فصل: أصحاب الفيل
بسم الله الرحمن الرحيم: ((لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) ))
هذه السورة حفظناها و نحن صغار و نقرؤها كثيرا و نسمعها كثيرا في الصلاة لقصرها، و أظن أن كثيرا من المسلمين يعرفون قصة الفيل و هدم الكعبة، فنحن نحفظها منذ أن كنا صغارا، و أنقل لكم القصة من تفسير الطبري للاستمتاع بقراءتها فهي ممتعة:
وكان السبب الذي من أجله حلَّت عقوبة الله تعالى بأصحاب الفيل، مسير أبرهة الحبشيّ بجنده معه الفيل، إلى بيت الله الحرام لتخريبه. وكان الذي دعاه إلى ذلك فيما: حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء، وكان نصرانياً، فسماها القُلَّيْس لم يُر مثلها في زمانها بشي من الأرض وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إن قد بنيت لك أيها الملك كنيسة، لم يُبن مثلها لملك كان قبلك، ولستُ بمُنته حتى أصرف إليها حاجّ العرب. فلما تحدّثت العرب بكتاب أبرهة ذلك للنجاشيّ، غضب رجل من النَّسَأة أحد بن فُقَيم، ثم أحد بني ملك، فخرج حتى أتى القُلَيس، فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه، فأُخْبر أبرهة بذلك، فقال: من صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحجّ العرب إليه بمكة، لما سمع من قولك: أصرف إليه حاجّ العرب، فغضب، فجاء فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرنّ إلى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب قد قَدِموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خُزَاعي بن حِزَابة الذَّكواني، ثم السُّلَمي، في نفر من قومه، معه أخ له يقال له قيس بن خزاعي فبينما هم عنده، غَشِيهم عبد لأبرهة، فبعث إليهم فيه بغذائه، وكان يأكل الخُصَى فلما أتى القوم بغذائه، قالوا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تسبُّنا به العرب ما بقينا، فقام محمد بن خزاعي، فجاء أبرهة فقال: أيها الملك، إن هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجُنوبَ والأيدي، فقال له أبرهة: فسنبعث إليكم ما أحببتم، فإنما أكرمتكم بغذائي، لمنزلتكم عندي. ثم إن أبرهة توّج محمد بن خُزَاعِي، وأمَّره على مضر، أن يسير في الناس، يدعوهم إلى حجّ القُلَّيس، كنيسته التي بناها، فسار محمد بن خِزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلاً من هُذَيل يقال له عُرْوة بن حياض الملاصي، فرماه بسهم فقتله وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس بن خزاعي، فهرب حين قُتل أخوه، فلحق بأبرهة فأخبره بقتله، فزاد ذلك أبرهة غضباً وحنقاً، وحلف ليغزونّ بني كنانة، وليهدمنّ البيت. ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت، أمر الحُبْشان فتهيأتْ وتجهَّزتْ، وخرج معه بالفيل، وسمعت العرب بذلك، فأعظموه، وفُظِعوا به، ورأوا جهاده حقًّا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام، فخرج رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نَفْر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب، إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعَرَض له، وقاتله، فهُزم وتفرّق أصحابه، وأُخِذَ له ذو نفر أسيراً فلما أراد قتله، قال ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من قتلي فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق.
وكان أبرهة رجلاً حليماً. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم، عرض له نُفَيل بن حبيب الخثعميّ في قبيلَي خثعم: شَهران، وناهس، ومن معه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأُخِذ له أسيراً، فأُتِي به فلما همّ بقتله، قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران، وناهس، بالسمع والطاعة فأعفاه وخلَّى سبيله، وخرج به معه، يدله على الطريق حتى إذا مرّ بالطائف، خرج إليه مسعود بن مُعَتِّب في رجال ثقيف، فقال: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللاَّت إنما تريد البيت الذي بمكة يعنون الكعبة ونحن نبعث معك من يدلك، فتجاوز عنهم، وبعثوا معهم أبا رِغال فخرج أبرهة ومعه أبو رِغال حتى أنزله المغمِّس، فلما أنزله به مات أبو رِغال هناك، فَرَجمت العرب قبره، فهو القبر الذي ترجم الناس بالمغمِّس. ولما نزل أبرهة المغمِّس، بعث رجلاً من الحبشة، يقال له الأسود بن مقصود، على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذٍ كبير قريش وسيَّدها وهمّت قريش وكنانة وهُذَيل ومن كان معهم بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك، وبعث أبرهة حُناطة الحميريّ إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول لكم: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن لم يُرِد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قُصَيّ، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: واللّهِ ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام أو كما قال فإن يمنعه فهو بيته وحَرَمه، وإن يُخْلِ بينه وبينه، فوالله ما عندنا له من دافع عنه، أو كما قال فقال له حناطة: فانطِلقْ إلى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نَفْر، وكان له صديقاً، فَدُلَّ عليه، فجاءه وهو في محبسه، فقال: يا ذا نَفْر، هل عندك غَناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر، وكان له صديقاً: وما غَنَاءُ رجل أسير في يدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوّاً أو عشياً ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلاّ أن أُنَيساً سائق الفيل لي صديق، فسأرسل إليه، فأوصيه بك، وأُعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. قال: حسبي، فبعث ذو نَفْر إلى أُنيس، فجاء به، فقال: يا أُنيس إن عبد المطلب سيِّد قريش، وصاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملكُ له مئتي بعير، فاستأذنْ له عليه، وانفعْه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلَّم أُنيس أبرهة، فقال: أيها الملك، هذا سيِّد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأْذَنْ له عليك، فليكلمك بحاجته، وأحسن إليه. قال: فأذِن له أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيماً وسيماً جسيماً فلما رآه أبرهة أجلَّه وأكرمه أن يجلس تحته، وكرِه أن تراه الحبشة يُجِلسُه معه على سرير مُلكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، فأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال له عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يردّ عليّ مئتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زَهِدت فيك حين كلَّمتَني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه فلا تكلمني فيه؟ قال له عبدالمطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه، قال: ما كان ليُمَنع مني، قال: فأنت وذاك، اردد إليّ إبلي. وكان فيما زعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة، حين بعث إليه حناطة، يعمر بن نُفاثة بن عديّ بن الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، وهو يومئذٍ سيِّد بني كنانة، وخويلِد بن واثلة الهُذَليّ وهو يومئذٍ سيد هُذَيل، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تِهامة، على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبي عليهم، والله أعلم. وكان أبرهة، قد ردّ على عبد المطلب الإبل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في شَعَف الجبال والشعاب، تخوّفاً عليهم من مَعَرّة الجيش ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلّقة الباب، باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب، وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
