Wednesday, March 9, 2022

شبهة أن النّبي ﷺ مات ودرعه مرهونة ليهودي

 السلام عليكم و رحمة الله و بركاته... هذا مقال مفيد و نافع من أخي محسن الغيثي، أضعه بين أيديكم للفائدة

---

روى البخاري هذا الحديث،. فنط المتصيدون ومنكري السنن للطعن في البخاري وفي الأسانيد والأحاديث كلها تباعاً، وعددوا بعض شبهات حول الحديث، هي كالتالي،.


ــ كيف يرهن درعه من أجل طعام؟

ــ كيف سيحارب الكفار بعدها من غير درع؟

ــ كيف سيقاتل اليهود ودرعه عندهم؟

ــ أين كل الغنائم التي نالها النّبي ﷺ في الغزوات! أيعقل أنه لم يجد طعاماً؟! بقي فقيراً حتى مات!؟

ــ ألم يجلّي اليهود من المدينة وأمر بإجلائهم من الجزيرة؟ بني قريضة وبني قينقاع وبني النضير وخيبر وطردهم من جزيرة العرب! كيف حصلت هذه القصة! فواضحٌ أنه كذب،. 🤷🏼‍♂

ــ أين الصحابة عن نبيهم!؟ كيف تركوه يرهن درعه عند يهودي وفيهم الأغنياء أصحاب الغنم والآبار والنخل؟! واضح أن الحديث مكذوب! 🤷🏼‍♂،.


ــــ الرد،.


قبل الرد، ننظر للحديث من جديد،. نتأكد من سنده قبل الكلام عن متنه،. فإن صح الحديث فليس لنا أن نرده، وإن كان ضعيفاً، فنرده ولا داعي لرد الشبهة بعدها،.


ــ سند الحديث كالتالي وركز على السند والمتن،. قال البخاري 2916 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ، ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ((الأعمش، عن إبراهيم))، ﻋﻦ اﻷﺳﻮﺩ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ ﴿ﺗﻮﻓﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻭﺩﺭﻋﻪ ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ ﻋﻨﺪ ﻳﻬﻮﺩﻱ، ﺑﺜﻼﺛﻴﻦ ﺻﺎﻋﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﻴﺮ﴾ ﻭﻗﺎﻝ ﻳﻌﻠﻰ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻷﻋﻤﺶ: ﺩﺭﻉ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻣﻌﻠﻰ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻮاﺣﺪ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻷﻋﻤﺶ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺭﻫﻨﻪ ﺩﺭﻋﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ.


ــ قال البخاري 4467 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻗﺒﻴﺼﺔ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ((اﻷﻋﻤﺶ، ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ))، ﻋﻦ اﻷﺳﻮﺩ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ ﴿ﺗﻮﻓﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻭﺩﺭﻋﻪ ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ ﻋﻨﺪ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺑﺜﻼﺛﻴﻦ﴾.


الحديث الذي في البخاري ضعيف بالسندين، كلاهما بسبب الأعمش، هو ثقة جليل ولكنه مدلس، وهنا لم يصرح بالسماع في الروايتين،. فالسند ساقط،.


ـ ﻗﺎﻝ اﻟﻤﺮﻭﺫﻱ: ﻭﺫُﻛﺮ ﻟﻪ اﻟﺘﺪﻟﻴﺲ، ﻳﻌﻨﻲ ﻷﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ، ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ. ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺪ ﺩﻟﺲ ﻗﻮﻡٌ، ﻭﺫﻛﺮ اﻷﻋﻤﺶ. «ﺳﺆاﻻﺗﻪ».

ـ ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺠﻮﺯﺟﺎﻧﻲ: ﻗﺎﻝ ﻭﻫﺐ ﺑﻦ ﺯﻣﻌﺔ اﻟﻤﺮﻭﺯﻱ: ﺳﻤﻌﺖ اﺑﻦ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻓﺴﺪ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﺑﻮ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻭاﻷﻋﻤﺶ. «ﺃﺣﻮاﻝ اﻟﺮﺟﺎﻝ» (105).

ـ ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﻤﺎﺭ اﻟﺸﻬﻴﺪ: اﻷﻋﻤﺶ ﻛﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﺗﺪﻟﻴﺲ، ﻓﺮﺑﻤﺎ ﺃﺧﺬ ﻋﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﺜﻘﺎﺕ. «ﻋﻠﻞ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺴﻠﻢ» 1/ 89.

ـ ﻭﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ: ﺳﺌﻞ ﺃﺑﻲ ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ ﻭﻣﻨﺼﻮﺭ ﻓﻘﺎﻝ: اﻷﻋﻤﺶ ﺣﺎﻓﻆ ﻳﺨﻠﻂ ﻭﻳﺪﻟﺲ، ﻭﻣﻨﺼﻮﺭ ﺃﺗﻘﻦ، ﻻ ﻳﺪﻟﺲ ﻭﻻ ﻳﺨﻠﻂ. «اﻟﺠﺮﺡ ﻭاﻟﺘﻌﺪﻳﻞ» 8/ 178.

ـ ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ: ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ اﻷﻋﻤﺶ، ﻛﺎﻥ ﻣﺪﻟﺴﺎ. «اﻟﺜﻘﺎﺕ» 4/ 302.

ـ ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ: ﻛﺎﻥ اﻷﻋﻤﺶ ﻳﺮﻭﻱ ﻋﻦ اﻟﻀﻌﻔﺎء، ﻭﻳﺪﻟﺲ. «اﻟﻌﻠﻞ اﻟﻤﺘﻨﺎﻫﻴﺔ».

