السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كثيرا ما أجد نفسي في نقاش مع طلبة العلم
وهذه نعمة لا يعرف قدرها إلا من خاض هذه الأمور ثم استفاد منها في مسيرة حياته
العلمية والعملية. كم مرة وجدتم أنفسكم في نقاش مع غيركم ثم يتفوه أحد الطرفين
بمثل هذه الكلمات: "من أنت لتبدي رأيك في هذه المسألة؟ من أنت لترد على
الشيخ فلان والعالم فلان؟ ومن أنت لتخالف السلف؟" عن نفسي أكاد أجد مثل
هذه الكلمات في معظم نقاشاتي وأنا متأكد أن غالبكم قد سمع أو تفوّه بمثل ما ذكرت.
بل إن أحد مشايخي المقربين الذين استفدت منهم كثيرا وأحبهم حبا عظيما إن ذكرت له
اشكالية معينة في بعض ما قاله السلف على حسب فهمي يوضّح أن لا خير في مخالفة علماء
السلف و يوصيني بالبدء بالأصول و ربما يضرب لي مثالا ويقول: "ما يصير خباز
يرد على البخاري, خلّه يروح يخبز أحسن له". ربما فيما قاله الشيخ بعض الصواب,
لكن هل هذا هو الأسلوب العلمي للرد على المخالف؟ لأختصر على القرّاء الكرام فأقول
هذا بحاجة إلى تفصيل, وأن من قالها كان له بدائل أخرى طيبة بدل أن يستحقر الطرف
الآخر.
أولا قولي بأنه مخالف لأسلوب المناقشة والرد
العلمي فهذا واضح وجلي, كم مرة تجدون الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه بمثل: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))؟ ألم تجدوا هذه الآية في القرآن ((اِئْتُونِي
بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))
؟ أو هذه ((قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا)) ؟
وغيرها من الآيات. من القائل؟ أليس القائل هو رب العالمين, ذو الكبرياء والعظمة,
أليس القائل هو العزيز الحكيم, العليم اللطيف الخبير!؟ إن الله سبحانه لم يقل من
أنتم لكي تخالفونني؟ وتأمل قبل الآية الأولى التي ذكرتها: الله طلب البرهان منهم
على ماذا؟ اقرأوا بأنفسكم: ((أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) فالله سبحانه وتعالى يخاطب الذين
يدعون مع الله آلهة أخرى, وبالرغم من أن وحدانية الله هي أعظم الحقائق, وبالرغم من
أن ليس هناك في الوجود أعظم وأعلم من الله عز و جل, و المخاطب هم الجهّال من
الكفار! ولكن ماذا رد عليهم الله سبحانه وتعالى! قال المولى عز من قائل: ((قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) ! في هذا تعليم لنا نحن البشر عندما نخاطب المخالف,
فلا نثير العواطف ونستحقر الطرف الآخر مباشرة ونقول من أنت لتقول كذا وكذا, ولكن
نقول له هل عندك من دليل على ما تقوله؟ فإن قال نعم فنقول أعرض أدلتك لندرسها, وإن
لم يكن له أدلة قلنا كما قال الله: "إن تتبعون إلا الظن" وكم نحن بحاجة إلى هذه التربية العظيمة من الله
سبحانه وتعالى لنرتقي في حوارنا مع الآخر.
أما قولي بأن مثل هذه
الكلمات بحاجة إلى تفصيل, لنفترض وجود إنسان يخالف بعض المسلّمات عندنا (سأضرب
مثالا لأهل الحديث مع عامي) فمثلا تجد عالم حديث أفنى عمره في علم الحديث وتبحّر
في هذا العلم مثل البخاري أو مسلم, فيستطيع من خلال ما تعلّم أن يقول هذا حديث
صحيح أم حديث ضعيف, فإن أتانا مغني لم يشم رائحة العلم قط, وقال هذا الحديث صحيح
وهذا الحديث ضعيف من غير أدلة له فماذا نقول؟ فإن قلنا له مباشرة: "من أنت
لتحكم على الحديث؟" أسأنا في الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن, فربما يكون له
أثارة من علم! أقصد بذلك ربما عنده كتاب لعالم حديث تكلم في حديث معين, أو استمع
لمحاضر متمكّن في علم الحديث و بناء على قول العالم الذي استمع إليه قال كذا وكذا,
فما البديل الذي وصفته لكم في أول المشاركة؟ البديل أيها الإخوة أن نسأله:
"نقول له هل درست علم الحديث, هل استمعت إلى أحد علماء الحديث, هل عندك علم
في المسألة الفلانية, هل لك دراسة شخصية لهذا الحديث...الخ كما قال الله سبحانه
وتعالى: ((اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) فإن قال: لا! قلنا له إذا: "من أنت لتحكم
على الحديث بالصحة والخطأ" ونحذره بقول الله سبحانه وتعالى: ((وَلاَ
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) أما إن تركناه من غير تحذير
وتعزير فإن في هذا فتح لباب الفوضى, كما نجد اليوم أن العامي قبل العالم يفتي في
أمور العامة والله المستعان.