يا رَبِّ لا أرْجُو لَهُمْ سِوَاكا يا رَبِّ فامْنَعْ مِنْهُمْ حِماكا إنَّ عَدُوَّ البَيْتِ مَنْ عادَاكا امْنَعْهُمُ أنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكا وقال أيضاً: لا هُمَّ إنَّ الْعَبْدَ يَمْ نُعُ رَحْلَهُ فامْنَعْ حِلالكْ لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ومِحَالُهُمْ غَدْواً مِحَالكْ فَلَئِنْ فَعَلْتَ فَرُبَّمَا أوْلى فأمْرٌ ما بَدَا لَكْ وَلْئِنَ فَعَلْتَ فإنَّهُ أمْرٌ تُتِمُّ بِهِ فَعالَكْ وقال أيضاً: وكُنْتُ إذَا أتى باغٍ بِسَلْمٍ نُرَجِّي أن تَكُونَ لَنَا كَذَلِكْ فَوَلَّوْا لَمْ يَنالُوا غَيْرَ خِزْىٍ وكانَ الْحَيْنُ يُهْلِكُهُمْ هُنالكْ ولَمْ أسْمَعْ بأرْجَسَ منْ رِجالٍ أرَادُوا الْعِزَّ فانْتَهَكُوا حَرامَكْ جَرُّوا جُمُوعَ بِلادِهِمْ والْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيالَكْ ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شَعَف الجبال، فتحرّزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وَعبَّأ جيشه، وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مُجْمِعٌ لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجَّهوا الفيل، أقبل نُفَيل بن حبيب الخثعميّ، حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، وارجع راشداً من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه، فَبرَك الفيلِ، وخرج نُفَيل بن حبيب يشتدّ حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطَّبَرْزِين ليقوم، فأبى، فأدخلوا محَاجن لهم في مراقّه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجَّهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يُهَرْوِل، ووجَّهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر، أمثالَ الخطاطيف، مع كلّ طير ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحِمَّص والعَدَس، لا يصيب منهم أحداً إلاَّ هلك، وليس كلَّهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نُفَيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نُفَيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته: أيْنَ المَفَرُّ والإلَهُ الطَّالِبْ والأشْرَمُ المَغْلُوبُ غَيْرُ الْغالِبْ فخرجوا يتساقطون بكلّ طريق، ويهلكون على كلّ مَنْهل، فأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، فسقطت أنامله أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها مِدّة تَمُثُّ قيحاً ودماً، حتى قَدِموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.”
بعد هذه القصة يسرد الطبري قصة أخرى فيها بيان معاني سورة الفيل: “حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المُغيرة بن الأخنس، أنه حدّث، أن أوّل ما رُؤيت الحَصْبة والجُدَريّ بأرض العرب ذلك العام، وأنه أوّل ما رؤي بها مُرار الشجر: الحرملُ والحنظلُ والعُشَرُ ذلك العام. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ألمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأصحَابِ الْفِيلِ } أقبل أبرهة الأشرم من الحبشة يوماً ومن معه من عداد أهل اليمن، إلى بيت الله ليهدمه من أجل بِيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم، حتى إذا كانوا بالصِّفَاح برك فكانوا إذا وجَّهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه الأرض، وإذا وجَّهوه إلى بلدهم انطلق وله هَرْولة، حتى إذا كان بنخلةَ اليمانية بعث الله عليهم طيراً بيضا أبابيل. والأبابيل: الكثيرة، مع كلّ طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله عزّ وجلّ كعصف مأكول قال: فنجا أبو يكسوم وهو أبرهة، فجعل كلما قدم أرضاً تساقط بعض لحمه، حتى أتى قومه، فأخبرهم الخبر ثم هلك. وقوله: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكولٍ } يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدوابّ فراثته، فيبس وتفرّقت أجزاؤه شبَّه تقطُّع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرّق آراب أبدانهم بها، بتفرّق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع. وقد كان بعضهم يقول: العَصْف: هو القشر الخارج الذي يكون على حبّ الحنطة من خارج، كهيئة الغلاف لها. ذكر من قال: عُنِي بذلك ورق الزرع: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: ورق الحنطة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: هو التَّبن. وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ }: كزرع مأكول. حدثني محمد بن عُمارة الأسديّ، قال: ثنا زريق بن مرزوق، قال: ثنا هبيرة، عن سَلَمة بن نُبَيط، عن الضحاك، في قوله { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: هو الهَبُور بالنبطية، وفي رواية: المقهور. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: ورق الزرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته، فصار رَوْثاً. ذكر من قال: عُني به قشر الحبّ: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: البُرّ يؤكل ويُلْقى عَصْفُه الريح. والعَصْف: الذي يكون فوق البرّ: هو لحاء البرّ. وقال آخرون في ذلك بما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت: { كَعَصْفٍ مأْكُولٍ } قال: كطعام مطعوم.”
و للاستزادة من قصص أصحاب الفيل يمكنكم العودة لكتب التاريخ مثل ابن هشام و غيرهم. القصة جميل و مثيرة حقا ولا أقصد أن أكون متهكّما إنما أعني ذلك حقيقة، لكن كوني أجد القصة جميلة لا يعني أني أصدّقها. لا أخفيكم أني منذ سنوات و أنا أريد أن أصدّق القصة و أزعم أني أصدّق القصة إلا أنه شيء في داخلي يقلقني بين حين و آخر، لا شكّا في كلام الله سبحانه و تعالى و العياذ بالله، إنما هذه الروايات المصاحبة لقصة أصحاب الفيل. فإنها لم تدخل عقلي لكثير من الأسباب منها أن ما علاقة الصحراء بالفيل، يعني ما الذي يجعل أحد النصارى يجلب فيلا من أجل هدم الكعبة بالرغم من كون العرب لا قوة لديهم ليجابهوا مملكة النصارى يومها؟ ألم يكن الأولى بهم هدم الكعبة بالجنود؟ ما هي الجهود و القوى و المصادر التي سيحتاجها النصراني لجلب فيل من اليمن إلى مكة في كامل قواه و صحّته؟ قد تقول أن الفيل هذا كان بيئته صحراوية و بالتالي لا مشكلة عنده و لا عند المروضين أن ينقلونه من مكان لمكان.
