Sunday, July 3, 2011

الوردة رائعة بدون أن تتكلم


الوردة رائعة بدون أن تتكلم فكذلك الذي سجلوا أسماءهم في تاريخ الرائعين وجدتهم رائعون من دون أن يثبتوا ذلك بأقوالهم فأفعالهم تترجم روعتهم. فالرائع لا يحتاج أن يتكلم ليثبت للآخرين أنه رائع بل الرائع الحقيقي لا تخطر على باله إثبات الآخرين بأنه شيء يذكر بل يصبو نحو تحقيق أهدافه السامية بغض النظر عن ما يقوله الآخرون. و صنف من الناس أقوالهم أضعاف أفعالهم, تراه يكتب قصيدة و يمدح نفسه و هو في الحقيقة يهلك نفسه, يتشدق و يتقعر في الكلام لإثبات وجوده بين الأنام و ما علم أن ذلك صفة من صفات اللئام.

و إن أردت أن تتعرف على هؤلاء فإليك عدة صفات تميزهم عن الآخرين أولها أنك تجد بعضهم يستخدم (أنا) و (لي) و (عندي) إلى درجة قد طغى على معظم كلامه فتجده يقول أنا ابن فلان الفلاني و لي طموح و أماني و عندي من العلم ما ليس عند العالم الرباني. ومن صفاتهم أنك تجد بعضهم يتتبع شواذ المسائل و يعقد كل سائل بإبداء رأيه فيه لكي يبين أن له علم في كل مسألة. فهذا يسرد أحواله و مواقفه الشخصية و الذي تولى كبره ألف كتابا عن تجربته و قصته الشخصية كأنه نار على علم غافلا أنه يعيش في حلم. و منهم من يتتبع الزلات و يذكر هفوات بعض الأموات و يشنعها كأنه معصوم من الخطأ و لم يدرك أنه في سبات. بعضهم يسرد موقفا زل فيها شخص رشيد و من ثم يقارنه بتجربته الشخصية و أن فعله هو الفعل السديد. و إن أخطأ هو تجده خصيم مبين لا يكاد يعترف بالخطأ و لو بعد حين فإن اعترف اعترف بمظهر المتواضع الذي يتقبل النصيحة فإن نصحته بذل المجهود يلتمس فيك فضيحة. و إن لم يطغى شره ربما وجدته يوحي لمن ليس له خبرة بأنه متواضع و شخص كريم و بهذا يتصيد الكلام من هؤلاء. للأسف لو كانوا يكتفون بذلك كان أهون لكن المصيبة أنهم يفرحون و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فتجدهم يتسلقون أكتاف الآخرين و ينسبون انجازات و أعمال الآخرين إلى أنفسهم وإن كانوا في حال أفضل وجدتهم يبحثون عن سبل لإثبات أن لهم اليد في كل انجاز مرغوب و دفع كل مرهوب.

غالبا ما تجد هذا الصنف من الناس يتصيدون الفرص لكي يتميزوا عن الآخرين في شتى المجالات و إن كان سلبيا فالمهم عندهم أن يظهروا بمظهر المتميز عن الآخرين سواء ارتكبوا المخالفات أو لفقوا الترهات. فهذا يتكلف في ملبسه و آخر يستدين ليكون له مركب يميزه عن الآخرين وذاك يتميز في مشيته و مطعمه و مشربه و منهم من يبتكر طرقا لإلفات النظر و كل هؤلاء يصرخون في صمت: (وجهوا أنظاركم إلينا) ولا يسمع هذه الصرخات إلا متفرس قد عصمه الله من هذه الصفات. فإن فشل في جلب الإنتباه عن طريق نفسه و كلامه وجدته يقلد محبوبا لدى الآخرين حتى و إن كان هذا المحبوب من شر خلق الله فقط ليقال عنه: فلان كذا و كذا ليداوي مرضا في قلبه فأعوذ بالله من الخذلان.

كم مرة وجدت في عملك شخصا يقول: "أشعر بنعاس ما نمت البارحة كنت أقوم الليل أصلي" و آخر "أشعر بالجوع" كي يدعى إلى وجبة فيرد: "أنا صائم". كم مرة وجدت شخصا يحض الناس على الصدقة و فعل الخير و تراه يكرم و يحسن إلى عامل النظافة خاصة أمام الوجهاء و ما إن انفرد هو و عامل النظافة لاستحقره و نسي نفسه حينما أحسن إليه. كم مرة وجدت في مواقع الإنترنت مدونات و خواطر لنساء شبيهة بالألغاز لا يكاد العالم في اللغة أن يجد لكلماتها مسوغا في اللغة و لا العامي أدرك معنى واحدا من الخاطرة وسبب ذلك أن المسكينه تريد أن تبين المامها بالكلمات وبالرغم من ذلك تجد الغالبية يمدحونها و يقولون من أفضل ما قرأت يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ابتغاء الصلة. لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي أرى فيها شخص عليه مظاهر الصلاح يمرون عليه الصنف المذكور رافعين أصواتهم بالإستغفار و الذكر و كأن الذكر لم يشرع إلا إذا شاهدنا من يبدو عليه الصلاح. كم مرة و أنت في الحرم عند الكعبة رأيت شخص يضحك و عندما يريدون أن يلتقطوا صورة له تجده يرفع يديه يدعو و يظهر على وجه مظاهر الإنكسار أو دموع الفرح! و آخرين يظهرون على القنوات الفضائحية التي يسمونها الفضائية لسبب أجهله بحجة نشر الخير و العلم بين الناس أو إسعاد الآخرين فتجد أحدهم يخطب و يصرخ و يبكي و آخر يتفلسف بما ليس له به علم وآخر ينعق خلف كل ناعق و بعد أن ينهي العرض يكدح و يكاد يبلغ كل جهده للبحث عن إطراء الجمهور. يهلكون أنفسهم!

