Friday, December 4, 2015

شمول العقيدة الإسلامية

تفضل الديانة سواها بمقدار شمولها لمطالب الروح وارتقاء عقائدها و شعائرها في آفاق العقل و الضمير، و كذلك كانت الديانة الإسلامية - كما آمنا بها - ملة لا تفضلها ملة في شمول حقائقها و خلوص بعباداتها و شعائرها من شوائب الملل الغابرة. إن بعض العقائد ليصيب النفس بما يشبه داء الفصام. لأنه يقسم الشخصية الإنسانية علي نفسها ويمزق الضمير الحائر بين نوازع الجسد ونوزع الروح وبين سلطان الأرض وسلطان السماء وبين فرائض السعي وفرائض العبادة. وشمول العقيدة الإسلامية هو الذي يعصم ضمير المسلم من هذا الفصام الروحاني وهو الذي يعلمه أن يرفع رأسه حين تدول دولته أمام المسيطرين عليه، وهو الذي يحفظ كيان الأمم الإسلامية أمام الضربات التي تلاحقت عليها من غارات الفاتحين أو غارات الحروب الصليبية أو غارات الإستعمار و التبشير. و شمول العقيدة الإسلامية هو الذي حقق للإسلام ما لم يتحقق لعقيدة غيره من تحويل الأمم العريقة التي تدين بالكتب المقدسة إلى الإيمان به عن طواعية و اختيار، كما آمنت به الأمم المسيحية و المجوسية و البرهمية في مصر و سوريا و فارس و الهند و الصين.

و لقد عُزي انتشار الإسلام في صدر الدعوة المحمدية إلى قوة السيف، و ما كان للإسلام يومئذ من سيف يصول به على أعدائه الأقوياء، بل كان المسلمون هم ضحايا السيف و طرائد الغشم و الجبروت. و إن عدد المسلمين اليوم بين أبناء الهند و الصين و إندونيسيا و القارة الأفريقية ليبلغ تسعة أعشار المسلمين في العالم أجمع، و ما روى لنا التاريخ من أخبار الغزوات الدينية في عامة هذه الأقطار ما يكفي لتحويل الآلاف المعدودة - فضلا عن مئات الملايين - من دين إلى دين.  و لقد عُزي انتشار الإسلام بين السود من أبناء القارة الإفريقية إلى سماح الإسلام بتعدد الزوجات، و ما كان تعدد الزوجات بالأمر الميسور لكل من يشتهيه من أولئك السود المقبلين على الدين الإسلام بغير مجهود، و لكنهم يجدون الخمر ميسرة لهم حيث أرادوها و قد حرمها الإسلام أشد التحريم، فلم ينصرف عنه السود، لأنه حال بينهم و بين شهوة الشراب التي قيل: إنها كانت شائعة بينهم شيوع الطعام و الغذاء. إنما شمول العقيدة الإسلامية دون غيره هو العامل القوي الذي يجمع إليه النفوس و يحفظ لها قوة الإيمان، و يستغني عن السيف و المال في بث الدعوة كلما تفتحت أبوابها أمام المدعوين إليها بغير عائق من سلطان الحاكمين و المتسلطين - عباس محمود العقاد


No comments:

Post a Comment