بالرغم من أنه ليس بدليل و لكن سأخبرك ما وقع في خاطري، منذ صغري و أنا معجب برد عبدالمطلب و دعائه لحماية البيت و حديثه مع أبرهة بالرغم من الذي كان يُقال عنه أيامها، و وقع في صدري أنه كل من أراد الكعبة بسوء فإن الله سيعذبه! لا أستطيع القول أن هذا الأمر حقيقة، لكن هذا ما وقع في قلبي، ثم عندما قرأت التاريخ و قرأت عن الوقائع التي وقعت في المسجد الحرام كنت أقول في نفسي إن أصحاب الفيل عذّبوا و هم لم يمسوا الكعبة فقط كانت لهم تلك النية الشريرة لهدم الكعبة، فماذا عن المرات التي تم فيها هدم الكعبة و الاعتداء فيها بغض النظر عن النوايا؟ هل هؤلاء سيكون لهم عذاب الضعف من أصحاب الفيل أم ماذا؟ ثم إني قرأت شبهات غير المسلمين عن أصحاب الفيل، و شبهات الشانئين الإسلام حول قصة أصحاب الفيل و لا أخفيكم أنها كانت تغيظني، ليس لتعظيمي لهذه القصة التي في كتب التاريخ عندنا إنما بسبب قصدهم الإساءة إلى القرآن الكريم. و ما كان يزيد غيظي أني لم أكن أجد ردودا مقنعة على شبهاتهم و تشغيباتهم حول السورة القرآنية. فكما أنهم يشغبون علينا و يتذاكون و ما هم بأذكياء كذلك يفعل البعض منا في ردودهم.
و في هذا الصدد أذكر تفسير محمد عبده رحمه الله لسورة الفيل و كان كثيرا ما يرد على الشكوك والشبهات التي كان يأتي بها غير المسلمين، و يمكن أن يُقال أنه كان متأثرا بالتقدّم العلمي و الحضاري عند الغرب، فجاء تفسيره على هذا النحو: “ويجوز الاعتقاد بأن الطير المذكور في السورة من جنس البعوض، أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات فإذا اتصل بجسده دخل في مسامه، فآثار تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه، وإن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة يُعَد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر، وإن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب لا يخرج عنها”. بالتأكيد لم أقتنع بهذا الكلام لأنه بدى لي واضح التأثر بالمخرجات العلمية الحديثة و كما قال بعض علماء السلف و هو حق أن خير ما يبين القرآن هو القرآن و هذا الذي لا نفعله في كثير من الأحيان.
و أيضا تلك الردود التي من مثل أن قصة أصحاب الفيل مثبتة تاريخيا و الدليل وجود أبيات شعرية لشعراء الجاهلية و هذا دليل كافٍ، يا رجل إني في الإثباتات التاريخية عندما أحاجج غير المسلمين لا أكتفي بمصادر مثل هذه التي يمكن تأليفها بعد نزول القرآن، و إني كذلك لا أكتفي بمصدر تاريخي واحد يتيم ثم ينقل أهل التاريخ و من ثم يقولون إن هذا الخبر عند جميع أهل الأرض و لا يمكن ردّه. مثل هذه الأدلة و إن كانت قد تفيد البعض إلا أنّها ليست التي كنت أبحث عنها. و عدم وجود الدليل التاريخي لا يعني بالضرورة عدم وقوع الحادثة أو وجود الشخص، فكم من إنسان ذكر في القرآن لم يعثر الناس على أدلة أركيولوجية تثبت وجوده و لا يعنيني ذلك لأن القرآن أثبت من نفسه أنه كلام الله و ما كان في هذا الكتاب فلابد أنه حقيقة، و كذلك أصحاب الفيل لابد أنه وقع كما هو مذكور في القرآن إنما الإشكال عندي في القصة التي يربطونها بهذه السورة.
ظلّت شبه قصة أصحاب الفيل تراودني في أيام شبابي كلما نتكلّم عن هذه السورة حتى انتبهت إلى أمرين و ذلك بعد قراءتي للتوراة، و أبحث عن الفروقات بين القرآن و التوراة، من تلك الفروقات كانت عذاب الأقوام و الأمم السابقة. و ذات يوم كنت أقرأ في عذاب قوم لوط فإذا هم أمطروا بالكبريت و النار، فكنت أقول في نفسي لم عذاب قوم لوط فيه اختلاف بين التوراة و القرآن، يعني ما الداعي للتغير؟ و في واقع الأمر ليس هناك خلاف، لكني غفلت عن مطر السوء هذا في القرآن، لأنه كنت كغيري أيضا منذ الصغر أعرف أن عذاب قوم لوط كان أن قام جبريل عليه السلام برفع مدينتهم و قلبها عليهم بطرف جناحه كما في الروايات التي نجدها في التفاسير، و بالتأكيد هذه الصورة العجيبة تبقى في الذاكرة إن كان المنصت لها و القارئ كوّن تخيلا في عقله عن هذا الموقف و قد تطغى الصورة على الحقائق القرآنية و منها تلك التي هي موجودة في أكثر من آية أنهم أمطروا بالحجارة..
نجد في سورة الأعراف قصة لوط و قومه: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) ))
ثم إني لما دقّقت في عذاب قوم لوط في القرآن لاح لي أمر آخر، أنّهم أمطروا بماذا؟ بحجارة من سجيل!
((فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)))
ألا تذكركم حجارة من سجيل بالتي نجدها في سورة الفيل: ((وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)) ؟ وقع في خاطري هذا الواقع الذي قد وقع في خاطرك الآن و أنت تقرأ هذه الكلمات؟ ماذا لو أن أصحاب الفيل هم نفسهم قوم لوط؟ فبحثت عن ذلك فوجدت أن هذا الرأي أيضا مطروح خاصة بين كثير من الناس الذين ينكرون المرويات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم. أكثرهم اكتفوا بدليل معنى فيل في اللغة و ذكر حجارة من سجيل، هي جيدة و لا شك إلا أني أجدها ناقصة، و للأسف لأن كثير من الناس في المواقع العربية يتناقلون هذه المقالات من دون ذكر المصدر الذي نقلوا منه لم أقع على أصل هذه الفكرة. المهم أنه بعد كثير من البحث تبيّن لي أنه الراجح و لعله المقصود بأصحاب الفيل هم قوم لوط، و سأبيّن ذلك في الأسطر القادمة بيانا كافيا إن شاء الله.
