السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته... كثيرا ما أتصفح موقع الـAsk.fm لأقرأ أسئلة الزوّار, وكثير من هذه الأسئلة تكون أسئلة لها علاقة
بالإيمان. قبل أيام قليلة وجدت في صفحتي الشخصية هذا السؤال: "المطلقة مقدر لها في القضاء والقدر الطلاق؟
حتى و إذا كانت هي المخطئة أو الرجل على حد سواء؟" و بعد إجابتي للسؤال ورد علي سؤال آخر وهو: "إن كان الطلاق مقدر فما
فائدة اﻹستخارة؟ ما فائدة الزواج إذا كان بعده طلاق؟" وبما أن هذا
السؤال كثيرا ما يرد وخاصة عند النساء, أحببت أن أجيب على هذا السؤال في المدونة
لعلنا نستفيد...
أولا أحب أن أوضح بأن
القضاء والقدر لفظان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. بمعنى: إذا ذكر
أحدهما دخل الآخر ضمنه، وإذا ذكرا معا كان لكلٍ منهما معنى مستقل. و كما هو معروف
في الإصطلاح عند أهل العلم: "هو علم الله تعالى بالأشياء وكِتابته لها قبل
كونها، على ما هي عليه، ووجودها على ما سبَق به عِلمُه، وكتابته بمشيئته وخلقه".
هذا يعني بالنسبة لحالتنا, إن الله علم منذ الأزل بأن فلان سيطلق فلانة, ومن ثم
يقع هذا الطلاق بنفس ما كان معلوما عند الله. أعطيك مثالا, المعلم مع تلميذه
الفاشل, علم مسبقا قبل أن يمتحنه, بأن هذا الطالب سيرسب وفعلا عندما امتحن الطالب
رسب في الإمتحان, فلا يقال بأن المعلم هو من جعل هذا الطالب يرسب ولكن علم من قبل
بأنه يرسب بناء على معطيات كانت موجودة عند المعلم, فعندما اختبره وقع كما استنتج.
فالله سبحانه وتعالى علم منذ الأزل أن هذا الطلاق سيقع بسبب أن فلان وفلانة لن
يستطيعا أن يعيشا باستقرار وغير ذلك فوقع مثل ما علم الله منذ الأزل وشاء ذلك.
وأما تقييدي بالمشيئة وذلك لأن لا شيء في هذا الكون يتغير أو يحدث إلا بمشيئة الله
مثل قوله سبحانه وتعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)﴾
قد تتساءل, لم كل شيء
في هذا الكون بمشيئة الله؟ ذلك لأن العقل الصحيح يقطع بأن الله هو خالق هذا الكون،
ومدبره، ومالكه وقد كتبت في اثبات وجود الله عددا من المشاركات ولا أريد أن أعيد
في هذه المشاركة أدلة وجود الله وكونه خالقا للكون, يمكنك الرجوع إليها. فإذا تقرر
عقلا أن الله هو الخالق لزم ألا يقع شيء في ملكه إلا ما قد شاءه وقدره, وربما
تتساءل لم ذلك؟ أجيب بأنه إن وقع شيء في هذا الكون بغير مشيئة الله فهذا يعني بأن
هذا الكون خارج عن ملك الله وتصرفه وهذا يناقض أسماء الله وصفاته, فإن حدث هذا
بغير مشيئة من الله علمنا أن الله ليس مالكا ولا مدبرا ولا عزيزا وغير ذلك, وهذا
يرفضه العقل السليم وتعالى الله وتقدس عن النقص.
ثم اعلم وفقك الله بأن
القضاء ينقسم إلى قسمين: أحدهما هو القضاء الشرعي و الآخر القضاء الكوني. أما بيان
الأول (القضاء الشرعي) فيتعلق بما أحبه الله ورضيه مثل قوله سبحانه و تعالى: ((وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)).
أما القضاء القدري فهو يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يحب الله أو لا يحبه. قد
تتساءل لما يشاء الله أو يأذن لشيء لا يحبه, مثل الكفر والعصيان وغير ذلك!؟ الجواب
على هذا السؤال هو والله أعلم لكي تتم الحجة على الخلق. بما أن الله
أنعم على الإنسان حرية الاختيار, فالإنسان يختار ما يشاء من بقاء العلاقة مع الآخر
أو أن ينفصل. فالاختيار كان منهما ولكن الله بكون أحد أسمائه: "العليم"
فيعلم منذ الأزل أنهما سينفصلان بناء على اختياراتهما في الحياة الدنيا فكان في
اللوح المحفوظ ما كان. فلا يصح أن يرزقك الله نعمة الإختيار ثم لا يشاء (بمعنى لا
يسمح باختياراتك بالوقوع في الدنيا) فإن هذا يكون مخالفا لعدل الله وحكمته.
