(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) {سورة لقمان ٢٧}
بعيدا عن اللطائف و الدقائق اللغوية، دعنا نسأل: لماذا قال البحر من بعده وليس من حوله؟ وكيف يكون البحر أبعد في النموذج الكروي للأرض؟ يُصعب تخيّل ذلك، لكن إن اعتبرنا أنّ الأرض مسطّحة، وأنّ هناك بحرا كونيا محيطا بها فلا غرابة أبدًا أن يُقال: (يمد البحر من بعده سبعة أبحر). وسبحان الله لما جاءني هذا الخاطر قبل سنوات عديدة كنت أحسب أني الوحيد الذي فكّر بوجود بحر محيط بالمعمورة، لكن كالعادة وجدت من السلف من سبقني و الحمدلله.
مثلا نجد في تفسير ابن كثير -رحمه الله- نقله لرواية مقطوعة منسوبة إلى ابن عباس وهي كالتالي: "عن ابنِ عبَّاسٍ قال: خلق اللهُ مِن وراءِ هذهِ الأرضِ بَحرًا مُحيطًا ثمَّ خلَق من وراءِ ذلكَ جبلًا يُقالُ لهُ ق، السَّماءُ الدُّنيا مَرفوفةٌ عليهِ، ثمَّ خلَق مِن وراءِ ذلكَ الجبلِ أرضًا مثلَ تلك الأرضِ سَبعَ مرَّاتٍ، ثمَّ خلَق من وراءِ ذلكَ بحرًا محيطًا بِها، ثمَّ خلق من وراءِ ذلكَ جبلًا يُقالُ لهُ ق، السَّماءُ الثانيةُ مرفوفةٌ عَليهِ، حتَّى عدَّ سبعَ أرضينَ وسبعَةَ أبحُرٍ وسَبعةَ أجْبُلٍ وسبعَ سَمواتٍ، قال : وذلكَ قولُه وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ".
وقال ابن كثير في موضع آخر ردًّا على فكرة وجود الأبحر: "ولا أن ثم سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم كما يقوله من تلقاه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى: (قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) {الكهف ١٠٩} فليس المراد بقوله (بِمِثْلِهِ) آخر فقط، بل بمثله، ثم بمثله، ثم بمثله، ثم هلم جرا، لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته“. صحيح أن ابن كثير ردّ الفكرة، لكني ممتن له رحمه الله، و ذلك لأن في رده دليل على وجود الإسرائيليات، وكما قال الإسرائيليات صعب الجزم بها تصديقا أو تكذيبا والرواية المقطوعة المنسوبة إلى ابن عباس يمكن بناء منظور و نموذج عن هذا الوجود الذي نحن فيه، ولا أقول إنّ هذا النموذج هو الذي ارتضيته لنفسي، لكنه منظور جدير بالدراسة والبحث، وهذا النموذج كالتالي:
إن اعتبرنا أنّ السماوات سبع، والأراضون سبع كذلك، وأرضنا هي الأرض الصغرى، وهي في وسط العالم وأسفلها وأعمقها، ومحيط بأرضنا بحر محيط ومحيط بالبحر المحيط جبل قاف (أستخدم جبل قاف فقط للتسهيل، المقصد أن هناك جبل محيط). وإن أخذنا أنّ السماوات السبع كالقبة على الأرض، فتكون أطراف قبة السماء الأولى تلتقي بجبل قاف المحيط، وبعد الجبل، الأرض الثانية ومحيط بها بحر محيط ومحيط بالبحر المحيط جبل قاف المحيط بالبحر، وفوق هذه الأرض قبة السماء الثانية وتلتقي أطرافها بجبل قاف المحيط، وهكذا حتى السابعة. وإن جعلت الأرض كلّ واحدة منها في طبقة صار عندك نموذج فيه السماوات سبع طبقات طباق، ومن الأرض سبع طبقات كذلك، وبهذا يمكنك التوفيق بين هذا النموذج أو المنظور وآيات القرآن والأحاديث والروايات المنسوبة للصحابة، لكن هل هذا هو المنظور الوحيد التي تستوعبه الثلاثة أشياء المذكورة (أقصد القرآن والأحاديث المرفوعة والروايات الموقوفة)؟ لا بل هناك عدّة فرضيات أخرى نثرت أطرافا منها في كتاب (وما أدراك ما الأرض)
No comments:
Post a Comment