الملاحظ في قصة قوم لوط سيلاحظ أن المعلومة أكثر ذكرا في عذابهم أنهم أمطروا، نجد ذلك في عدد من الآيات القرآنية:
في سورة الأعراف: ((وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين)) و في سورة هود: ((فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود)) و في سورة الحجر: ((فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل)) و في سورة الفرقان: ((ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا)) و في سورة الشعراء: ((وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين)) و في سورة النمل: ((وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين)) ففي كل هذه المرات نجد المطر و لعلّه لهذا السبب نجد ((وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)). بل لاحظ أنه ذكر حجارة من سجيل في موضعين فكأن قوم لوط أمطروا بنفس مطر أصحاب الفيل ألا يدل أن المقصود بأصحاب الفيل هم قرية لوط؟
فإن قلت إن الفيل يعرفه العرب قديما و حديثا، و لم يشك أحد يوما في أن اسم الفيل يعني هذا الحيوان الضخم الذي يعرفه كل واحد منا، أقول نعم هذا صحيح. واجهت صعوبة في فهم معنى اسم الفيل في القرآن و ذلك لأن هذا الإسم ذكر مرة واحدة فقط في القرآن و ذلك في سورة الفيل.فلم يكن عندي خيار إلا البحث في معاجم اللغة، و عندما تبحث في معاجم اللغة تجد أن الفيل لا يعني فقط الحيوان المعروف، إنما هناك معاني غير الحيوان المذكور. فمثلا نجد في لسان العرب لابن منظور في باب الفاء:
“وَفَالَ رَأْيُهُ يَفِيلُ فَيْلُولَةً: أَخْطَأَ وَضَعُفَ. وَيُقَالُ: مَا ڪُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَرَى فِي رَأْيِكَ فِيَالَةً. وَرَجُلٌ فِيلُ الرَّأْيِ أَيْ ضَعِيفُ الرَّأْيِ; قَاْلَ الْكُمَيْتُ:
بَنِي رَبِّ الْجَوَادِ فَلَا تَفِيلُوا فَمَا أَنْتُمْ فَنَعْذِرَكُمْ لِفِيلِ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
رَأَيْتُكَ يَا أُخَيْطِلُ إِذْ جَرَيْنَا وَجُرِّبَتِ الْفِرَاسَةُ ڪُنْتَ فَالَا
وَتَفَيَّلَ: ڪَفَالَ. وَفَيَّلَ رَأْيَهُ: قَبَّحَهُ وَخَطَّأَهُ;
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي عَائِذٍ:
فَلَوْ غَيْرَهَا مِنْ وُلْدِ ڪَعْبِ بْنِ ڪَاهِلِ مَدَحْتَ بِقَوْلٍ صَادِقٍ لَمْ تُفَيَّلِ
فَإِنَّهُ أَرَادَ: لَمْ يُفَيَّلُ رَأْيُكَ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ إِذَا حُذِفَ رُفِضَ حُكْمُهُ وَصَارَتِ الْمُعَامَلَةُ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ وَحَصَلْتَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَرَكَ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ الْمُؤْذِنَ بِالْغَيْبَةِ، وَهُوَ الْيَاءُ وَعَدَلَ إِلَى الْخِطَابِ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ تُفَيَّلُ، بِالتَّاءِ أَيْ لَمْ تُفَيَّلْ أَنْتَ؟
وَمِثْلُهُ بَيْتُ الْكِتَابِ:
أُولَئِكَ أَوْلَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةٍ إِذَا أَنْتَ يَوْمًا قُلْتَهَا لَمْ تُفَنَّدِ
أَيْ يُفَنَّدُ رَأْيُكُ. قَاْلَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْفَائِلُ مِنَ الْمُتَفَرِّسِينَ الَّذِي يَظُنُّ وَيُخْطِئُ. قَالَ: وَلَا يُعَدَّ فَائِلًا حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى الْفَرَسِ فِي حَالَاتِهِ ڪُلِّهَا، وَيَتَفَرَّسَ فِيهِ، فَإِنْ أَخْطَأَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ فَارِسٌ غَيْرُ فَائِلٍ. وَرَجُلٌ فِيلُ الرَّأْيِ وَالْفِرَاسَةِ وَفَالُهُ وَفَيِّلُهُ وَفَيْلُهُ إِذَا ڪَانَ ضَعِيفًا، وَالْجَمْعُ أَفْيَالٌ. وَرَجُلٌ فَالٌ أَيْ ضَعِيفُ الرَّأْيِ مُخْطِئُ الْفِرَاسَةِ، وَقَدْ فَالَ الرَّأْيُ يَفِيلُ فُيُولَةً. وَفَيَّلَ رَأْيَهُ تَفْيِيلًا أَيْ ضَعَّفَهُ فَهُوَ فَيِّلُ الرَّأْيِ. قَاْلَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ فَالَ الرَّجُلُ يَفِيلُ فُيُولًا وَفَيَّالَةً وَفِيالَةً; قَاْلَ أُفْنُونٌ التَّغْلَبِيُّ: فَالُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَمْلِكْ فَيَالَتَهُمْ حَتَّى انْتَحَيْتُ عَلَى الْأَرْسَاغِ وَالْقُنَنِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَصِفُ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ڪُنْتَ لِلدِّينِ يَعْسُوبًا أَوَّلًا حِينَ نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَآخِرًا حِينَ فَيَّلُوا، وَيُرْوَى فَشِلُوا أَيْ حِينَ فَالَ رَأْيُهُمْ فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الْحَقَّ. يُقَالُ: فَالَ الرَّجُلُ فِي رَأْيِهِ وَفَيَّلَ، إِذَا لَمْ يُصِبْ فِيهِ، وَرَجُلٌ فَائِلُ الرَّأْيِ وَفَالُهُ وَفَيِّلُهُ; وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ: إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فِيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ; الْمُحْكَمُ: وَفِي رَأْيِهِ فَيَالَةٌ وَفِيالَةٌ وَفُيُولَةٌ.