بالرغم من كل ما يفعلون تجدهم أكثر الناس هموما و غموما فهم يكدحون ليظهروا أمام الناس, تراه يكتب و يؤلف و يخالط فلان و علان فقط ليكون عنده مكانة عند الناس فيشعر براحة و طمأنينة لبضع دقائق من اطراء الآخرين له ولكن لا يدوم له ذلك فتجده يكدح من جديد للحصول على سبل جديدة ليكسب إطراء الآخرين فما أشقى هؤلاء. أضرب مثالا عن هؤلاء فهم كالذين يلبسون الثياب الجميلة و النظيفة لكن أبدانهم تحتاج إلى غسل و تنظيف, فيبدو للبعيد بأن هذا الشخص نظيف لكن ما إن اقتربت منه وجدت رائحة كريهة تنبعث منه فكذلك هؤلاء, إذا سمعت أقوالهم ظننت أنهم حقا كما يقولون لكن ما إن تتفحص الأمر و تنظر ببصيرة تجدهم خلاف ما يظنون و يقولون ما لا يفعلون و خلف اطراء الناس يلهثون و ثناء ربهم لا يرجون. أسأل الله أن يشفينا و يشفيهم من هذا المرض فما أنا إلا واحد منهم أكتب و أذمهم لأظهر لكم يا أعزائي القراء أني لست منهم لكنها ذكرى لعلها تنفع أحد القراء فييشفيني الله من هذا المرض.

أما الرائعون الحقيقيون فهم كما وصفتهم في البداية أنهم كالوردة تبدو رائعة من دون أن تتكلم فالناس من حولهم يشعرون بالراحة و السعادة بمجرد مرافقتهم فلا يتكلفون و لا يتصنعون. هذا الصنف من الناس عرفوا مصدر العزة فالتمسوها مباشرة من المصدر و هو الله فأعزهم و أعلى ذكرهم من دون أن يتكلفوا بالكلام لإظهار ما هم عليه رجال صدقوا الله فصدقهم. العزة يا إخواني لله فهو العزيز في الحقيقة فمن انتسب إليه و أطاع ما أمره ربه فأتى ما أمره و انتهى عن ما نهاه لوجدت المنتسب إلى ربه من أعز الناس في الخليقة و عزيز في الملأ الأعلى. فالإله عزيز حكيم و القرآن عزيز الحجة و البيان و الرسول صلى الله عليه و سلم عزيز الخصال و أمة الإسلام أمة عزيزة أظهرها الله على باقي الأمم فلا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه لغير خالقه فالرائعون لا ينتظرون جزاء ولا شكورا من بشر أمثالهم و لا ينتظرون حسن الثناء من الناس بل يكفيهم إن كان رب الناس راضيا عنهم.

ما أروع ذاك الإحساس عندما تجد نفسك مع الآخرين في انسجام و وئام تحس بالطمأنينة و راحة نفس من دون أن تضطر لتتفوه بما أنجزت و ما ستنجزه و تخلق القصص و الخرافات كي تثبت وجودك. تعيش حياة بسيطة في تعاملك و سلوكك مع الآخرين و بسيط في مظهرك لأنك أيقنت أين هو مصدر العزة فيا رب اجعلنا منهم. و أخيرا أذكركم بقول الله سبحانه و تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"



7 comments:

  1. يغفلُ عن هذهِ الفكرة كثيرووون يا عبدالعزيز! جعلَ اللهُ أعمالنا وأقوالنا خالصةً لوجهه لاتكلّفَ فيها.. ما أجملَ البساطة :)

    ReplyDelete
  2. آمين, مشكورة يا اختي على التعليق و تسلمين على المرور

    ReplyDelete
  3. حقا يا اخي عبد العزيز استطعت استشفاف شخصيات العديد حولي في هذا المقال ومنهم شخصيتي الذاتية و اشكرك متمنية ان تكون هذه الكلمات عبرة لقرائها و في ميزان حسناتك أجرها ^_^

    ReplyDelete
  4. فالصميم استمر فالابداع

    ReplyDelete
  5. كلام رااااااااااائع

    جزاك الله خيرا

    ........................

    قال تعالى في سورة البقرة

    أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُون

    فعلى المسلم العافل ان يتواضع لله ليرفعه وينصح الناس بنية صادقة لكي يهديه ويجعله قدوه حسنة للآخرين
    ..............


    أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

    ReplyDelete
  6. كلام رااااااااااائع

    جزاك الله خيرا

    ........................

    قال تعالى في سورة البقرة

    أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُون

    فعلى المسلم العافل ان يتواضع لله ليرفعه وينصح الناس بنية صادقة لكي يهديه ويجعله قدوه حسنة للآخرين
    ..............


    أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

    ReplyDelete
  7. شكرا لكم جميعا على تعليقاتكم الطيبة, ما قصرتم, و ان شاء الله استمر في كتابة المزيد, ربي يوفقكم

    ReplyDelete