من هو إسرائيل؟ بل ما معنى إسرائيل أساسا؟ أكثر المفسرين المسلمين قالوا إسرائيل يعني عبدالله و يُروى ذلك عن ابن عباس، و قالوا أن إسرا يعني عبد و إيل يعني الله، فصار الإسم عبدالله. و قالوا صفوة الله و قالوا رجل الله أو إنسان الله أو مهاجر الله أو المهاجر إلى الله و هذا الأخير هو الأقرب عندي من بين ما قالوا، يمكنك مراجعة هذه الأقوال في كتب التفاسير.
و عند النصارى المعنى مجاهد الله أو الذي جاهد الله، و في بعض الدراسات توصلوا إلى أن المعنى قد يكون أقرب إلى معنى لا أعرف كيف أترجمه على وجه التحقيق لكن يمكنك القول بأن المعنى “الذي يذكّرك بالله” لأنه ذاكر الله، و آخرون وصلوا إلى نتيجة أنه الذي به يعرفون أو يذكرون الله، و آخرون الذي رأى الله و آخرون قالوا الذي عرف الله. ما اتفق عليه الناس أن الاسم مكوّن من معنيين، يل أو إيل يعني الله أو الإله. أما إسرا أو سراء فاختلفوا فيه كما ترى.
أما علماء التوراة التوراة فيقولون في سبب تسمية يعقوب باسم إسرائيل، بسبب النص المعروف في مجادلة أو مصارعة يعقوب مع ملاك الله ليلا ليباركه و النص المترجم ليس جيدا لكن لا بأس أن أنقله، و هو من سفر التكوين الإصحاح الثاني و الثلاثون: ((24 فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25 وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26 وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27 فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28 فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».))
لست بصدد تفسير هذا النص الذي نقلته ففيه كلام طويل، لكن ما أريد أن أقوله أن أكثرهم اعتمدوا عليه في تفسير اسم إسرائيل.
عن نفسي و أنا أبحث عن معنى هذا الاسم، انتبهت إلى أن الإسم كأنه إسراء + يل من كلمة الإسراء أو أسرى، و سبحان الله اسم سورة الإسراء في القرآن كانت تعرف أيضا عند الصحابة بسورة بني إسرائيل. و عند بعض أهل اللغة أن الإسراء أو السرى يعني سير الليل. و تأمل هذه الآيات ليتبين أن المعنى قريب من السير ليلا:
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))
((فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ))
((فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍۢ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَٰرَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ))
((فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ))
فلعل معنى إسرائيل السائر إلى الله و هو قريب من المهاجر إلى الله، و الباحث عن الله. أو الذي أسراه الله. و دلالة الليل واضحة، أن الباحث عن الله أو السائر يبحث عن الهدى في ظلمة هذا العالم إن لم يكن هناك إيمان بالله، و الله سبحانه و تعالى نور السماوات و الأرض. فالإنسان من دون إله يكون في ظلمة، و لكن إن آمن بالله وجد الهدى و صار بصيرا. و عندما نجد في القرآن بني إسرائيل، فكأنها العائلة الوحيدة أو السلالة الوحيدة الباقية التي لا تزال متمسّكة بالإيمان بالله إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و قد تقول من أين أتيت بأن إيل أو إل أو ئيل المقصود به الله. أقول هذا مُسلّم عند كل دارس للتوراة، و لكن إن أردت من القرآن لعل أقرب كلمة تدل على ذلك في قوله: ((لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10))) لكن هذا أيضا قد يختلف عليه، و الأقرب منه أن يُقال أن هذا الإسم كإسم جبرائيل أو إسماعيل، إسرافيل، فما كان معنى يل في هذه الأسماء فإنه هو في إسم إسرائيل.