وَالْمُفَايَلَةُ وَالْفِيَالُ وَالْفَيَالُ: لُعْبَةٌ لِلصِّبْيَانِ، وَقِيلَ: لِعْبَةٌ لِفِتْيَانِ الْأَعْرَابِ بِالتُّرَابِ يَخْبَئُونَ الشَّيْءَ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ يَقْسِمُونَهُ بِقِسْمَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ الْخَابِئُ لِصَاحِبِهِ: فِي أَيِّ الْقِسْمَيْنِ هُوَ؟ فَإِذَا أَخْطَأَ قَاْلَ لَهُ: فَالَ رَأْيُكَ;
قَاْلَ طَرَفَةُ:
يَشُقُّ حَبَابَ الْمَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا ڪَمَا قَسَمَ التُّرْبَ الْمُفَايِلُ بِالْيَدِ
قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ فَيَالٌ وَفِيَالٌ، فَمِنْ فَتَحَ الْفَاءَ جَعَلَهُ اسْمًا، وَمِنْ ڪَسَرَهَا جَعَلَهُ مَصْدَرًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ لِهَذِهِ اللُّعْبَةِ الطُّبَنُ وَالسُّدَّرُ; وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يَبِتْنَ يَلْعَبْنَ حَوَالَيَّ الطُّبَنْ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْفِئَالُ مِنَ الْفَأْلِ بِالظَّفَرِ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ جَعَلَهُ مِنْ فَالَ رَأْيُهُ إِذَا لَمْ يَظْفَرْ، قَالَ: وَذَكَرَهُ النُّحَاسُ فَقَالَ الْفِيَالُ مِنَ الْمُفَايَلَةِ، وَلَمْ يُقَلْ مِنَ الْمُفَاءَلَةِ وَقَوْلُهُ;
أَنْشَدَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
مِنَ النَّاسِ أَقْوَامٌ إِذَا صَادَفُوا الْغِنَى تَوَلَّوْا وَفَالُوا لِلصَّدِيقِ وَفَخَّمُوا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَالُوا تَعَظَّمُوا وَتَفَاخَمُوا فَصَارُوا ڪَالْفِيَلَةِ، أَوْ تَجَهَّمُوا لِلصَّدِيقِ، لِأَنَّ الْفِيلَ جَهْمٌ، أَوْ فَالَتْ آرَاؤُهُمْ فِي إِكْرَامِهِ وَتَقْرِيبِهِ وَمَعُونَتِهِ عَلَى الدَّهْرِ فَلَمْ يُكْرِمُوهُ وَلَا أَعَانُوهُ.”
إذن اللغة تحتمل الحيوان المعروف و تحتمل كذلك المعنى المنقول آنفا و هذا الذي أرجّحه أن الفيل أي من الرأي الخاطئ أو الضعيف. فإن قلت إنك بهذه الطريقة تستعين باللغة لم لم تفعل ذلك مع النحل و النمل؟ بالرغم من أن النمل مذكور في سورة واحدة و كذلك النحل. أقول أن النمل و إن كانت مذكورة في سورة واحدة إلا أنك تجد التالي: (حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) كل القرائن في الآية تشير إلى النملة التي نعرفها كلنا. و كذلك النحل: ((وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)) فإن في الآية قرائن تدل على ما نعرفه من النمل، أما الفيل فليس فيه أية قرينة في السورة على أنه الحيوان المعروف. ثم لاحظ الفرق بين كلمة النمل و النحل تجد حرفا واحدا مما يدلك على أن هناك أمرا مشتركا.
و لكن إن تأملت سورة الفيل لوجدت أن الفيل لا يدل على الحيوان بل من سياق الآيات يدل على أنهم أصحاب الرأي الخاطئ أو على الأقل ليس بالصحيح، و إن الله كما تعلم لا يعذّب أمة حتى يبعث رسولا، و هذا العذاب المذكور في السورة في السياق و الوصف ما يدل على أنه كعذاب الأمم و الأقوام السابقة و أن النتيجة (فجعلهم كعصف مأكول) كما نجد ما حدث للأقوام السابقة بعد أن أرسل عليهم العذاب: ((سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)) تأمل قوله (كأنهم أعجاز نخل خاوية) لتفهم ما الذي أعنيه و أيضا في سورة القمر: ((إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)) (فكانوا كهشيم المحتظر).
فإن قلت حتى إن كان الفيل المقصود به ما ذكرت من الرأي الخاطئ فكيف توصّلت إلى أن المعني هم قوم لوط. لا بأس سؤال في محله، دعنا نعود إلى قصة لوط في القرآن و نتدبرها معا، في سورة الأعراف نجد هذه الآيات: ((لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (٨١) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢))) لاحظ أن فعلتهم هذه التي مصدرها الرأي الخاطئ لم يسبقهم بها من أحد من العالمين، يعني أنهم أتوا بشيء لم يأت به أحد من قبلهم! ثم يبيّن القرآن ما هذا الذي أتوا به فيقول: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (٨١)) ثم إن المسرفين معروف المعنى، و لكن لعله من الأمور المشتركة في (سرف) تبين لك بعضا من المعاني، ففي المعجم الوسيط: “سرف - يسرف ، سرفا 1- سرف الأمر : أغفله، أهمله. 2- سرف الأمر : جهله. 3- سرف الأمر : أخطأه. 4- سرف القوم : جاوزهم، تقدمهم. 5- سرف بالخمر : أحبها وعلقها بشدة” فكأنهم أخطؤوا و جاوزوا و أهملوا الفطرة بل و أحبوا هذا الخطأ القبيح. و لا أظن عاقلا محافظا على فطرته سيقول إن إتيان الرجال رأي سديد، بل كل صاحب فطرة سليمة يعرف أن الرجل يأتي الرجل فاحشة و خطأ. ثم لاحظ ما قالوا في الآية الثالثة: (أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) هذا يثبت لنا أن القوم لهم رأي خاطئ، فهل يستنكر على إنسان آخر أنه يتطهّر!؟ لا أحد إلا من كانت فطرته قد اضطربت و رأيه قد أخطأ بل صار هزيل الرأي و شرّه. هذه ثلاث آيات تتناسق مع معاني اسم الفيل توافقا عجيبا.
تعال نقرأ سورة هود و ما نجد فيها: ((وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (٧٩) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٨٠) )) لاحظ ما قاله لوط: (أليس منكم رجل رشيد) و أظنك تعرف أن من معاني الرشيد في اللغة حسن التقدير، عاقل، هاءئ، يقولون رشد الرجل إذا أصاب الرجل أو استقام الرجل. ثم لاحظ ما قاله لوط (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) و لاحظوا اجابتهم: (ما لنا في بناتك من حق) و قولهم (و إنك لتعلم ما نريد) فيها ما يكفي لتعرف كيف أن رأيهم خاطئ. تخيّل يأتيك رجل يقول لك خذ ابنتي أو ابنة القوم فلانة و هي معروفة و تعرفوني، تقول لهم لا أريدها فإنكم قوم تطهرون، لكن أريد الرجل الغريب لأفعل به ما أفعل، أليس هذا من أضلّ الآراء و شرّها؟ لدرجة أننا نجد في سورة الحجر هذه الآية: ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ))!
