهب ما أجده في قلبي لهذه المرأة و الحمدلله.

إخواني و أخواتي, ما تعني لكم هذه الآية؟ كلّنا يعلم أنها كلام الله سبحانه و تعالى لكني أسألكم هل تعني لكم شيئا؟ هل أحدثت في قلوبكم أمرا؟ أما عن نفسي فأقول إن هذه الآية هي آية تكفيني في حياتي كلها و هي دواء لجميع أدواء القلوب. بل أقسم بالله العلي العظيم أنه لو لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم سوى هذه الآية لكفت الأمة أجمع من أولهم إلى آخرهم إلى يوم القيامة إن آمنوا بها و عملوا بمقتضاها. نعم أعزائي إن هذه الآية بالنسبة لي كافية أن أعيش حياة سعيدة في هذه الدنيا, فإن آمنت بها و عملت بمقتضى الإيمان فإنها كافية إن شاء الله أن أكون سعيدا في الآخرة. ربما تتساءلون عن سبب قولي و ربما يقول من ليس له مسكة عقل: "إن هذا الرجل يبالغ!" لكن من تدبّرها و علم ما فيها لسفه نفسه على مقولته بل أقول له و لأمثاله: أنه لو كان من عبدالعزيز مليون مليون مليون و كتبوا في معاني هذه الآية مليون مليون مليون يوم إلى يوم القيامة لم يقدروا قدر هذه الآية حق قدرها و لا يعلم ما في هذه الآية إلا الله سبحانه و تعالى. أخيرا إخواني و أخواتي, أقول لكم جربوا تجربتي, كلما وجدتم في أنفسكم ميلا للأمور الدنيوية الزائلة و تعلقا بها قد يضر بآخرتكم استمعوا بقلوبكم إلى الآية, و تذكروا ما قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "واللّه ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر ماذا يرجع إليه".

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...



1 comment:

  1. جزاك الله خير أخوي على الموضوع الذي يدعو للتأمل والتفكر...رد على سؤالك: قرأت الأية أكثر من مرة وشي واحد كان يخطر على بالي في كل مرة وهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" فالمؤمن يجب ان يدرك أن الدنيا دار اختبار و شقاء وما هي إلا ممر يأخذنا لدارنا الحقيقية.
    والجزء الثاني من الأية (متعناه متاع الحياة الدنيا)ينبهنا على امر مهم لا يدركه كثير من الناس وهو أن متاع الدنيا ما هو إلا اختبار للإنسان وكثرته أو قلته لا يمثل تفضيل الله لهذا العبد..
    بالأمس كنت استمع لمحاضرة لـ فيصل العلي عن فضل العشر من ذي الحجة ومما قاله الشيخ ورسخ في قلبي "كنوز وخزائن الدنيا يعطيها الله لمن يحب ومن لا يحب ولا يعبأ بها عز وجل ..لكن كنوز وخزائن الأخرة لا يعطيها إلا من يحب" ... تقريبا اول 15 دقيقة يتكلم فيها عن كنوز الدنيا والأخرة ومن يستحقها.. هذا رابط المحاضرة إذا حاب تسمعها:
    http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=186701

    كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد
    ..
    من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد؟

    ReplyDelete