ما تقدّم كتبت عن معنى إسرائيل، و لكن السؤال الأهم الذي لا يزال قائما، من هو إسرائيل؟ و أنا أبحث عن معرفة هوية إسرائيل منذ أكثر من خمسة عشر سنة على الأقل، و خلال تلك السنوات تغيّرت آرائي بما كانت تلوح لي من الأدلة و الإشارات التي أجدها هنا و هناك. و في الفصول القادمة ستدرك أني أحيانا أرجّح قولا ثم أدحضه ثم أرجّح قولا دحضته و هكذا، أريدك أن تجرّب التجربة التي سميتها (أوديسة البحث عن إسرائيل) قد يكون شاقا و لن تصبر عليه و لكن إن صبرت فإنك ستستمتع بها، و بإذن الله لن تخلو من فائدة أو على الأقل ستدرب في النظر إلى الحجج و كيف يكون الاستدلال و الرد.
فمثلا في السابق لم أكن أعر التوراة التي بأيدي أهل الكتاب اليوم اهتماما، بمعنى أني لم أكن أبذل جهدا في التوفيق بينها و بين آيات القرآن و الذي تغيّر مؤخرا و صار دليلي عندما يختلف رأيي عن دراستي لبعض الآيات القرآنية. ففي بادئ الأمر كنت أقول أن إسرائيل ليس يعقوب ابن اسحق ابن إبراهيم عليهم السلام بل هو شخص آخر و قد فصّلت أدلة ذلك في الفصل السابق و لكن لكي أكون صادقا معهم لم أصل إلى درجة اليقين أن إسرائيل ليس بيعقوب إنما غلبة الظن.
ثم قلت لابد أنه أحد الذين حُمِلوا مع نوح في السفينة أو على الأقل من ذريتهم و ذلك استدلالا بالآية من سورة الإسراء: ((وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا))
ثم إني كنت أقول هو عمران أبو مريم تأثرا بما سمعته من الشيخ صلاح الدين بن إبراهيم المعروف بأبو عرفة و من قلدوه من بعده وهو في الحقيقة أول من قال بهذا الرأي فيما أعلم، ثم رجعت عن ذلك و ذلك بسبب الفارق في الزمن التاريخي بين يعقوب و مريم، و قد اطلعت على أدلة الشيخ صلاح الدين أبو عرفة لحل اشكالية الفارق الزمني إلا أني لم أجدها قوية آنذاك.
و بعد ذلك قلت لعلّه آدم بعد أن أُهبط من الجنة، ثم ترددت في ذلك و من ثم قلت لعله نوح بعد أن نجّاه الله من الطوفان، ثم وجدت بعض الأمور التي يمكن أن يُستشهد بها على أنه موسى كليم الله لكني تركت هذا الرأي ثم وقع في خاطري أنه إسماعيل، و الأمور التي جعلتني أقول أنه إسماعيل ليست قليلة و لكني أضرب صفحا عن ذكرها.
ثم بعد ذلك قلت لابد أنه ابن آدم الذي قتل و ذلك بعد ثورة من الأفكار و الخواطر بعد قراءتي لهذه الآيات: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) ))
و صدقا لن أكون مبالغا إن قلت لكم إن دوّنت كل ما كان يجول في خاطري من الأدلة و الأبحاث التي بحثتها فيما يخص إسرائيل أظن كان سيكفي ليكون مجلدا ضخما مستقلا عن هذا الكتاب، و لهذا لن أتطرق إلى أدلة كل رأي فإن ذلك سيطول جدا.
قد تقول يا أخي ما الفائدة من ذكرك لنا ما كان يدور في خلدك، أقول إنما الغرض من هذه الكلمات إخبارك بأسماء الذين ظننت في يوم ما أنهم إسرائيل المذكور في القرآن و السبب في ذكري هذه الأسماء لكي أبعث الفضول في قلوب قرّاء هذا الكتاب فيبحثوا بأنفسهم، و عندما يبحث الواحد منا في القرآن لإدراك الحقيقة فإنه سيستفيد و لابد و سيستمتع برحلة البحث كما استمتعت بها و استفدت، و قد يزداد تعلّقه و حبّه بكتاب ربّه بدلا من أن يكون مُتلقيا و يكتفي بذلك و لا يبذل جهدا في تدبّر كتاب الله. كما أني أسأل عادة لم كان كذا و كذا، أحب أن يتساءل الناس، لم قال كذا و كذا.
No comments:
Post a Comment