و في سورة الأنبياء: ((ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين)) تأمل قوله: (تعمل الخبائث) و (قوم سوء فاسقين) و في سورة الشعراء: ((أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٦) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (١٦٧) )) و في سورة النمل: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٥) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٦))) يعني يأتون الفاحشة و هم يبصرون، على الأقل لو تقول أتيت الرجل و أنا أعمى و لم أستطع أن أعرف، أو تقول لا أفعل ذلك جهارا أمام الناس، أو على الأقل لست في وعيي؟ لكن لوط أكدّ عليهم أنهم يبصرون لكن بالرغم من ذلك يأتون الفاحشة، ثم عرّفهم بأنفسهم (بل أنتم قوم تجهلون) و أيضا: ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ)) و أيضا أنهم أتوا بعدد من الأخطاء: ((أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين)) و هناك غيرها من الآيات أن معاني الفيل أحسن ما تنطبق، تنطبق على قوم لوط. و من العجائب أن تعرف أن الفيل معروف أنه إذا اغتلم فإنه يأتي الذكور من بني جنسه و إذا اشتدت غلمته قد يبحث عن حيوانات ليس من جنس الفيل ليواقعها. بل إن الفيل تأتيته دورات عندما تزداد فيه هرمون التسترون، و تسمى بالمست، و هي كلمة هندي في الأصل تختلف معانيها باختلاف السياق و لكن من أشهر معانيها النشوة أو اللذة أو ما شابه ذلك و هي كثيرة الاستخدام حتى اليوم. و للقراءة عن تأثير هذه الغلمة على الفيل يمكنك العودة للكتب المتخصصة و يمكنك أيضا قراءة كتاب الحيوان، فالفيل اشتهر عنه قديما و حديثا هذا الأمر، فحتى إن الفيل كحيوان بينه و بين قوم لوط أمور مشتركة!
و نستخلص من آيات التي فيها ذكر عذاب قوم لوط أن الله منعهم من أن يصلوا إلى لوط، و طمس أعينهم، و جعل عاليها سافلها و أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود و أرسل عليهم حاصبا و الحاصب كما يقول أهل التفسير ريحا تحصبهم بالحجارة و قالوا ملائكة تصحبهم بالحجارة أي ترميهم، و قيل الحصى، و قيل حجارة من طين إلى غيرها من المعاني، كحجارة مشتعلة. المهم أن عذابهم كان معروفا لدى الناس و كان مميزا، و هذا ما تلحظه إن تتبعت الآيات القرآنية، ستجد كما قال الله سبحانه و تعالى: ((فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) و الذين أرسل عليهم الحاصب باتفاق المفسرين و بأي استقراء يسير للقرآن تعرف أن المقصود بهم قوم لوط بدليل الآية في سورة القمر: ((إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر)) و لما اجتمعت في قوم لوط الذنوب اجتمعت عليهم من صنوف العذاب ما هو معلوم لدينا.
فإن قلنا أن الله أرسل على أصحاب الفيل حجارة من سجيل و كذلك قوم لوط و قد استقرأنا من القرآن فوجدنا أن كل قوم كان عذابه مميزا بتميّز ذنبه عرفنا أن المقصود بأصحاب الفيل هم قرية لوط. و إن أنت بحثت في القرآن فلن تجد من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، سورة مخصصة لذكر خبر عذاب خاصة إلا سورة الفيل، و إن أنت تتبعت القرآن لوجدت أن هذا القوم اجتمع عليهم أكثر من عذاب كما ذكرت سابقا و ذلك لأن فيهم اجتمعت أخطاء كثيرة. و كلنا يعرف ما هو مدوّن في كتب التاريخ عندنا من أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل أو على الأقل لم يبعث قبل حادثة الفيل. فإن كان كذلك فهذا يعني أن أبرهة لم يأتيهم رسول ينذرهم، أو على الأقل لم تسجّل التاريخ شيئا من هذا و قد علمت من القرآن أن الله لم يعذّب الأقوام التي ذكر عذابها في القرآن إلا بعد أن أرسل إليهم رسولا، عدّها جميعا، قوم نوح و هود و صالح و لوط و شعيب و قوم فرعون، ذكر لنا في القرآن خبر المنذرين و الرسل و قد كذبوهم أقوامهم. بل حتى في سورة يس و التي فيها ذكر قرية من دون اسم القرية أو اسم الرسل، تأمل ما ذكره الله لنا فيها: (((12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29))) أتاهم العذاب بعد أن جاءها المرسلون، و كانوا ثلاثة و لكن لم نجد ذكر الرسل في سورة الفيل مما يدل أن أصحاب الفيل هم إحدى الأقوام السابقة التي سبق ذكرها في القرآن. و حتى تلك القرية التي لم يذكر اسمها في سورة النحل: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) )) فالذي يتدبّر القرآن يجد أن الله لم يذكر عذاب أي أمة في القرآن إلا و ذكر خبر رسولها في موضع أو آخر و الغالب في نفس السياق إلا في سورة الفيل، مما يدل أن خبر رسولهم جاء من قبل بل خبر هؤلاء جاء من قبل مرارا و قد عرفت كيف أن خبرهم يتواءم بشكل عجيب إلا أنه منطقي مع خبر قوم لوط.
فإن قلت ما سبب هذا الفهم الجديد للسورة و الناس ربطوا الأمر بالحيوان المعروف؟ أقول السبب في ذلك عدم تفرقتهم بين استخدامات اللغة في عصرهم و بين استخدامها زمن نزول القرآن. و كذلك نحن نستخدم الكلمات و ربما تكون واردة في القرآن فنفهمها نحن في سياق و في القرآن المعنى مختلف كما وضّحت ذلك بالتفصيل في كتابي: “و ما أدراك ما الأرض؟”. فالذين أرادوا تبيين معنى أصحاب الفيل احتكموا إلى لغتهم و ما تعارفوا عليه، و لكنهم إن احتكموا إلى القرآن لعرفوا المعنى. و ذلك لأن الدارج على الألسن أن الصاحب ساحب، فيُقال عبدالعزيز من أصحاب فلان أو علان. أو هذا الأخ من أصحاب عبدالعزيز. فعندما قرؤوا أصحاب الفيل فقالوا لابد أنهم أصحاب حيوان الفيل. و كلامي الآن يقودني إلى دليل أيضا أن المقصود بأصحاب الفيل قرية لوط.
تتبع معي موارد ذكر (أصحاب) في القرآن،
((والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولـئك أصحاب النار هم فيها خالدون))
((والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولـئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون))
((ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون))
((ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولـكن كانوا أنفسهم يظلمون))
((أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا))
((واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون))
و كذلك أصحاب الرس و أصحاب الأيكة…الخ الرابط المشترك أن بعد كلمة الأصحاب تجد ذكر المكان (الجنة، النار، الأعراف، القرية، الكهف…الخ) إلا في موضع لازلت أبحث فيها و هي التي فيها (أصحاب السبت). فكما تلاحظ أكثر الآيات أن بعد أصحاب في العادة في القرآن تجد بعدها اسم مكان. بل حتى أصحاب السبت كلما تذكر أصحاب السبت تذكر القرية التي كانت حاضرة البحر. فإن كان استنتاجي صحيحا بأن الأصحاب يأتي بعدها اسم مكان أو ما يدل على مكان، فإذن لا داعي لكي نتخيّل وجود الحيوان الفيل. فإنك لن تجد في القرآن مرة ذكر أصحاب و بعدها إسم حيوان أو إنسان فيما أعلم.