ـ ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻌﻼﺋﻲ: ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ اﻷﻋﻤﺶ، اﻹﻣﺎﻡ، ﻣﺸﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﺘﺪﻟﻴﺲ، ﻣﻜﺜﺮ ﻣﻨﻪ. «ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ» 1/ 188.

ـ قال عنه الحافظ العلائي في جامع التحصيل (1|188): «مشهورٌ بالتدليس، مكثرٌ منه». وكان يدلس عن ضعفاء أيضاً، وقد يدلّس تدليس تسوية،.


ــــ فالحديث ضعيف بسبب عنعنة الأعمش رحمه الله وغفر له،.


ولكن هناك طريقٌ صحيح لنفس الحديث، ومن رواية للأعمش كذلك، ولكنه صرح فيها بالسماع، فالحديث صحيح، وحين صرح بالسماع اختلف المتن فيه، واختلف المعنى كذلك،. وطارت نصف الشبهات، سُبْحَانَ اللّٰه،.


ــــ الحديث بالسند الصحيح،. ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺷﻴﺒﺔ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭاﻟﺒﺨﺎﺭﻱ نفسه كذلك، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﻨﺴﺎﺋﻲ. ﻭاﻟﻠﻔﻆ هنا ﻟﻠﺒﺨﺎﺭﻱ (2200) ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺣﻔﺺ ﺑﻦ ﻏﻴﺎﺙ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻲ، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻷﻋﻤﺶ، ﻗﺎﻝ: ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻋﻨﺪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺮﻫﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻒ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ ﺑﺄﺱ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ اﻷﺳﻮﺩ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻨﺨﻌﻲ، ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ؛ «ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، اﺷﺘﺮﻯ ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﻞ، ﻓﺮﻫﻨﻪ ﺩﺭﻋﻪ»،.


اختلف السند،. فاختلف المتن، واختلف المعنى،. وزال كثيرٌ من اللبس،.


ــــــ ملاحظاتي على الحديث، وردي على الشبهة،.


1 ــ ليس فيه أن النّبي ﷺ مات ودرعه مرهونة، بالتالي، قد يكون رهنه في أي وقت مضى في حياته،. قد يكون أيام الجوع، ولا شك أن ذلك حدث قبل إجلاء اليهود،.


2 ــ معلوم أن النّبي ﷺ لم يكن في رغد من العيش، فكانت تمر عليهم الأشهر لا يوقدون النار في بيته (أي لا يطبخون)، فكان جل اعتماده على الماء والتمر وغيره مما لا يوقد عليه النار،. فلا غرابة أن يرهن درعه لمن يملك،. مرت على النّبي ﷺ في حياته أيام فقر، فكان يحتاج ويجوع، وأيام غنى وكثرة غنائم فكان ينفق ويعطي،. فقد يكون حصل ذلك في أيام الفقر، لا يلزم أنه كان غنيا ساعتها، إلا عند من يتصيّد بلا براهين،.


3 ــ هو رهن درعه، نعم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه كان يملك درعا واحداً فقط يستخدمه للجهاد، فيعمد إلى ذلك الدرع ويتنازل عنه ويبقى بلا درعٍ يجاهد فيه!، قد يكون عنده أكثر من درع، فلا بأس برهن أحدها،. ولكن الذي يريد تصيد الأخطاء طعناً في الأحاديث، يلزم نفسه بما ليس بلازم،. فلم يثبت من هذا الحديث ولا غيره أنه رهن درعه الوحيد،.


4 ــ راو الحديث هي زوجه عائشة أُمّ المُؤْمنِين، هذا يعني أن الخبر خرج من داخل البيت،. أحد أسرار البيت، فلا يعني بأي شكل أن كل الناس كانت على دراية بقصة الرهن، حتى يقال بعدها فأين الصحابة عنه؟ أين الذين عندهم المال والطعام!؟ كيف يتركون نبيهم يرهن درعه ليهودي!؟ أولاً ليس كل الصحابة أغنياء، فمعظمهم فقراء، لا يملكون من الدنيا إلا قوت يومهم، إنما القليل القليل منهم أغنياء مقتدرين،. ثانياً،. لم يكونوا كلهم يسكنون بالقرب منه بل متفرقين في المدينة، وظنّنا بالصحابة المقتدرين، أنهم لو علموا عنه لتبادروا إليه، ولما تركوه يرهن درعه،. وقد رأينا أفعالهم في بقية الوقائع وشهد الله لهم في القُــرآن كثيراً،. كان أحدهم يفتدي بحياته كلها للنّبي ﷺ،. أفلا يفتدي الآن بطعامه أو ماله؟!


5 ــ فائدة مهمة على المسلم اتباعها : تعلم علم الإسناد قبل الحكم والبت في المتن،. هذا المثال هنا خير شاهد،. الإسناد يصفي لك دينك ويحفظ ماء وجهك عند خصمك الذي يتصيد لك،. ولا يهولنك أن البخاري روى الحديث، تحقق بنفسك،. البخاري روى السند الصحيح كذلك ولاحظ الفرق بينهما وكيف أن المعنى اختلف كثيراً،. اعلم أن الخصم المتصيد قد يدلس عليك، فيبرز لك ما يريده هو، ويشككك في الأحاديث جملةً، بحديثٍ ضعيف،.


سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ،.


بكيبورد، محسن الغيثي،.


--


لمتابعة محسن الغيثي على تويتر، اضغط هنا لدخول صفحته


No comments:

Post a Comment