Friday, December 25, 2015

كلمات بمناسبة الموالد

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب هذه الكلمات بمناسبة الموالد في هذه الفترة، أقصد مولد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و مولد الرسول عيسى صلى الله عليه و سلم. من يدخل منكم المواقع الإجتماعية كتويتر يجد الناس في هذه الأيام في نزاع بمناسبة هذه الموالد، فمنهم مؤيد لإحياء مولد النبي و الاحتفال به و لهم أسبابهم و هناك من يرى أنها بدعة و مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم و صحبه الكرام… كذلك في موضوع الكريسماس أو كما اشتهر في هذه السنة بذكرى “مولد النبي عيسى عليه السلام” و لهذا التغيير طبعا دلالة اتجنب عن ذكرها يفهم منها اللبيب بأحوال العرب خاصة من عاش هذه السنوات الأخيرة و قرأ ما يُكتب هنا و هناك! فالكريسماس هناك من يؤيد الاحتفال بها ومشاركة النصارى في كنائسهم و مجالسهم و هناك من يؤيد أن يقتصر الأمر على تهنئتهم بهذا العيد و هناك من يحرم و ينكر على المهنئين. في هذه المشاركة لن أبحث في الحكم في هذه المواضيع لكن باختصار، تخصيص يوم لذكرى مولد النبي من دون قصد أن تنسب هذه العبادة إلى أن مشرعها الله هو بنظري خير من تخصيص يوم للشجرة و المرور و الأخ و الأخت و الأم و الأب و الكلب و الحيوان و القطة و العمل…الخ تذكروا قلت “خير من” ولم أقصد الحل أو التحريم لأني لا أريد أن أبحث المسألة من هذا الباب. لكن أكتب كلمات وبعض التناقضات أو الأمور الغريبة التي أشاهدها أو أقرأها.

 أستغرب من بعض طلاب العلم و المشايخ عندنا هداهم الله (عندما أقول عندنا أقصد الإخوة في دول الخليج)، تجدهم ينكرون على الفقير أو على قولة إخوانا المصريين "الغلبان" في مسألة الاحتفال أوإحياء ذكرى مولد النبي وينكرون و يشنعون عليه، ثم هم نفسهم المنكرين لا تكاد تقرأ لهم حرفا من هذا التشنيع و الانكار على ذوي المناصب الذين يحتلفون مع “الغلبانيين” أو الذين يقيمون هذه الحفلات أي غيرة على الدين يتحدث عنه هؤلاء! أظن والله أعلم بأن البعض منهم لم يتعلم أساسيات وسلوكيات المسلم بشكل صحيح للأسف، فما يأتون به أحسبه والله أعلم شر من الذي يأتي به بعض المحتفلين بالمولد النبوي، فهم أحيووا سنة الجاهلية أيضا بالشدة على الضعيف و الهجوم عليه و الميوعة و التملق مع القوي أو ذوي المناصب. أكثر ما يحزنني أن أمثال هؤلاء ينتسبون إلى طلبة العلم، و أين العلم و أين إخواننا هؤلاء!؟  كلامي لا يعني أبدا بأني أقر ما يحصل في هذه الإحتفالات من أعمال لا يرضاها الله و لا رسوله ولا عباد الله العلماء، إنما أقول أن من يستكبرون على الضعفاء بعلمهم (وهو جهل في واقع الأمر يحسبونه علما) بحاجة إلى مراجعة و إلى دراسة أولويات و أصول سلوك المسلم الذي يخشى الله سبحانه وتعالى. أما أن يشرك البعض بالنبي و يشرك البعض الآخر بمن دون النبي عليه الصلاة و السلام فكلها ظلمات بعضها فوق بعض. لا أحب التناقضات عند الناس، وبالأخض التناقضات عند طلاب العلم لأنهم أولى بأن يتجنبوا التناقضات أو النفاق، فإن ذنب العالم ليس كالجاهل. فيا أخواني الذين تزعمون أنكم تغارون على الدين، لا تظهر غيرتكم على الدين على الضفعاء و الفقراء أو كما يقال عند البعض “الغلابة”... 

ذكرني حال بعض الإخوة كحال البعض منا عندما كنا صغارا في الليلة التي تسبق الإمتحان، كان بعضنا يمتنع عن الدعاء لأنه لم يدعو الله من قبل و ظن إن هو دعا الله الليلة سوف يرسب في الإمتحان الذي سيمتحنه عقابا من الله سبحانه و تعالى لأنه لا يذكره إلا وقت الحاجة! و هذا من تزيين الشيطان، ينتهز الفرص لينسي الإنسان ذكر ربه! و هكذا البعض، يمتنع أن يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم و أن يشير بانجازاته فقط لأن بعض القوم اتخذوها عادة اليوم، فظنوا إن مدحوا غيره من الخلق الذين لا يستحقون المدح و نشروا مآثر الفاسقين خير لهم من أن يمدحوا و ينشروا مآثر الرسول صلى الله عليه وسلم أو حتى أن يصلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معروف عندهم بأنه من ذكر الله. و ما يزال الشيطان يستخدم نفس الأسلوب وهو ينجح إلى اليوم… المقصد من كلامي، لا يكن من بغضك لفعل قوم من الناس أن تقصر في حق آخر. و لا تُقدّم المفضول على الفاضل و هذا لا يعني بالضرورة أنك يجب أن تزور بيتا تُقام فيه حفلة رقص و دق طبول لتنشد أشعارا عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته و يُصفق لك. 