و في ذكر السورة (أصحاب الفيل) ما يشير أيضا إلى أن المقصود قرية لوط، و ذلك لأن هذه القرية دون غيرها من القرى التي لحقت بها مذمات ليس كباقي القرى كما أن قومها التي اجتمعت عليهم أنواع من العذاب. فإن أردت الدليل اقرأ التالي: ((ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين)) و أيضا هنا: ((ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا)) و كثيرا ما تجد في القرآن قرية و المعنى المتبادر إلى الذهن هو القوم كما في الآية: ((((ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين)) القرية التي كانت تعمل الخبائث ثم قال إنهم كانوا قوم سوء فاسقين. و تذكّر هذه الآية ((إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون)).
فإن فهمت ما ذكر تفهم جيدا معنى قوله: ((ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)) بمعنى بأصحاب القرية التي كانت تعمل الخبائث، و كان أهلها فاسقون خاطؤون في رأيهم و لم يكن بينهم رجل رشيد غير من نجّاه الله. ثم هناك أمر آخر في الآية الأولى (ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و الإشكالية التي وردت المفسرين أنه على حسب تاريخهم أن الرسول صلى الله عليه و سلم ولد في عام الفيل، فكيف رأى ما فعله الله بأصحاب الفيل، فقالوا إنه رآه بعين البصيرة و عين العلم و التذكير وو هذا مشهور بين كل دارس في كتب التفاسير و لا داعي لنقل أقوالهم فإنه بإمكان إي منكم القراءة فيها، و قول أحسن منه ألم تستخبر عن هذه القصة، و الأحسن منها من قال من المفسرين من قال: ألم ترى آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل.
لكن إن أخذت برأيي هنا و قلت بأن أصحاب الفيل قرية لوط فهمت جيدا سبب (ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و ذلك لأن قرية لوط كانت في طريقهم، و يرونها و يرون آثار ما وقع فيها. نجد في هذه الآيات ما يدل على هذا الكلام: (((وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) )) أثبت الله مرورهم عليها مصبحين و بالليل. و كذلك في سورة الفرقان: ((وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ۚ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ۚ بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا)) و كذلك هذه الآيات: ((قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) )). هذه الآيات كلها تدل أن قوم الرسول صلى الله عليه و سلم كانوا يمرون عليها.
مما سبق يدل على أن العرب كانوا يمرون على القرية التي كانت تعمل الخبائث، و قد يكون ذلك في رحلاتهم، رحلة الشتاء و الصيف. و العجيب تأمل ما هي السورة التي بعد سورة الفيل في ترتيب القرآن؟ إنها سورة قريش! ((لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) )) ألا تدل هذه الدلائل على أن أصحاب الفيل المقصود بهم قرية قوم لوط؟
ثم هناك إشارة أخرى إلى أن أصحاب الفيل هم قوم لوط. إنك لو تتبعت خبر أقوام لوط تجد أن قوم لوط يأتي خبره بعد قوم صالح و قبل قوم شعيب.
نجد السياق في سورة الأعراف:
((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)))
و نجد نفس السياق في سورة هود
((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) )
و نفس السياق في سورة الشعراء:
((كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) ))
و كذلك في سورة ص: ((وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب)) و أصحاب الأيكة هم قوم شعيب كما سأبين لكم في الأسطر القادمة. و هكذا تجد هناك تقارب بين كل من قوم ثمود و قوم لوط و قوم شعيب. و العجيب أنك تجد في القرآن أصحاب الحجر فتعرفهم أنهم قوم صالح بدلالة هذه الآيات: ((وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82))) و تجد أصحاب الأيكة فتعرفهم أنهم قوم شعيب و أكثر المفسرين على ذلك، و أيضا بدلالة السياق هذه الآيات: ((وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79) نجد هذا الانتقام بعد أن ذكر قوم لوط و شعيب، و إن أنت قارنتها ببقية الآيات لعرفت أن الذي يلي قوم لوط في ذكر العذاب هم قوم شعيب فنستنتج من ذلك أن المقصود بأصحاب الأيكة هم قوم شعيب. و أما أصحاب الرس فقيل من قوم عاد و قيل من قوم ثمود، و لن تجد في القرآن في سياق مع ثمود و لوط و شعيب. و إضافة لما سبق، فإن شعيبا عليه السلام صرّح أن قوم لوط ليس ببعيد و ذلك في سورة هود: (و ما قوم لوط منكم ببعيد) يخاطب قومه مما قد يدل على القرب المكاني و الزماني.
فتحصّل مما سبق أن قوم ثمود قد عُرفوا بأصحاب الحجر، و قوم شعيب عُرفوا بأصحاب الأيكة و لكن ماذا عن قوم لوط؟ بماذا عرفوا؟ أقول أنهم عرفوا بأصحاب الفيل. و إن أنت ربطت الآيات القرآنية و حاولت أن تفهم العلاقات بينها لتبيّن لك، أرجو أن تتأمل فيما قلته لأنه هذا الأمر عزيز، و لا أظنك ستجده في الكتب، لا غرورا و اعتدادا بالنفس، إنما يعز علي أن لا تتعرف على هذه الدقائق القرآنية كما أحب أن يسمي هذه الأمور علماء المسلمين من الذين سبقونا في الإيمان..
