Monday, April 18, 2022

القرآن خطاب إلى الجن و الإنس

 

اعتاد الناس أن يقولوا: إن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو رسالة الله إلى العالمين، ورحمة للناس أجمعين، غير أنّ الناس ينصرف تفكيرهم إلى الإنس من دون الجن فيظنّون أن هذا القرآن فقط رسالة للإنس من دون الخلق أجمعين، وإن كانوا لا يُصرّحون بهذا الظن، ألا ترى أن المنشغلين بتدبر هذا الكتاب العزيز، منذ قديم الزمان وحتى اليوم يُوجّهون معاني آيات القرآن الكريم إلى المعاني التي تخص البشر ولسانهم فقط؟ فإنك لا تجدهم ولا حتى مرة يقولون عن شخصية مذكورة في القرآن: إنّه قد يكون من الجن غير إبليس، لا يسألون ما يكون، لكن مباشرة يقفزون لتحديد من يكون، بمعنى هويّة الشخصية من دون تحقيق وتمحيص في ماهيتها.


ولكن المتدبّر لآيات القرآن سيجد أن القرآن يُخاطب الجن في كثير من الآيات، بل يقدّم الجن على الإنس في عدد منها. اقرأ هذه الآيات لتتأكد من ذلك: في سورة الأنعام: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ)، وأيضاً في سورة الأنعام: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ)، وفي سورة الرحمن: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ). 


وهناك آيات أخرى فيها ذكر للجن مثل التي نجد في سورة الأعراف: (قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ)، وفي آية أخرى من سورة الأعراف: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، وفي سورة الإسراء: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)، وفي سورة فصلت: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ)، وفي سورة الأحقاف: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ)، وفي سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).


وبما أن الخطاب موجّه إلى الجن حتى لو في آية وحيدة فقط فهذا يعني أن الجن باستطاعتهم فهم هذا القرآن العربي المبين، وهذا ليس بحاجة إلى بيان، إذ يكفي أدلة الآيات من سورة الأحقاف والجن. ففي سورة الأحقاف قالت الجن: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ)، إذن هم يفهمون القرآن جيّداً، وأيضاً في سورة الجن ما يدل على ذلك: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)). 


فإن كان كذلك وهو كذلك، فعلينا أن نؤمن بذلك، ولا نستحيي من قول ذلك علانية، فإن كثيراً من الناس اليوم يتجنّب الآيات التي فيها ذكر الجن لأنه يخشى كلام الناس واتهام الناس له بالتخلّف أو ما إلى ذلك، خاصة أولئك القوم الذين يُؤمنون بمخرجات المجتمعات العلمية المُعاصرة، فإنّهم لا يكادون يصبرون على نقاش فيه ذكر للجن، فتجد الواحد منهم يتكلّم متكبّراً وكأنه أحاط بكل شيء علماً، أن هذه الأمور من الخرافات، وبالتأكيد المسلم الضعيف الإيمان، لأنه لا يستطيع مقاومة هذا الضغط النفسي، قد يقوم بتحريف ظاهر معاني آيات القرآن التي فيها ذكر الجن والشياطين وما إلى ذلك، ويُقدّم تفسيراً جديداً لكي يتوافق مع النظريات العلمية الحديثة أو لِنَقُل ليتناسب مع العصر الحديث والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


عن نفسي وبعد تدبّري في اسم الله الرحمن، رحت أبحث عن الجن في القرآن، فوجدت العَجَب العُجاب والذي سلّطت الضوء على شيء منه في كتاب (نظرية آن)، وستقرأ بعض آيات القرآن كأنك تقرؤها لأول مرة وستتعرف على شخصيات من الجن لم يقل بها أحد من الناس من قبل.


No comments:

Post a Comment