السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته, هذه كلمات عن فضل العلم لعلها تبعث الهمة في قلب من يقرأ فيطلب
العلم... تأملت القرآن الكريم, والآيات التي يخاطب الله بها نبيه صلى الله عليه
وسلم, فلم أجد في أية آية (على حسب بحثي وعلمي) يأمر الله سبحانه نبيه بالزيادة من
طلب شيء إلا من العلم. قال الله سبحانه وتعالى: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا))
فلم يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بالزيادة من المال والأزواج والذرية أو
شيء من زينة الحياة الدنيا بل أمره بأن يدعو ربه ليزيد
علمه فسبحان الله كيف بكلمات يسيرة أظهر فضل العلم فضلا لا يستطيع أحد من البشر
اظهار فضيلة العلم بمثلها... فالخطاب من
رب العالمين والمخاطب هو سيد الخلق والمطلوب هو زيادة العلم و الوسيلة الدعاء و
وجهه إلى خير مصدر للحصول على المزيد من العلم وهو الله سبحانه وتعالى... سبحان
الله إن في هذه الكلمات أسرار كثيرة لعلي أتعرض لها في مشاركة مستقلة, لا أريد أن
أطيل عليكم فإني في بداية هذه المشاركة...
ومن ثم تأملت قصص الأنبياء فلم أجد مبالغة في
طلب أمر ما من بعد دعوة الناس إلى توحيد الله واتمام رسالتهم مثل طلب العلم. فموسى
عليه الصلاة والسلام قال كما هو مذكور في سورة الكهف: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ
لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا))
سبب قول موسى عليه الصلاة والسلام لفتاه هذا الكلام، أنه ذكر له عبداً من عباد اللّه
بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به هو (أي موسى عليه الصلاة والسلام) فأحب أن
يصل إليه. تأمل قوله: ((حقبا)) أي ولو أني أسير حقباً من الزمان. قال ترجمان
القرآن ابن عباس رضي الله عنه: "دهرا" وللدهر معاني كلها تدل على مدة
ليست بقليلة فمن معانيها: مدة الحياة الدنيا كلها, و الزمان الطويل, وألف سنة,
ومائة ألف سنة...الخ و عن الصحابي العالم العابد عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنه أنه
قال: "الحقب ثمانون سنة" وقال المفسر الكبير مجاهد رحمه الله: "سبعون
خريفا" تأمل هذه المعاني, وتأمل همة الرسول موسى عليه الصلاة والسلام العظيمة
في طلب العلم. أسأل الله أن يرزقنا هذه الهمة والعزيمة في طلب العلم.
اقتصرت على التعليق
على آيتين تعليقا مختصرا لبيان فضل العلم, وها أنا أسرد أقوال رسول الله صلى الله
عليه وسلم في العلم. قال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهل الله به طريقاً إلي الجنة" و قال عليه الصلاة والسلام: "مثل ما بعثني
الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت
الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا
وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاَّ فذلك مثل من فقه
في الدين ونفعهُ ما بعثني اللهُ به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل
هُدى الله الذي أرسلتُ به". وقال فداه أبي وأمي: "فضل العالم على العابد
كفضلي على أدناكم" أي فضل الرجل العالم ،على الرجل العابد ،كفضل الرسول صلى الله
عليه وسلم على أقل رجل من المؤمنين, فيالها من فضيلة, وهل من مقارنة بين الرسول
صلى الله عليه وسلم أدنى أمته؟
قد تقول ما هو هذا
العلم الذي بينت بعض فضائله: أما العلم المطلوب بشكل عام فهو العلم الذي ينفعك في
دنياك وآخرتك, وأما أشرف العلوم فيعرف بشرف المعلوم... فإن عرفت ذلك علمت بأنه لا
يوجد علم أشرف من علم متعلق بالله سبحانه وتعالى, فما كان من الله فهو أشرف
الأشياء, وأشرف ما في الوجود اليوم من الله سبحانه وتعالى هو كلامه سبحانه وتعالى,
أقصد القرآن الكريم. فالقرآن خير علم
للناس لمعرفة الله, فتجد علم توحيد الله, وفيه علم أسماء الله وصفاته وأفعال أقصد سننه
في كونه. أما لم كان هذا العلم أنفع علم للإنسان, لأن معرفة الله سبحانه و تعالى تدعو
إلى محبته. فإن أحبه العبد خشيه وخاف منه ورجاه في دنياه وآخرته, وراقبه في كل
أحواله, وأخلص كل أعماله لله وهذا هو عين سعادة الإنسان في دنياه وآخرته، ولا سبيل
إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله الحكيمة والتفقه فيها,
وخير سبيل إلى ذلك القرآن الكريم... فقل لي أيها القارئ, هل أعطيت القرآن القليل
من وقتك لتتعلم ولو شيئا يسيرا من القرآن كل يوم وليلة؟
أتركك مع وصية سيد
العلماء يوم القيامة, وهو الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم
فإن تعلُّمه لله ـ أي مخلصاً به ـ خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد،
وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة ـ أثمن هدية ـ وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة،
والدليل على الدين، والنصير في السرَّاء والضراء، والوزير عند الإخلاء, والقريـب عند
القرباء، هو منـار سبيل الجنة، يرفـع الله به أقواماً يجعلهم في الخير قادة وسادة،
يُقتدى بهم، يدل على الخير، وتقتفى به آثاره، يجعلك مع الملائكة والمُقَرَّبين، يسبِّح
لك كل رَطْبٍ ويابس، تستغفر لك حتى الحيتان في البحر، وهوامُّ السِباع في البَر، به
يطاع الله عزَّ وجل ـ بالعلم يطاع الله عز وجل، كيف تطيعه إن لم تعلم ما أمره وما نهيه
؟ ـ وبه يُعْبَد الله عزَّ وجل، وبه يوحَّد الله عزَّ وجل، وبه يُمَجَّد الله عزَّ
وجل، وبه يتورَّع الإنسان ـ يكون ورعاً ـ وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام.
هو إمام العمل يلهمه السُعداء ويحرم منه الأشقياء" فاللهم نسألك أن نعمل
بوصيته واللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً...
No comments:
Post a Comment