أما خطورة هذه المنهجية
في الرد على المخالف بأنه لا يحق له أن يخالف من سبقه سواء من العلماء أو طلبة
العلم, فأقول في بيان ذلك: إن المشرك أو الهندوسي أو النصراني, الخ..., إن شك في
مسلمات دينه وطلب الحق فما نتيجة قولك: "لا تخالف العلماء الذين تبحّروا في
هذا العلم؟" النتيجة سيبقى في ظلمات الشرك وصرف العبودية لغير الله, ومن
برأيك يتحمل جزءا من المسؤولية؟ إنه الإنسان الذي منعه من مخالفة علماء دينه أو
قومه كما فعل أبو جهل وصناديد قريش بعم الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا:
"أتخالف ملة عبدالمطلب؟" الحقيقة لا أجد كثير اختلاف بين الموقفين. قد
تقول لكن نحن مسلمون وهؤلاء كفار!؟ أقول قولك هذا يثبت ضعف المنهجية العلمية في
الحوار وبهذا أثبت بأن هذه المنهجية غير علمية, المنهجية العلمية الصحيحة تنطبق
على المسلم وغير المسلم, على الإسلام وعلى النصرانية وإلا لما صحت أية مناظرة أو
أية مناقشة بين علماء الأديان. فأنت عندما تجد المسلم يشكك في بعض المسلمات عندك
أنت أو عند طائفتك أو فرقتك لا تستحقره أو تطلب منه عدم المخالفة, ولكن إن شئت
اعتبره غير مسلم جاءك بشبهة وأنت عليك الرد إن كانت شبهة معتبرة, فتقديس العلماء
مرفوض.
حالة أخرى, ربما تجد
انسان عامي يسب أحد كبار العلماء بحجة أنه يسب الصحابة رضوان الله عليهم, وهذا
العامي المسكين لا يعرف من الصحابة إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (رضوان الله
عليهم أجمعين) فإن وجد مثلا هذا العالم ينتقد أحدا من الناس يظنه صحابي قام وسبه
وربما قال: "لا يدعو على فلان إلا زنديق" و في حقيقة الأمر ربما تجد في
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه دعا على هذا الإنسان الذي يظنه صاحبنا
العامي بأنه صحابي وربما لعنه! فانظر كيف بسبب قلة علمه وجهله بأخبار النبي صلى
الله عليه وسلم, سب النبي واتهمه بالزندقة من حيث لا يعلم! وهذه آفة عظيمة منتشرة
بين الناس. والعكس صحيح, تجد أحدهم ينتقد أحد الصحابة ويسبه ويصفه بالوحشية وغير
ذلك و هو لا يعلم بأن هذا الإنسان الذي يسبه أسلم وحسن إسلامه ويعتبر من كبار
الصحابة. كما حصل في احدى الجرائد المحلية بالتقليل من شأن الصحابي وحشي رضي الله
عنه, وكما يحصل كثيرا مع عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه, فربما يسبه العامي لأنه ابن
ابي جهل ولا يعلم من التاريخ شيئا بأنه أسلم و له مواقف مشهودة بحسن اسلامه.
للأسف اليوم أجد العامة
قبل طلاب العلم, يصدرون الأحكام على بعض العلماء وطلبة العلم بأنه كذا وكذا وهو لم
يسأل المخالف إن طلب العلم من قبل؟ فيا أخي لا تتعجل في اصدار الأحكام على الناس,
فربما هذا الذي تنكر عليه من طلبة العلم مقارنة بك, كالبحر مقارنة بقطرة ماء في
مجاله العلمي فربما قرأت 100 حديث وهو قرأ 100 ألف حديث, وربما تكون قرأت كتابا
وهو قرأ 10,000 كتاب! فقبل اتهامه قل له هل لك من برهان (أي أدلة واضحة على ما
تقول) فإن قال نعم برهاني كذا وكذا, ناقش البراهين ولا ترمي الشخص نفسه بقبيح
الصفات. فإن لم يكن له براهين قل له: "هل عندك أثارة من علم أو كتاب تقرأ
منه؟" فإن قال نعم في كتاب العالم الفلاني كذا وكذا, وفي كتاب العالم فلان
كذا وكذا فأنت عليك أن تقرأ ما قاله العلماء ثم توازن بميزان الحق ثم رجح بقاضي
العقل. ميزان الحق هو القرآن الكريم والصحيح الثابت من سنة النبي صلى الله عليه
وسلم. فزن أقوال العلماء أو المخالف بآيات الله سبحانه وتعالى وبأحاديث النبي صلى
اله عليه وسلم, فإن وافق فأهلا وسهلا, وإن لم يوافق فقل لا حاجة لنا في قولك. في
بعض الحالات تجد أقوالا مختلفة للعلماء في مسألة معينة موافقة لميزان الحق (أقصد
موافق لظاهر الكتاب والسنة) فهنا يأتي دور قاضي العقل, فرجّح بين القولين بالعقل وستصل
بإذن الله إلى الحق.
ما شاء الله أبدعت
ReplyDeleteعلى المسلم أن يلتمس الحق ويطلبه بالحجة والبرهان وليس بمجرد أنه وجد عليه من قبله شكرا لك
شكرا لمرورك أخي أبو اليمان، الله يحفظك و يسعدك
Delete