دعنا نكمل تدبّر سورة الفيل و ستعرف بإذن الله أن المقصود بهم قوم لوط. تكلّمنا مطوّلا عن الآية الأولى، و لكن ماذا عن الآية الثانية و التي فيها: ((أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)) قال الطبري في تفسيره: “ ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة { فِي تَضْلِيلٍ } يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها.” الفخر الرازي في تفسيره: “أي في تضييع وإبطال”. و قال الزمخشري: “فِى تَضْلِيلٍ } في تضييع وإبطال. يقال ضلل كيده، إذا جعله ضالاً ضائعاً.” و في تفسير ابن عاشور: “ والكَيد الاحتيال على إلحاق ضر بالغير ومعالجة إيقاعه. والتضليل جعل الغير ضالاً، أي لا يهتدي لمراده وهو هنا مجاز في الإِبطال وعدم نوال المقصود لأن ضلال الطريق عدم وصول السائر. وظرفية الكيد في التضليل مجازية، استعير حرف الظرفية لمعنى المصاحبة الشديدة، أي أبطل كيدهم بتضليل، أي مصاحباً للتضليل لا يفارقه، والمعنى أنه أبطله إبطالاً شديداً إذ لم ينتفعوا بقوتهم مع ضعف أهل مكة وقلة عددهم. “
قد تسألني ما علاقة الكيد بقوم لوط، و متى كادوه؟ و هل كادوه أصلا؟ أقول نعم إنه أرادوا بها شرا، و نفهم ذلك في أكثر من موضع من القرآن، ففي سورة الأعراف نجد قولهم: ((وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)) و في سورة النمل: ((فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)) أرادوا أن يخرجوا آل لوط من القرية، و ما سببهم أنهم أناس يتطهرون، كما يفعل اليوم غير المسلمين يقولون هذا إسلامي و بعض المفكرين “الإسلاموي” للتنفير منه و هذا من الكيد لأنهم لا يقصدون المعاني الجميلة في نعت إسلامي إنما يريدون به أمرا مختلفا، كذلك عندما يقولون إنهم أناس يتطهرون يريدون بهذا القول أنهم مختلفون عنا و ما إلى ذلك. و في موضع آخر ندرك كيدهم في هذه الآية: (( قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) ) تأمل دعاء لوط أن ينجيه الله فنجّاه، و أيضا هنا في هذه الآية تأمل في قول الرسل: ((قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81))) (لن يصلوا إليك) ما معنى أنّهم لن يصلوا إليك إن لم يريدوا به شرا؟ و أيضا في قوله: (( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ)) راودوه، و نعرف عن امرأة العزيز مراودتها و كيف وصفها سيدها “كيدكن”، فالكيد واضح من هذه الآيات التي سقتها، بل إنك تجد في التوراة ما يدل صراحة على الشر الذي كانوا يريدون إيصاله إلى لوط عليه السلام.
ستجد في التوراة في سفر التكوين الإصحاح التاسع عشر النص التاسع منه: “9 فَقَالُوا: «ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ». ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا». فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ،” القرآن حكى لنا ما أرادوا أن يفعلوا بمن ضيّفهم لوط، و في التوراة نجد هذه: “ الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا” تخيّل أرادوا شرا أكثر منهما من ضيفيه، و لم يكتفوا بالتهديد إنما بالفعل أيضا: (فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ) و نجد في تفسير آخر للتوراة: “فقالوا تقدّم إلى هَهُنا، ثم قالوا، أواحد جاء ليسكن معنا صار يحكم علينا، الآن، نسيء إليك أكثر منهم، فألحوا على لوط جدا، و تقدموا ليكسروا المصراع”. فهذا الذي ذكرت من القرآن و التوراة مما يدلّ على كيدهم.
و قد تسأل ما الذي فهمته من قوله: في تضليل؟ (ألم يجعل كيدهم في تضليل)، مرة أخرى إن عدنا إلى القرآن و تتبعنا قصة لوط مع قومه ندرك أن رسل الله قالوا له لن يصلوا إليك، أي كانوا دون أن يصل مكروه إلى لوط، و نجد في آية أخرى: ((ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر)) و روي عن ابن عباس في هذه الآية: “عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط.” و عن قتادة: “وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا, وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه, فصفقهم بجناحه, وتركهم عميا يتردّدون” و عن الضحّاك: “جاءت الملائكة في صور الرجال, وكذلك كانت تجيء, فرآهم قوم لوط حين دخلوا القرية. وقيل: إنهم نـزلوا بلوط, فأقبلوا إليهم يريدونهم, فتلقَّاهم لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه, فأبوا عليه وجاءوا ليدخلوا عليه, فقالت الرسل للوط خلّ بينهم وبين الدخول, فإنا رسل ربك, لن يصلوا إليك, فدخلوا البيت, وطمس الله على أبصارهم, فلم يروهم; وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت, فأين ذهبوا؟ فلم يروهم ورجعوا.” أي أنهم لم يعودوا يستطيعوا أن يدركوا و يروا أصابهم العمى، عمى الإدراك أو عمى العضو، المعنى المشترك لم يستطيعوا الإدراك، و هذا المعنى و التفاسير تتوافق مع التوراة أيضا إذ نجد في التوراة و ذلك في نفس السفر الذي ذكرته سابقا: “11 وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ.” و في قوله في سورة الفيل نجد كلمة: (في تضليل) و ما قاله المفسرون ما يدلك على العلاقة القوية بين ما وقع و بين هذه الكلمة، و ليس هناك أحسن منها للإشارة إلى تلك الحادثة و في نفس الوقت استيفاء معنى في تضليل، فسبحان الله على هذا القرآن العجيب. و زد على الذي ذكرت، بما أنهم كانوا من قبل: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ)) كانوا يبصرون و يأتون الفاحشة عرفنا المناسبة بينها و بين قول الله عز و جل: ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)) و كان جزاؤهم أن جعل كيدهم في تضليل.
و قد تقول في قوله (و أرسل عليهم طيرا أبابيل) إن الله قال عن قوم لوط أنه أمطرهم بحجارة من سجيل و لكن هنا في سورة الفيل نجد أن الطير ترميهم بحجارة من سجيل، ألا يدل هذا على أن أصحاب الفيل غير قوم لوط. و هذا لا إشكال فيه فإن في كثير من الأحيان ينسب الله الفعل إلى نفسه و أحيانا إلى مباشر الفعل، مثل قوله على لسان الملائكة: ((لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِن طِينٍ)) و مثل قوله: (و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى) و هذه يعرفها كل إنسان دارس للقرآن.
فإن عقلت عني هذا الذي كتبته، ستجد أن سورة الفيل ليس فيه ذكر قصة قوم لوط فقط بل حتى الأحداث بشكل جميل لا يمكن لأي كتاب آخر أن يأتي بمثله: ((((لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) )) و هكذا عند كل آية و الحمدلله و الفضل لله وحده أستطيع أن أربط بينها و بين قصة قوم لوط بإسهاب لكني أطلت في هذا الفصل، و أظن أن فيما ذكرت فيه الكفاية لكل متدبّر للقرآن يعي ما يدخل رأسه. و الذي قرأ التوراة وقصة لوط فيها ثم يقرأ هذه السورة لعرف بلا مرية أنه ((تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)) مصدقا لما بين يديه من الكتاب و
مهيمنا عليه و الحمدلله رب العالمين.
كتبه
عبدالعزيز النظري
No comments:
Post a Comment