مثال ذلك, أجرتك سيارة
ولكن لم أعطيك مفتاح السيارة فلم تستطع أن تقودها وتسافر بها وبقيت معك شهرا, فهل
يحق لي أن أطالبك بثمن الأجرة وأنا لم أعطيك مفتاح السيارة؟ ومن ثم أفسدت أجهزة
السيارة فمنعتك بالإنتفاع بها بحيث إن أردت أن تستمع إلى الراديو لم تستطع, وإن
أردت أن تحرك المقود لم تتحرك السيارة؟ هذا عين الظلم, ولكن إن أعطيتك السيارة
والمفتاح ثم أنت أفسدتها بالقيادة بسرعة وتهور ثم تسببت في أضرار عظيمة في
السيارة, هنا يحق لي أن أطالبك بالتعويض, وهذا عين العدل, ولكني ربما أرحمك وأقول:
"لا بأس عليك". عزيزي القارئ, قارن حياتك بالمثال, فالسيارة هي حياتك
ومفتاحها هي نعمة الإختيار, فإن أنت أحسنت العبادة وطاعة الله كنت كمن أحسن
القيادة ونال بالمقابل أجر عظيم في الآخرة, وإن أنت أفسدتها باختياراتك الفاسدة في
هذه الحياة فأنت معرض للعقاب في يوم القيامة. أما إن أنت اخترت شيئا لنقل اختيار
الكفر ومنعك الله بحيث أجبرك أن لا تكفر, ستكون حجتك يوم القيامة: "لم تعطيني
حرية الاختيار؟ ولم أتمتع بهذا الاختيار في الدنيا" ولكن إن أعطاك الله حرية
الإختيار ومن ثم شاء أن يحدث في هذا الكون ما اخترته انت من الكفر أو العصيان و
غير ذلك فلن تكون لك أية حجة يوم القيامة. فلذلك ربما نجد أن الله سبحانه وتعالى
يقول: ((قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين)) فلو كان الأمر كما
يزعم بعض البشر أن الله أجبرهم وقضى عليهم بذلك, فإنه لهدى الناس أجمعين, ولكن
الله أعطى الاختيار للإنسان فلذلك ستقام عليه الحجة يوم القيامة, فلن يكون له عذر.
ألا ترى أن الله لا يكلف المجنون, ولا يكلف النائم, ولا يكلف المكره!؟ هل تساءلت
يوما لماذا؟ لأنه في هذه الحالات ليس عنده تمييز, فبالتالي لا يعرف ما يختار.
أما الإجابة عن الشق
الثاني من السؤال: "إن كان الطلاق مقدر فما فائدة اﻹستخارة؟ ما فائدة
الزواج إذا كان بعده طلاق؟" فأولا أقول بأن هذا السؤال أشبه
ما يكون بسؤال المشركين من قبل, ولذلك سأجيب كما أجاب الله في كتابه: ((أَمْ
لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ
مُّبِينٍ)) فهل عندك يا أخي أو أختي, أي إنسان أو مخلوق يستمع إلى الله وزعم
أن الله كتب عنده بأن نهايتكما هي الطلاق؟ لا تجد عاقلا يزعم ذلك. و أيضا
قال الله سبحانه وتعالى: ((أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ))
فهل أنت تعلم الغيب؟ فقرأت ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ؟ أم هل أنزل الله عليك
جبريل عليه السلام فأخبرك أن الطلاق مقدر عليك؟ إن مثل هذه الأقوال قول نابع عن
جهل عظيم بالله... لما لا تقول: "البقاء مع زوجي هو المقدر لي؟" لم تأخذ
الشيء السلبي فقط؟ لما تأكل وتشرب؟ فإن كان مقدر لك أن تأكل وتشرب فلا تذهب إلى
المطاعم ولا تقرب أية مائدة للطعام, اجلس في مكانك ولنرى إن كان الأكل سيطير ليدخل
في فيك.
أما ما فائدة
الإستخارة, ربما الله كتب في اللوح المحفوظ عنده, إن عبدي فلانا سيستخير وبناء على
استخارته سأعطيه ما يحب ويرضى وأوفقه في حياته... أليس هذا ممكنا؟ إن كنت تحتج
بالقدر, فإن ضربك إنسان فلا ترد عليه بشيء بل قل كان مقدرا له أن يضربني! أو إن
كان مقدرا عليك الموت اقفز من أعلى شرفة فاختبر ذلك! فان كان مقدرا عليك ان تموت
فستموت وترتاح وان لم يكن مقدرا ستكتشف ذلك!؟ لكن هل ستفعل ذلك؟ لا أحد يفعل ذلك,
أتعرف لماذا؟ لأن الإنسان في قرارة نفسه يعرف أنه مخير ولكن عندما يخطئ أو تصيبه
مصيبة فيعجز لا يعترف بالخطأ وبدل أن يتهم نفسه يتهم الله والقدر لأن الإنسان ظلوم
جهول وفيه من الكبر ما الله به عليم لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية إختياراته, إن
أخطأ اتهم غيره...
على حسب هذا المنطق,
فكلنا نعلم أنه مقدر علينا الموت, ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ((كل نفس ذائقة
الموت)) إذا لماذا تعيش الآن؟ بل لماذا نستخدم الإنترنت وهذه الأمور؟ فيا أخي
أو أختي, نحن البشر لا نعلم ما الذي قدّره الله لنا, ولكن نتخذ الأسباب لأن الله
سبحانه وتعالى يقول: ((وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)) وقال أيضا: ((فَأَمَّا
مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى)) فهكذا يا عزيزي, اتخذ الأسباب واتق الله حسب ما ذكر في كتابه
واستعن به فإن شاء الله سييسرك لليسرى. أسأل الله أن يهدي قلوبنا ويرزقنا البصيرة
والتوفيق والرشاد في أمورنا كلها...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ReplyDeleteبارك الله في حرفك و علمك أخي عبدالعزيز
سبق أن قرأت مقالتك القيمه أكثر من مره ، ولم يكن عندي رد يستوفي حق كلماتك لأنها متكامله المعاني لكن اليوم قُدر لي أن أقرأ هذه الفتوى وأتذكر مقالك لعل يستفيد منها من بقي في قلبه تساؤلات حول القضاء والقدر
http://islamqa.info/ar/114019
و جزاك الله خيراً
شمسه النيادي