و من الملاحظات التي لاحظتها، أن معظم الناس يُهنؤون المسلمين بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، برأيي الشخصي، الأولى (إن كان لابد من تهنئة) تهنئة العالم كله بمولد هذا النبي الكريم، فهو نبي الإنسانية و رحمة للعالمين. و من الأمور الغريبة، أولئك المسلمين، الذين يهنؤون النصارى بمولد المسيح عليه السلام و كأن المسلمين لا يعتبرون المسيح نبيا لهم كاليهود! في واقع الأمر، الذي أولى بإبراهيم و موسى و عيسى هم الصالحين من أتباع الرسالة الآخيرة للعالمين، رسالة الإسلام، رسالة رب العالمين… فالمسلمين هم الذين يتبعون المسيح بحق يقولون كما ذكر الله قوله في كتابه العزيز: ((قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)) فيا إخواني من متملقي الغرب الذين صعب عليكم أن تهنؤوا المسلمين بمولد محمد صلى الله عليه وسلم و سهل عليكم تهنئة النصارى بمولد المسيح، هلا فعلتهم الأول أو على الأقل أعطيتم قسطا من التهنئة الثانية للمسلمين، أم ليس للمسلمين اعتبار في الحالة الأولى و الثانية عند من لا يرون ببدعة و حرمة هذه الأمور؟ غريب أمركم… لا شك أنكم لا تروون حرمة تهنئة النصراني، فلا شك أنكم لا ترون حرمة تهنئة المسلم بمولد النبي…

أما إن كان سبب تهنئتكم هو من باب الإنسانية و ما شابه ذلك، فجزاكم الله خيرا لا تنسوا أن تهنؤوا “الغلابة” الهندوس و البوذيين و الصينيين و الإيرانيين أتباع الزرادشتية و اليابنيين المنتسبين للشنتوية و بعض متأخري الرومان. بل عليكم من منطق الإنسانية أن تُهنؤوا الشيعة في مواسمهم و أعيادهم، و عليكم أن تهنؤوا الصوفية و الإباضية و الزيدية و ما إلى ذلك و ما أظنكم فاعلين!!! (للأمانة قد تكون هناك أسباب كافية و مقنعة) كثير منا للأسف يزعم أن دافع ما يقدُم عليه هو دافع الإنسانية و لكن ربما في الواقع لا يكون كذلك، قد يكون الدافع هو انهزامية نفسية و ذوبان في ملوك الإعلام اليوم!؟ لن أحكم عليهم فهم أدرى بأنفسهم ((بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)) ولكن عندي مؤشر، إن لم يعجبهم هذا الكلام لعل الدافع الأخير الذي ذكرته هو الأقرب إلى الصواب! و حتى هذا المؤشر ليس كاف على كل حال فاطمئنوا… الذي أريد أن أقوله، كل ما تَقدُم عليه لا تقدم عليه و أنت لا تراقب الله في قلبك، حاول أن لا يخلو لك عمل من نية خالصة لوجه الله، و ما أشد ذلك لو أنكم تعلمون! لأني عن نفسي حقيقة محتار هل أكتب هذا الكلام لوجه الله أم أنه امتلكتني سورة من الغضب أو شعور بالكبر و الاستعلاء على جهل بعض الناس فكتبت ما أكتب؟ الأمر أصعب و أدق مما تتخيلون و لهذا لا أزعم ولكني أرجو أنه لوجه الله… 

لكن على كل حال، كل من لا يرى بأسا بتهنئة النصارى، فالأجمل من مجرد التهنئة أن تذكر مآثر هذا النبي العظيم أقصد المسيح عيسى بن مريم و تنشر رسالته الحقيقية بين النصارى فهذا أعظم تهنئة تقدمها لهم والله أعلم. أعرف بعض النصارى الذين أحاورهم بين حين و آخر، كيف ندخل في نقاش جميل عندما نتحدث عن صفات هذا الرسول الكريم، و كم يحبون الإسلام لأنه لم يتنقصه بل رفعه في المرتبة العليا… و كذلك في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو أننا خرجنا من هذا اليوم بكتب نافعة للمسلمين و غير المسلمين، بترجمة سيرته أو ترجمة كتب العقاد أو الغزالي في الدفاع عنه وما شابه ذلك. أما التهنئة بالكريسماس على طاولة فيها خمر، أو إهداء عاهرة للنصراني على هذه المناسبة أو تقبيل الصليب معهم أو تزيين شجرة بعشرات الألوف و هذه الألوف كان يمكن أن يُستفاد منها لأغراض إنسانية أو الرقص الجنوني الذي يُهيأ للمرأ أنهم صعقوا بصعقة كهربائية أو التباكي فهذه الأمور لا يرضاه الله سبحانه و تعالى و لا محمد و لا عيسى عليهما الصلاة و السلام…هذا و أسأل الله أن يهدينا ويعلمنا ما ينفعنا و يزكي أخلاقنا و يأتي نفوسنا تقواها…


No comments:

Post a Comment